جهود السلام اليمني تقف عند خط النار

التصعيد بدأ بهجمات حوثية إرهابية... والتزام حكومي بوقف النار رغم انتهاء الهدنة

رئيس هيئة أركان الجيش اليمني الفريق صغير بن عزيز يتفقد قواته في المنطقة العسكرية السادسة بمأرب (سبأ)
رئيس هيئة أركان الجيش اليمني الفريق صغير بن عزيز يتفقد قواته في المنطقة العسكرية السادسة بمأرب (سبأ)
TT

جهود السلام اليمني تقف عند خط النار

رئيس هيئة أركان الجيش اليمني الفريق صغير بن عزيز يتفقد قواته في المنطقة العسكرية السادسة بمأرب (سبأ)
رئيس هيئة أركان الجيش اليمني الفريق صغير بن عزيز يتفقد قواته في المنطقة العسكرية السادسة بمأرب (سبأ)

للأسبوع العاشر منذ انقضاء الهدنة اليمنية لا تزال جهود السلام تراوح عند خط النار، جراء رفض الحوثيين المستمر للمقترحات الأممية وتصعيدهم غير المسبوق الذي سمّاه العالم إرهابياً ضد منشآت الطاقة وموانئ تصدير النفط، وهو ما يهدّد بعودة تفجر الأوضاع عسكرياً على نحو شامل، وفق مخاوف محلية وأممية ودولية.
ومع أنه من غير الواضح حتى الآن إن كان في يد المجتمع الدولي والأمم المتحدة ما يمكن أن يتم الضغط به لإيجاد اختراق يضع الجماعة الحوثية على مسار السلام باعتباره الأقل كلفة من ناحية إنسانية، يبدو التوصل إلى مسار من هذا القبيل بعيد المنال بخاصة في ظل قراءة الحوثيين للمساعي الدولية والأممية والتنازلات الحكومية على أنها نوع من الضعف.
ورغم الهدوء النسبي السائد على امتداد خطوط النار منذ انتهاء الهدنة وعدم تجديدها وفق المقترح الأممي في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن احتمالية انفجار الأوضاع عسكرياً لا يزال مرجحاً بقوة في ظل عجز الوسطاء الإقليميين والدوليين والمبعوث الأممي عن إقناع الحوثيين بأفضلية إنهاء الانقلاب والعودة إلى المسار الانتقالي التوافقي الذي انقلبوا عليه أواخر 2014.
وفي حين لا تخفي الجماعة الحوثية نواياها في الاستمرار في خيار العنف لتحقيق المزيد من المكاسب على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لا يبدو أن القوى اليمنية المنضوية تحت لواء الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي تستصبر إلى ما لا نهاية في «انتظار الذي لا يجيء» بخاصة بعد أن وصل التهديد الحوثي إلى العصب الاقتصادي الأهم الذي تقوم عليه الحكومة الشرعية لتسيير سلطاتها في المناطق المحررة.
المخاوف من عودة القتال على نطاق واسع، ظهرت علانية في تصريحات المبعوث الأممي الذي اكتفى في آخر إحاطاته بأن يكون كلامه أمام مجلس الأمن في جلسات مغلقة، كما عبّرت عن تلك المخاوف البيانات الأوروبية والأميركية.
أحدث هذه التصريحات جاءت في اجتماع مشترك للسفير الأميركي لدى اليمن ونظرائه في الاتحاد الأوروبي، الخميس، حيث شددوا في بيان مشترك على ضرورة تجنب التصعيد، لإعادة توسيع الهدنة الأممية.
وبحسب ما ذكره حساب بعثة الاتحاد الأوروبي على «تويتر» فقد أكد السفراء على «الحاجة لتجنب التصعيد وضبط النفس والتعاطي البنَّاء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لإعادة تثبيت هدنة طويلة وموسعة».
من ناحية أخرى، قد يرى الحوثيون أن أفضل مرحلة بالنسبة لهم هي بقاء الوضع كما هو عليه بعد أن بات في يدهم مكاسب جديدة على رأسها موارد موانئ الحديدة واستمرار تدفق الوقود دون عوائق، فضلاً عن سهولة تحرك عناصرهم عبر مطار صنعاء ولو عبر وجهة دولية واحدة حتى الآن، ما يعني أنهم حصلوا على مزيد من المال لتثبيت انقلابهم وتطييف المجتمعات المحلية الواقعة تحت سيطرتهم وتعضيد قوتهم العسكرية سواء عبر الخبرات الإيرانية أو من خلال الأسلحة المهربة.
في المقابل، بات مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية في موقف لا يحسد عليه أحد جراء عدم تمكنهم من تصدير النفط الخام من المناطق المحررة بسبب التهديدات الإرهابية الحوثية، وهذا سيلقي عليهم أعباء ثقيلة للاستمرار في إدارة هذه المناطق، ما لم يكن الخيار هو نسف كل الاتفاقات السابقة والعودة إلى الخيار العسكري، حيث يجزم أغلب الموالين للشرعية بأنه لا بديل عن استعادة صنعاء، مهما طال أمد الصراع.

عجز دولي وأممي
أمام الانغلاق الحاصل، حيث تسود أجواء اللاحرب واللاسلم، يحاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الداعمة لليمن دفع جهود الهدنة الأخيرة، وكان الخطاب قاسياً وإن لم يكن بحسب المأمول عند كثير من اليمنيين، إلا أنه لم يكن اعتيادياً ضد الحوثيين، ورغم ذلك فإن الأحداث والواقع يقولان إن الجماعة لم تنخرط ولم تتجاوب حتى مع تلك الضغوط، وهو ما عكس حالة سلبية للجهود الدبلوماسية عند الأوساط الشعبية اليمنية.
يعتقد الأكاديمي والباحث اليمني فارس البيل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن المجتمع الدولي «بات عاجزاً أمام تعنت الميليشيات الحوثية».
ويقول: «حتى الهدنة التي رأى المجتمع الدولي فيها أرضية سهلة يمكن جر الحوثية إليها، وقدم لها هدية قبول شروطها التعجيزية عبر تنازل الشرعية، باعتبار الهدنة ستشكل مدخلاً لترويض الميليشيا وإخراجها من دائرة الحرب نحو التفاوض، باتت غير مجدية وقادت إلى مزيد من التعنت»، مضيفاً أن «الميليشيا كانت أوضح من المجتمع الدولي في تعنتها السافر، ورفضها للتقدم ولو ربع خطوة، وهو ما يضع المجتمع الوسيط أمام حرج كبير، ونفاد للخيارات الناعمة مع الميليشيا، إذ لم يكن يتوقع المجتمع الدولي أن يصل الحد بالميليشيا لرفض كل خياراته، بينما الشرعية تمد يدها بيسر، والآن يبدو المجتمع الدولي لاهثاً للعودة ولو إلى الهدنة التي صارت بعيدة المنال، في حين كان يريد من الهدنة أن تحرك عربة التفاوض».
«كل هذا الانسداد الذي بنته ميليشيا الحوثي رفع من نبرة العتب ضدها من الدول الوسيطة، لكن الميليشيا ستظل تراوغ حتى لا يحصلوا منها على شيء»، طبقاً لفارس البيل، الذي جزم بأن مراد الميليشيات الحوثية يتمثل في عودة الحرب، وعلل ذلك بالقول: «إن الحرب مهمتها الأساسية والوحيدة، ومن دون الحرب والتدمير تفقد الميليشيا قيمة وجودها، وتموت، حتى إنها تخسر على كل صعيد سواء في حالة السلم أو اللاحرب، فهي ليست صاحبة مسؤولية مدنية أو سياسية أو اقتصادية تجاه الناس، وكل ما تجيده هو حشدهم للحرب وابتزازهم لأجلها».
ولا يستبعد الأكاديمي اليمني أن تندلع الحرب من جديد وفي أقرب فرصة لأن الظروف الإقليمية التي فرضت الهدنة – وفق تقديره - «ستتغير، وتعود الميليشيا لممارسة دور التهديد لأسباب داخلية، وأسباب تكتيكية ومعنوية لمساندة النظام الإيراني الذي يعاني كثيراً الآن، جراء انتفاضة الشعب الإيراني».

ترجيح كفة الحرب
على الرغم من دعم الحكومة اليمنية والتحالف وغالبية الدول المؤثرة في الأزمة اليمنية المسار الأممي والمبعوث هانس غروندبرغ، فإن الأوضاع في الشارع اليمني قد لا تتطابق مع ذلك الدعم الدبلوماسي.
هناك حالة من الشعور بالغبن، وفق محللين ربطوا استفادة المواطنين اليمنيين من الهدنة السابقة وحدهم دون غيرهم. لم تنعكس الهدنة والفوائد التي جناها مواطنون في صنعاء استطاعوا أن يسافروا للعلاج على فتح الطرق المحاصرة من قبل الحوثيين في تعز على سبيل المثال، وهو ما خلف حالة من الحنق على الأمم المتحدة.
يقرأ المحلل السياسي والإعلامي اليمني محمود الطاهر، الأمر من زاوية الإخفاق الأممي في إقناع الحوثيين حتى الآن ويرى أن الفشل «سيرجح كفة الحرب».
ويقول الطاهر لـ«الشرق الأوسط» إن المبعوث هانس غروندبرغ «يراوح في مكانه من دون قدرة على تحقيق أي اختراق في جدار الأزمة، بسبب تعنت الميليشيا الحوثية الإرهابية، وفشله في إدارة ملف المفاوضات بمهنية عادلة، وذلك نهاية على ما يبدو لكل الحلول السياسية».
ومع أن الهدنة الأممية لا تزال سارية بشروطها رغم عدم تجديدها، لكن يرى الطاهر أن ذلك أشبه بـ«الرماد الذي يطفو على الجحيم، حيث ستندلع النيران منه في حال هبوب أي نوع من الرياح، وهو ما يعني أن ما يحصل حالياً هو توقيت مؤقت واستراحة مهما كان وقتها، قبل أن تندلع حرب كبيرة، لأن العالم وصل إلى قناعة كبيرة بأن الحوثي ليس مؤهلاً للسلام».
ويعتقد أن الوضع العسكري «قد ينفجر في أي وقت في ظل المعطيات الراهنة وأهمها استمرار تعنت الحوثي ورفضه لأي مقترح أممي أو دولي، ورفضه للسلام، وفرضه للشروط المتطرفة التي تؤكد أنه جماعة إرهابية». يضيف الطاهر أن «كل ذلك يشير إلى استحالة إحلال السلام بالمفاوضات مع جماعة لا تؤمن إلا بالإرهاب والحرب والدمار، أضف لذلك رد مجلس القيادة الرئاسي تجاه هذه الجماعة، بتصنيفها إرهابية، ما يؤكد استحالة السلام معها، وهو إجراء ناتج عن وصول الجميع لقناعة بأن إحلال السلام في اليمن يجب أن يفرض بالطرق العسكرية والقضاء على الإرهاب»، وفق تعبيره.
وكانت الحكومة اليمنية دعت، في أكثر من مناسبة، المجتمع الدولي لتصنيف الميليشيات الحوثية على لوائح الإرهاب العالمي، وأقرت حظر وتجميد 12 كياناً محلياً (شركات ومؤسسات) متهمة بدعم الميليشيات، وذلك في سياق تنفيذ قرار مجلس الدفاع الوطني الرامي إلى معاقبة الجماعة وقادتها وتجفيف مصادر تمويلها بعد تصنيفها «إرهابية» وفق القوانين المحلية.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

العالم العربي غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الخميس) اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في عدن بـ«المثمر والجوهري»، وذلك بعد نقاشات أجراها في صنعاء مع الحوثيين في سياق الجهود المعززة للتوصل إلى تسوية يمنية تطوي صفحة الصراع. تصريحات المبعوث الأممي جاءت في وقت أكدت فيه الحكومة اليمنية جاهزيتها للتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر لما وصفته بـ«بتصفير السجون» وإغلاق ملف الأسرى والمحتجزين مع الجماعة الحوثية. وأوضح المبعوث في بيان أنه أطلع العليمي على آخر المستجدات وسير المناقشات الجارية التي تهدف لبناء الثقة وخفض وطأة معاناة اليمنيين؛ تسهيلاً لاستئناف العملية السياسية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

في خطوة أحادية أفرجت الجماعة الحوثية (الأحد) عن القائد العسكري اليمني المشمول بقرار مجلس الأمن 2216 فيصل رجب بعد ثماني سنوات من اعتقاله مع وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي شمال مدينة عدن، التي كان الحوثيون يحاولون احتلالها. وفي حين رحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالخطوة الحوثية الأحادية، قابلتها الحكومة اليمنية بالارتياب، متهمة الجماعة الانقلابية بمحاولة تحسين صورتها، ومحاولة الإيقاع بين الأطراف المناهضة للجماعة. ومع زعم الجماعة أن الإفراج عن اللواء فيصل رجب جاء مكرمة من زعيمها عبد الملك الحوثي، دعا المبعوث الأممي في تغريدة على «تويتر» جميع الأطراف للبناء على التقدم الذي تم إنجازه

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

في مسكن متواضع في منطقة البساتين شرقي عدن العاصمة المؤقتة لليمن، تعيش الشابة الإثيوبية بيزا ووالدتها.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

فوجئ محمود ناجي حين ذهب لأحد متاجر الصرافة لتسلّم حوالة مالية برد الموظف بأن عليه تسلّمها بالريال اليمني؛ لأنهم لا يملكون سيولة نقدية بالعملة الأجنبية. لم يستوعب ما حصل إلا عندما طاف عبثاً على أربعة متاجر.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

يجزم خالد محسن صالح والبهجة تتسرب من صوته بأن هذا العام سيكون أفضل موسم زراعي، لأن البلاد وفقا للمزارع اليمني لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة منذ سنين طويلة. لكن وعلى خلاف ذلك، فإنه مع دخول موسم هطول الأمطار على مختلف المحافظات في الفصل الثاني تزداد المخاطر التي تواجه النازحين في المخيمات وبخاصة في محافظتي مأرب وحجة وتعز؛ حيث تسببت الأمطار التي هطلت خلال الفصل الأول في مقتل 14 شخصا وإصابة 30 آخرين، كما تضرر ألف مسكن، وفقا لتقرير أصدرته جمعية الهلال الأحمر اليمني. ويقول صالح، وهو أحد سكان محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب فإن الهطول ال

محمد ناصر (عدن)

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)
TT

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)

قرر مصرف الإمارات المركزي تعليق نشاط تحويل الأموال لشركة «الرازوقي» للصرافة العاملة في الدولة، لمدة 3 سنوات، وذلك بسبب انتهاك قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

وبحسب بيان للمصرف المركزي، أرسل نسخة منه لـ«الشرق الأوسط» قال إنه تم إغلاق فرعين للشركة في منطقتي المرر وديرة بدبي، حيث اتُّخذت هذه الإجراءات الإدارية بموجب المادة 14 من قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

ووفقاً للبيان، فإن المصرف المركزي يعمل من خلال مهامه الرقابية والإشرافية، على ضمان التزام جميع شركات الصرافة ومالكيها وموظفيها، بالقوانين السارية في البلاد، والأنظمة والمعايير المعتمَدة من المصرف المركزي، مشيراً إلى أنه يهدف للحفاظ على شفافية ونزاهة النظام المالي للدولة.

وتنص المادة 14 من قانون غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الإمارات أنه يجب على جميع المرخص لهم الامتثال للمتطلبات القانونية والتنظيمية الحالية الخاصة بمواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب المحددة من قِبل المصرف المركزي، والتصدي لمخاطر غسل الأموال، وتمويل الإرهاب من خلال التدابير الوقائية المناسبة لردع إساءة استخدام القطاع قناةً للأموال غير المشروعة، والكشف عن غسل الأموال، وأنشطة تمويل الإرهاب، وإبلاغ وحدة المعلومات المالية في المصرف المركزي عن أي معاملات مشبوهة.