«اللوفر» يعيد الحياة لرسوم الطبيعة الميتة

تفاح وقرنفل وأسماك وجماجم

المؤرخة لورنس برتران دورلياك
المؤرخة لورنس برتران دورلياك
TT

«اللوفر» يعيد الحياة لرسوم الطبيعة الميتة

المؤرخة لورنس برتران دورلياك
المؤرخة لورنس برتران دورلياك

حتى الثالث والعشرين من الشهر المقبل، يمكن لزائري العاصمة الفرنسية أن يشاهدوا في متحف «اللوفر» معرضاً بعنوان: «الأشياء». وهو تاريخ لما يسمى في الفن التشكيلي «الطبيعة الميتة». نوع من الرسم والتصوير والنحت هدفه تجسيد أشياء المعيشة بشكل تقليدي كأن الرسام أو النحات كاميرا تنقل المشهد الطبيعي كما تراه أمامها ومن زاويتها. إنها الممارسة الأولى التي يتعلمها الطالب في الحصص وهو صغير.
رسم ملايين الطلاب في العالم، جيلاً بعد جيل، التفاحة والمزهرية وفنجان القهوة وقطة البيت. ويحدث أن تفيق القطة من غفوتها فلا تعود طبيعة ميتة بل متحركة وتفسد على الرسام متعته. من هنا يأتي السؤال اللذيذ الذي تقرأه في مفتتح دليل المعرض: «أيتها الأشياء الساكنة هل لك روح؟».
وكعادة المتحف الباريسي في معارضه، لا يقتصر النشاط على جدران القاعات بل يترافق مع ندوات وموائد مستديرة وورش للصغار ولقاءات مع طلبة فنون. وتبقى اللوحات في حد ذاتها حدثاً طال انتظاره لأن من المثير أن يجمع معرضٌ أعمالاً تندرج تحت عنوان واحد لفنانين كبار من أمثال الفرنسيين دوشان ومانيه وشاردان ولويز موالون، والإسباني خوان ميرو، والبلجيكية كلارا بيترز، والإيطالي أرسيمبولدو.

قيثارة وشطرنج

يعود الفضل في تنظيم المعرض إلى عدة مهتمين، أبرزهم مؤرخة الفن الفرنسية لورنس برتران دورلياك. وتتضح قيمة هذا المعرض في أنه لا يكتفي باستعراض لوحات «الطبيعة الميتة» في العصور الوسطى والحديثة بل يعود إلى الظهور الأول لهذا التصوير عند نشأة الحضارات بل عصور ما قبل التاريخ. لقد منحها «اللوفر» كامل الحرية في انتقاء ما تراه مناسباً من اللوحات لفكرة المعرض.
اختارت دورلياك 170 رسماً وصورة فوتوغرافية وفيلماً ومنحوتة ولوحة. واختيرت قاعة «نابليون» لتكون مكاناً لها. وعبر الكثير من الحضارات، سعى الفنان البدائي أو المحترف إلى تجسيد ما يراه من طيور وغزلان وأزهار وكتب وأسلحة وآلات وشموع. إنها موجودات عادية، لكنها استحوذت على الكثير من اهتمامه. ولعل السبب هو تلك الرفقة التي تنشأ بين الفرد وبين أدوات حياته اليومية. إنه يعتاد وجودها ويألفها وتتولد لديه نزعة للحفاظ عليها وتثبيتها.
قبل أسابيع، نشرت دورلياك كتاباً صدر عن دار «غاليمار» بعنوان: «لكي ننتهي من الطبيعة الميتة». فهل أرادت من خلال هذا المعرض أن تضع نقطة النهاية لنوع من التصوير ما عاد شائعاً كما السابق؟ إنها ترفض هذه الفكرة وترى أن المعرض يقود إلى عكس هذا التصور. فالزائر يجد نفسه أمام سؤال كبير عن سر عناية الفنانين بتصوير الأشياء. وهو أمر يختلف عن تصوير الشخصيات أو فن «البورتريه». وبهذا فإنها لا تدافع عن فكرة بل عن دهشة المعرفة والاكتشاف. وقد كان مؤرخ الفن شارل ستيرلنغ، كبير محافظي «اللوفر»، رائدها وشريكها في التنظيم. إن في مخازن المتحف كنوزاً تبتعد عن المفهوم الضيق للطبيعة الميتة وتمضي لتكشف للزائر نقوشاً وجداريات ومحفورات ترافقت مع فجر البشرية. وهي قد جاءت من مصر القديمة والصين ووادي الرافدين وممالك بنين.

طبق الكرز

كانت أمنية القائمين على المعرض استحضار قطعة من الغرانيت تعود لنصب تذكاري عمره 3500 عام موجود قرب خليج «موربيهان»، على الساحل الغربي لفرنسا. ومع تعذر ذلك فإن المعرض استعاض عنه بمجسم على شكل صخرة منقوشة تعود للقرن التاسع عشر. إنها أقدم عمل فرنسي بين المعروضات. وهو يبدو في مرحلة «الطفولة» بجانب قطع سومرية وفرعونية موجودة في المعرض. وإذا عدنا إلى تاريخ أقرب، نجدُ أن أول عمل فني يصنَّف «طبيعة ميتة» يعود لعام 77 ميلادية، لرسام يدعى بيراسيكوس، وكانت له شهرة في زمانه. ويلفت دليل المعرض النظر إلى أن رسم الجماجم يتكرر في أعمال فنانين من مختلف العصور. وهو أسلوب فلسفي للدلالة على أن حياة الإنسان قصيرة وجسده آيل للتحلل. وتعود أقدم جمجمة محفورة إلى القرن الأول قبل الميلاد.
في العصور الوسطى المبكرة تراجع رسم «الطبيعة الميتة» في أوروبا. ذلك أن تصوير الملائكة وقدمَي العذراء وأزهار الزنبق والشمعدانات وخبز المناولة المسيحية وكل ما يرمز إلى الشفافية والطهارة، صارت من نوع الفنون الدينية التي لا تجد مكانها في البيوت بل في الكنائس والكاتدرائيات. مع هذا فإن رسوماً ذات طابع ديني بقيت تظهر في المجال العام، ومنها لوحة لنعل النبي محمد تنتمي لفنون الإسلام، أو رسوم لأزهار القرنفل لدى البوذيين. ثم عاد الاهتمام بالطبيعة الميتة اعتباراً من القرنين السادس عشر والسابع عشر. وظهرت اللوحات التي تحتفي بالمائدة ومفروشاتها وأنواع الأسماك والفواكه والمحار والمخبوزات والأنبذة. إنه الاهتمام بلذة العيش وأطايب الطعام لا سيما في قصور النبلاء وعلى موائد الملوك الأوروبيين، شرق القارة وغربها.


مقالات ذات صلة

مصرع 4 أشخاص تحت عجلات مترو باريس

مصرع 4 أشخاص تحت عجلات مترو باريس

مصرع 4 أشخاص تحت عجلات مترو باريس

لقي رجل وامرأة حتفيهما، في ساعة مبكرة من صباح أمس، في حادث دهس داخل أنفاق المترو في باريس، هو الثالث المميت من نوعه خلال أقل من أسبوعين. وبحسب المعلومات الأولى للمحققين فإن الضحيتين هما من المشردين وكانا في حالة سكر. وقد تم التعرف على هوية المرأة البالغة من العمر 38 عاماً بينما لم تكشف هوية الرجل بعد. وبحسب كاميرات المراقبة، فإن المرأة قفزت من رصيف المحطة إلى سكة عربات المترو، بعد منتصف الليل وقبل انتهاء الخدمة بنصف ساعة، وبقيت واقفة هناك قبل أن يلحق بها الرجل. وعند وصول القطار لم يتمكن السائق من تفاديهما وتعرضا للدهس في الشريط الضيق بين العربة والرصيف.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الرياضة هيدالغو: عرض سان جيرمان لشراء ملعب بارك دو برينس «سخيف»

هيدالغو: عرض سان جيرمان لشراء ملعب بارك دو برينس «سخيف»

اتهمت آن هيدالغو، عمدة العاصمة الفرنسية باريس، نادي باريس سان جيرمان بتقديم عرض وصفته بالسخيف، لشراء ملعب «بارك دو برينس» المملوك للمدينة. وأضافت هيدالغو، أن أبطال الدوري الفرنسي قدموا عرضا بمبلغ 38 مليون يورو (9.‏41 مليون دولار) لشراء الملعب. كما ذكرت تقارير أخرى، أن باريس سان جيرمان مهتم بشراء ملعب «دو فرانس»، حيث أكدت صحيفة «ليكيب» أن النادي سيؤكد اهتمامه بشكل رسمي بالأمر اليوم الخميس. ويسعى باريس لملعب أكبر ليتناسب مع طموحات النادي، في الوقت الذي لا يلبي فيه ملعب «بارك دي برينس»، الذي يتسع لـ48 ألف متفرج، طموحات النادي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
سحر عالم «هاري بوتر» في معرض باريسي

سحر عالم «هاري بوتر» في معرض باريسي

افتُتِح في باريس معرض عالم «هاري بوتر» السحري وقصة ولادة الرواية الشهيرة والأفلام التي اقتُبست منها مدى الأعوام الخمسة والعشرين الأخيرة، والذي يستمر حتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، حسب وكالة «الصحافة الفرنسية». ويسجل الزوار دخولهم بسوار في مركز المعارض في بورت دو فيرساي، ويختارون المنزل الذي يودون العيش فيه للحظات، سواء غريفيندور (بيت هاري بوتر ورون وهرمايوني)، وهو المفضل لدى المعجبين، أو سليذرين أو رايفنكلو أو هافلباف، ثم يشرعون في انتقاء عصاهم السحرية والحيوان الذي يحميهم، أو ما يعرف بـ«باترونوس»، ليصبحوا تلامذة في مدرسة «هوغوورتس» للسحرة. وبواسطة العبارة السحرية «الوهومورا»، تفتح أولى القا

«الشرق الأوسط» (باريس)
الرياضة ثروة المغربي أشرف حكيمي تحت سيطرة والدته... والإسبانية عبوك مصدومة

ثروة المغربي أشرف حكيمي تحت سيطرة والدته... والإسبانية عبوك مصدومة

فوجئت الممثلة الإسبانية هبة عبوك أن زوجها السابق أشرف حكيمي لاعب فريق باريس سان جيرمان والمنتخب المغربي لا يملك ثروة كبيرة بعد أن انفصل الثنائي عن بعضهما بسبب قضية اغتصاب اتُّهم فيها اللاعب، وطالبت زوجته السابقة بنصف ثروته وأملاكه بعد الطلاق. وقالت «ماركا» الإسبانية إن ثروة ظهير باريس سان جيرمان الفرنسي بلغت 24 مليون دولار، إلا أن ثمانين بالمائة منها تسيطر عليه والدته؛ إذ كان يودع الأموال التي يتقاضاها في حساب والدته البنكي. ووجّه مكتب المدعي العام في نانتير (الضاحية الغربية للعاصمة باريس) تهمة الاغتصاب إلى حكيمي بعد اتهامات من امرأة تبلغ من العمر 24 عاماً بتعرضها للاغتصاب في منزل اللاعب في بو

«الشرق الأوسط» (باريس)
الرياضة مبابي: أرغب في الفوز بدوري أبطال أوروبا مع سان جيرمان

مبابي: أرغب في الفوز بدوري أبطال أوروبا مع سان جيرمان

قضى كيليان مبابي، نجم فريق باريس سان جيرمان الفرنسي لكرة القدم، سريعاً على التكهنات التي من المتوقع أن تثار في الفترة المقبلة بشأن مستقبله مع فريق العاصمة الفرنسية. وشدد مبابي على أنه لا يزال يرغب في التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا مع سان جيرمان. وكان مبابي، الذي تم تنصيبه مؤخراً قائداً لمنتخب فرنسا، مدد عقده مع سان جيرمان في مايو (أيار) الماضي، ليظل مع حامل لقب الدوري الفرنسي حتى نهاية موسم 2024 - 2025 وجاء تمديد مبابي لعقده مع سان جيرمان ليشكل ضربة موجعة لفريق ريال مدريد الإسباني، الذي كان على مشارف التعاقد مع اللاعب المتوج بلقب هداف بطولة كأس العالم في قطر العام الماضي، التي شهدت تسجيله 3 أه

«الشرق الأوسط» (باريس)

مونديال 2034... تتويج لائق لحقبة سعودية «وثابة»

الاستضافة المونديالية أكبر تتويج لجهود المملكة على الصعيد الرياضي (وزارة الرياضة)
الاستضافة المونديالية أكبر تتويج لجهود المملكة على الصعيد الرياضي (وزارة الرياضة)
TT

مونديال 2034... تتويج لائق لحقبة سعودية «وثابة»

الاستضافة المونديالية أكبر تتويج لجهود المملكة على الصعيد الرياضي (وزارة الرياضة)
الاستضافة المونديالية أكبر تتويج لجهود المملكة على الصعيد الرياضي (وزارة الرياضة)

«إننا في المملكة ندرك أهمية القطاع الرياضي في تحقيق المزيد من النمو والتطوير»... هذه الكلمات هي جزء من حديث الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في كلمته الرئيسية التي جاءت في ملف السعودية لاستضافة كأس العالم 2034.

وتعيش السعودية هذه الأيام نجاحات إعلان استضافتها رسمياً لكأس العالم 2034، بعد أن أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» رسمياً أن البطولة ستقام في السعودية.

وحصل الملف السعودي على تقييم 419.8 من 500، والذي يعد أعلى تقييم فني يمنحه الاتحاد الدولي عبر التاريخ لملف تم تقديمه لاستضافة بطولة كأس العالم.

وسجل الملف السعودي نجاحاً باهراً قبل أن يبدأ المونديال بعشر سنوات، كان أول نجاحات الملف السعودي هو الحصول على تأييد ما يزيد على 100 دولة من أعضاء الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، حينما أعلنت السعودية نيتها بالترشح لاستضافة المونديال.

وحظيت السعودية بدعم كبير من اتحادات محلية في قارات آسيا وأفريقيا وأميركا الشمالية والوسطى وأوروبا، حتى جاوز عدد الدول المؤيدة والداعمة للملف السعودي نصف أعضاء «الفيفا» من الاتحادات المحلية البالغ عددها 211 اتحاداً مسجلاً، قبل أن يحضر التقييم العالمي للملف السعودي، كثاني النجاحات لملف الاستضافة المبهر.

قصة الوصول لهذه النجاحات لم تكن وليدة صدفة، بل هي بعض من شيء كثير لاهتمام السعودية بالقطاع الرياضي منذ إطلاق الأمير محمد بن سلمان رؤية السعودية 2030.

وتعيش الرياضة في السعودية عصرها الذهبي بفضل الدعم اللامحدود من جانب الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي آمن بأن الرياضة تلعب دوراً كبيراً في التنمية المحلية والاقتصاد، وعلى الجانب العالمي من الفوائد الاقتصادية الكبيرة التي تمثلها هذه الاستضافات.

من العروض الجوية التي شهدتها السعودية احتفالا باستضافة المونديال (الشرق الأوسط)

في الكلمة الرسمية للأمير محمد بن سلمان في ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034، جاء التأكيد على نجاحات مقبلة منتظرة: «نتطلع لاستضافة نسخة استثنائية وغير مسبوقة من بطولة كأس العالم لكرة القدم، من خلال تسخيرِ الإمكانات والطاقات؛ لإسعاد عشاق كرة القدم حول العالم، والاستمتاعِ بتجربة سياحية وثقافية ورياضية متنوعة، ترتكزُ على إرث حضاري تاريخي عظيم.

يقول الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل عن التغيير الكبير الذي طرأ في السعودية باستضافة الأحداث الرياضية: «بدأ التغيير فعلياً في 2015 حينما أُطلقت رؤية 2030. ولي العهد لديه رؤية يعرف ما يريده للبلاد، ويعلم ما تحتاج إليه، ويعي ما يرغب به الناس».

ويواصل الفيصل حديثه لصالح بودكاست «ذا مو شو» الناطق باللغة الإنجليزية: «أتذكر في كثير من اجتماعاتنا، وبمختلف المواضيع الرياضية، يقول: ما الذي تحلم به، لنذهب ونحققه، وما هي العراقيل التي تقف أمام ذلك؟».

إن الحراك الرياضي الكبير الذي تعيشه السعودية لم يقتصر على كرة القدم فقط، بل امتد لأكثر من ذلك؛ خوض في تفاصيل دقيقة جداً، زيادة في عدد الأشخاص الممارسين، الاهتمام بالرياضة النسائية وتمكين المرأة، مضاعفة عدد الاتحادات الرياضية، نشر شعبية الألعاب الأخرى، تحويل بوصلة العالم نحو الدوري السعودي للمحترفين الذي صعد على الساحة العالمية ويستهدف الحضور ضمن أفضل عشرة دوريات عالمية، رسم خطة طموحة للمنتخب السعودي، الإيمان بالرياضات الإلكترونية.

التحديات المقبلة ستكون كبيرة للسعودية، لكن الدعم اللامحدود الذي يجده القطاع الرياضي من جانب الأمير محمد بن سلمان، ومتابعة التفاصيل الدقيقة، سيجعلان الأحلام تتحقق، لتواصل السعودية كتابة رسالتها للعالم، أنها موطن الحالمين وأرض الطامحين، في مختلف المجالات الرياضية.