أفغانيات يتظاهرن في كابل: «التعليم حقّنا»

اتساع الانتقادات الدولية والإسلامية لقرار «طالبان» حظر الجامعات على الفتيات

أفغانيات يتظاهرن ضد منعهن من دخول الجامعات، في كابل أمس (أ.ب)
أفغانيات يتظاهرن ضد منعهن من دخول الجامعات، في كابل أمس (أ.ب)
TT

أفغانيات يتظاهرن في كابل: «التعليم حقّنا»

أفغانيات يتظاهرن ضد منعهن من دخول الجامعات، في كابل أمس (أ.ب)
أفغانيات يتظاهرن ضد منعهن من دخول الجامعات، في كابل أمس (أ.ب)

نظّم عشرات النساء في كابل، أمس الخميس، احتجاجاً على قرار حكومة تصريف الأعمال في أفغانستان، التي تديرها حركة «طالبان»، حظر دخول الطالبات الجامعات، وهو قرار أثار انتقادات إسلامية ودولية اتسعت، أمس، مع إدانات من «مجموعة السبع» وتركيا وإيران. ووفق شهود عيان، تجمَّع نحو 50 أغلبهم نساء يحملن لافتات ويرددن هتافات: «التعليم حقُّنا، يجب فتح الجامعات».
وفي تسجيلات فيديو، تلقّت «وكالة الصحافة الفرنسية» نسخة منها، تُظهر النساء وهنّ يرددن في أحد أحياء كابل: «الحقوق للجميع وليست لأحد». وطالب نحو 20 شابة أفغانية، محجَّبات، وبعضهن وضعن كمامات، بالحقّ في التعلّم وهنّ يرفعن الأيادي.
لكن «البعض منهن تعرضن للتوقيف على يد شرطيات قمن باقتيادهن»، وفقاً لما قالته إحدى المتظاهرات، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، فضّلت عدم الكشف عن هويتها. وأضافت: «جرى إطلاق سراح امرأتين، لكن كثيرات منهن ما زلن قيد الاحتجاز».

وباتت مظاهرات النساء نادرة في أفغانستان بعد توقيف ناشطات شهيرات، في مطلع العام. وقد تواجه النساء اللاتي يشاركن في مثل هذه الفعاليات خطر التوقيف والتعرّض للعنف أو الوصم.
وكانت هذه المظاهرة مقرّرة في بادئ الأمر أمام حرَم جامعة كابل؛ الأكبر والأعرق في البلد، لكن نُقل موقعها بسبب الانتشار الكثيف لقوى الأمن المسلّحة في محيط الجامعة. وقالت وحيدة وحيد دراني، التي كانت تدرس الصحافة في جامعة هرات (الغرب): «الفتيات الأفغانيات هنّ شعب ميت... وهنّ يبكين دماً». وأضافت: «يستخدمون كلّ قواهم ضدّنا. وأخشى أن يعلنوا عما قريب أنه لا يحقّ للنساء التنفّس». واحتجّ طلاب في جامعة ننكرهار شرق أفغانستان، أمس، وخرج طلاب الطب الذكور من الامتحانات؛ احتجاجاً على استبعاد زميلاتهم. وفي رسالة مقتضبة، مساء الثلاثاء، أمر وزير التعليم العالي ندا محمد نديم كل الجامعات الحكومية والخاصة في البلد بوقف تعليم الإناث حتى إشعار آخر.
وكانت الحكومة بقيادة «طالبان» تتعرض بالفعل لانتقادات من أطراف، بينها حكومات أجنبية بسبب عدم فتح مدارس المرحلة الثانوية للبنات في بداية العام الدراسي في مارس (آذار).
ويقول دبلوماسيون إن الانتقادات بشأن القيود المفروضة على تعليم الإناث تعقِّد جهود الحكومة بقيادة «طالبان» لكسب اعتراف رسمي ورفع العقوبات التي تضر الاقتصاد.
وأعلن وزراء خارجية دول مجموعة السبع، أمس، أن معاملة «طالبان» للنساء والفتيات في أفغانستان يمكن أن تُعدّ «جريمة ضد الإنسانية»، وطالبوا بإلغاء الحظر المفروض على التحاق النساء بالجامعات. وقال الوزراء، في بيان: «قد يرقى اضطهاد النوع الاجتماعي إلى جريمة ضدّ الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي، والذي تُعدّ أفغانستان دولة طرفاً فيه»؛ في إشارة إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وأضافوا أن «سياسات طالبان المصمّمة لإقصاء النساء من الحياة العامة ستكون لها عواقب على كيفية تعامل بلادنا مع طالبان».
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن تركيا ترفض قرار «طالبان»، وأنها نقلت آراءها بشأن تعليم الفتيات إلى الحكومة التي تديرها «طالبان»، وأكدت أن هذا الحظر «ليس إسلامياً ولا إنسانياً».
وقال جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية وشؤون اليمنيين في الخارج أحمد عوض بن مبارك، عقب مباحثاتهما في أنقرة، أمس الخميس: «إننا نرفض مثل هذا المنع، ولا نراه صائباً، ونأمل أن يتراجعوا عن القرار في أقرب وقت... نتحدث عن قرابة مليون طالبة يمكنهن الالتحاق بالجامعة... ما الضرر من تعليم النساء للإنسانية ولأفغانستان؟! وما فائدة هذا الحظر؟ هل هناك توضيح إسلامي له؟ بعكس ذلك، فإن ديننا ليس ضد التعليم وإنما يحض عليه».
وأكد جاويش أوغلو أن تركيا ستواصل تقديم التعليم والمِنح الدراسية للأفغان، مشيراً إلى أن الكثير من الفتيات الأفغانيات يتلقين تعليمهن في تركيا بالفعل. وأشار إلى أن الحظر المفروض على التعليم الجامعي للطالبات في أفغانستان أزعج تركيا حقاً وشكّل مصدر قلق بالغ، مشدداً على أن استقرار وأمن أفغانستان مهمان من أجل الجميع، في ظل استمرار وجود التنظيمات الإرهابية في البلاد.
وأبدت طهران، أمس، «أسفها» لقرار حركة «طالبان» منع الأفغانيات من ارتياد الجامعات، آملة في أن تجري «إزالة العقبات» أمام ذلك بسرعة.
وقال المتحدث باسم «الخارجية الإيرانية» ناصر كنعاني، في بيان، إن «الجمهورية الإسلامية كبلد جار لأفغانستان ومهتمة بالسلام والاستقرار والتنمية في هذا البلد، تأسف لوجود معوقات أمام التعليم الجامعي العالي للفتيات والنساء في أفغانستان». وأضاف أن طهران «تأمل في أن يقوم المسؤولون الأفغان المعنيون بإزالة العقبات بسرعة وتوفير الأرضية لاستئناف تعليم الطلاب والطالبات في هذا البلد في جميع مستويات التعليم».
كانت وزارة الخارجية السعودية قد أعربت، الأربعاء، عن استغراب وأسف المملكة العربية السعودية للقرار. ودعت الوزارة، في بيان، الحكومة الأفغانية المؤقتة إلى التراجع عن القرار، قائلة إنه «يثير الاستغراب في جميع الدول الإسلامية، ويتنافى مع إعطاء المرأة الأفغانية حقوقها الشرعية الكاملة، وعلى رأسها حق التعليم الذي يسهم بدعم الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار لأفغانستان وشعبها الشقيق».
وكانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد انتقدت القرار. وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إن القرار «يتناقض مع القانون الدولي».
وندّدت الولايات المتحدة بالقرار وعدَّته غير مبرر، وحذّرت «طالبان» من تكاليف ستترتب عليه.
وقال البيان إنه «وفقاً لتوقعات الشعب في أفغانستان، فإن الاعتراف بالحق في التعليم لجميع الفتيات دون استثناء مهم أيضاً لرفاهية البلاد ومستقبلها، وفي هذا السياق نعرب عن توقعنا أن تجري مراجعة القرار واتخاذ الخطوات اللازمة في أقرب وقت ممكن».


مقالات ذات صلة

«طالبان» ترفض تدخل مجلس الأمن في «شأن اجتماعي داخلي»

العالم «طالبان» ترفض تدخل مجلس الأمن في «شأن اجتماعي داخلي»

«طالبان» ترفض تدخل مجلس الأمن في «شأن اجتماعي داخلي»

اعتبرت حركة «طالبان» الحاكمة في كابل، الجمعة، أن منع النساء الأفغانيات من العمل مع الأمم المتحدة «شأن اجتماعي داخلي»، وذلك رداً على تبني مجلس الأمن قراراً يندد بالقيود التي تفرضها الحركة المتشددة على الأفغانيات عموماً ومنعهن من العمل مع وكالات الأمم المتحدة. وقالت وزارة الخارجية الأفغانية، في بيان: «انسجاماً مع القوانين الدولية والالتزام القوي للدول الأعضاء (في الأمم المتحدة) باحترام الخيارات السيادية لأفغانستان، إنه شأن اجتماعي داخلي لأفغانستان لا تأثير له على الدول الخارجية». وتبنى مجلس الأمن، الخميس، بإجماع أعضائه الـ15، قراراً أكد فيه أن الحظر الذي أعلنته «طالبان» في مطلع الشهر الحالي على

العالم مجلس الأمن يدعو «طالبان» إلى تراجع سريع عن تقييد حركة النساء

مجلس الأمن يدعو «طالبان» إلى تراجع سريع عن تقييد حركة النساء

تبنى مجلس الأمن الدولي، الخميس، قرارا يدعو حركة «طالبان» إلى «التراجع بسرعة» عن جميع الإجراءات التقييدية التي فرضتها على النساء. وأضاف القرار الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع، أن الحظر الذي فرضته «طالبان» هذا الشهر على عمل النساء الأفغانيات مع وكالات الأمم المتحدة «يقوض حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ واشنطن: «طالبان» قتلت العقل المدبر لمجزرة مطار كابل

واشنطن: «طالبان» قتلت العقل المدبر لمجزرة مطار كابل

قال مسؤولون أميركيون إن حركة «طالبان» قتلت مسلحاً تابعاً لتنظيم «داعش» كان «العقل المدبر» وراء هجوم انتحاري بمطار كابل الدولي في 2021، أسفر عن مقتل 13 جندياً أميركياً وعشرات المدنيين، خلال عمليات الإجلاء الأميركية من البلاد، وفقاً لوكالة «رويترز». ووقع التفجير في 26 أغسطس (آب) 2021، بينما كانت القوات الأميركية تحاول مساعدة المواطنين الأميركيين والأفغان في الفرار من البلاد، في أعقاب سيطرة حركة «طالبان» على السلطة هناك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم «طالبان»: حظر عمل الأفغانيات في الأمم المتحدة مسألة داخلية

«طالبان»: حظر عمل الأفغانيات في الأمم المتحدة مسألة داخلية

قالت حكومة «طالبان» الأفغانية إن حظر عمل الأفغانيات في الأمم المتحدة «مسألة داخلية»، بعدما عبرت المنظمة الدولية عن قلقها من القرار، وقالت إنها ستراجع عملياتها هناك، وفقاً لوكالة «رويترز». وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة «طالبان» اليوم (الأربعاء) إنه «ينبغي أن يحترم جميع الأطراف القرار»، وذلك في أول بيان لحكومة «طالبان» حول الخطوة منذ إقرار الأمم المتحدة بمعرفتها بالقيود الجديدة الأسبوع الماضي. وذكرت الأمم المتحدة أنها لا يمكنها قبول القرار لأنه ينتهك ميثاقها. وطلبت من جميع موظفيها عدم الذهاب إلى مكاتبها بينما تجري مشاورات وتراجع عملياتها حتى الخامس من مايو (أيار).

«الشرق الأوسط» (كابل)
الولايات المتحدة​ إدارة بايدن تصدر ملخصاً للتقارير المتعلقة بالانسحاب من أفغانستان

إدارة بايدن تصدر ملخصاً للتقارير المتعلقة بالانسحاب من أفغانستان

أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس (الخميس)، ملخصاً للتقارير السرية التي ألقى معظمها اللوم على سلفه، دونالد ترمب، في انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي في أغسطس (آب) 2021 من أفغانستان، لفشله في التخطيط للانسحاب الذي اتفق عليه مع حركة «طالبان»، وفقاً لوكالة «رويترز». وأثار ملخص الإدارة الديمقراطية، المأخوذ من المراجعات السرية لوزارتي الخارجية والدفاع، التي أُرسلت إلى «الكونغرس»، ردود فعل غاضبة من المشرعين الجمهوريين الذين طالبوا بالوثائق من أجل تحقيقهم الخاص في الانسحاب. وانتقد مايكل ماكول، الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي، الإدارة الأميركية بشدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟