ميسي وأنتونيلا: سحر ولعب وعائلة وحب

ليونيل ميسي وزوجته أنتونيلا روكوزو (إنستغرام)
ليونيل ميسي وزوجته أنتونيلا روكوزو (إنستغرام)
TT

ميسي وأنتونيلا: سحر ولعب وعائلة وحب

ليونيل ميسي وزوجته أنتونيلا روكوزو (إنستغرام)
ليونيل ميسي وزوجته أنتونيلا روكوزو (إنستغرام)

عمرُ معرفة ليونيل ميسي بزوجته أنتونيلا روكوزو من عمرِ معرفتِه بالكُرة. بين أزقّة الطفولة في مسقط رأسَيهما بمدينة روزاريو الأرجنتينية التقيا وهُما لم يتجاوزا الثامنة بعد. كانت أنتونيلا رفيقة اللعب وقريبة أفضل أصدقاء ميسي؛ لوكاس سكاليا.
قدمٌ على الكرة ويدٌ في يد أنتونيلا التي تصغره بسنة واحدة، كبر ليونيل. وعندما بلغ عامه الـ13 وحان وقت الجدّ ومغادرة الأرجنتين إلى إسبانيا للتدريب، افترقت اليدان الصغيرتان. قليلةٌ صداقات الطفولة التي تنتصر على الزمن والمسافات، وعلاقة ميسي وروكوزو واحدةٌ منها. رغم انقطاع التواصل لفترة بسبب انشغاله في تطوير موهبته ضمن نادي برشلونة، كان، ومع كل عطلة تردّه إلى مسقط رأسه روزاريو، يزور أنتونيلا ويمضي الوقت معها.


ميسي وروكوزو في سنوات الطفولة (إنستغرام)
ليست الساحرة المستديرة وحدها التي أوقعت ليونيل ميسي في شِباكها، فعطلةً تلو العطلة كان سحر أنتونيلا يفعل فعله. وبما أنّ صلابة العلاقات لا تُمتَحن إلا في أوقات الشدّة، فقد أثبت ميسي أن حبه روكوزو ليس مجرّد سحابة صيف. ففي عام 2005، خسرت ابنة الـ17 عاماً صديقتها المقرّبة أورسولا في حادث سير. عندما بلغه الخبر، لم يتردد ميسي في السفر من إسبانيا إلى الأرجنتين للوقوف إلى جانب أنتونيلا ومواساتها.
عام 2009، وبالتزامن مع فوزه بأولى كُراته الذهبية (Ballon d’Or)، نقل ميسي علاقته مع روكوزو إلى العلَن، مصرّحاً في إحدى مقابلاته أن بينهما قصة حب. وتثبيتاً لهذا الحب، بدأ الثنائي فترة من الخطوبة عام 2010 وانتقلت أنتونيلا للعيش مع ليونيل في إسبانيا. تفرّغت للاهتمام بخطيبها، فلم تكمل دراستها الجامعية في طب الأسنان. وفي سن الـ24 أنجبت طفلهما الأول تياغو. حتى قبل ولادة ابنه البكر، أظهر ميسي حماسةً كبيرةً للأبوّة، فهو اختار أسلوباً طريفاً للإعلان عن حمل شريكته واضعاً الكرة تحت قميصه بعد تسجيل منتخب بلاده هدفاً خلال مباراة الأرجنتين ضد الإكوادور عام 2012.


«لقد بدّل ابني حياتي أكثر ممّا فعلت الـ(Ballon d’Or)»؛ بهذه العبارة اختصر ميسي فرحته بتياغو في مقابلة مع صحيفة «El Periodico» الإسبانية عام 2013. لم يَطُل انتظاره لاختبار فرحة مماثلة، فخلال سنة 2015 أنجبت أنتونيلا ابنهما الثاني ماتيو.
كان تياغو وماتيو في الخامسة والثانية من عمرَيهما يوم شهدا على زفاف والدَيهما في صيف 2017. في أحد فنادق مدينة روزاريو حيث زُرعت بذور حبهما، ارتبط الثنائي رسمياً بعد 7 سنوات من الخطوبة. كاد عدد الصحافيين يوازي عدد المدعوين الذي لم يتخطّ الـ260؛ من بينهم أسماء بارزة في عالم كرة القدم.
على مواسم عدّة، قسّم ميسي وروكوزو علاقتهما. لم يحرقا المراحل، فكان موسمٌ لحب الطفولة البريء، وموسمٌ آخر لاكتشاف الآخر خلال المراهقة، وبعدها أتت الخطوبة التي تَلاها الإنجاب. بكامل اقتناعهما، وقف ليونيل وأنتونيلا عريساً وعروساً في أفخم فنادق روزاريو ليقولا «نعم» مرةً ثانية.


ميسي وروكوزو في حفل زفافهما عام 2017 (أ ف ب)
لا يُخفي ميسي تقديره الكبير لزوجته، ويبدو فخوراً بإخلاصه لها. ففي مقابلة مع صحيفة «لا ماركا» الإسبانية قال مرة: «أنا معجب بكل ما فيها. لديها كثير من الصفات الحسنة. شخصيتها، مزاجها الجيّد، طريقتها الرائعة في مواجهة المشكلات، ذكاؤها…».
من جانبها، لا توفّر أنتونيلا فرصة لإظهار مساندتها لزوجها؛ أكان من خلال مرافقتها إياه إلى المباريات، أو عبر الصور التي تنشرها عبر صفحتها على «إنستغرام» التي يتابعها أكثر من 26 مليون شخص. لا تبخل أنتونيلا على المتابعين بمشاركتهم اللحظات العائلية الحميمة التي تجمعها بميسي والأولاد، كأعياد الميلاد والجلسات مع الأصدقاء والإجازات الصيفية. كما أنها تُفرد مساحةً لعملها الخاص، فهي تملك متجراً للأحذية الأرجنتينية في برشلونة، إلى جانب عرضِها أزياء من ماركات عالمية.
عام 2018، استقبل ميسي وزوجته مولودهما الثالث سيرو. انضمّ اسمه إلى مجموعة الأوشام على جسدَي الوالدَين، والتي تحمل أسماء أبنائهما. أما الوشم المشترك الرابع بين ليونيل وأنتونيلا، فهو تاريخ زواجهما، 30 يونيو (حزيران) 2017.


يحترف ميسي لعبة الزواج والأبوّة، بقدرِ احترافه كرة القدَم. وتُجاريه زوجته في هذا الاحتراف، فمن الواضح أن الاثنين يضعان العائلة قبل كل شيء. يقول في إحدى مقابلاته: «أولادي الثلاثة غيّروا نظرتي إلى الحياة وطريقة تفكيري، كما أنهم ساعدوني في النضوج». من المعروف أن ميسي يمضي كثيراً من الوقت مع عائلته، وهو يكشف أن فترات الراحة والهدوء قليلة جداً في المنزل بوجود ثلاثة أطفال: «أنتونيلا وأنا نحاول أن نستمتع بكل لحظة معهم؛ أكان خلال مشاهدة التلفزيون أو اللعب… نحب أن نبقى في البيت ونفرح بتلك الأوقات».
لعلّ الأيام التي أمضاها ميسي في مونديال قطر 2022 والتي لم تفارقه عائلته خلالها، كانت خير دليل على هذا التماسك العائلي. بعد مباراة الأرجنتين ضد أستراليا تحدّث قائلاً: «منذ الركلة الأولى وحتى صافرة النهاية، كنت أفكّر في أولادي. هم يكبرون ويستوعبون أكثر ما يجري في المباريات». مع العلم أن تياغو وماتيو يتدربان في «أكاديمية باريس سان جيرمان لكرة القدم».
كافأ الوالد فريقه الصغير منذ أيام عندما حمل لهم كأس العالم، هو الذي حلم بأن يتوّج مسيرته بهذا الإنجاز التاريخيّ. في طليعة الفخورين، وقفت أنتونيلا التي نشرت مجموعة من الصور العائلية برفقة الكأس المذهّبة. وهي التي رافقت ميسي منذ أولى سنوات الحلم، كتبت: «شكراً لأنك علّمتنا ألا نستسلم أبداً، وأنه علينا القتال حتى النهاية. لقد أنجزت ذلك أخيراً... أنت بطل العالم. نعرف أنك عانيت لسنوات طويلة من أجل تحقيق ذلك».


مقالات ذات صلة

«كأس الرابطة»: ركلات الترجيح تمنح آرسنال بطاقة نصف النهائي

رياضة عالمية احتفالية لاعبي آرسنال بعد إقصاء كريستال بالاس بركلات الترجيح (أ.ف.ب)

«كأس الرابطة»: ركلات الترجيح تمنح آرسنال بطاقة نصف النهائي

تغلب آرسنال على كريستال بالاس 8-7 بركلات الترجيح بعد انتهاء الوقت الأصلي ‌للمباراة ‌بالتعادل ‌1-⁠1، ​ليتقدم ‌إلى قبل نهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عربية اجتفالية لاعبي تونس بالثلاثية بمرمى أوغندا (أ.ف.ب)

«أمم أفريقيا»: تونس تفك «عقدة الافتتاح» بثلاثية في أوغندا

فكت تونس عقدة المباريات الافتتاحية بفوز كبير على أوغندا 3-1 بينها ثنائية للمهاجم إلياس العاشوري الثلاثاء على الملعب الأولمبي في الرباط.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية لوكا زيدان حارس منتخب الجزائر (إ.ب.أ)

مشاركة مرتقبة لنجل زيدان مع الجزائر في أمم أفريقيا تثير انقساماً

تساءلت وسائل الإعلام الجزائرية عن موقف لوكا زيدان، نجل أسطورة كرة القدم الفرنسية السابق زين الدين زيدان، وحارس مرمى منتخب الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عالمية الألماني غيرنوت روهر مدرب منتخب بنين (أ.ف.ب)

مدرب بنين: لم نستحق الخسارة أمام الكونغو الديمقراطية

أكد الألماني غيرنوت روهر مدرب بنين أن منتخبه لا يستحق الخسارة أمام الكونغو الديمقراطية في المباراة التي جمعت بينهما مساء الثلاثاء

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة سعودية الجناح البرازيلي الشاب ويسلي (الشرق الأوسط)

بنفيكا يفاوض النصر لضم جناحه البرازيلي ويسلي

يجري نادي بنفيكا البرتغالي مفاوضات مستمرة مع نادي النصر السعودي للتعاقد مع الجناح البرازيلي الشاب ويسلي.

نواف العقيّل (الرياض)

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
TT

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)

شرع «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي» في منطقة المدينة المنورة (غرب السعودية) أبوابه لكل المهتمين بالخط العربي من جميع أنحاء العالم بما يعزز من حضور هذا الفن العريق الذي يمثل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع، عبر 5 محاور يندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية.

يمثل المركز منصة عالمية لدعم الخط العربي وفنونه المتعددة، بوصفه وسيلة تواصل عالمية عابرة للثقافات في مجال التراث والفنون والعمارة والتصميم، مع تعزيز مكانة السعودية وتأثيرها في حفظه وتطويره، إلى جانب احتضان المواهب وتنمية المعارف في مجالات الخط العربي.

وتحت رعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، حضر الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة رئيس مجلس هيئة تطوير المنطقة، الاثنين، حفل افتتاح المركز، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة.

الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة يرافقه الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة خلال جولة على مرافق المركز العالمي للخط العربي في أثناء حفل افتتاحه (الثقافة السعودية)

واطلع أمير المدينة المنورة خلال جولة على مرافق المركز وما يضمه من معارض فنية واستمع إلى شرح عن المحتوى الثقافي وما حققه المركز بمسماه السابق «دار القلم» من جوائز ومنجزات ثقافية، كما شاهد عدداً من المقتنيات والأعمال الفنية التي تعكس قيمة الخط العربي ومكانته الثقافية والحضارية.

وقال وزير الثقافة السعودي في كلمة له خلال الحفل: «من أرض النور والعلوم، نسعد بتدشين مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، الذي يؤسس منصة عالمية للخط العربي بوصفه قيمة ثقافية عريقة، في ظل ما يحظى به القطاع الثقافي من دعم كريم وغير محدود من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء».

وأكد أن «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي يوجّه رسالةً إلى العالم أجمع عن حجم هذا الإرث العظيم والمكانة الرفيعة للخط العربي، ويؤكد الاهتمام الذي تُوليه قيادتُنا لثقافتنا وهويتنا».

وزير الثقافة السعودي خلال إلقاء كلمته (الثقافة السعودية)

وأشار إلى أن «المركز يُجسّد رؤيةً واضحة للارتقاء بالخط العربي بصفته وسيلةَ تواصل عالمية وراسخة في التراث العربي والفنون والعمارة والتصميم، ويعزز مكانة المملكة ودورها التاريخي في صونه وتطويره، كما يُعدّ منصة للإبداع والابتكار والتواصل الحضاري.

كما يشكّل المركز، منصةً لتطوير المواهب وصقل مهارات الخطاطين والاستثمار في المبدعين، إلى جانب تعزيز الهوية الثقافية للمملكة وترسيخ حضورها الدولي، مستهدفاً مختلف الفئات، ومنهم الخطاطون والمواهب الناشئة والفنانون التشكيليون والباحثون في الفنون الإسلامية والمؤسسات التعليمية والثقافية، إضافةً إلى الجمهور المحلي والعالمي من محبي الفنون والتراث، بما يسهم في توسيع دائرة التأثير وزيادة الوعي الثقافي وإبراز جماليات الخط العربي».

المركز يجسّد دوره كمنصةً عالمية لحفظ الخط العربي وتطويره (الثقافة السعودية)

وترتكز استراتيجية المركز على 5 محاور رئيسة، تشمل: المعرفة والتطوير، وتنمية المهارات، والمشاركة المجتمعية، والأعمال والفرص، والابتكار، ويندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية، من أبرزها: وحدة البحث والأرشفة، وبرنامج تعلم الخط العربي، ومنح الدراسات والأبحاث، ومتحف الخط العربي الدائم، والمعارض المتنقلة، والجمعية الدولية للخط العربي، وحاضنة الأعمال المرتبطة بالخط العربي.

ويعمل المركز على تنفيذ حزمةٍ من البرامج النوعية، تشمل: برنامج الإقامة الفنية، وتنظيم الورش التخصصية، وتطوير المناهج والمعايير المرتبطة بالخط العربي، إلى جانب مبادرات تعليمية وتدريبية دولية تسهم في حفظ التراث الثقافي، وتعزّز الحضور العالمي لهذا الفن العريق، الذي يمثّل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع.

جانب من الأعمال الفنية التي تبرز جماليات الخط العربي وتنوّع مدارسه (الثقافة السعودية)

يأتي تدشين المركز تأكيداً للعناية التي توليها المملكة للثقافة والفنون، وانطلاقاً من المكانة التاريخية للمدينة المنورة بوصفها مهداً للخط العربي، وذاكرةً حضارية ارتبطت بكتابة المصحف الشريف وتدوين العلوم الإسلامية، وامتداداً لدورها التاريخي ممثلاً في «دار القلم»، بما يرسّخ حضور المدينة منصةً عالميةً للخط العربي، ويجسّد اتساق هذه المبادرات مع مستهدفات «رؤية المملكة 2030».


عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
TT

عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)

بعد مرور 20 عاماً على عرضها الأول، يعود الأخوان فريد وماهر صبّاغ إلى الخشبة بمسرحية «أنا وغيفارا» في صياغة جديدة. وقد افتُتح عرضها على «مسرح جورج الخامس - أدونيس»، ويشارك في بطولتها «الأخوان صبّاغ» إلى جانب نادين الراسي، وكارين رميا، وأنطوانيت عقيقي، وريمون صليبا، وجوزيف أصاف، ورفيق فخري، وألان العيلي.

«أنا وغيفارا» تُقدَّم بأسلوب إخراجي ممتع (الشرق الأوسط)

يتناول العمل الثورة التي قادها كل من فيدل كاسترو وتشي غيفارا لتحرير كوبا، ومن خلالها تحوَّل الرجلان إلى رمزَين عالميين ثوريين.

يطغى المشهد العسكري على مجريات المسرحية منذ اللحظة الأولى، سواء أكان من خلال مشاهد الثوار أم الجيش الكوبي. غير أن حدّة هذه الأجواء يخففها الحضور الذكي للأغنيات والموسيقى؛ إذ أحسن «الأخوان صبّاغ» توظيف هذين العنصرين بدقة. فاختصرت الأغنيات حوارات كاملة بين الشخصيات، وعبّرت بالتالي عن مشاعر الفرح والحزن، وعن إرادة الشعب وأهداف الثورة، وصولاً إلى مواقف مفصلية تستدعي الشجاعة والإقدام.

وبين النغمات الشرقية والغربية، قدّم «الأخوان صبّاغ» خلطة موسيقية جميلة وممتعة، طافت بالجمهور في رحلة ببلاد الأرز والفلكلور اللبناني الأصيل، وصولاً إلى الكاريبي وعبق الثورة الكوبية. وقد تفاعل الحضور بشكل لافت مع عدد من الأغنيات، لا سيما تلك التي أدّت فيها كارين رميا أغنية «تشي غيفارا» الشهيرة، وبرع فريد صبّاغ مع مجموعة الكورال في أداء «نشيد الثورة».

تجلّت مهارة الأخوين صبّاغ الإخراجية طيلة العرض، الذي استغرق نحو ساعتين، إذ جاء المشهد البصري جذاباً ومدروساً، وواكبه أسلوب سمعي غني بالمؤثرات الصوتية أضفى عليه زخماً مكثفاً. كما أجادا تقديم شخصيات العمل، مانحين كلاً منها المساحة الكافية لتترك بصمتها ضمن أداء احترافي.

نادين الراسي تلعب أكثر من شخصية في المسرحية (الشرق الأوسط)

من ناحية ثانية، تطلّ الممثلة نادين الراسي في المسرحية لتلعب أكثر من شخصية. وتحت اسم «إيفا»، وهي شخصية خيالية بخلاف عدد من الشخصيات المستندة إلى الواقع، تعود الراسي إلى خشبة المسرح بعد غياب.

وقد توجّهت جميع الأنظار إلى نادين الراسي، لا سيما مع تراجع إطلالاتها الدرامية في الفترة الأخيرة. ومن خلال الشخصيات التي تقدّمها في «أنا وغيفارا»، تنقّلت بين أدوار متناقضة، جمعت بين الخير والشر... فهي «إيفا» التي ترمز إلى القوى الكبرى وآليات تدخّلها في مصائر بلدان متعددة، كما تؤدي شخصية «تانيا» الثائرة؛ حبيبة غيفارا. ولم يتوانَ «الأخوان صبّاغ» عن منحها مساحة لأداء روحاني، أقامت عبرها جسراً رمزياً للتواصل بين السماء والأرض.

الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا في مشهد من المسرحية (الشرق الأوسط)

أما الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا، فقد استحضرا الكوميديا الخفيفة إلى العمل، وهما يستندان إلى خبرتهما الطويلة في هذا المجال، فنجحا في رسم الضحكات على وجوه الحضور بخفّة وطرافة، وشكّلا معاً «استراحة المحارب» التي يحتاجها المتفرّج وسط زحمة العسكر وضغوطات الثورة.

وعلى الرغم من حدّة الأحداث التي تتألّف منها قصة العمل، فإن «الأخوان صبّاغ» اختارا الابتعاد كلياً عن مشاهد العنف. فحتى في المعارك الدائرة بين رجال الثورة وجيش الدولة الكوبية، وكذلك في مشهد القبض على تشي غيفارا، غُيّب أي أثر للعنف الجسدي، فسار المخرج بين السطور بدقّة، تاركاً لخيال المشاهد مهمّة الاستنتاج واستخلاص العِبر.

نجح «الأخوان صبّاغ» في مقاربة سيرتَي رجلَي الثورة؛ كاسترو وغيفارا، بعيداً عن أي انحياز سياسي، وقدّماهما في إطار إنساني عزّز قيم السماحة والغفران. كما شكّل العمل رهاناً واضحاً على استمرارية المسرح الغنائي الغائب بشكل ملحوظ عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة، فأعادا حبك القصة بروح عصرية، مستخدمَين أدوات وعناصر فنية افتقدها الجمهور اللبناني طويلاً على الخشبة.


«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
TT

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)

استعاد العرض المسرحي «متحف باكثير» جانباً من روائع الأديب اليمني المصري علي أحمد باكثير في القاهرة، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ115 لميلاده.

العرض الذي أُقيم على خشبة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، مساء الاثنين، كان ضِمن فعالية ثقافية وفنية عكست حضور اسمه المتجدد في الوجدان العربي، نظّمتها مؤسسة «حضرموت للثقافة» السعودية، بالشراكة مع «ضي للثقافة والإعلام».

لم تقتصر الاحتفالية، التي نُظّمت تحت عنوان «علي أحمد باكثير... 115 عاماً من التأثير»، على استدعاء السيرة الإبداعية للأديب الكبير، بل سعت إلى تحويل إرثه الأدبي إلى فعل حي على خشبة المسرح بوصفه أحد الفضاءات الأساسية التي شكّلت مشروعه الإبداعي، من خلال العرض الذي استمر لنحو 80 دقيقة، حيث قُدِّم من دراماتورج وإخراج أحمد فؤاد، برؤية تقوم على فكرة المتحف بوصفه مساحة جامعة، تتجاور فيها العصور والشخصيات والأفكار، وتتحول فيها النصوص الأدبية إلى لوحات حية نابضة بالحركة والصوت.

المخرج أحمد فؤاد قدّم العرض بصورة بصرية جذابة (الشركة المنتجة)

اعتمد العرض على استلهام عدد كبير من أعمال علي أحمد باكثير، التي تحولت عبر العقود إلى نصوص مسرحية وسينمائية مؤثرة، من بينها «وا إسلاماه» و«الشيماء»، إلى جانب مسرحيات مثل «جلفدان هانم» و«قطط وفئران» و«الحاكم بأمر الله»، وغيرها من الأعمال التي كشفت عن انشغاله الدائم بالتاريخ والهوية والإنسان.

ومن خلال هذا التنوع، تنقّلَ العرض بين العصور الفرعونية والإسلامية والحديثة، مستحضراً شخصيات تاريخية وأسطورية ومتخيلة، في معالجة درامية سعت إلى إبراز الأسئلة الكبرى التي شغلت الكاتب؛ من الحرية والعدل، إلى الصراع بين السلطة والضمير، وعبر فتاة شابة من جيل «زد» تدخل متحفاً يضم عدداً من الشخصيات التي قدّمها.

يقول أحمد فؤاد، مؤلف العرض ومُخرجه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عرض «متحف باكثير» جاء انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية إعادة تقديم أعمال علي أحمد باكثير بصيغة مسرحية معاصرة تتيح للجمهور، اليوم، الاقتراب من عالمه الفكري والإنساني دون حواجز زمنية، مشيراً إلى أن اختيار فكرة المتحف كان المدخل الأنسب للتعامل مع هذا الإرث المتنوع؛ نظراً لما تزخر به أعمال باكثير من شخصيات تنتمي إلى عصور وخلفيات مختلفة، من مصر القديمة، مروراً بالتاريخ الإسلامي، وصولاً إلى الشخصيات المتخيَّلة والمعاصرة.

وأضاف أن «العرض صُمِّم على هيئة قاعات متحفية متجاورة، ينتقل بينها المتفرج، بحيث تقوده الأحداث في مسار درامي واحد، تتقاطع داخله الشخصيات والأفكار، في محاولةٍ للكشف عن الخيط الإنساني المشترك الذي يربط هذه العوالم المتباعدة ظاهرياً».

العرض قُدّم على مدار 80 دقيقة على خشبة المسرح الكبير بالأوبرا (الشركة المنتجة)

وأوضح فؤاد أنه اعتمد في بناء العرض على دراسة وقراءة عدد كبير من نصوص باكثير، قبل الاستقرار على اختيار 12 نصاً مسرحياً كُثِّفت وأُعيدت صياغتها داخل بنية واحدة. وعَدّ «التحدي الأكبر تمثل في ضغط الزمن، ومحاولة تجميع هذا الكم من الأعمال في إطار جذاب بصرياً ودرامياً، دون الإخلال بالفكرة الأساسية لكل نص؛ لأن الهدف كان تقديم عرض نوعي، قريب من المتفرج، يُعيد طرح سؤال عن باكثير وقدرته المتجددة على مخاطبة الحاضر».

ووفق الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، فإن عنوان عرض «متحف باكثير» قد يوحي، منذ الوهلة الأولى، بطابع وثائقي تقليدي، إلا أن التجربة المسرحية جاءت مغايرة تماماً لهذا الانطباع، وقال، لـ«الشرق الأوسط»: «استطاعت التجربة أن تحصد إعجاب الجمهور بفضل طبيعتها المختلفة واعتمادها الواضح على الحركة فوق خشبة المسرح، كما أن تعدد الشخصيات وتنوعها، والتنقل بينها بسلاسة، منح العرض حيوية خاصة، وخلق حالة من التفاعل المستمر مع المتلقي، بعيداً عن الجمود أو السرد المباشر».

العرض نال إشادات من الحضور (الشركة المنتجة)

وأضاف عبد الرحمن أن «عناصر العرض الفنية جاءت متوازنة، إذ اتسم الحوار بالجاذبية والقدرة على الإمتاع دون إسهاب أو خطابية، مدعوماً بمتعة بصرية واضحة على مستوى الحركة والتشكيل المسرحي»، لافتاً إلى أن الموسيقى لعبت دوراً أساسياً في تكوين المناخ العام للعمل؛ لاعتمادها على إرث أعمال باكثير.

وخلال الاحتفالية أُعلن إطلاق جائزة سنوية تحمل اسم علي أحمد باكثير، تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار أميركي، وتُمنح في مجالات عدّة تعكس تنوع تجربته الإبداعية، من بينها الشعر، والكتابة المسرحية، والرواية، والترجمة الأدبية، والنقد الأدبي، في خطوة تستهدف دعم الإبداع العربي وتشجيع الأصوات الجديدة، بجانب تكريم أسماء عدد من الفنانين الذين ارتبطت أعمالهم به، منهم أحمد مظهر، ولبنى عبد العزيز، وسميرة أحمد، وحسين رياض.