السويد تؤكد السير تدريجياً بشروط تركيا للموافقة على انضمامها للناتو

أنقرة لا تزال تطلب المزيد لإنهاء مخاوفها الأمنية ورفع حظر السلاح

خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزيرا خارجية تركيا (يمين) والسويد في أنقرة يوم الخميس (إ.ب.أ)
خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزيرا خارجية تركيا (يمين) والسويد في أنقرة يوم الخميس (إ.ب.أ)
TT

السويد تؤكد السير تدريجياً بشروط تركيا للموافقة على انضمامها للناتو

خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزيرا خارجية تركيا (يمين) والسويد في أنقرة يوم الخميس (إ.ب.أ)
خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزيرا خارجية تركيا (يمين) والسويد في أنقرة يوم الخميس (إ.ب.أ)

كشفت السويد عن إعادة 3 مطلوبين من جانب تركيا في إطار تنفيذ بنود مذكرة التفاهم الثلاثية التي شملت فنلندا أيضاً في مسعى لإزالة اعتراض أنقرة على طلب انضمام البلدين الأوروبيين إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقال وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم، إن بلاده أعادت إلى تركيا 3 مطلوبين، في إطار تنفيذ المذكرة الموقعة في 28 يونيو (حزيران) الماضي خلال قمة الناتو التي عقدت في مدريد.
وأكد بيلستروم، الذي زار أنقرة الخميس لمباحثات مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في مقابلة مع وكالة «الأناضول» أن السويد ستتخذ خطوات قانونية بمجرد الكشف عن أدلة ووثائق تتعلق بأعضاء تنظيمي غولن – هي حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن التي صنفتها أنقرة تنظيماً إرهابياً بعد اتهامها بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016 - وحزب العمال الكردستاني، المصنف كتنظيم إرهابي في كل من تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أو تنظيمات أخرى.
وأضاف أن التعديلات الدستورية التي أقرتها بلاده في إطار المذكرة الثلاثية، ستدخل حيز التنفيذ اعتباراً من مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل، مشيراً إلى أنها تجرم الانضمام إلى منظمة إرهابية أو دعمها أو طلب دعمها، كما أن الحكومة السويدية ستعرض على البرلمان في 7 مارس (آذار) المقبل، مشروع قانون لإجراء تعديل على قانون العقوبات لتجريم التعريف والترويج لأنشطة إرهابية والتلويح بأعلام التنظيمات الإرهابية.
ولفت بيلستروم إلى أن بلاده تطبق بنود المذكرة الثلاثية بالتدريج، مؤكداً أن تعديل الدستور ليس بالمهمة السهلة لأي بلد، لكننا نقوم بذلك لأننا ملتزمون بتحسين قدراتنا على مكافحة الإرهاب. وأضاف أن بلاده تقوم بتلك الخطوات بالتعاون مع تركيا، وأن تلك التعديلات الدستورية والقانونية ستبدد الكثير من مخاوف تركيا بشأن وجود أشخاص يستخدمون الأراضي السويدية لجمع الدعم المالي لصالح تنظيمات إرهابية مثل العمال الكردستاني، لكن ذلك سيصبح أكثر صعوبة بعد التعديلات القانونية.
وحول رفض المحكمة العليا بالسويد إعادة بولنت كنش رئيس التحرير السابق لصحيفة «تودايز زمان»، إحدى صحف حركة غولن، قال بيلستروم إن القضاء في السويد مستقل، وإن كلمة الفصل تعود للحكومة فيما يتعلق بطلب التسليم، لكن الحكومة ملتزمة أيضاً بقرار المحكمة.
وتابع أن استقلال القضاء لا يعني أنه لا يمكننا التعاون مع مؤسسات أخرى، مثل النيابة العامة ووحدات إنفاذ القانون، مشيراً إلى أن تبادل المعلومات الاستخبارية سيُسهل عمل السويد في مكافحة الإرهاب على أراضيها ويدعم تركيا في حربها على الإرهاب.
وقال بيلستروم إن الحكومة الجديدة بالسويد ستطبق «سياسة ذكية» ضد حزب العمال الكردستاني وإن بلاده أصبحت أكثر وعياً بشأن المشاكل التي تواجه تركيا فيما يتعلق بالإرهاب، مشيراً إلى أن المذكرة الثلاثية تنص بوضوح على عدم تقديم السويد الدعم لوحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، بما في ذلك الدعم المالي والمعدات العسكرية، علماً بأن السويد لم تقدم أي دعم لها حتى قبل التوقيع على المذكرة.
وعكست المباحثات بين بيلستروم وجاويش أوغلو، في أنقرة الخميس، استمرار موقف تركيا من طلب انضمام السويد وفنلندا إلى عضوية، حيث اعتبر جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السويدي، أن السويد لم تقم بأي «خطوات ملموسة» فيما يتعلق بتسليم المجرمين المرتبطين بالإرهاب لتركيا، وهو شرط موافقة أنقرة على انضمام السويد لـ«الناتو»، أو تجميد حساباتهم، كما لا تزال (السويد) تشكل مركز جذب لـ«الإرهابيين» التابعين للداعية فتح الله غولن.
وكان جاويش أوغلو يشير بذلك إلى رفض المحكمة العليا في السويد تسليم الصحافي بولنت كنش، الذي حدده الرئيس رجب طيب إردوغان بالاسم في خطاب الشهر الماضي، حيث وصفه بـ«الإرهابي»، وطالب السويد بتسليمه من أجل إقناع تركيا بالموافقة على طلب انضمامها إلى «الناتو».
وأثار جاويش أوغلو أيضاً مسألة عدم ظهور بوادر على رفع السويد حظر السلاح الذي فرضته مع دول غربية أخرى بسبب عمليتها العسكرية «نبع السلام» ضد القوات الكردية في سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ودعا وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، السويد وفنلندا إلى تلبية المطالب الأمنية لتركيا مقابل موافقتها على نيلهما عضوية الناتو.
وقال أكار، خلال مؤتمر صحافي في أنقرة السبت: «نحن نؤيد سياسة الباب المفتوح للناتو... لسنا ضد عضوية السويد وفنلندا... يقولون هناك حرب بين أوكرانيا وروسيا، ونتوقع أن يكون الناتو قوياً. وتركيا واحدة من أهم أعضاء الناتو».
وأضاف أن تلبية الاحتياجات الأمنية لتركيا تعني، فعلياً ومنطقياً، أن تكون تركيا قوية. فتركيا قوية يعني ناتو قوياً.
من ناحية أخرى، وعن تصريحاته المتعلقة بأن حكومته لن تسمح للناتو بنشر أسلحة نووية في السويد، قال بيلستروم إن «العقيدة النووية هي إجراء يخص حلف الناتو، لكن بلاده ليست عضواً في الحلف».
ولفت إلى أن النرويج والدنمارك لديهما قرارات مماثلة، وقد تشكل نموذجاً للسويد، لكن القرار بشأن ذلك سيُتخذ بعد الانضمام للحلف.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟