دعا المستشار الألماني أولاف شولتس إلى التماسك في ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا مع الاقتراب من دخول العام الجديد والانتهاء من عام كان مليئاً بالتحديات لبلاده، مضيفاً: «ويشعر بهذا على نحو خاص مواطنو أوكرانيا الذين لا يزالون يخافون القصف الروسي».
وحذّر زعيم الحزب الاشتراكي الحاكم من تصعيد الحرب في أوكرانيا، وقال إنه «في ظل فشل الجيش الروسي» في تحقيق أهدافه فإن «خطر التصعيد كبير جداً». وجاء كلام شولتس في مقابلة أدلى بها لصحيفة «تسودويتشه تزايتونغ»، في وقت تزداد فيه التحذيرات من استعداد القوات الروسية لشن هجوم واسع على أوكرانيا خلال عطلة الأعياد في الأيام المقبلة. وجدّد المستشار الألماني دعوته لروسيا لوقف الحرب والدخول في مفاوضات مع أوكرانيا، وقال: «هدفنا أن تنهي روسيا حربها… ولكي يحصل ذلك من الضروري أن يكون هناك حديث، إن كان عبر الهاتف أو دائرة الفيديو أو على طاولة كبيرة، لا يهم». وأضاف أن على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «يقبل بأن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر»، وأن عليه سحب قواته لخلق الفرصة المتبادلة لتفاهم مشترك.
وفي كلمته الأسبوعية عبر دائرة الفيديو، دعا شولتس إلى الحفاظ على التماسك «الذي نشعر به اليوم» في دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا. واعترف شولتس بأن ألمانيا شعرت «بتداعيات الحرب الروسية في التضخم والأسعار المرتفعة والتكاليف الكبيرة للطاقة، لكننا تماسكنا كبلد واستعددنا لهذا الموقف»، مشيراً إلى محطة الغاز المسال التي افتتحها أمس أيضاً في ميناء فيلهلمسهافن. وخطت ألمانيا بافتتاح المحطة الأولى التي تخزن الغاز المسال، خطوة كبيرة تضمن استقلاليتها عن الغاز الروسي. والمحطة هي واحدة من خمس محطات تعمل ألمانيا على افتتاحها منذ بدء الحرب في أوكرانيا، لضمان عائدات غاز من موارد مختلفة عن روسيا التي كانت تزودها بأكثر من 60 في المائة من حاجتها من الغاز قبل الحرب.
وامتدح شولتس السرعة التي افتتحت بها المحطة في مدينة فيلهلمسهافن في ولاية ساكسونيا السفلى، ووصف المشروع بأنه مهم «لأمن» ألمانيا، وقال: «هذه هي الوتيرة الجديدة الآن في ألمانيا التي نعزز بها البنية التحتية، والتي يجب أن تمثل نموذجاً يُحتذى به». وأضاف: «هذا يوم جيد لنا، وعلامة جيدة للعالم بأسره على أن الاقتصاد الألماني سيكون قادراً على الاستمرار قوياً وقادراً على الإنتاج والتعامل مع هذا التحدي».
ونجحت ألمانيا في استبدال جزء كبير من الغاز الروسي بغاز من النرويج وقطر والجزائر ودول أخرى، ولكن بأسعار أعلى بكثير. وقد طرح غياب الغاز الروسي تحدياً إضافياً أمام ألمانيا التي كانت تستورد الغاز الروسي عبر أنابيب شيّدت أسفل بحر البلطيق وتصل إليها مباشرة من روسيا، من دون أن تضطر لتخزين الغاز. وقد دفعها وقف الغاز الروسي إلى البحث عن محطات لتخزين الغاز المسال الذي تستورده من دول أخرى ويستغرق وصوله مدة أطول ويصل مسالاً وفي بواخر أو شاحنات وليس في أنابيب. والخزان الذي افتتح في فيلهلمسهافن تم ملؤه بغاز من نيجيريا. وقال يوهان ليليشتام الباحث في جامعة بوتسدام لوكالة الصحافة الفرنسية إن «القدرة على الاستيراد ستكون متوفرة، لكن ما يقلقني هو تسليم الشحنات».
وأوضح أندرياس شرودر، الخبير في مركز «خدمات المعلومات السلعية المستقلة» في لندن، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «أوروبا تمكنت من الحصول على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال في الأشهر الأخيرة لأن الطلب الصيني كان ضعيفاً». وقد حذر رئيس الوكالة الوطنية للشبكات كلاوس مولر، مؤخراً، من أن «استهلاك الغاز يزداد وهذا خطر، لا سيما عندما تطول مدة موجة البرد». وأوضح شرودر: «لا يمكننا استبعاد انقطاعات في الشتاء المقبل».
لذلك تدعو السلطات الألمانية السكان إلى مواصلة جهودهم لتوفير الغاز. وقال مولر إن هدف برلين لهذا الشتاء هو اقتصاد 20 في المائة من الغاز، مقابل «13 في المائة» حالياً.
وسيبدأ الخزان بالعمل وتوزيع الغاز في 22 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وتستخدم ألمانيا الغاز عادة في المنازل، للتدفئة، وفي المعامل والمصانع. ورغم أن ألمانيا دخلت فصل الشتاء بخزانات مليئة، فإنها بدأت تستهلك الغاز بسرعة كبيرة، وفي يوم واحد، يوم الاثنين الماضي، عندما انخفضت درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، استهلكت ألمانيا 1 في المائة من مخزونها. وتزداد المخاوف من الاضطرار لاتخاذ قرارات بتأمين الغاز، بشكل أساسي عن الشركات، في حال استمر الاستخدام يتزايد بالشكل نفسه، وسط تحذيرات من أن الشتاء الحالي قد يكون الأقسى الذي تشهده ألمانيا منذ 10 سنوات. والشتاء الحالي البارد في ألمانيا، يمكن أن يؤدي إلى إفراغ الخزانات بسرعة أكبر من المتوقع.
ويفترض أن تؤمن كل هذه المنشآت ثلاثين مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، أي ثلث احتياجات ألمانيا من الغاز، ما يبعد في الوقت الراهن سيناريوهات كارثة نقص كبير كان يجري الحديث عنه قبل أشهر فقط.
ويعاني الاقتصاد الألماني من أزمة منذ قطع روسيا إمدادات الطاقة عن ألمانيا، وارتفاع أسعار الغاز بشكل كبير، ما دفع الكثير من الصناعات والأعمال إلى الحد من الإنتاج توفيراً للفواتير الباهظة. واتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات لتخفيف وقع التضخم عن الأفراد والصناعات، وقد ذكر شولتس ذلك في رسالته الأسبوعية، قائلاً إن اتخاذ تلك القرارات أسهم «بتخفيف الأعباء المالية حتى يتمكن أولئك الذين يشعرون الآن بالقلق بشأن فواتير الكهرباء المرتفعة وفواتير الغاز المرتفعة وفواتير التدفئة المرتفعة وكل فواتير الطاقة الأخرى، من الحصول على الدعم وحتى يمكن تخفيض الأسعار».
وخلافاً لبلدان أوروبية أخرى، لم تكن ألمانيا تملك محطة من هذا النوع على أراضيها وكانت تفضل أن يكون المصدر الأقل كلفة وهو خطوط الأنابيب الروسية. وتغير كل شيء مع الحرب في أوكرانيا وانتهاء عمليات التسليم من شركة غازبروم الروسية. وزادت واردات الغاز المسال إلى ألمانيا عبر الموانئ البلجيكية والهولندية والفرنسية. ولتجنب تكاليف نقل باهظة، قررت الدولة إطلاق عدد من مواقع البناء على أراضيها. لكن ألمانيا لم توقع حتى الآن عقود غاز كبيرة لملء هذه المحطات على الفور.
وكان وزير الاقتصاد والطاقة الألماني روبرت هابيك صرّح، في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، بأنه «على الشركات أن تعلم أنه إذا أردنا احترام أهدافنا (الحياد الكربوني) فستكون المشتريات الألمانية أصغر حجماً مع مرور الوقت».
وتبدو منظمات الدفاع عن البيئة مشككة أساساً؛ إذ إنها تخشى «عدم احترام الأهداف المتعلقة بالمناخ» بسبب محطات الغاز الطبيعي المسال. وأعلنت منظمة «العمل البيئي في ألمانيا»، الجمعة، عن «إجراءات قانونية» ضد فيلهلمسهافن.
برلين تدعو إلى التماسك في ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا
المستشار شولتس يشيد بسرعة إنشاء أول محطة استيراد الغاز للاستغناء عن الإمدادات الروسية
برلين تدعو إلى التماسك في ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة