غيراردو فيلوني لـ «الشرق الأوسط»: من الصعب على أي مصمم أحذية عدم التأثر بروجيه فيفييه

مصمم الدار الحالي كان أول من لعب على أشكال الكعوب وأضاف الزخرفات والترصيعات عليها

غيراردو فيلوني يرسم تصاميمه في مكتبه الخاص
غيراردو فيلوني يرسم تصاميمه في مكتبه الخاص
TT

غيراردو فيلوني لـ «الشرق الأوسط»: من الصعب على أي مصمم أحذية عدم التأثر بروجيه فيفييه

غيراردو فيلوني يرسم تصاميمه في مكتبه الخاص
غيراردو فيلوني يرسم تصاميمه في مكتبه الخاص

لم يُصدق غيراردو فيلوني نفسه عندما فُتحت له أبواب دار «روجيه فيفييه» مصمماً فنياً في عام 2018. كان هذا أقصى أحلامه. فمؤسس الدار الذي تُوفي عام 1998، كان مُلهمه طوال سنوات عمله مع «ميوميو» و«برادا» و«هيرميس» و«ديور». أسأله ما إذا شعر بالوجل أمام مسؤولية إكمال مسيرة قُدوته، فيجيب أن الأمر كان سريالياً في البداية «وسهلاً في الواقع، لأني كنت قد حفظت إرثه عن ظهر قلب خلال سنوات عملي مع (ديور) تحديداً». يشرح عندما يرى علامة الاستغراب على وجهي: «نعم، فما لا يعرفه كثير من المتابعين للموضة، أن علاقة فنية طويلة ربطت كلاً من كريستيان ديور وروجيه فيفييه، وكان أحدهما يُكمل الآخر، إن صحَ القول. فعندما طرح كريستيان تشكيلته الثورية (ذي نيولوك) في الخمسينات من القرن الماضي، فإن فيفييه ساهم فيها بنسبة 20 في المائة، لأنّ الصورة التي رسمها السيد ديور لامرأة خارجة لتوِها من شظف الحياة خلال الحرب العالمية الثانية لم تكن لتكتمل من دونه. هو من استبدل الكعب المربع الخشن الذي كان سائداً في الأربعينات بالكعب المدبب (ستيليتو) بشكله الهندسي المعاصر، الأمر الذي أضفى على اللوك الجديد مزيداً من الأنوثة». يتابع غيراردو بنفس الحماس: «الشيء نفسه حدث مع تشكيلة (ذي موندريان) لإيف سان لوران في السبعينات. فقد ابتكر لها خصيصاً (الإبزيم) والكعب العريض والمنخفض ليواكب العصر وتطوراته، من دون أن يُفقد المرأة أنوثتها. لهذا يمكنني أن أقول؛ إن روجيه فيفييه كان سابقاً لأوانه. لم يكن مجرد صانع أحذية، بل كان مُبدعاً بكل ما تحمله الكلمة من معاني الاختراع والابتكار».

من مجموعته الأخيرة لربيع وصيف 2023

على مدى نحو 25 عاماً من العمل مع بيوت أزياء عالمية، كان فيلوني يؤمن بأن هناك مدرستين فقط في عالم تصميم الأحذية. الأولى يقودها الإيطالي سالفاتوري فيراغامو، وتتميز بالعملية، والثانية يقودها الفرنسي روجيه فيفييه وهي أكثر فنية. وحسب قوله، فإنه ليس المعجب الوحيد، أو بالأحرى المتأثر الوحيد، بالأخير، «فمانولو بلانيك واحد ممن استلهموا من فيفييه. حتى أمينة معادي». يضيف شارحاً: «أنا لا أعني أنها تتعمد تقليده، بل تخاطر أفكار وصور مترسخة في اللاوعي، إضافة إلى أن الإرث الذي خلّفه فيفييه غني بدرجة لا يمكن معها تجنُب التأثر به بشكل أو بآخر. هو من بدأ فكرة اللعب بأشكال الكعوب وإضافة الزخرفات والترصيعات على الأحذية».

يحترم فيلوني فلسفة فيفييه بأن الحذاء جزء لا يتجزأ من موضة العصر

كان الحذاء الرياضي أول تصميم أبدعه فيلوني عام 2018. زيَّنه بإبزيم الدار المشهور وبأحجار كريستال براقة لبَّت حاجة المرأة إلى حذاء مريح، وفي الوقت ذاته أنيق، خلال جائحة «كورونا». لم يعكس الحقبة التي صممه فيها فحسب، بل أيضاً عكس شخصيته الشابة وروحه الرياضية. نجاح التصميم تجارياً أثلج صدره وضمن مكانته. يُبرر سعادته بهذا النجاح قائلاً: «نحن لسنا فنانين، بل مصممين، علينا أن نُبدع ونبيع في الوقت ذاته. إنها معادلة صعبة، لكنها غير مستحيلة إذا اجتهدنا في تطوير أنفسنا. فالماضي مهْما كان رائعاً وغنياً هو مجرد أرشيف قد نستلهم منه لكن لا نستنسخه، وعدا أن الزمن يتغير فإن التقنيات والأذواق وأسلوب الحياة هي أيضاً تتغير».

رغم إدراكه أن التنوع ضروري لمخاطبة كل الأذواق  فإن كعب «الكيتن» هو المفضل لديه حتى الآن

كان اللقاء في فندق الريتز بالدوحة؛ حيث حلَّ غيراردو فيلوني ضيفاً على «فاشن تراست أرابيا» عضواً في لجنة تحكيم كانت «مهمتها غربلة 24 مرشحاً لجوائز عام 2022، ثم اختيار 5 فائزين منهم فقط». يُعلِق بحماس غامر: «كم كنت مُنبهراً بتصاميم هؤلاء المصممين الشباب، وكم تأثرت، وأنا أستمتع إلى تجاربهم وأحلامهم. أعادوني إلى بداياتي عندما كنت شاباً في مقتبل العمر، أحلم بتحقيق ذاتي».

كانت الدار أول من لعب على هندسية الكعوب وزيّنتها بالأحجار والنجوم

لكن فيلوني لم يكن مثلهم بحسب اعترافه. كان أكثر حظاً وجد الطريق أمامه مُعبداً. كان والده يملك مصنعاً للأحذية ويتعامل مع بيوت أزياء كبيرة، مثل «برادا»، و«هيرميس» و«غوتشي» وغيرها. يقول: «بالفعل شعرت وأنا أسمع قصص هؤلاء الشباب ومعاناتهم، كم أنا محظوظ لسببين. الأول لأن والدي ساعدني في وقت كان فيه كثير من العوائل ترفض عمل أبنائها في مجال الموضة، على أساس أنها مهنة لا تُغني من جوع. طبعاً الآن اختلف الأمر واكتشف الجميع أنها قد تكون جد مُربحة في حال النجاح فيها. والثاني أن الظروف كانت مواتية بالنسبة لي، بينما لا يزال على أغلب هؤلاء الشباب مواجهة كثير من التابوهات الاجتماعية لكي ينجحوا في ممارسة حقهم في اختيار مسارهم المهني». عوض أن يشجعه والده على إكمال دراسته الجامعية، نصحه بالعمل معه. يقول غيراردو ضاحكاً: «لم يكن أباً بالمعنى التقليدي للآباء الإيطاليين الذي يحلمون بحصول أبنائهم على شهادات جامعية في الطب أو الهندسة وغيرهما من التخصصات. ففي عمر 18 عاماً، كنت متحمساً للالتحاق بالجامعة لدارسة الهندسة المعمارية، عرض عليّ أن أنسى الأمر وأن أعمل في مصنعه».

من البداية أدرك أن امرأة عصره تريد الأناقة والراحة على حد سواء

يُقدر الآن أكثر من أي وقت مضى نظرة والده: «فقد أدرك بحسه التجاري أن صناعة الأحذية تتطور بشكل سريع. لكن الأهم من هذا، أنه كان ذكياً لأنه توسَم فيّ موهبة لم أكن أعرف بوجودها بداخلي في ذلك الوقت». لضمان قبوله، أغراه والده في البداية بالعمل معه خلال فترة الإجازة الصيفية فقط. ابتهج الابن لأنه كان سيحصل على مبلغ من المال قبل التحاقه بالجامعة. لم يكن يتوقع أنه في فترة قصيرة، سيُدمن رائحة الجلود ويستمتع بالتفاعل مع حرفيين من أجيال مختلفة فتحوا عيونه على عالم جديد وشاسع. في وقت وجيز، تغيَّرت صورة المكان ولم يعُد مجرد مصنع أحذية، بل نُقطة انطلاق إلى عالم الموضة الواسع. وهذا ما كان. ما أن اكتسب خبرة كافية حتى انطلق للعمل مع بيوت أزياء عالمية، مثل: «هليموت لانغ» و«برادا» و«ميوميو» و«ديور». طوال هذا الوقت، كان يعتبر «روجيه فيفييه» أكبر المُبدعين في مجاله. زادت قناعته هاته بعد التحاقه بـ«ديور». فعندما غاص في أرشيفها اكتشف الدور الذي لعبه مُلهمه في بلورة شكل «ذي نيو لوك» المفعم بالأنوثة، ومدى عبقريته في ابتكار قوالب جديدة تُدخل السعادة على نفس المرأة. أن يجعل مهمته هو الآخر أن يُسعد المرأة لم يكن صعباً على غيراردو، فهو يتميز بشخصية إيجابية، كما يعشق الألوان والورود والريش، وهو ما يجعله الرجل المناسب في المكان المناسب. الآن جاء الدور عليه لكي يعيد للدار بريقها «وينفش ريشها». وهذا تحديداً ما يقوم به منذ 4 سنوات. فقد زادت الجُرعة حتى لم تفلت التصاميم الرياضية من ميوله الجانحة للترصيع، إما بأحجار الكريستال أو الريش. وفي كل مرة، يزيد الإقبال الذي يترجم في زيادة المبيعات، ما يُشجعه على المزيد. تشكيلته الأخيرة لربيع وصيف 2023 خير مثال على هذا، وما كان جميلاً فيها أن كعوبها، بكل هندسيتها وفنيتها، متوسطة العلُو، ما يجعل تصاميمه إلى الآن تُحقق تلك المعادلة بين الأناقة والراحة. معادلةٌ أتقنها، لأنه ورثها من والده الذي كان كلما صدر تصميم جديد يطلب من زوجته المشي فيه حتى يتأكد أنه مريح.


مقالات ذات صلة

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

لمسات الموضة كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

راما منذ الآن هي سيدة نيويورك الأولى... في ملامحها ظِلّ من الشرق وحضور غربي في آن معاً... ثنائية لا تخفيها، بل تفخر بها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)

أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

بعد 14 عاماً، أعلنت دار «بالمان» ومديرها الإبداعي أوليفييه روستينغ إنهاء علاقة تجارية وفنية أثمرت على الكثير من النجاحات والإنجازات. صرحت دار الأزياء الفرنسية…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)

مجوهرات الفيروز والذهب... زواج يتجدد بلغة العصر

افتتاح المتحف المصري الكبير الذي تابعنا فعالياته مؤخراً أعاد لنا ذلك الافتتان لدرجة الهوس بكل ما هو مصري في مجالات فنية وإبداعية متنوعة. كما أعاد وهج حضارة…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تمت ترجمت الفكرة في مجوهرات ناعمة بأحجار كريمة (أختين)

علامة «أختين» المصرية تنقش من الحناء مجوهرات عصرية

لم تكن نقوش الحناء يوماً مجرد زينة. كانت ولا تزال أيضاً لغة بصرية تجسد البركة التي تشهد على كل الاحتفالات، وتُنقش بلغة فنية تُعبر عن الهوية والانتماء، وأحياناً…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة قلادة «سويتر برستيج» من «شانيل» الفائزة بالجائزة الأولى (شانيل)

«شانيل» تفوز بالجائزة الكبرى للمجوهرات الرفيعة في إمارة موناكو

حدث جديد شهدته إمارة موناكو وسينضم إلى روزنامتها الحافلة بالفعاليات العالمية المهمة، مثل سباق «فورمولا 1» ومعرض اليخوت، والأمسية الخيرية Bal De La Rose. …

«الشرق الأوسط» (لندن)

«صالون المجوهرات» يخطف الأضواء وألق الذهب والأحجار الكريمة يُزيّن الرياض

يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
TT

«صالون المجوهرات» يخطف الأضواء وألق الذهب والأحجار الكريمة يُزيّن الرياض

يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)

بتصميمات فريدة جمعت بين الابتكار والأناقة، يستعرض معرض «صالون المجوهرات 2025»، المُقام في «إيه إن بي أرينا»، ضمن «موسم الرياض»، لزوّاره، أحدث تصميمات المجوهرات والأحجار الكريمة والساعات والمقتنيات النادرة والثمينة.

وتُشارك فيه أكثر من 600 علامة تجارية فاخرة من 50 دولة، وسط أجواء تعكس الفخامة وتنوُّع المعروضات، إذ تتنافس الدُّور المُشاركة على تقديم تصميمات استثنائية تبرز دقّة الصنعة وفنّ التكوين، وسط حضور لافت يشهده المعرض مع انطلاقته في العاصمة السعودية، ضمن الموسم الترفيهي الأضخم في المنطقة والعالم.

يشهد المعرض مشاركة دُور مجوهرات عالمية تمتد جذورها لأكثر من قرنين (موسم الرياض)

كما يشهد مشاركة دُور مجوهرات عالمية عريقة تمتد جذورها لأكثر من قرنين، من بينها «دار بريجيه»، التي انطلقت في القرن الثامن عشر، وكذلك «شوبار»، و«فرنك مولر»، إلى جانب «الفردان للمجوهرات»، و«جوهان»، و«ليدا دايموند آند جولري».

وهو يُعدّ وجهة عالمية تجمع المُصمّمين والمُوزّعين والمُهتمين في تجربة حسّية متكاملة تمتزج فيها الإضاءة الفنّية والموسيقى الهادئة، ويعرض قِطع مجوهرات تُطرح للمرة الأولى عالمياً.

المعرض وجهة عالمية يتيح تجربة حسّية متكاملة (موسم الرياض)

وحضرت هيئة المواصفات السعودية «تقييس»، لتعريف الزوّار بأهمية موثوقية موازين المجوهرات والذهب، في الوقت الذي يُقدّم فيه الحدث تصميمات استثنائية راقية.

وشهدت نُسخ المعرض السابقة تسجيل مبيعات تجاوزت 53.3 مليون دولار (200 مليون ريال سعودي)، وقِطعاً استثنائية أثارت اهتمام خبراء المجوهرات، من بينها قناع مُرصّع بأكثر من 3600 ألماسة بلغت قيمته نحو مليون ونصف مليون دولار.

قِطع مجوهرات تُطرح للمرة الأولى عالمياً (موسم الرياض)

المعرض يستمر حتى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مُقدّماً تجربة فريدة لعشّاق المجوهرات والجمال الراقي، ومُحتفياً بتنوّع الذوق السعودي وقدرته على مواكبة أحدث اتجاهات التصميم العالمية.


راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
TT

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)

صورة عمدة نيويورك الجديد، زهران ممداني، وزوجته، راما دواجي، تبدو لأول وهلة جديدة على المشهد السياسي الأميركي... ثنائي شاب من أصول مسلمة، ينتمي إلى جيل «زد» ويتحدث لغته بفصاحة وشجاعة لم ترَ لها نيويورك مثيلاً. فهما لم يتنازلا في أي مرحلة من مراحل الرحلة الانتخابية عن مبادئهما الإنسانية والسياسية والفكرية الداعمة للأقليات والضعفاء.

لكن من الناحية البصرية، لا تبدو هذه الصورة جديدة تماماً. تُذكّر بالرئيس الأميركي الراحل جون كيندي وزوجته جاكي... ثنائي لا يقل كاريزما وتأثيراً على جيل كامل كان يحلم وينتظر التغيير للأفضل. فضل كبير في تجميل صورة جون كيندي يعود إلى جاكي؛ السيدة الأولى التي وظّفت الجمال والأناقة سلاحاً ناعماً ومؤثراً في الوقت ذاته.

ملكت راما بجمالها ونعومتها وثقافتها قلوب ناخبي نيويورك (رويترز)

وكما شكّلت جاكي كيندي في ستينات القرن الماضي مرآة جيل آمَن بالحلم الأميركي، تبدو راما دواجي اليوم امتداداً لذلك الإرث وأكثر... فهي تنقله إلى مرحلة أعمق وعياً وصدقاً يمكن أن تتحول فيها الموضة صوتاً للإنسانية والأقليات.

راما من الآن هي سيدة نيويورك الأولى... في ملامحها ظِلّ من الشرق وحضور غربي في آن معاً... ثنائية لا تخفيها، بل تفخر بها. مثل جاكي؛ تتمتع راما بكاريزما وجمال فريد من نوعه، ومثلها أثرت على جيل كامل من الناخبين في زمنها؛ أي من جيل «زد»، وفق تصريح من زوجها، الذي استقطب المؤثرين في حملته الانتخابية للوصول إلى هذه الشريحة.

لم يكن لأصول راما العربية والمسلمة، فهي من والدين سوريين ووُلدت في الولايات الأميركية، تأثير سلبي على الناخبين. على العكس؛ ملكت قلوبهم بصدق مواقفها أولاً، وجمالها وأناقتها ثانياً.

وقفت راما إلى جانب زوجها تنظر إليه بصمت... لكن كل ما فيها كان يتكلم... من نظرات العيون إلى الأزياء (أ.ف.ب)

الصورة التي ستبقى خالدة في الذاكرة والتاريخ، وهي تظهر إلى جانب زوجها زهران ممداني بصفته أول مسلم وأصغر عمدة يتولى هذا المنصب منذ عام 1892، جذبت اهتمام الولايات المتحدة، كما شدّت أنفاس العالم بأسره... كان فيها تصالح مع الماضي واستقبال للحاضر... وقفت فيها راما، ذات الـ28 عاماً، إلى جانبه صامتة، تنظر إليه بين الفينة والأخرى بنظرات إعجاب، شبّهها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي بنظرات الأميرة الراحلة ديانا.

بلاغة الصمت

صمتها لم يَشفِ غليل البعض؛ لأنهم لم يجدوا فيه سمات الصورة النمطية للزوجة المسلمة التابعة لزوجها من دون أن يكون لها كيان خاص أو استقلالية... فراما فنانة لها وجود وتأثير على الساحة الفنية، وقالت بصمتها كل ما يلزم قوله عن هذه الاستقلالية، إضافة إلى انتمائها الثقافي والسياسي. فما ارتدته لم يكن مجرد اختيار عادي يليق بمناسبة يفترض فيها أن تكون بكامل أناقتها، بل كان بياناً سياسياً وإنسانياً وفنياً لا يعتذر عن أفكارها ورؤيتها ودعمها القضية الفلسطينية. إطلالتها أكدت أن الجيل الذي تنتمي إليه أعلى شجاعة من الجيل الذي سبقه في صدق تعبيره عن القضايا السياسية ونبل المشاعر الإنسانية.

عبّرت راما عن ثنائية انتمائها باختيار إطلالتها من مصمم فلسطيني - أردني ومصممة نيويوركية (رويترز)

قد تبدو إطلالتها بسيطة أول وهلة، لا سيما أنها بالأسود؛ «اللون الذي لا يخيب» وتلجأ إليه المرأة عندما تكون خائفة وتريد أن تلعب على المضمون، إلا إن بساطتها كانت خادعة وعميقة في آن؛ لأنها كانت محملة بالأفكار. اختارت «بلوزة» دون أكمام من الدينم الأسود، مطرزة بتخريمات منفذة بالليزر، من تصميم الفلسطيني - الأردني زيد حجازي، الذي أبرز فيها تفاصيل التطريز الفلسطيني التراثي وزخارف القرى الفلسطينية. زيد حجازي، الذي تخرج في معهد «سنترال سان مارتينيز» بلندن، يصف علامته بأنها «استكشاف لـ(الثقافات القديمة والمعاصرة)».

نسّقت دواجي «البلوزة» مع تنورة من المخمل والدانتيل، أيضاً بالأسود، من تصميم إيلا جونسون، وهي مصممة نيويوركية تشتهر بأسلوبها الرومانسي والحرفي، الذي يستهوي النخب الفنية والبوهيمية في بروكلين. الجمع بين مصمم فلسطيني ومصممة نيويوركية يشير إلى جذورها وانتمائها إلى ثقافتين: العربية والأميركية، ويقول إن الموضة ليست مجرد مظهر أنيق وأداة جذب أو قناع واقٍ، بل هي مواقف وأفعال، وترمز أيضاً إلى جيل من المهاجرين لم يعد يكتفي بالاندماج، بل يحلم بالتأثير والمشاركة في رسم ملامح الواقع الذي يعيشه.

ما أسلوب راما دواجي؟

تتميز راما بأسلوبها الخاص وإن كانت تميل إلى الأسود في المناسبات الرسمية (أ.ف.ب)

إلى جانب أنها فنانة ورسامة ومصممة رسوم متحركة، فهي تتمتع بأسلوب بوهيمي تعبر من خلاله عن شخصية مستقلة ومتحررة فكرياً، فهي تنتمي إلى جيل الإنترنت، والـ«تيك توك» وغيرها من المنصات الشبابية. هذا الجيل يراقب العالم بعين ناقدة... يُحلله ويحلم بتغييره للأفضل، بما في ذلك صناعة الموضة، التي يفهمها ويعشقها، لكنه في الوقت ذاته يريد إخراجها من قوالبها النخبوية والتقليدية. يبدو أن دواجي توافقهم الرأي، وإذا كانت إطلالتها ليلة النصر هي المقياس، فإن المتوقع منها طيلة فترة عمدية زوجها أن تتعامل مع الموضة بوعي إنساني بوصفها جسراً تلتقي عليه الحضارات والثقافات بصدق وشفافية.


أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
TT

أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)

بعد 14 عاماً، أعلنت دار «بالمان» ومديرها الإبداعي أوليفييه روستينغ إنهاء علاقة تجارية وفنية أثمرت على الكثير من النجاحات والإنجازات.

صرحت دار الأزياء الفرنسية في بيان أصدرته بالمناسبة بأنها «تُعرب عن امتنانها العميق لأوليفييه على كتابته فصلاً مهماً من تاريخها».

من جهته، أعرب روستينغ عن مشاعره قائلاً في بيانه الخاص: «أنا ممتن لفريقي الاستثنائي في (بالمان)، كانوا عائلتي التي اخترتها في مكان كان بمثابة بيتي طوال الـ14 سنة الماضية... سأظل دائماً أحتفظ بهذه التجربة الثمينة في قلبي».

أوليفييه روستينغ يودع دار «بالمان» بعد 14 عاماً (أ.ف.ب)

لم يكن تعيين «بالمان» لروستينغ «تقليدياً» في عام 2011. كان في الرابعة والعشرين من عمره، أي كان أصغر مدير إبداعي في باريس منذ إيف سان لوران، وأول مدير إبداعي من أصول أفريقية في دار أزياء أوروبية.

صغر سنه ساهم في إدخال الدار العالم الرقمي، حيث أطلقت في عهده أحد أول «فلاتر سناب تشات» الخاصة بالعلامات التجارية، وتطبيق خاص بها، وشراكة مبكرة مع «إنستغرام» للتسوق في عام 2019، من دون أن ننسى أنه أعاد إحياء خط الأزياء الراقية في «بالمان» بعد انقطاع دام 16 عاماً.

من تصاميمه لدار «بالمان» (غيتي)

من بين إنجازاتها الكثيرة أنه نشر ثقافتها لجيل كامل وقع تحت سحر جرأته الفنية، وإن كان البعض يرى أن السحر يكمن في تعاوناته مع نجمات عالميات، نذكر منهن كيم كارداشيان وجيجي حديد وكندال جينر وبيونسي وغيرهن.

روستينغ في عرضه الأخير لخريف وشتاء 2025 مع عارضاته (غيتي)

ولد أوليفييه في مدينة بوردو الفرنسية لأبوين أفريقيين تخليا عنه ليتم تبنيه في سن مبكرة من قبل زوجين فرنسيين. على المستوى المهني، درس في معهد «إسمود» في باريس قبل أن ينضم إلى دار «روبرتو كافالي» بعد التخرج، حيث تولى في نهاية المطاف قيادة قسم الأزياء النسائية. في عام 2009، التحق بدار «بالمان» ليعمل تحت إشراف المصمم كريستوف ديكارنين، وبعد عامين خلفه بصفته مديراً إبداعياً، وفي عام 2016، قاد الدار بسلاسة خلال عملية استحواذ مجموعة «مايهولا» القطرية عليها.

رغم أن صورة وجه المصمم وإطلالاته الاستعراضية ستبقى محفورة في الذاكرة، فإن تصاميمه المبتكرة هي أكثر ما يميزه في انتظار الفصل التالي من مسيرته.