افتتاح مهرجان قرطاج الدولي بعرض «ظلموني حبايبي»

عرض فني جمع بين المسرح والسينما والرقص والموسيقى

ملصق المهرجان
ملصق المهرجان
TT

افتتاح مهرجان قرطاج الدولي بعرض «ظلموني حبايبي»

ملصق المهرجان
ملصق المهرجان

انطلقت الدورة الواحدة والخمسون لمهرجان قرطاج الدولي ليلة أول من أمس بعرض «ظلموني حبايبي»، وهي عنوان واحدة من أشهر أغنيات الفنانة التونسية الراحلة علية. والعرض الافتتاحي غنائي انطلق من فكرة وإخراج للمسرحي التونسي عبد العزيز المحرزي وأداء أبرز نجوم فرقة مدينة تونس للمسرح، وهو إنتاج مشترك بين مهرجان قرطاج الدولي وفرقة مدينة تونس (فرقة مسرحية تمولها الحكومة)، ويكرم الفنانة علية التي استطاعت أن تتحول بموهبتها وبصوتها وعذوبة موسيقاها إلى صرح فني تونسي أهّلها لتحقيق شهرة عربية واسعة.
وحضر الحبيب الصيد رئيس الحكومة التونسية، ولطيفة لخضر وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث، العرض الافتتاحي، وأكد الصيد أن الأنشطة الثقافية تساهم بفعالية كبيرة في مقاومة الإرهاب.
وقالت سنية مبارك مديرة المهرجان إن العرض الافتتاحي جاء تكريما للفنانة التونسية الراحلة علية، وهو يستعرض أهم محطات حياتها الفنية. وأضافت أنها «سهرة الوفاء ولمسة تقدير وتحية من الفرقة العريقة إلى فنانة تونسية مبدعة».
وقدم العرض بطريقة جمعت بين المسرح والسينما والرقص والموسيقى وتقمصت الممثلة التونسية كوثر الباردي دور المطربة علية بمشاركة ممثلي فرقة مدينة تونس للمسرح، بعد غياب دام أكثر من أربعين سنة، وهو موعد يتزامن مع احتفالها بالذكرى الستين لتأسيسها. وعرض «ظلموني حبايبي» عبارة عن مسرحية توثيقية برؤية إبداعية فنية يستغرق عرضها نحو الساعتين وعشرين دقيقة. وقدم عرض «ظلموني حبايبي» عدة أغانٍ مسجلة ومصورة للفنانة التونسية واستمتع الجمهور بعدة أغانٍ لا يزال يحفظها عن ظهر قلب من بينها «قالو زيني» و«دامعة» و«بني وطني» و«الساحرة» و«حبايب مصر».
وكانت المطربة التونسية علية قد خاضت تجربة فنية مميزة في مصر وقدمت ألحانا ناجحة من هنا، من بينها أغنية «ع اللي جرى» التي يرددها الكثير من الفنانين حاليا.
وعن العروض التونسية بهذه الدورة فقد تجاوزت نسبة 30 في المائة من نسبة البرمجة، وهذه العروض تقدمها كل من أمينة الصرارفي في عرض «فسيفساء عربية»، 13 أغسطس (آب) بمصاحبة فنانات من كل العالم، وعرض «تميورث» أو «ليلة اكتمال القمر» تصور موسيقي ورقص شعبي للطاهر القيزاني (الأول من أغسطس) وجاسر حاج يوسف بمشاركة أوركسترا عالمي، 30 يوليو (تموز)، الذي أدرج ضمن قسم جديد سمته «اكتشافات» يهدف إلى تشجيع الطاقات الشابة، وكذلك عرض «رقص ورسم ضوئي» وهو عرض تونسي بلجيكي فرنسي (15 أغسطس) ضمن القسم نفسه.
أما العروض العربية فنذكر من بينها اللبناني وائل كفوري والمصرية آمال ماهر يوم 31 من الشهر نفسه، والفلسطيني محمد عساف (26 يوليو).
وتحتوي البرمجة على عروض فنية مدهشة وراقية، منها العرض الضخم «ماركو بولو: طريق الحرير»، الذي يضم نحو عشرين جنسية من أنحاء العالم (15 أغسطس) وعرض «قوالي فلامنكو» يقدمه علي فايز علي وخوان غوميز و«السيرك الساحر الأفريقي» (18 و19 يوليو) وعرض بولشوي البولوني في 23 من الشهر نفسه، ويقدم الأوركسترا السيمفوني لبو عرض «شهرزاد» (28 يوليو)، أما حفل الفنان التركي عمر فاروق المقيم بأميركا فسيكون يوم (8 أغسطس).
وعلى الرغم من محاولة احترام البرمجة التي أعلن عنها خلال مؤتمر صحافي سابق، فقد اعتذرت فرق موسيقية أجنبية عن المشاركة في مهرجان قرطاج خلال دورته 51 إثر هجوم سوسة الإرهابي يوم 26 يونيو (حزيران) الماضي، وأودى بحياة 38 شخصا معظمهم من السياح البريطانيين.
وقالت هيئة تنظيم المهرجان إن الفرقة البولونية «مازوفشي» التي كانت مبرمجة يوم 23 من الشهر الحالي قد اعتذرت عن المجيء إلى تونس، وقد تم تعويضها بعرض موسيقي راقص قادم إلى تونس من جورجيا ويحمل اسم «جورجيا ليجند».
كما اعتذرت الفنانة نتالي امبروليا عن القدوم إلى تونس لإحياء سهرة فنية كانت مبرمجة في الخامس من أغسطس المقبل بمعية الفنان البريطاني شارلي ونستون، وأعلنت هيئة مهرجان قرطاج عن برمجة عرض واحد للفنان البريطاني طوال السهرة وإلغاء مشاركة نتالي في السهرة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».