أتت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التاريخية إلى واشنطن، في وقت حرج من الحرب مع روسيا، بعدما حذر مسؤولون أوكرانيون بأن سيد الكرملين فلاديمير بوتين قد أمر بحشد ما يزيد على 200 ألف جندي لشن هجوم جديد في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة.
وبعد هجماتها الناجحة في سبتمبر (أيلول) الماضي واستعادتها أراضي ضمتها روسيا، بدا أن القوات الأوكرانية علّقت عملياتها العسكرية الكبيرة. ويعود ذلك، وفق خبراء عسكريين، إلى عوامل عدة؛ من بينها الطقس الشتوي القاسي، والحاجة إلى تكتيكات عسكرية مختلفة. لكن الأهم من ذلك؛ حاجتها لأسلحة جديدة، على رأسها منظومة صواريخ «باتريوت»، التي يعتقد أنها قد تغير قواعد الاشتباك عبر تمكين أوكرانيا من التصدي لهجمات الصواريخ الباليستية الروسية قبل تحليقها فوق أجوائها.
في غضون ذلك؛ تعيد روسيا تقييم عملياتها العسكرية وترميم مخزوناتها الحربية من الأسلحة، وسط تقارير تتحدث عن «نجاحها» في إعادة تصنيع بعض من أهم مخزوناتها الصاروخية المتقدمة، على الرغم من العقوبات الغربية القاسية التي تعرضت لها.
ويشعر مسؤولون أوكرانيون بالقلق من أن حرب استنزاف طويلة ستؤدي إلى إضعاف الدعم العسكري والاقتصادي الأميركي والدولي لكييف. وللحفاظ على الزخم؛ اقترح الكونغرس الأميركي تقديم 45 مليار دولار في شكل تمويل طارئ لأوكرانيا، في الميزانية الفيدرالية العامة البالغة 1.7 تريليون دولار، بدلاً من 38 مليار دولار كان طلبها الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفي الغالب، ستكون المساعدات من الإنفاق العسكري؛ بما في ذلك نحو 20 مليار دولار لتسليح القوات الأوكرانية وتجهيزها، وتجديد الأسلحة التي يجري إرسالها إلى كييف. وسيُستخدم بعض هذه الأموال أيضاً لتعزيز دفاعات حلفاء أميركا في «الناتو» لتوفير الحماية لهم من أي عدوان روسي، وفق صحيفة «نيويورك تايمز». وستدعم 6.2 مليار دولار أخرى زيادة القوات الأميركية في أوروبا الشرقية، بما في ذلك الآلاف من القوات الأميركية المنتشرة في بولندا ورومانيا.
وتتضمن الحزمة مساعدات غير عسكرية للحفاظ على عمل الحكومة والاقتصاد في أوكرانيا. ويقترح الكونغرس تخصيص 12.9 مليار دولار لدعم الاقتصاد الأوكراني ومعالجة النقص الحاد في الطاقة الناجم عن الهجمات الروسية. وستخصص 4 مليارات دولار أخرى بشكل أساسي لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين، الذين من المتوقع أن تزداد أعدادهم جراء استهداف الهجمات الروسية المدن الكبرى التي أصبحت دون تدفئة وكهرباء هذا الشتاء.
ومع إعلان الرئيس بايدن عن مساعدة فورية بقيمة 1.8 مليار دولار لأوكرانيا، تشمل أكثر أنظمة الدفاع الجوي الأميركية تقدماً؛ بما في ذلك بطاريات صواريخ «باتريوت»، لمساعدة كييف على التصدي لضربات الصواريخ والطائرات من دون طيار الروسية على البنية التحتية للطاقة والكهرباء، بدا أنه يستجيب لدعوات أوكرانيا إلى توفير هذه القدرات الجديدة. وكان زيلينسكي كرر مطالبة الغرب بمزيد من الأسلحة بما يتضمن أنظمة دفاع جوي بعد أن استهدفت طائرات مسيرة روسية منشآت للطاقة في ثالثة الضربات من نوعها ضد شبكة الكهرباء في 6 أيام.
وقالت سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة، أوكسانا ماركاروفا، الأحد، إن القوات المسلحة الأوكرانية «يجب أن تكون مستعدة لكل شيء (...) علينا فقط أن نقاوم ونحرر المزيد». وأضافت أن كييف وحلفاءها يجب أن «يواصلوا الحفاظ على المسار، وتحرير الأراضي والدفاع عن أوكرانيا».
وتأتي التحذيرات بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين إلى بيلاروسيا، مما أثار مخاوف من أن روسيا تتطلع إلى إعادة إطلاق هجوم من بيلاروسيا أو بالتعاون مع قواتها.
ورغم ذلك، فإن مسؤولين أميركيين قالوا إنهم لم يروا القوات البيلاروسية تقاتل إلى جانب روسيا، وإنه ليست لديهم معلومات عن تهديد وشيك بإرسال بيلاروسيا جيشها عبر الحدود إلى أوكرانيا. وقال الكولونيل البحري المتقاعد مارك كانسيان، كبير المستشارين في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إن شن هجمات جديدة من المرجح على الجانبين في الأشهر المقبلة. وقال إن «هناك توقعاً واسع النطاق بأنه ستكون هناك هجمات شتوية، ربما من الجانبين؛ الأوكراني والروسي».
وقدمت إدارة بايدن مساعدات عسكرية بأكثر من 20 مليار دولار لأوكرانيا، جاءت في غالبيتها من مخزونات «وزارة الدفاع (البنتاغون)»؛ من بينها صواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف، وصواريخ «جافلين» المضادة للدروع، وذخائر مدفعية وأنظمة صواريخ «ناسامس» وذخائرها للدفاع الجوي، وأنظمة راجمات الصواريخ أرض - أرض «هيمارس» وذخائرها، وآليات ومعدات طبية مختلفة.
وكان الرئيس الأميركي أكد، خلال مؤتمر صحافي سابق في البيت الأبيض، التزام إدارته بدعم أوكرانيا، وتوقع استمرار المساعدات الأميركية لأوكرانيا من دون انقطاع. وأضاف: «بالمناسبة؛ لم نعط أوكرانيا شيكاً على بياض»، مشيراً إلى أن واشنطن رفضت تقديم بعض المعدات العسكرية أو المساعدة التي طلبها القادة الأوكرانيون؛ بما في ذلك طائرات أميركية. وتابع: «قلت لا؛ لن ندخل في حرب عالمية ثالثة، ولن نهاجم الطائرات الروسية، ونشتبك معها مباشرة».
من جهة أخرى، أعلن البنك الدولي، ومقره واشنطن، الثلاثاء، منح أوكرانيا 610 ملايين دولار إضافية لتمكينها خصوصاً من «تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً» في مجال الصحة. وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية أن هذا الدعم يأتي على شكل قرض من «البنك الدولي للإنشاء والتعمير»؛ وهو جزء من «مجموعة البنك الدولي»، تضمنه خصوصاً بريطانيا بسقف 500 مليون دولار. ويتيح هذا التمويل الجديد تغطية نفقات الحكومة الأوكرانية في مجال الصحة ومساعدة الأسر، وكذلك دفع رواتب موظفي الدولة وضمان تشغيل الإدارات العامة. ويرفع هذا المبلغ قيمة تمويلات البنك الدولي لأوكرانيا إلى 18 مليار دولار، على شكل قروض وهبات منذ بداية النزاع، علماً بأنه تم حتى الآن صرف 15 ملياراً منها. ويقدر البنك الدولي أن ما يعادل 5.5 في المائة من المرافق الصحية في أوكرانيا، دمّر أو تضرّر منذ بداية الحرب. ووافقت الدول المانحة المجتمعة في باريس مطلع الأسبوع الماضي، على تقديم أكثر من مليار يورو لأوكرانيا، لدعم مواطنيها خلال فصل الشتاء.