«مستر باتيستا»... صاحب أول مطعم وفندق في بيروت

قصة دخول المطبخ الإيطالي العاصمة اللبنانية منذ القرن الثامن عشر

البيتزا في مطعم «تافولينا»
البيتزا في مطعم «تافولينا»
TT

«مستر باتيستا»... صاحب أول مطعم وفندق في بيروت

البيتزا في مطعم «تافولينا»
البيتزا في مطعم «تافولينا»

يرتبط لبنان ارتباطاً وثيقاً بإيطاليا عن طريق الفن والثقافة، وكذلك من حيث التبادل التجاري بين البلدين. كما أن للمطبخ الإيطالي عشاقه من اللبنانيين الذين يجدون في تناول أطباقه متعة لا تشبه غيرها. فبدءاً من قهوة الإسبريسو مروراً بالسباغيتي (المعكرونة) وصولاً إلى أطباق البيتزا، فهي عناصر تشكل أواصر هذه العلاقة. كما أن تحضير الأطباق الإيطالية يعد من الأسهل لربة المنزل أو لهواة الطبخ الرجال.
فالباستا على أنواعها تشكل وحدها لائحة من الأطباق المشهورة في كل بيت لبناني، ويستسهل تحضيرها.

«سباغيتي بولونييزي» باللحم المفروم وصلصة الطماطم

دخول المطبخ الإيطالي بيروت
منذ القرن الثامن عشر
خلال الاحتفال بـ«أسبوع المطبخ الإيطالي» في لبنان، ذكرت سفيرة إيطاليا نيكوليتا بومباردييري ضمن الكلمة التي ألقتها يوم افتتاح هذا الحدث، معلومة لفتت الجميع، فقد أكدت أن لبنان شهد افتتاح أول فنادقه على يد رجل إيطالي عرف باسم «مستر باتيستا». كان ذلك في عام 1849 عندما افتتح فندقه في بيروت، وخصص فيه مطعماً يقدم الأكلات الإيطالية.
وفي الخمسينات شهدت بيروت فورة مطاعم إيطالية توزعت على مختلف أحيائها المعروفة. فكان الإيطاليون الذين يقيمون في لبنان، بحكم مهنتهم، أصحاب هذه المبادرات. فتم افتتاح مطاعم عدة، ومن أشهرها «222» و«كوفاديس» في منطقة ميناء الحصن بالقرب من فندق «فينيسيا» اليوم.
بعد ذلك راجت المطاعم الإيطالية، حيث انتشرت في بيروت في حقبة الستينات والسبعينات. وبعد تطور هذا المطبخ وملامسته الحداثة في التسعينات انتشر بشكل أكبر في مناطق بيروتية وحتى في بعض فنادقها الفخمة.
يصل اليوم عدد المطاعم الإيطالية في بيروت ما بين 25 و30 مطعماً من دون ذكر المحلات المعروفة باسم «Pizzeria». فهذه الأخيرة تحضر بشكل واسع في كل المناطق اللبنانية من الجنوب إلى الشمال، ولكن لا يمكن تعدادها ضمن مجموعة المطاعم الإيطالية الراقية التي تقدم الأطباق على أصولها. فهي تميل أكثر نحو الطبق التجاري، وأحياناً لا تمت لطبق البيتزا الإيطالي الأصيل بأي علاقة.
المنقوشة أقدم أم البيتزا؟

في عام 1780 أطلت برأسها أول بيتزا في العالم على يد الطباخ رافاييل إسبوزيتو في مدينة نابولي الإيطالية. وأطلق عليها اسم «مارغريتا» تيمناً بالملكة مارغريت الإيطالية، والتي كانت معجبة بنكهات أطباقه.
أما في لبنان فلا يوجد تاريخ رسمي لولادة المنقوشة، لا سيما أن هذا النوع من الخبز كانت تصنعه ربات المنازل في القرى منذ مئات السنين. لدرجة أن بعض الطباخين يعتقدون بأن الإيطاليين هم من حملوا معهم مكونات هذه العجينة وكيفية تحضيرها من لبنان إلى إيطاليا.
فالمنقوشة مع الصعتر أو الكشك واللحم مع اللبنة، تنتمي إلى لائحة أولى الأكلات القروية التي كانت تحضرها ربات المنازل لأفراد عائلاتها من المونة التي تصنعها بنفسها. وكانت هذه العجينة المسطحة تخبز على الحطب كخبز عادي يضاف إليه السكر ويعرف بـ«مشطاح».
ومن ثم تطورت مكونات هذه العجينة لتتحول إلى منقوشة متعددة النكهات الشهية. ولا يستبعد ماريو حداد، أحد الذواقة المعروفين في لبنان والملمين بالمطبخ الإيطالي، هذه الفكرة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قد تكون هذه المعلومة صحيحة، ولكن لا شيء مؤكداً في هذا الخصوص. وبرأيي أن اللبنانيين أحبوا طبق البيتزا لامتلاكهم ما يشبهه في بلدهم، ألا وهو طبق المنقوشة».

«زوكيني» كوسة مقلية على الطريقة الإيطالية

ذكريات مع المطبخ الإيطالي
يتذكر اللبنانيون، من أجيال مختلفة، أسماء مطاعم إيطالية كانوا يرافقون أهاليهم إليها.
فبينهم من لا ينسى طبق البيتزا الذي كانت تحضره محلات «بوباي» في منطقة الروشة، وقد اشتهر في السبعينات. وكانت البيتزا الطبق الوحيد الذي يقدمه على لائحته بأكثر من طعم. بينما يخبرك آخرون عن غيره أكثر حداثة مثل «سكوزي» في منطقة فردان، والذي تأسس في أوائل التسعينات. وتأتي مطاعم جديدة مثل «أبيتيتو» و«تافولينا» لتشكل مقصداً للأطباق الإيطالية اللذيذة، والتي يتفنن بها الطباخة الإيطاليون الذين يحضرونها.
يعد ماريو حداد من الذواقة في الطعام، وهو رجل أعمال معروف في لبنان. ويروي لـ«الشرق الأوسط» ذكرياته مع الأطباق الإيطالية منذ كان تلميذاً في المدرسة: «لقد كنت وزملائي نوفر بعض المال كي نقصد واحداً من المطاعم الإيطالية المعروفة في بيروت في تلك الحقبة، أي في الخمسينات. وكانت الأطباق لا تزال تطبعها النفحة القروية الإيطالية بعيداً عن الحداثة التي نلامسها اليوم».
ويتابع حداد لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أحب تناول أطباق (الباستا) و(الريزوتو)، وكانت تلك المطاعم وبينها (كوفاديس) مشهورة بأصناف اللحوم الباردة التي تقدمها». ويتابع: «وُجد في تلك الحقبة نوعٌ من المعكرونة مثقوبة من وسطها تنتجه مصانع غندور في لبنان. كانت المعكرونة رائجة كثيراً وتحضرها ربات المنازل تحت عنوان (معكرونة بالحليب). وعلمنا بعد ذلك أن هذا النوع اسمه (بوكاتيني) بالإيطالية، ويتم تناوله مع صلصة خاصة تعتمد على الطماطم».
أما أشهر المطابخ الإيطالية المتنقلة بين بيروت ونابولي وجنوا، فكانت توجد على باخرتي «إسبيريا» و«أوزونيا». كانت تنظم رحلات أسبوعية بين بيروت والمدن الإيطالية الآنفة الذكر. وكان الطباخون إيطاليين ويحضرون أطيب وأهم الأطباق الإيطالية المشهورة. وكانت الباخرتان تشهدان مرتين في كل سنة حفلات تعرف بـ«أسبوع المطبخ الإيطالي». وتُجرى الأحداث في فندق «سان جورج». وهو من الأقدم في لبنان وبني في أواخر العشرينات. وكان اللبنانيون الأثرياء يتهافتون عليه في هاتين المناسبتين لتذوق أطباق إيطالية أصيلة.

دليلك إلى أهم المطاعم الإيطالية في بيروت
خلال احتفالية «أسبوع المطبخ الإيطالي» في نسخته السابعة، التي أقيمت في لبنان أخيراً بتنظيم من السفارة الإيطالية، تم إدراج أسماء 12 مطعماً تقدم أطباقاً من المطبخ الإيطالي، وقد اعتمدتها السفارة باعتبارها شركاء لها في هذا الحدث. ومن بينها «أبيتيتو» و«تراتوريا» و«أفنتي» و«بوتشيا» و«دي فارينا» و«مارينيلا»، وغيرها المنتشرة في أحياء بيروت. ومن المطاعم التي تشكل عنواناً يستحق تجربة المذاق الإيطالي فيه «ماريو إند ماريو» و«تافولينا» في منطقة مار مخايل.

مطعم «ماريو إند ماريو»
يتميز هذا المطعم بتقديمه الأطباق الإيطالية التقليدية والمحضرة بمكونات طازجة. ومن أشهرها «سباغيتي ألا ماريو» التي تحضر مع ثلاثة أنواع من البندورة، وتؤلف الصلصة الخاصة بها. فمع البندورة المشوية وأخرى الجافة وثالثة الطازجة والمقطوفة من الحديقة ستتذوق أشهى طبق معكرونة يحضر محلياً. ومن الأطباق الأخرى المشهور بها هذا المطعم «زوكيني مقرمشة» (قطع كوسة مقلية) و«بينيه أرابياتا» و«تالياتيللي بولونييزي» وغيرها. كما يحضر أنواع سلطات معروفة في المطبخ الإيطالي منها جبن «موزاريللا دي بوفولا».

مطعم «تافولينا»
يتميز هذا المطعم بدفء الجلسة، فيشعر الزبون وكأنه يتناول الطعام في منزله. يشتهر بأطباقه الإيطالية من سلطات وباستا ولحوم باردة وأخرى مطهوة مع صلصات لذيذة.
ومن أطباقه الشهيرة «كارباتشيو دي مانزو» و«كلماري ألا غريغليا» و«أرتيشوكي رومانيسكا» و«بروشيتي بومادوري أي بازيليكو».


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات «عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.