ألمانيا على خط «التنافس الدولي» في أفريقيا

استراتيجية جديدة تركز على الاستثمارات و«خلق الأسواق»

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك (أ.ب)
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك (أ.ب)
TT

ألمانيا على خط «التنافس الدولي» في أفريقيا

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك (أ.ب)
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك (أ.ب)

تعاني الاقتصادات الأوروبية تحت وطأة آثار الحرب الروسية الأوكرانية، ومنها الاقتصاد الألماني، الذي يسعى إلى حلول مستقبلية مستدامة، خصوصاً في مجال الطاقة. وتمثل قارة أفريقيا وجهة مميزة لبرلين لتحقيق تلك الأهداف.
وحسب صحيفة «هاندلسبلات» الاقتصادية البارزة في ألمانيا، تعتزم برلين تطبيق استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، تعرضها وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية سفينيا شولتز، في يناير (كانون الثاني) المقبل، تركز على الاستثمارات في مجالات الطاقة والمواد الخام، خصوصاً المعادن النادرة، علاوة على إحداث أسواق جديدة.
وتحدد الاستراتيجية الصين وروسيا وتركيا دولاً «منافسة» في القارة الأفريقية. وقالت الصحيفة في تقرير لها نشر الأسبوع الماضي، إن «برلين من خلال الاستراتيجية الجديدة، تحاول حماية نفسها من الأزمات العالمية من خلال تعزيز قوتها الناعمة، عبر سياسات مثل تسهيل تسديد البلدان الأفريقية ديونها من خلال توفير دعم لميزانيات الدول، وكذلك جلب العمال الأفارقة المهرة إلى ألمانيا، عبر دعم خيارات الهجرة القانونية من البلدان الأفريقية إليها».
ومطلع الشهر الحالي، قام وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، بزيارة إلى كل من ناميبيا وجنوب أفريقيا، وأجرى محادثات تتعلق بإنتاج الطاقة البديلة. ووفق بيان صدر عن وزارة الاقتصاد، فإن الزيارة تتعلق ببحث «التعاون في مجال الهيدروجين الأخضر».
رافق هابيك، في زيارته الأفريقية، رجال أعمال ومديرون تنفيذيون لشركات تخطط لتنفيذ مشروعات بالمليارات بعد عقد مفاوضات مع الحكومة في ناميبيا.
وتستهدف ألمانيا إنتاج الهيدروجين الأخضر في أفريقيا ليحل محل الوقود الأحفوري، حيث يمكن أيضاً تحويله إلى أمونيا خضراء، وبالتالي نقلها بسهولة عن طريق السفن، وهي من المواد الخام المهمة في الصناعات الكيماوية، من بينها الأسمدة.
وفي السياق ذاته، أبدت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية في ألمانيا التزاماً بتقديم ما يبلغ إجمالي قيمته 112 مليون يورو (119 مليون دولار) لمساعدة كينيا في تطوير مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين، وفق ما نشره موقع «أفريك 21».
ويعتقد خبير الشؤون الاقتصادية فتحي السيد الشرمبابلي، أن «الاستراتيجية الطموحة ستساعد الدول الأفريقية في تقليل حجم الاقتراض، وهو ما يخفف الأعباء عن الموازنات العامة، ويحقق الاستدامة المالية، ويقلل مخاطر التعثر والركود المتوقعة في ظل تنامي ظاهرة الديون، كما سوف تساعد الدول الأفريقية على تطوير أسواق العمل وتنمية مهاراتها بما يوفر عملاً لائقاً منتجاً متوافقاً مع أهداف التنمية المستدامة».
وقال الشرمبابلي لـ«الشرق الأوسط»، إن نجاح الاستراتيجية يتوقف على «قدرة ألمانيا في توفير الدعم المالي والسياسي لتنفيذها وعلى مدى قدرتها على استهداف الدول الأكثر امتلاكاً للموارد، علاوة على التزام الدول الأفريقية وتعاونها معها».
وتعمل ألمانيا على تعزيز وجودها في القارة الأفريقية، بوتيرة متسارعة، كما أشار الشرمبابلي، ففي الشهور الخمسة الأولى من عام 2022 ارتفع حجم التجارة مع أفريقيا بنسبة 12.7 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، وعلى الرغم من ذلك «يعد الوجود الألماني في أفريقيا ضعيفاً بالمقارنة بالمنافسين، الأمر الذي تحاول ألمانيا تغييره»، على حد قوله.
من جانبه، يصف عبد الله محمد اواه، أستاذ الاقتصاد والإدارة في جامعة نواكشوط، لـ«الشرق الأوسط»، الاستراتيجية الألمانية بـ«الذكية التي تخاطب الحاضر ومشكلاته، كما تخاطب المستقبل، من خلال التركيز على الطاقة البديلة والموارد النادرة».
ورأى اواه أن الاستراتيجية «تأتي في سياق زخم عالمي والتنافس مع القوى العالمية على القارة»، مشيراً إلى عقد عدة قمم دولية مؤخراً بهذا التوجه، آخرها القمة الأميركية - الأفريقية، والقمة الروسية - الأفريقية، والقمة الصينية - الأفريقية.
وأكد أن «هذا التنافس والزخم الدولي يمنحان أفريقيا هوامش للمناورة واختيارات متعددة لتدعيم اقتصادات دولها»، معتبراً أن ألمانيا تستبق باستثماراتها المستقبلية في القارة الصدمات الجيوسياسية الارتدادية الناتجة عن الوضع العالمي الحالي والوضع المستقبلي الناتج عن عالم متعدد الأقطاب.
ورأى اواه أن «الاستراتيجية تضع في الاعتبار الطاقات البشرية الأفريقية الكبيرة، حيث القارة يغلب عليها ديموغرافياً عنصر الشباب في مواجهة ارتفاع معدل السن في ألمانيا، الذي يجعلها تتوجه نحو التجديد الديموغرافي من خلال اجتذاب الطاقات البشرية الأفريقية».


مقالات ذات صلة

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

العالم ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

عشية بدء المستشار الألماني أولاف شولتس زيارة رسمية إلى أفريقيا، هي الثانية له منذ تسلمه مهامه، أعلنت الحكومة الألمانية رسمياً إنهاء مهمة الجيش الألماني في مالي بعد 11 عاماً من انتشاره في الدولة الأفريقية ضمن قوات حفظ السلام الأممية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الألمانية شددت على أنها ستبقى «فاعلة» في أفريقيا، وملتزمة بدعم الأمن في القارة، وهي الرسالة التي يحملها شولتس معه إلى إثيوبيا وكينيا.

راغدة بهنام (برلين)
العالم ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

منذ إعلانها استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، العام الماضي، كثفت برلين نشاطها في القارة غرباً وجنوباً، فيما تتجه البوصلة الآن شرقاً، عبر جولة على المستوى الأعلى رسمياً، حين يبدأ المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، جولة إلى منطقة القرن الأفريقي تضم دولتي إثيوبيا وكينيا. وتعد جولة المستشار الألماني الثانية له في القارة الأفريقية، منذ توليه منصبه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021. وقال مسؤولون بالحكومة الألمانية في إفادة صحافية، إن شولتس سيلتقي في إثيوبيا رئيس الوزراء آبي أحمد والزعيم المؤقت لإقليم تيغراي غيتاتشو رضا؛ لمناقشة التقدم المحرز في ضمان السلام بعد حرب استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل عشرات

العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

لا يرغب هانز يواخيم فاتسكه، المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند، في تأجيج النقاش حول عدم حصول فريقه على ركلة جزاء محتملة خلال تعادله 1 - 1 مع مضيفه بوخوم أول من أمس الجمعة في بطولة الدوري الألماني لكرة القدم. وصرح فاتسكه لوكالة الأنباء الألمانية اليوم الأحد: «نتقبل الأمر.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

انزلاق التربة في جنوب إثيوبيا يتسبب في مقتل نحو 229 شخصاً

انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
TT

انزلاق التربة في جنوب إثيوبيا يتسبب في مقتل نحو 229 شخصاً

انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

لقي قرابة 229 شخصاً حتفهم جراء انزلاق للتربة الإثنين عقب هطول أمطار غزيرة في جنوب أثيوبيا، وفق ما أفادت السلطات المحلية الثلاثاء، محذّرة من أن العدد مرشح للارتفاع.

وأفادت إدارة شؤون الاتصالات في منطقة غوفا أنه حتى الآن، لقي 148 رجلاً و81 امرأة حتفهم في الكارثة.

صورة من مكان حادث انزلاق للتربة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وهذا أسوأ انزلاق للتربة تشهده إثيوبيا، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في القارة الأفريقية (120 مليون نسمة) والواقعة في القرن الأفريقي.

إجلاء الضحايا بعد انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وأشارت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية إلى أنه وفق مسؤول منطقة غوفا داغيماوي أييلي، طمر معظم الضحايا، الاثنين، بينما كانوا يساعدون سكان منزل تضرر بانزلاق أول للتربة.

ووقعت الكارثة في كيبيلي (أصغر قسم إداري) في كينشو الواقعة في منطقة وريدا في غيزي - غوفا، وهي منطقة ريفية جبلية يصعب الوصول إليها، وتبعد أكثر من 450 كيلومتراً و10 ساعات بالسيارة عن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

البحث مستمر عن الضحايا بعد انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 23 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وقال داغيماوي: «الأشخاص الذين سارعوا لإنقاذ الأرواح ماتوا (...) بمن فيهم المسؤول المحلي وأساتذة وعاملون في مجال الصحة ومزارعون».

ووصف إثيوبي يعيش في نيروبي، ينحدر من منطقة مجاورة لغوفا، ولم يرغب في كشف اسمه، المنطقة المنكوبة بأنها «ريفية ومعزولة وجبلية. الأرض هناك ليست ثابتة، لذلك عندما تهطل أمطار غزيرة، تخسف التربة على الفور».

طين سميك

وأشار إلى أن «هذه الكارثة ليست الأولى من نوعها. العام الماضي، قُتل أكثر من 20 شخصاً، وفي السابق، خلال كل موسم أمطار، مات أشخاص بسبب انزلاقات تربة والأمطار الغزيرة في هذه المنطقة».

من جهته، قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد إنه «متضامن مع الشعب والحكومة الإثيوبية». وأضاف على منصة «إكس»: «نصلي من أجل عائلات أكثر من 157 شخصاً فقدوا حياتهم بشكل مأساوي في انزلاقات تربة مدمّرة».

وأظهرت صور نشرتها شبكة «فانا برودكاستينغ كوربوريشن» الإعلامية التابعة للدولة على «فيسبوك» مئات الأشخاص قرب أكوام من التراب الأحمر المقلوب، وأشخاصاً يحفرون بأيديهم في التراب بحثاً عن ناجين، بينما ينقل آخرون جثثاً مغطاة بقماش مشمع أو ملاءات على نقالات صنعت بأغصان أشجار.

انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 23 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وكان جنوب إثيوبيا من المناطق التي تضررت جراء الفيضانات في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، خلال موسم الأمطار «القصير». وبدأ موسم الأمطار «الطويل» في البلاد الواقعة في شرق أفريقيا في يونيو (حزيران).

وفي مايو 2016، قُتل 41 شخصاً في انزلاق تربة عقب هطول أمطار غزيرة على منطقة ولاييتا الإدارية، الواقعة أيضاً في منطقة الأمم الجنوبية.

في عام 2017، لقي 113 شخصاً حتفهم بانهيار جبل من القمامة في مقلب نفايات على مشارف أديس أبابا.