توفيق شرف الدين... من أرياف القيروان إلى أكبر مسؤول أمني وسياسي في تونس

وزير داخلية تونس صديق مقرب للرئيس قيس سعيد وأحد تلاميذه

توفيق شرف الدين... من أرياف القيروان إلى أكبر مسؤول أمني وسياسي في تونس
TT

توفيق شرف الدين... من أرياف القيروان إلى أكبر مسؤول أمني وسياسي في تونس

توفيق شرف الدين... من أرياف القيروان إلى أكبر مسؤول أمني وسياسي في تونس

تعاقبت الدعوات، بين أنصار الرئيس التونسي قيس سعيّد ومعارضيه لتشكيل حكومة جديدة في تونس رداً على الرسالة السياسية التي وجهها 90 في المائة من التونسيين الذين قاطعوا انتخابات البرلمانية التي نظمت يوم 17 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورشحت وسائل الإعلام والأوساط السياسية لرئاسة الحكومة القادمة شخصيات وطنية مستقلة ومعارضة، في حين ترجّح أوساط في الكواليس تكليف مسؤولين كبار في الدولة بهذه المهمة، أبرزهم محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ووزير الداخلية القوي توفيق شرف الدين... المقرب جداً من الرئيس سعيّد. وللعلم، كان سعيّد قد اختار منذ صيف 2020 صديقه وتلميذه القديم توفيق شرف الدين للإشراف على حقيبة الداخلية وملفاتها السياسية الأمنية؛ لأنها الوزارة الأكثر تحكماً في المشهد السياسي والحكومي في البلاد منذ 70 سنة؛ إذ ظلت المؤسسة العسكرية التونسية «في الصف الثاني» مقابل «تضخم» الدور السياسي الوطني للمؤسسة الأمنية المدنية.
سبق لمعظم من أشرفوا على وزارة الداخلية في تونس أن أُسندت إليهم مسؤوليات أكبر في الدولة، على غرار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ورؤساء الحكومة السابقين الحبيب الصيد، وعلي العريّض ويوسف الشاهد، فضلاً عن الرئيس الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة محمد مزالي والجنرال الحبيب عمار... العديد من الوزراء السياسيين البارزين والمستشارين في قصر قرطاج قبل ثورة 2011، بل إن «الورقة الرابحة» التي كانت ترجّح غالباً كِفة أحد المتنافسين على منصب رفيع في تونس هي مروره بـ«البناية الرمادية في شارع الحبيب بورقيبة»... أي مبنى وزارة الداخلية!
أما وزير الداخلية الحالي توفيق شرف الدين، فقد بدأ مشوار مسؤولياته الحكومية والسياسية وزيراً للداخلية في عهد حكومة هشام المشيشي قبل سنتين وثلاثة أشهر. ولقد عيّن مطلع 2021 وزيراً مستشاراً لدى رئيس الجمهورية مكلفاً رئاسة الهيئة العليا لحقوق الإنسان، ثم من جديد على رأس قطاع الأمن الوطني في حكومة نجلاء بودن بعد شهرين من «حراك 25 يوليو (تموز)»، إثر أسابيع راج فيها أنه سيكلف من قبل قرطاج (قصر الرئاسة) بترؤس «حكومة تصحيح المسار»؛ لأنه كان رئيساً للحملة الانتخابية السابقة لقيس سعيّد خلال انتخابات 2019 في جهة الساحل، كما كان أحد طلبته السابقين في كلية الحقوق مع زوجة الرئيس إشراف شبيل وشقيقتها المحامية عاتكة شبيل وعدد من كوادر القضاء والأمن الحاليين.
- قيرواني... وابن ضابط أمن
أبصر توفيق شرف الدين النور في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1968 في أرياف محافظة مدينة القيروان، العاصمة الأولى للدول العربية والإسلامية التي حكمت كامل شمال أفريقيا والأندلس في القرنين السابع والثامن بعد الميلاد. وقد ظلت القيروان «المدينة الرمز» للعلوم والثقافة والتجارة بعد انتقال العاصمة إلى مدينة تونس الحالية في ضواحي العاصمة السابقة قرطاج.
توفيق شرف الدين وُلد في عائلة ريفية من بلدة منزل المهيري، الواقعة جنوباً على بعد 40 كلم من القيروان، ونحو 200 كلم جنوبي تونس العاصمة على الطريق المتجهة إلى مدينة سيدي بوزيد، موطن محمد البوعزيزي مفجّر «انتفاضة الشباب» التونسي والعربي يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010. وكان والده موظفاً أمنياً في وزارة الداخلية، ولقد عُيّن في مصالح الوزارة في مدينة تونس، فانتقل مع أسرته من القيروان إلى العاصمة، وهناك فُتحت آفاق جديدة لأبنائه.
بدأ توفيق تعليمه الابتدائي في مدرسة عمومية بحي شعبي في مدينة تونس القديمة، هي مدرسة نهج «الولي الصالح سيدي علي عزوز»، غير بعيد عن جامع الزيتونة وأسواق الصناعات التقليدية في المدينة القديمة من جهة، وعن «المدينة العصرية» وشارع الحبيب بورقيبة، حيث مقر وزارة الداخلية من جهة ثانية. وحقاً استفاد توفيق من استقرار والده مدة طويلة في العاصمة فدرس في «المعهد الصادقي» العريق بحي القصبة - غير البعيد عن قصر الحكومة -، وهو أحد أعرق المعاهد الإعدادية والثانوية في تونس منذ القرن التاسع عشر. وسبق أن تخرّج في هذا المعهد عدد من المشاهير، بينهم الزعيم الحبيب بورقيبة ورفاقه مؤسسو الدولة التونسية الحديثة، مثل محمد مزالي ومحمود المسعدي والباجي قائد السبسي. كذلك تخرج فيه الرئيس الحالي قيس سعيّد وعدد من رفاقه.
- من العاصمة إلى الساحل
إلا أن والد توفيق عُيّن لاحقاً في إدارة أمنية بمحافظة سوسة في الساحل التونسي، موطن الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ومعظم وزرائهما. وعليه، تابع توفيق دراسته الثانوية في المعهد الثانوي بسوسة، الذي يُعد أبرز مؤسسة تعليمية في محافظات الساحل التونسي ومدن سوسة والمنستير والمهدية والقيروان. ولقد فتح الانتقال إلى مدينة سوسة السياحية والعلمية آفاقاً جديدة لتوفيق شرف الدين، وهو يرافق والده الأمني وأسرته الشعبية؛ مما مكّنه من التعرف مبكراً على الأنشطة الرياضية والشبابية التي كانت مفتوحة للشباب عموماً ولأبناء المؤسسة الأمنية خاصة. وبالفعل، سبق لشرف الدين أن تعرف على جانب من الأنشطة الرياضية والاجتماعية والصحية لأبناء الأمنيين في العاصمة تونس وتحديدا في منطقة ثكنات الأمن في القرجاني، غربي مدينة تونس القديمة.
- في كلية سعيّد
وشاءت الأقدار أن يحصل توفيق شرف الدين على الثانوية من معهد سوسة، وأن يوجَّه مثل نخبة من زملائه إلى كلية الحقوق في جامعة الوسط بسوسة، التي كان قد باشر التعليم فيها للتو الجامعي الشاب قيس سعيّد، وبدأ بين مدارجها مسيرته الأكاديمية فيها مكلفاً بالتدريس والورشات بخطة أستاذ مساعد يؤطر الطلبة المرشحين لخطة محامٍ وقاضٍ وخبير قانوني. وأيضاً شاءت الأقدار أن يكون بين زملاء توفيق شرف الدين في الكلية ذاتها شبان من الجنسين عُينوا لاحقاً في مؤسسات أمنية وقضائية وفي سلك المحاماة.
بين هؤلاء طالبتان تعرّف عليهما قيس سعيّد، حينذاك، هما إشراف شبيل – «سيدة تونس الأولى» الحالية - وشقيقتها عاتكة، وهما كريمتا قاضٍ ورئيس محكمة كبير في محافظتي سوسة والمنستير في الثمانينات من القرن الماضي. وبينما تخرجت إشراف قاضية بعد متابعة دراستها في المعهد الأعلى للقضاء، تخرّجت شقيقتها عاتكة محامية، وغدت زميلة مقرّبة لشرف الدين طوال سنوات في محكمة سوسة. ومن ثم، ساعدت هذه الزمالة تدريجياً في توثيق علاقات شرف الدين بقيس سعيّد وأسرته. ولذا؛ لم يكن مفاجئاً أن يتطوّع لرئاسة حملة سعيّد الانتخابية منذ الدورة الأولى في انتخابات العام 2019. كذلك برز توفيق شرف الدين وزميلته المحامية عاتكة مع عدد من المحامين الشباب في المحكمة نفسها بجهة سوسة ولم يغادراها نحو العاصمة بعد انتقال سعيّد للتدريس والسكن في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة تونس.
- بعيداً عن السياسة
ظل توفيق شرف الدين بعيداً عن السياسة، متفرغاً لأسرته وأبنائه الثلاثة، بعد سنوات من حصوله على شهادتي الأستاذية في الحقوق من كلية الحقوق بسوسة والكفاءة لمهنة المحاماة ثم على ماجستير مهني في العقود والخدمات القانونية. ومن هناك ارتقى في مسيرته المهنية عام 2008، فعُيّن محامياً لدى التعقيب، وظل عضواً بالفرع الجهوي للمحامين بسوسة مكلّفاً النشاط العلمي والملتقيات العلمية منذ عام 2013.
وأيضاً، ساهم مع عدد من المحامين في تأسيس فرق رياضية خاصة بالمحامين الشباب كانت تنظم مباريات ومسابقات بينهم - بعيداً عن السياسة -، مثلما لم يعرف عن قيس سعيّد نفسه أي انشغال مباشر بالعمل السياسي والحزبي، بل كان متفرّغاً للتدريس والبحث العلمي والإشراف مع عدد من أساتذته وزملائه على تظاهرات أكاديمية سياسية كانت تنظمها الجمعية التونسية للقانون الدستوري.
- «الأقرب إلى قصر قرطاج»
اليوم، بينما تتوالى التصريحات بين أنصار الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه عن «الدور السياسي الكبير» الذي ينتظر توفيق شرف الدين، بما في ذلك الحديث عن احتمال تعيينه رئيساً جديداً للحكومة، فإن شرف الدين نفسه سارع بالتنويه بخصال رئيسة الحكومة الحالية نجلاء بودن. كذلك، نفى في مناسبات عديدة رغبته في تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة، معتبراً أنه ملتزم بخدمة بلاده والمشروع السياسي للرئيس قيس سعيّد وهو على رأس حقيبة الداخلية.
مع هذا، يشير مراقبون في العاصمة التونسية إلى أن شرف الدين هو الوزير الأكثر تواصلاً مع قصر قرطاج، وأن مبنى وزارة الداخلية هو أكثر مقر يزوره الرئيس سعيّد. وتكشف الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، عن أن عدد جلسات العمل الرسمية والعلنية التي يعقدها الرئيس مع شرف الدين تبلغ أحياناً الأربعة مقابل جلسة واحدة مع نجلاء بودن وعدد محدود جداً من الجلسات مع بقية الوزراء، بمن فيهم بعض المقربين منه منذ مرحلة ما قبل وصوله إلى قصر قرطاج، مثل وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي ووزير التكوين والتشغيل المحامي نصر الدين النصيبي.
أكثر من هذا، كشفت حادثة انفجار غاز في مسكن الوزير توفيق شرف الدين في مايو (أيار) الماضي عن العلاقات الإنسانية والشخصية المتطورة بين الرئيس والوزير الدين وعائلتيهما. فقد زار سعيّد وزوجته وأفراد من عائلته بشكل رسمي شرف الدين وعائلته للقيام بواجب العزاء بمناسبة وفاة زوجة شرف الدين، التي توفيت متأثرة بإصابتها في انفجار أنبوب للغاز في البيت. وأكدت الفيديوهات والصور الرسمية التي نشرت بالمناسبة عمق العلاقات بين الرئيس وزوجته وشرف الدين وأبنائه.
ومن جانب آخر، نفت كل التقارير الرسمية أن تكون حادثة انفجار أنبوب الغاز في وجه زوجة وزير الداخلية عملاً إجرامياً مدبّراً، مؤكدة أنه نجم عن تسرب للغاز في المطبخ. وما يذكر، أنه سبق لمجموعة إرهابية أن هاجمت بالأسلحة الثقيلة قبل 10 سنوات مسكن عائلة وزير الداخلية القوي والقاضي لطفي بن جدو في موطنه مدينة القصرين (300 كلم جنوبي غربي العاصمة تونس)، لكن تلك العملية فشلت لأن الوزير وعائلته كانا قد غادراها قبل وصول الإرهابيين.
عودة إلى شرف الدين، فإنه يؤكد دوماً أنه لا يخشى التهديدات، وأنه ماضٍ في تنفيذ أوامر الرئيس سعيّد و«إنجاح المسار الإصلاحي الذي بدأه في 2019 وتعزز بعد 25 يوليو 2021»، لا سيما من خلال الحفاظ على أمن البلاد الداخلي والخارجي وضمان وحدتها الوطنية. غير أن محللين يرون العلاقة الوثيقة بين الرئيس ووزير داخليته سلاحاً ذا حدين، قد يسبب إزعاجاً سياسياً وإعلامياً، خاصة أن عدداً من خصوم شرف الدين بين الموالين للرئيس ومعارضيه يحمّلون وزارة الداخلية مسؤولية بعض «التجاوزات الأمنية» التي تشتكي منها قيادات المعارضة والنقابات والمجتمع المدني، وبينها مضايقة بعض المعارضين أو إيقافهم.
إلا أن شرف الدين والمقربين منه يؤكدون «حياد» وزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية في تعاملها مع كل الأحزاب والأطراف السياسية، بما في ذلك من خلال السماح لآلاف من نشطاء المعارضة و«جبهة الخلاص الوطني» و«الحزب الدستوري الحر» بالتظاهر وسط العاصمة وانتقاد السلطات ورئاسة الدولة والحكومة والدعوة إلى «مقاطعة الانتخابات».


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

مؤتمر دولي بالقاهرة يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»

جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
TT

مؤتمر دولي بالقاهرة يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»

جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)

دعا مؤتمر دولي في القاهرة إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»، وأكد أن آراء «غير المختصين» تُشكل «خطورة» على المجتمعات. وأشار مشاركون إلى أن «الفتوى الصحيحة تعد أحد الأسس المحورية لتعزيز الأمن الفكري في المجتمعات الإسلامية».

وقد عقد المؤتمر، الأحد، برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظمته «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم»، تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، بعنوان «الفتوى وتحقيق الأمن الفكري»، بمشاركة علماء ومفتين من مختلف دول العالم.

ووفق مفتي مصر، نظير عياد، فإن هناك تحديات «خطيرة» تواجه أمن المجتمعات، ومنها «فوضى الفتاوى»، التي تصدر من غير ذي صفة، وتكون بعيدة عن الاستدلال الصحيح المتفق مع نصوص الشريعة ومقاصدها، وهذه الفتاوى أصبحت سبباً للطعن في الإسلام، وتشويه صورته، ومعوقاً رئيساً لتحقيق الأمن والاستقرار، ولا شك أن تسميتها فتوى، هو بالأساس من «باب المجاراة»، وإلا فحقها أن تسمى «دعوة أو دعوات للإفساد».

ولفت إلى أن التطرف نحو تكفير المسلمين، واستباحة دمائهم، وتخويف الآمنين وترويعهم ليس من الإسلام في شيء، مؤكداً أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار هذه «الفوضى»، حتى أننا «نجد عدد المفتين في الواقع الافتراضي يكون بعدد من لهم صفحات أو مواقع على هذه الوسائل، الأمر الذي أثّر بالسلب على الأمن الفكري، والاستقرار المجتمعي بشكل خطير».

وحذّر مفتي مصر من «خطورة الجماعات المتطرفة على الأمن الفكري والمجتمعي على السواء؛ حيث إنها تغرس أفكاراً منحرفة في العقول، تجعل الإنسان مسخاً مشوهاً من دون انتماء أو هوية، غير الانتماء لها ولمصالحها». وأشار إلى أن الفتوى لها دور مهم في «تعزيز الانتماء الوطني والشعور بالهوية، وإرساء مبادئ المواطنة الشاملة، التي تقوم على التعايش والتسامح وقبول التنوع الديني والعرقي والمجتمعي في الوطن الواحد».

مؤتمر دار الإفتاء المصرية يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى» (دار الإفتاء المصرية)

وفي كلمته بالمؤتمر، قال وزير الأوقاف المصري، أسامة الأزهري، إن «الفتوى ليست مجرد توجيه ديني، بل هي عملية تفاعل فكرية تتطلب الفهم العميق لواقع الناس ومتطلباتهم في مختلف المجالات»، مؤكداً أن «الفقيه يجب أن يكون على دراية تامة بأحوال الناس وعاداتهم»، مشيراً إلى أن «الفقه لا يتحقق إلا من خلال الفهم الشامل للظروف المستجدة، والأفكار المتغيرة».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أثارت فتاوى بشأن عمل المرأة وتربية الحيوانات انتقادات وجدلاً واسعاً بين رواد مواقع «التواصل»، ما دفع دار الإفتاء المصرية للرد عليها.

وأكد وكيل الأزهر، الدكتور محمد الضويني، أن «ظهور متطفلين على الفتوى أسهم في تعميق أزمات عالمنا العربي والإسلامي»، مبيناً أنه «كلما كانت الفتوى أكثر (شذوذاً وغرابة) ازداد الاهتمام بها، وتناقلتها بعض وسائل الإعلام ومنصات (التواصل)».

وبيّن الضويني أن موطن الداء في «الفتاوى غير المؤصلة وهؤلاء المفتين المفتونين بالشاشات والصفحات»، حيث إنها «لا تعبر إلا عنهم أو عن مذهبهم أو عن جماعتهم، وإنها قد تغفل أبعاداً أخرى ضرورية في صناعة الفتوى»، داعياً إلى «إقرار قوانين وضوابط ومعايير تُعنى بضبط وتصحيح مسيرة الإفتاء، ووقاية المجتمع من تداعيات الانحراف بها عن الصواب، والسعي لتأكيد ثقة الناس في المؤسسات الرسمية، بدلاً من هذه الهوة المقصودة التي تسعى اتجاهات وأجندات لتجذيرها».

وقد وافقت «اللجنة الدينية» بمجلس النواب المصري (البرلمان) في مارس (آذار) عام 2022 على مشروع قانون مقدم من 61 نائباً بتعديل بعض أحكام قانون «تنظيم ممارسة الخطابة». ونصّت التعديلات المقترحة حينها على أن تكون ممارسة الخطابة والدروس الدينية، والحديث في الشأن الديني في وسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة أو الإلكترونية «للمختصين فقط». وحدّدت عقوبات على المخالفين، تتمثل في «غرامة مالية أو حبس».

مشاركون في مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)

وقال الأمين العام لـ«مجمع الفقه الإسلامي الدولي» المنبثق عن «منظمة التعاون الإسلامي»، قطب مصطفى سانو، إن «الأمن الفكري هو صمام أمان المجتمع، وضمان استقراره وحمايته من الانحرافات الفكرية والغلو»، داعياً إلى الالتزام بضوابط الإفتاء التي تضمن نشر الوسطية والاعتدال، وتواجه الفكر المتطرف.

وفي كلمتها بالمؤتمر، أشارت الأمين العام لـ«مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، ماريا محمد الهطالي، إلى أن الأجيال الحالية تواجه مخاطر متعددة، على رأسها تأثير العوالم المفتوحة، ووسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى ظهور ظواهر مثل «الإفتاء الافتراضي»، و«السيولة الإفتائية»، مشددة على ضرورة بناء «الوعي الإفتائي» بوصفه ضرورة ملحة.

وأوضحت أن عصر التقنية والذكاء الاصطناعي يتطلب منا فهم طبيعة التساؤلات التي تطرحها الأجيال الجديدة، وعدم الاكتفاء بالتحليل السطحي لهذه التحديات، مؤكدة أن «مواجهة هذه التحديات ليست خياراً؛ بل هي واجب وطني وديني». وأشارت إلى أهمية تقديم إجابات شافية لهذه التساؤلات، وإلا فإن «الفراغ الفكري سيتيح للجماعات المتطرفة استغلال هذه الحاجة لنشر أفكارها السامة».

بينما شدّد أمين عام مكتب الإفتاء بسلطنة عمان، أحمد بن سعود السيابي، على «ضرورة أن يراعي المفتي أحوال الناس عند إبداء الآراء الشرعية»، لافتاً إلى «أهمية العمل الجماعي لتحقيق الأمن الفكري في المجتمعات».