بعد سهرة لوبيز.. قناة «دوزيم» تخسر مشاهديها في رمضان

استياء من الكوميديا على التلفزيون المغربي.. وحنين لنجوم زمان

نجوم مسلسل «وعدي» على القناة الأولى
نجوم مسلسل «وعدي» على القناة الأولى
TT

بعد سهرة لوبيز.. قناة «دوزيم» تخسر مشاهديها في رمضان

نجوم مسلسل «وعدي» على القناة الأولى
نجوم مسلسل «وعدي» على القناة الأولى

«كما أن المواطن غير راض عن الإنتاجات الرمضانية التي تبثها القنوات العمومية المغربية، فأنا أيضا لست راضيا على ما يقدم في الشبكة البرامجية لهذا الشهر»، هكذا علق وزير الاتصال (الإعلام) المغربي مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة عندما جرت مساءلته في البرلمان قبل أيام عن تقييمه لبرامج رمضان على القناتين التلفزيونيتين الأولى والثانية «دوزيم».
منذ سنوات كثيرة و«الرداءة» هو الوصف الذي يطبع أغلب برامج رمضان على التلفزيون المغربي، رغم ارتفاع نسبة مشاهدة المسلسلات والبرامج الكوميدية لا سيما في فترة الذروة أي مباشرة بعد الإفطار. ودأبت القناة الثانية «دوزيم» على تحقيق أعلى نسبة مشاهدة خلال هذا الشهر رغم كل الانتقادات التي كانت تواجهها، وهو ما كان يعده مسؤولوها عنصر قوة وسلاحا يرفع في وجه كل المنتقدين، لكن وخلافا للتوقعات تراجعت نسبة مشاهدة القناة الثانية خلال رمضان هذا العام، وعلى غير العادة، وذلك نسبة إلى نتائج تقرير متخصص تصدره شركة «ماروك متري» لقياس نسبة مشاهدة القنوات التلفزيونية في المغرب.
فقد كشف التقرير إلى أنه بعدما كانت القناة الثانية تحقق أعلى نسب مشاهدة في رمضان تصل إلى أزيد من 50 في المائة، لم تستطع هذه السنة تخطي نسبة 35 في المائة، فيما ارتفعت نوعا ما نسبة مشاهدة القناة الأولى لتصل هذه السنة إلى 26 في المائة، وفي بعض الأحيان إلى 30 في المائة، والفضل في ذلك يرجع إلى المسلسل المغربي «وعدي»، الذي لقي استحسانا من لدن المشاهد المغربي، أما باقي القنوات المغربية فظلت نسبة مشاهدتها متواضعة لم تتخط 4 في المائة، بحسب التقرير ذاته.
النتيجة التي خلص إليها التقرير ستنضاف إلى المتاعب التي واجهتها هذه القناة منذ اليوم الأول من رمضان عندما عرضت سلسلة بعنوان «الخواسر» تسيء بشكل كبير إلى اللغة العربية الفصحى، وقبل حلول رمضان بأيام قليلة تسببت القناة بموجة غضب عارمة عندما بثت سهرة المغنية الأميركية جينيفر لوبيز وما تضمنته من استعراضات فاضحة مخلة بالحياء، أثارت استياء واسعا في المغرب، تطلب تدخل عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة وراسل الهيئة العليا للإعلام المرئي والمسموع من أجل النظر في مخالفة القناة لشروط البث، و«ترتيب الجزاءات المناسبة على ضوء ما ينص عليه القانون» قبل أن ترد الهيئة بعدم الاختصاص. وكشف تقرير «ماروك متري» أن نحو 47 في المائة من المشاهدين المغاربة يفضلون مشاهدة القنوات الأجنبية طيلة اليوم، و53 في المائة يتابعون القنوات المغربية.
وكان الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، قد انتقد بشدة سلسلة «الخواسر» وهو عنوان محرف عن المسلسل السوري «الكواسر»، ولا تتعدى حلقاتها بضع دقائق، وعدها «استهزاء وهجوما صريحا على اللغة العربية من طرف قناة ما فتئت تهمش لغة الضاد وتدعم اللغة الفرنسية والدارجة المحلية على حساب لغة الدستور المغربي». وقال إن القناة «وبعد فضيحة سهرة لوبيز انتقلت إلى مرحلة المواجهة المكشوفة ضد اللغة العربية بغرض الاستهزاء باللغة الرسمية للمغرب».
الوزير الخلفي تأسف، كما تأسف الأعوام الماضية، عن كون برامج رمضان «لا ترقى للانتظارات»، إذ إن هناك قنوات، للأسف الشديد، يقول الوزير، «تراجعت عن مستواها، ولا تزال تختزل الإنتاج المغربي في رمضان فيما هو فكاهي فقط»، مستدركا بأنه «لا يمكن التعميم، إذ هناك قنوات تحظى بنسبة مشاهدة مهمة، وتقدير المشاهدين، كونها تقدم أعمالا درامية حققت تميزا خلال هذا الشهر».
وبالفعل هذا ما حدث، فعدد من المشاهدين المغاربة تابعوا مسلسلا مغربيا نال إعجابهم يحمل عنوان «وعدي» على القناة الأولى، مثل فيه كل من أسامة بسطاوي، صفاء حبيركو، سعدية لديب. ووصف كثيرون المسلسل بأنه «الأفضل»، إذ «توفرت فيه عناصر عمل درامي متميز وسط ركام من الأعمال التي بدأت فيها ملايين الدراهم من دون جدوى». ويحكي المسلسل قصة فتاة اختطفت لتجد نفسها وسط أسرة فقيرة تقوم ببيعها لامرأة غنية.
ومن بين المسلسلات التي نالت إعجاب المشاهدين المغاربة مسلسل بعنوان «مرحبا بصحابي»، وهو مسلسل كوميدي يعرض على القناة الأولى أيضا من إخراج علي الطاهري، وضم مجموعة من نجوم التمثيل القدامى الذين اختفوا عن الشاشات منذ مدة، من بينهم المحجوب الراجي، وحسين بنياز، ومصطفى الزعري، وصلاح الدين بنموسى.
ومن بين المسلسلات التي أثارت الاستهجان مسلسل كوميدي (سيتكو) يحمل عنوان «نايضة في الدوار» تعرضه القناة الثانية «دوزيم» تؤدي الدور الرئيسي فيه الممثلة الشابة دنيا بوتازوت، التي سطع نجمها في مسلسل «الكوبل» الناجح برفقة الكوميدي حسن الفذ الذي عرض العام الماضي. إلا أن نجم هذه الممثلة يبدو أنه بدأ بالأفول، فبالإضافة إلى «سخافة» المسلسل الكوميدي، بحسب متتبعيه، فقد ضجر المشاهدون من صورة هذه الممثلة وهي تتكرر في أكثر من عمل تلفزيوني إلى جانب عدد من الوصلات الإعلانية التي لا تتوقف، حيث تقوم فيها بوتازوت بالإعلان عن مختلف المنتجات الاستهلاكية، وإذا لم تكن من متتبعي التلفزيون فستصادف وجه هذه الممثلة في لوحات إعلان كبرى في الشوارع.
وعرضت القناة الثانية مسلسلات أخرى كوميدية من بينها مسلسل «نجمة وقمر» ويحكي قصة فتاتين، تجسد دوريهما الممثلتان سامية أقريو، وبديعة الصنهاجي، تبحثان عن عمل.
كما عرضت مسلسلا تاريخيا بعنوان «حبل الريح». وقبل أيام من انتهاء شهر رمضان سيواصل المشاهدون المغاربة متابعة مسلسلاتهم على أمل أن يجري تدارك الأخطاء في أعمال رمضان المقبل و«الارتقاء بالأداء»، كما وعد بذلك وزير الإعلام.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)