بدء تنفيذ حالة الطوارئ في بيرو... وكاستيّو لا يزال في السجن

أفراد من الشرطة يرافقون أنصار الرئيس السابق بيدرو كاستيّو أثناء سيرهم إلى وسط مدينة أريكويبا في بيرو (أ.ف.ب)
أفراد من الشرطة يرافقون أنصار الرئيس السابق بيدرو كاستيّو أثناء سيرهم إلى وسط مدينة أريكويبا في بيرو (أ.ف.ب)
TT

بدء تنفيذ حالة الطوارئ في بيرو... وكاستيّو لا يزال في السجن

أفراد من الشرطة يرافقون أنصار الرئيس السابق بيدرو كاستيّو أثناء سيرهم إلى وسط مدينة أريكويبا في بيرو (أ.ف.ب)
أفراد من الشرطة يرافقون أنصار الرئيس السابق بيدرو كاستيّو أثناء سيرهم إلى وسط مدينة أريكويبا في بيرو (أ.ف.ب)

بدأ تنفيذ حالة الطوارئ في بيرو، اليوم (الخميس)، حيث لم تخفت حركة الاحتجاج منذ إقالة الرئيس بيدرو كاستيّو، بعد تظاهرات خلّفت سبعة قتلى و200 جريح، على الرغم من اقتراح السلطات تقديم الجدول الزمني للانتخابات.
وتصاعدت التظاهرات العنيفة منذ تنحية رئيس الدولة. ويطالب المتظاهرون، إضافة إلى إطلاق سراح كاستيّو، باستقالة الرئيسة دينا بولوارت - التي تنتمي للحزب اليساري الرديكالي ذاته - وبحلّ البرلمان.
وقال وزير الدفاع ألبيرتو أوتارولا، الأربعاء، إنه جرى «إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثين يوماً، نحتاج إلى ردّ قوي مع (إظهار) السلطة» في مواجهة العنف، مؤكداً أنّ الإجراء يشمل «تعليق» حرية التنقل والتجمّع مع «إمكان حظر التجول».
وأوضح أنّ «الشرطة، بدعم من القوات المسلّحة، ستسيطر على كامل الأراضي»، وذلك في الوقت الذي تسمح فيه حالة الطوارئ للجيش على وجه الخصوص بالتدخّل لحفظ النظام.
وكانت الحكومة أعلنت حالة الطوارئ، الاثنين، في عدّة مقاطعات، ثمّ وسّعت نطاقها الثلاثاء.
في ظل استمرار التظاهرات، تحاول السلطة الخروج من الأزمة التي تؤثر على كل شيء.
وفي هذه الأثناء، أعلنت الرئيسة دينا بولوارت - التي كانت نائبة الرئيس كاستيّو حتى محاولته الفاشلة لحلّ البرلمان - أنها تريد مرة أخرى تقريب موعد الانتخابات.
وقالت إن الحكومة والبرلمان والهيئة الانتخابية أجروا «تعديلات» من أجل «تقريب موعد الانتخابات إلى ديسمبر (كانون الأول) 2023»، مضيفة أنه «قبل ذلك التاريخ، لا يسير الأمر بشكل قانوني. علينا أن نبقى ضمن الإطار القانوني».
وكانت بولوارت تعهدت، الأحد، بتقديم موعد الانتخابات من عام 2026 إلى أبريل (نيسان) 2024، من دون أن يؤدّي ذلك إلى وقف الاحتجاجات. وقد تأثرت هي نفسها بهذا الإجراء، فولايتها تستمر نظرياً حتى عام 2026، ذلك أنّ كاستيّو انتخب في عام 2021 لمدّة خمس سنوات وبالتالي تمتدّ فترة ولايتها وفق فترة ولايته.
وكانت التحرّكات لا تزال قوية، الأربعاء، في ظلّ قطع العديد من الطرقات. وأحصت الشرطة، مساء الثلاثاء، تجمّعات في 14 من المناطق الـ24 في البلاد. ولا يزال الجزء الجنوبي من البلاد؛ خصوصاً منطقة كوزكو السياحية، والجزء الشمالي أكثر المناطق تضرّراً.
ومنذ الثلاثاء، تمّ تعليق عمل القطار الذي يربط بين كوزكو وقلعة الإنكا في ماتشو بيتشو التي تعدّ جوهرة السياحة في بيرو، بسبب الاضطرابات.
وقالت بلدية ماتشو بيتشو إنّ نحو 779 سائحاً من جنسيات مختلفة علِقوا في المكان منذ الثلاثاء. وطلب رئيس البلدية داروين باكا المساعدة لإجلائهم.
وقالت غال دوت، وهي سائحة إسرائيلية، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يمكننا العودة إلى كوزكو ولا المغادرة إلى بلد آخر بسبب التظاهرات. معي أطفال، هذه مشكلة بالنسبة إليّ».
وأُغلق مطارا كوزكو وجولياكا (جنوب) وبونو بالقرب من بوليفيا الأربعاء «كإجراء احترازي».
وفي أركيبا ثاني مدينة في البلاد، كان العسكريون يقومون بحماية المطار والمباني العامّة لمنع أي هجمات محتملة.
في ليما، وقعت مشاحنات، مساء الثلاثاء، بين الشرطة والمتظاهرين بالقرب من البرلمان، الأمر الذي كانت تشهده العاصمة منذ أيام.
سيبقى الرئيس السابق في السجن في ثكنة واقعة في أتيه (شرق ليما). ومنح القاضي مهلة لهيئة الدفاع، في الوقت الذي كان من المقرّر أن يصدر، الأربعاء، قراراً بشأن طلب الحبس الاحتياطي لمدة 18 شهراً المقدّم من النيابة العامة أثناء الليل. لكنه أبقى الرئيس في الحجز لمدة 48 ساعة إضافية.
وكانت المحكمة العليا أمرت، في السابع من ديسمبر، باحتجاز كاستيّو لمدة سبعة أيام. وكان من المفترض إطلاق سراحه الأربعاء.
ودعا الرئيس السابق، الذي قال «لن أستسلم أبداً» خلال جلسة استماع سابقة، أنصاره للترحيب به عند خروجه من السجن.
وكتب على حسابه الرسمي على «تويتر»: «هذا يكفي! يستمر الغضب والإذلال وسوء المعاملة. اليوم، يحرمونني مرة أخرى من حريتي لمدة 18 شهراً. أطلب من لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان أن تتوسط من أجل (حماية) حقوقي وحقوق إخوتي وأخواتي البيروفيين الذين يطالبون بالعدالة».
وختم بالقول: «أحمّلكم، قضاة ومدّعين، مسؤولية ما يجري في البلاد. الشعب فقط هو من ينقذ الشعب».
أمام الثكنة، كان نحو مائة شخص يهتفون بشعارات مؤيّدة له. وقالت روكسانا فيغيرا (59 عاماً) والتي تعمل مساعدة اجتماعية: «سنبقى هنا إلى أن يخرج رئيسنا ويعود إلى كرسيه الرئاسي في القصر».
وأمر كاستيّو (53 عاماً) في السابع من ديسمبر بحل البرلمان الذي صوّت بعد وقت قصير، بغالبية كبيرة، على عزله بسبب «العجز الأخلاقي». وحاول دون جدوى اللجوء إلى السفارة المكسيكية، غير أنّه تمّ اعتقاله.


مقالات ذات صلة

برلمان بيرو يرفض مذكرة إقالة ضد رئيسة البلاد

أميركا اللاتينية برلمان بيرو يرفض مذكرة إقالة ضد رئيسة البلاد

برلمان بيرو يرفض مذكرة إقالة ضد رئيسة البلاد

رفض البرلمان البيروفي طرح مذكرة إقالة بسبب «عدم الأهلية الأخلاقية» ضد رئيسة البلاد دينا بولوارتي في إطار قمع التظاهرات الأخيرة المناهضة للحكومة التي أسفرت عن سقوط حوالى خمسين قتيلا.

«الشرق الأوسط» (ليما)
أميركا اللاتينية المحكمة العليا في بيرو تثبت قرار الحبس الاحتياطي 36 شهراً للرئيس السابق

المحكمة العليا في بيرو تثبت قرار الحبس الاحتياطي 36 شهراً للرئيس السابق

أكدت محكمة استئناف في بيرو، أمس، الجمعة قرار الحبس الاحتياطي لمدة 36 شهرا للرئيس السابق بيدرو كاستيو المتهم بالفساد والمحتجّز منذ ديسمبر (كانون الأول) بتهمة التمرد بعد محاولة انقلاب مفترضة. وورد في تغريدة للمحكمة العليا على «تويتر»: «تصادق الدائرة الجنائية الدائمة للمحكمة العليا برئاسة سيزار سان مارتن كاسترو، على الحبس الوقائي 36 شهراً بحق الرئيس السابق بيدرو كاستيو تيرون المتهم بالجريمة المفترضة المتمثلة بتشكيل عصابة إجرامية، من بين تهم أخرى». ويفترض أن يبقى كاستيو (53 عاماً) في السجن حتى ديسمبر 2025 بينما تواصل النيابة تحقيقاتها وتقرر ما إذا كان سيحاكَم على الجريمتين. وفي العاشر من مارس (آذا

«الشرق الأوسط» (ليما)
أميركا اللاتينية بسبب «الآراء الهجومية» للرئيس... بيرو تسحب سفيرها لدى كولومبيا بصورة نهائية

بسبب «الآراء الهجومية» للرئيس... بيرو تسحب سفيرها لدى كولومبيا بصورة نهائية

أعلنت بيرو، أمس (الأربعاء)، أنها «سحبت بصورة نهائية» سفيرها لدى كولومبيا، متّهمة بوغوتا بالتدخل في شؤونها الداخلية بعد شهر من استدعاء سفيرها لدى المكسيك للأسباب نفسها. وقالت وزارة الخارجية البيروفية، في بيان، إن هذه الخطوة جاءت بعد «تدخل متكرر والآراء الهجومية» للرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بيترو حول الأزمة السياسية التي تمر بها بيرو بعد الإطاحة بالرئيس اليساري بيدرو كاستيو وسجنه في ديسمبر (كانون الأول). وأضافت الوزارة أن هذه التصريحات «أدت إلى تدهور خطير في العلاقة التاريخية للصداقة والتعاون والاحترام المتبادل التي كانت قائمة بين بيرو وكولومبيا». وخلال القمة الإيبيرية - الأميركية التي عُقد

«الشرق الأوسط» (ليما)
أميركا اللاتينية رئيسة البيرو تدعو إلى حوار واسع لإنهاء الأزمة

رئيسة البيرو تدعو إلى حوار واسع لإنهاء الأزمة

دعت رئيسة البيرو دينا بولوارتي، التي تواجه أزمة سياسية واجتماعية خطيرة منذ توليها السلطة قبل شهرين، الجمعة، إلى حوار واسع لوضع «برنامج للبلاد» التي وصفتها بأنها «ديمقراطية هشة».

«الشرق الأوسط» (ليما)
أميركا اللاتينية رئيسة بيرو دينا بولوارتي ورئيس الوزراء ألبرتو أوتارولا (إ.ب.أ)

رئيسة بيرو تدعو إلى حوار واسع لإنهاء الأزمة وتحصين الديمقراطية

دعت رئيسة بيرو دينا بولوارتي التي تواجه أزمة سياسية واجتماعية خطيرة منذ توليها السلطة قبل شهرين، إلى حوار واسع لوضع «برنامج للبلاد» التي وصفتها بأنها «ديمقراطية هشة». وقالت بولوراتي في مؤتمر صحافي إلى جانب رئيس الوزراء ألبرتو أوتارولا: «سعيا إلى السلام، أدعو صراحة جميع القادة السياسيين من كل حزب، وكذلك قادة المنظمات الاجتماعية والعمال والجميع بشكل عام، إلى الاجتماع من أجل وضع برنامج للبلاد على الطاولة». أضافت الرئيسة البيروفية التي عرضت حصيلة أداء حكومتها: «نعيش في ديمقراطية هشة (...) أعتقد أنها الأكثر هشاشة في أميركا اللاتينية، لكن الأمر عائد للبيروفيين، لنا، لتعزيز هذه الديمقراطية ومؤسساتنا»

«الشرق الأوسط» (ليما)

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» انحاز إلى جانب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والكاهن االبيروفي غوستافو غوتيرّيس لعب دوراً مهماً في هذه الحركة (أ.ف.ب)
«لاهوت التحرر» انحاز إلى جانب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والكاهن االبيروفي غوستافو غوتيرّيس لعب دوراً مهماً في هذه الحركة (أ.ف.ب)
TT

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» انحاز إلى جانب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والكاهن االبيروفي غوستافو غوتيرّيس لعب دوراً مهماً في هذه الحركة (أ.ف.ب)
«لاهوت التحرر» انحاز إلى جانب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والكاهن االبيروفي غوستافو غوتيرّيس لعب دوراً مهماً في هذه الحركة (أ.ف.ب)

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية، نشوء تيّار لاهوتي مسيحي، في الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية، تحت اسم «لاهوت التحرر» (Liberation Theology)، يقوم على مبدأ أساسي يرى أن الإنجيل يفرض خيار الانحياز إلى الفقراء، ويستند إلى العلوم الإنسانية والبحوث الاجتماعية لتحديد وسائل تفعيل هذا الخيار.

شهدت أميركا اللاتينية في العقد السادس من القرن الماضي نشوء تيّار لاهوتي مسيحي في الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية تحت اسم «لاهوت التحرر» (أ.ف.ب)

أوّل الذين استخدموا هذا المصطلح كان الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس والعالم اللاهوتي الإنجيلي البرازيلي روبيم آلفيش في سلسلة من البحوث التي استندت إلى نتائج أعمال مجمع الفاتيكان الثاني، وإلى دراسات لاهوتية عدّة وضعها كهنة ومبشرون مسيحيون أوروبيون في النصف الأول من القرن الفائت، خصوصاً في ألمانيا لمواجهة محاولات الحركة النازية وضع يدها على الكنيسة.

ومع انتشار هذا التيّار في أوساط العمال والطبقات الشعبية، أصبح دعاته يتعرّضون للانتقاد والملاحقة من جانب المؤسسة الكنسية التي راحت تتهمهم بترويج الفكر الشيوعي والتحريض على التمرد والتخريب. وفي عام 1954 طلب البابا بولس الثاني عشر من جميع «الكهنة العمال» أن يعودوا إلى ممارسة نشاطهم الرعوي والكف عن «التحريض السياسي».

امرأة تصلي على جثمان الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس في العاصمة ليما (أ.ف.ب)

يعدّ المؤرخون أن «لاهوت التحرر» نشأ في مثل هذه الأيام من عام 1954 مع صدور الوثيقة الختامية لمجمع الفاتيكان الثاني التي تضمّنت تعريفاً جديداً للعلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم، عندما اجتمع عدد من أساقفة أميركا اللاتينية الذين كانوا يشاركون في ذلك المجمع، وتعهدوا تطبيق توصيات تلك الوثيقة في بلدانهم.

مع بداية النصف الثاني من القرن الفائت نشط تيار «لاهوت التحرر» في جميع أرجاء أميركا اللاتينية، وانتشر دعاته على نطاق واسع في البرازيل، والمكسيك، والأرجنتين، ونيكاراغوا والسلفادور.

البابا فرنسيس بابا الفاتيكان (أ.ف.ب)

الأب أوسكار روميروس، رئيس أساقفة سان سلفادور، عُدَّ حليفاً لثورة سلفادور ضد الطغمة العسكرية الحاكمة وتكلم ضد الظلم الاجتماعي والعنف، وحظي باحترام القوى اليسارية عالمياً في السبعينات من القرن الماضي. اغتيل عام 1980 خلال تقديمه موعظة الأحد أمام كنيسته، لكن لم تتم إدانة أي شخص في الجريمة، رغم أن الأمم المتحدة افتتحت تحقيقاً حول عملية الاغتيال. وتبين أن أحد قادة القوى اليمينية هو من أعطى الأوامر لعملية الاغتيال. في عام 2015 عدّه البابا فرانسيس شهيداً وفي عام 2018 أصبح قديساً.

وعندما انتصرت الثورة الساندينية في نيكاراغوا في يوليو (تموز) 1979، كان بين أعضاء الحكومة التي شكّلتها أربعة كهنة من حملة لواء «لاهوت التحرر»، أبرزهم وزير الثقافة إرنستو كاردينال الذي شاعت صورة له بعد سنوات راكعاً يتلقى التوبيخ من البابا البولندي يوحنا بولس الثاني الذي رفض مصافحته خلال زيارته إلى نيكاراغوا، الذي كان وضع بين الأهداف الرئيسية لحبريته محاربة الشيوعية في أوروبا ولاهوت التحرر الذي وصفه بأنه خطر أساسي يهدد الكنيسة.

في جنازة مارشلو بيريز الكاهن الكاثوليكي (أ.ف.ب)

وكانت مخاوف المحافظين من انتشار هذا التيار قد دفعت بالحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان إلى وضع وثيقة في عام 1980، أدرجت فيها مكافحة لاهوت التحرر ضمن أهداف استراتيجية الأمن القومي، وجاء فيها «تلعب الكنيسة الأميركية اللاتينية دوراً حيوياً في تحديد مفهوم الحرية السياسية. لكن استطاعت القوى الماركسية اللينينية استخدام الكنيسة سلاحاً سياسياً ضد الملكية الخاصة ونظام الإنتاج الرأسمالي، ونشرت في أوساط المؤمنين أفكاراً شيوعية أكثر منها مسيحية».

مساء الثلاثاء الماضي غاب غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً، بعد أن أحدثت بحوثه ودراساته ثورة في منهجية النشاط الكنسي والخطاب الديني المسيحي، استحق عليها التكريم والإثناء في الكثير من الأوساط الأكاديمية في أميركا اللاتينية والعالم.

تخرّج غوتيرّيس في كلية الطب بجامعة ليما، ثم نال إجازة في الفلسفة وعلوم النفس من جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا، وإجازة في اللاهوت من جامعة ليون الفرنسية وأخرى من جامعة روما. درّس اللاهوت في جامعة البيرو الكاثوليكية، وفي عدد من الجامعات الأميركية. حاضر عشرات المرات في الولايات المتحدة وأوروبا، وشارك بصفته مستشاراً لاهوتياً في أعمال مجمع الفاتيكان الثاني، وفي عام 2003 نال جائزة «أمير أستورياس» الإسبانية عن مسيرته ومساهماته في العلوم الإنسانية.

أفراد من السكان الأصليين من قبيلة «ماشكو بيرو» على نهر لاس بيدراس في مقاطعة مادري دي ديوس في بيرو (أ.ب)

في عام 1971 صدر له «آفاق لاهوت التحرر» الذي يعدّه الباحثون أكثر المؤلفات تأثيراً في المشهد اللاهوتي العالمي، والذي يقال إن البابا الراحل بنيديكت كان يجهد في أبحاثه ومنشوراته لدحض الكثير من الأفكار التي يتضمنها ويدعو إلى اعتناقها. وكان غوتيرّيس أهدى ذلك المؤلف إلى كاهن برازيلي تعرّض للتعذيب قبل اغتياله على يد «فرقة اصطياد الشيوعيين» إبان الحكم الدكتاتوري.

اللاهوت بمفهوم غوتيرّيس هو اتحاد تام ودائم بين الفكر والفعل، وتنديد صريح بالمظالم التي يتعرض لها الفقراء، والتزام اجتماعي تجاه الفئات الضعيفة والمهمشة، ومواجهة حتمية مع النظام الاستعماري والليبرالي الجديد في أميركا اللاتينية، النظام الذي أطلق عليه البابا فرنسيسكو «عولمة اللامبالاة».

عندما سئل غوتيرّيس عن رأيه في مقولة اللاهوتي الإنجيلي البريطاني وليام تمبل بأن الباحث اللاهوتي هو إنسان فطن ومثقف يمضي حياته بين الكتب بحثاً عن أجوبة دقيقة حول أسئلة لا يطرحها أحد، أجاب: «الأسئلة التي أطرحها أنا هي التالية: أين سينام الفقراء؟ كيف نخاطب الله انطلاقاً من معاناة الأبرياء؟ وكيف نتحدث عن القيامة عندما يموت الفقراء قبل الأوان؟ وكيف نتحدث عن الله الآب عندما لا يكون الناس إخوة وأخوات؟».