يثير ازدياد الإصابات بـ«كوفيد» بوتيرة متسارعة في الصين، قلقاً عميقاً في أنحاء العالم، خشية تحولها إلى موجة وبائية جديدة، وهو ما عبّر عنه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، يوم الجمعة الماضي، مطالباً السلطات الصينية بإجراءات احتوائية.
وتتضارب الأنباء حول مدى انتشار الفيروس في المدن الصينية الكبرى، إثر قرار بكين المفاجئ تعديل استراتيجيتها، وسرديتها الرسمية، حول الوباء بعد أحد عشر شهراً من ظهور المتحوّر «أوميكرون»، وانتشاره في أوسع موجة وبائية تشهدها الصين منذ بداية الجائحة التي انحسرت في معظم أنحاء العالم.
وبعد الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها مدن صينية عدة احتجاجاً على تدابير الحجر الصارمة التي فرضتها السلطات، تراجعت بكين عن الخطاب الذي كان يحمل انتقادات للدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، التي تعتبر هذا المتحور مجرّد زكام عادي، وأصبحت تقول إنه ليس على قدر كبير من الخطورة، وإن المواطنين هم الذين يجب أن يتحملوا مسؤولية صحتهم. لكن ما يثير القلق في الأوساط الصحية الغربية هو أنه بعد مرور ثلاثة أسابيع على هذا التحول الجذري في الخطاب الرسمي، لم يصدر أي تصريح علني بشأن السياسة الجديدة على لسان الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي يتولّى شخصياً قيادة «معركة الشعب ضد الفيروس».
وتشير السردية الجديدة للسلطات الصحية الصينية إلى أن مكافحة الجائحة انتقلت إلى «مرحلة جديدة»، بعد أن كان عدد كبير من السكان يخضع لتدابير الإقفال والاختبارات والمراقبة الصارمة للتحركات اليومية منذ مارس (آذار) المنصرم.
وكانت الإجراءات الشديدة التي فرضتها الصين منذ بداية الجائحة قد أتاحت لها تسجيل عدد ضئيل جداً من الإصابات والوفيات (5241 حسب الأرقام الرسمية). لكن مع ظهور متحور «أوميكرون» مطلع هذا العام بدأت المنظومة الصحية الصينية تواجه صعوبات متزايدة لاحتواء الفيروس. وفيما كانت الحكومة الصينية تشدد تدابير المكافحة لمواجهة ارتفاع عدد الإصابات، كانت وسائل الإعلام الرسمية تروّج للاستراتيجية التي تتبعها السلطات الصحية لمكافحة كوفيد، باعتبارها «الدليل الأكبر على تفوّق المنظومة الصحية الصينية».
وكانت الصحف الصينية تنشر تأكيدات مثل «التخلّي عن مكافحة كوفيد ليسري بحرية هو خيانة للإنسانية جمعاء» أو «أن القول إن أوميكرون ليس أكثر من مجرد زكام هو خدعة تهدف إلى دفع المواطنين الصينيين لرفض استراتيجية مكافحة الوباء».
لكن في الأيام الأخيرة، اتجهت وسائل الإعلام الرسمية إلى الدفاع عن التحول في استراتيجية مكافحة الفيروس، وتروّج لتصريحات العالم الوبائي المعروف زونغ نانشان، الذي كان المرجعية الصحية الأولى في المراحل الأولى من الجائحة، والذي يقول الآن إن «أوميكرون» ليس إلا «زكام ناجم عن فيروس كورونا».
وتجدر الإشارة إلى أن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية كان قد صرّح مؤخراً بأن سياسة تصفير الإصابات بكوفيد ليست قابلة للاستدامة مع متحور سريع السريان مثل «أوميكرون».
وكان الزعيم الصيني جينبينغ صرّح قبل ذلك بأيام بأن «التراخي في تدابير المكافحة سيكون مدمّراً، ويؤدي إلى عدد كبير من الإصابات الخطرة والوفيات»، ودعا إلى «التصدي بحزم ضد الذين يشككون في سياسات الوقاية أو يتحدونها».
يذكر أن الرئيس الصيني الذي كان يفاخر بأنه صاحب سياسة تصفير الإصابات بكوفيد، صرّح أمام المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الذي أعاد انتخابه لولاية ثالثة لأول مرة منذ عهد ماوتسي تونغ بقوله «عندما قررنا شنّ حرب بلا هوادة لوقف انتشار الفيروس، تمكنا من حماية صحة المواطنين وأمنهم، وحققنا إنجازات مشجعة في الاستجابة للجائحة وعلى صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية».
وعلى الرغم من أن المسؤولين والخبراء الصحيين الصينيين يؤكدون اليوم أن التحول في استراتيجية مكافحة الفيروس يستند إلى أن المتحور الجديد أقل فتكاً من المتحورات السابقة، وأن الصين جاهزة لهذا التحول، يعتبر الخبراء والعلماء الوبائيون في الخارج أن الحكومة الصينية أهدرت موارد ضخمة، وأن المليارات التي أنفقتها على حملات الاختبار المتواصلة أو على بناء مراكز العزل، كان يجب إنفاقها على تلقيح المسنين أو تعزيز قدرات وحدات العناية الفائقة في المستشفيات.
ويشكو خبراء في منظمة الصحة العالمية من قلة البيانات عن التطورات الأخيرة حول انتشار متحور «أوميكرون» في الصين، وعدد الإصابات ومدى خطورتها. وكانت بعض المصادر الغربية قد تحدثت مؤخراً عن عدم توفر كميات كافية من الأدوية العلاجية في العديد من المراكز الصحية الصينية. لكنّ ناطقاً بلسان وزارة الصحة نفى منذ يومين ما وصفه «ادعاءات مغرضة»، مؤكداً «الجهوزية الكاملة» للمنظومة الصحية الصينية في هذه المرحلة الجديدة.