«شتاء الغضب» في بريطانيا

موجة إضرابات تشمل القطارات والتمريض والبريد تثير الجدل في موسم الأعياد

تسببت موجة طقس بارد في سقوط الثلوج وتعطيل حركة المرور (د.ب.أ)
تسببت موجة طقس بارد في سقوط الثلوج وتعطيل حركة المرور (د.ب.أ)
TT

«شتاء الغضب» في بريطانيا

تسببت موجة طقس بارد في سقوط الثلوج وتعطيل حركة المرور (د.ب.أ)
تسببت موجة طقس بارد في سقوط الثلوج وتعطيل حركة المرور (د.ب.أ)

على نشرة الأخبار في قناة «سكاي نيوز» تبدو صفحة شهر ديسمبر (كانون الأول) في الروزنامة مليئة بالأشغال، كل مربعاتها ملونة وكل لون له مفتاح يشرح لنا أحداث اليوم، ليست أحداثاً مرتبطة بموسم الأعياد بل هي مرتبطة بموجة غضب عامة تسود المملكة المتحدة منذ أشهر. الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تلت الجائحة أثرت على الجميع اقتصادياً، موجة الغلاء تبعتها حملة للتقشف من الحكومة لم تسهم في تهدئة القلق بين صفوف العاملين في مختلف القطاعات العامة في بريطانيا، وبدأت القطاعات المختلفة في الإضراب في طقس شديد البرودة، فيما أطلق عليه المعلقون تعبير «شتاء الغضب» إشارة إلى موجة الإضرابات العامة التي شملت بريطانيا في الفترة ما بين 1987 إلى 1979.
بالأمس، بدأ أعضاء الاتحاد الوطني لعمال السكك الحديد والبحرية والنقل (آر إم تي RMT) إضرابهم. توقفت الحركة في محطات لندن الكبرى ووقف المضربون أمام البوابات يرفعون لافتات احتجاج ومطالب بتحسين المرتبات وشروط التعاقد، بينما تحول ميك لينش، رئيس الاتحاد، إلى نجم الساعة على محطات التلفزيون والراديو، لا يهادن ولا يجامل في كلماته، يتلقى الاحتجاجات ويرد عليها مردداً مطالب أعضاء الاتحاد مراراً وتكراراً، تستضيف المحطات وزراء ومسؤولين يؤكدون أن سقف الطلبات عالٍ جداً، وأنه ليس من الممكن للحكومة تلبية الطلبات، محذرين من أن الظروف الاقتصادية الصعبة تشمل دول العالم. وبين المواطنين تسببت إضرابات القطارات في صعوبات للموظفين الذين يعتمدون عليها للوصول لأماكن عملهم. ذكر الاتحاد الوطني لعمال السكك الحديد والبحرية والنقل (آر إم تي) أن 40 ألفاً من أعضائه العاملين في شبكة السكك الحديد و14 شركة قطارات تشارك في الإضراب الذي بدأ أمس الثلاثاء، ويستمر اليوم ثمّ يُستأنف الجمعة والسبت، فضلاً عن أربعة أيام في يناير (كانون الثاني)، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. أفاد مكتب الإحصاءات الوطني بخسارة 417 ألف يوم عمل في شهر أكتوبر (تشرين الأول) وحده؛ بسبب الخلافات الاجتماعية، ما يعد المستوى «الأعلى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2011».
ولا يقتصر التحرك على موظفي السكك الحديد، بل يشمل عناصر الأمن في قطارات يوروستار التي تسير رحلات إلى أوروبا، وعناصر حرس الحدود الذين يكشفون على جوازات السفر في المطارات، ما أرغم الحكومة على التخطيط لنشر عسكريين للقيام بهذه المهام. كما يستمر أعضاء نقابة عمال الاتصالات (CWU) من موظفي البريد الملكي في الإضراب في نزاع مرير حول الأجور والشروط. من المتوقع أن يشارك أكثر من 115000 موظف بريد في الإضراب الذي سيستمر في الفترة التي تسبق عيد الميلاد، ومن المتوقع أن يعطل تسليم الرسائل والطرود.

يشهد قطاع التمريض إضراباً غير مسبوق في 15 و20 ديسمبر الحالي تنضم إليه طواقم سيارات الإسعاف (أ.ب)

قطاع التمريض يضرب للمرة الأولى
كما تطال التحركات قطاع الصحة مع لزوم الممرضات إضراباً غير مسبوق الخميس 15 وفي 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تنضم إليه طواقم سيارات الإسعاف. وستشمل الإضرابات أيضاً عدة قطاعات من الإدارة. ومن المتوقع أن يشارك ما يصل إلى 100000 ممرض في الكلية الملكية للتمريض (RCN) في أول سلسلة من الإضرابات من نوعه في إنجلترا.
وتتركز كل المطالب على زيادة الأجور في مواجهة تضخم تخطى 11 في المائة، مدفوعاً بالارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، ولا سيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

إضراب عمال البريد بسبب الأجور وشروط التعاقد (أ.ب)

«إفساد عيد الميلاد»
وأكد وزير النقل مارك هاربر عبر إذاعة «تايمز راديو»، صباح أمس الثلاثاء، أن «الأولوية الاقتصادية الأولى للحكومة هي ضبط التضخم... حتى يتمكن الناس من مواجهة كلفة المعيشة»، مذكراً بأن الحكومة «قدمت دعماً كبيراً» للأسر للتعويض عن زيادة أسعار الطاقة.
وشدد، متحدثاً لشبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية، على أن «الإضرابات سيئة للركاب، وسيئة للشركات... ليست جيدة لمستقبل السكك الحديد»، نافياً أن يكون يعرقل المفاوضات.
ومن المتوقع أن تؤثر الإضرابات بشكل سلبي على قطاعات التسوق والترفيه بشكل كبير، خاصة في فترة الأعياد؛ إذ تحدث أصحاب مطاعم وفنادق وأصحاب محلات تجارية عن تراجع الإيرادات في موسم تزداد فيه حركة الإنفاق.
وعشية التحرك في السكك الحديد البريطانية، وفيما زاد تساقط الثلوج وتشكل الجليد من البلبلة في المواصلات الأحد والاثنين، رفضت نقابة «آر إم تي» آخر اقتراحات قدمتها إدارة شبكة «نيتوورك رايل» للسكك الحديد.

إضراب عمال البريد تسبب في أزمة (أ.ف.ب)

وأكد الأمين العام للنقابة ميك لينش عبر «بي بي سي» أنه «ليس بنيتي إفساد عيد الميلاد على الناس، الحكومة هي التي تساهم في إفساد عيد الميلاد على الناس؛ لأنها تسببت بهذه الإضرابات بمنعها الشركات من تقديم اقتراحات مناسبة».
وتمسّك رئيس الوزراء المحافظ ريشي سوناك الذي تراجعت شعبية حكومته في استطلاعات الرأي، بموقف حازم متوعداً بفرض «قوانين جديدة قاسية» للتصدي لعواقب هذه الإضرابات.


مقالات ذات صلة

معرض لندني عن الضباب في روايات ديكنز

يوميات الشرق معرض لندني عن الضباب في روايات ديكنز

معرض لندني عن الضباب في روايات ديكنز

«مدينة عظيمة ومتسخة: ديكنز وضباب لندن»، هو عنوان المعرض الذي يستضيفه متحف الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز، في العاصمة البريطانية لندن، ويعكس كيف تناول صاحب رواية «أوليفر تويست»، موضوع الضباب الملوث، الذي كان ملهماً لكثير من رواياته، ومضاعفاً في الوقت نفسه لداء الربو الذي عانى منه ديكنز طيلة حياته. والمعرض، الذي يستمر حتى 22 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يحكي أيضاً عن أثر الضباب في صحة ديكنز وصحة أفراد عائلته، وكيف حاولت لندن، وفشلت، في معالجة هذه الأزمة خلال القرنين الماضيين، وكيف أن المشاجرات السياسية في يومنا الحالي، ليست بالأمر الجديد، وكيف أن المصالح المتضاربة وضعت عقبات أمام تنظيف المدينة.

كميل الطويل (لندن)
«أطلق لها العنان»... انطلقت شرارتها من الرياض وانتهت في لندن بـ 4 فائزات

«أطلق لها العنان»... انطلقت شرارتها من الرياض وانتهت في لندن بـ 4 فائزات

لم يكن هناك أفضل من أمس؛ «يوم المرأة العالمي» لكي تُعلن «بيستر كوليكشن» عن الفائزات بجوائز «أطلق لها العنان» Unlock Her Future. مبادرة من المرأة إلى المرأة استغرقت 3 سنوات من التفكير والتحضير لتنطلق شرارتها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من العاصمة الرياض، وتنتهي يوم أمس في لندن بتقديم جوائزها إلى 4 فائزات من 19 بلداً عربياً. «نحن نؤمن بعالم يُوفر للمرأة فرصاً لتحقيق ذاتها وأحلامها. أملنا من هذه المبادرة تحقيق تقدم اجتماعي هادف وقابل للتطوير في مناطق مختلفة من العالم». هذا ما استهلت به اللبنانية شانتال خويري، الرئيسة التنفيذية لشؤون الثقافة في مجموعة «بيستر» لقاءنا.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق من المهم عدم الاستهانة بالتأثير الذي يمكن أن تحدثه مشاكل الجلد على الصحة العقلية (سي بي سي)

«حب الشباب» لدى البالغين... تعرّف على الأسباب والعلاجات الشائعة

يعاني كثير من الناس، حتى عندما يتجاوزون سن المراهقة، من حب الشباب. ولكن هل من الطبيعي أن تحصل على مزيد من حب الشباب لفترة طويلة في مرحلة البلوغ؟ يقول استشاري الأمراض الجلدية الدكتور ديريك فيليبس: «حب الشباب عند البالغين شائع بشكل لا يُصدَّق...

«الشرق الأوسط» (لندن)
«إندبندنت عربية» تحتفل بـ4 سنوات على إطلاقها

«إندبندنت عربية» تحتفل بـ4 سنوات على إطلاقها

احتفلت «إندبندنت عربية» أمس (الثلاثاء)، بمرور أربع سنوات على انطلاقتها في 24 يناير (كانون الثاني) عام 2019.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم عناصر الأمن في موقع إطلاق النار (بي بي سي)

6 جرحى بإطلاق نار استهدف كنيسة في لندن

أعلنت الشرطة البريطانية سقوط ستة جرحى جراء إطلاق النار على كنيسة في لندن، بينهم طفلة في السابعة حالتها حرجة. والمصلون الذين جاءوا لحضور قداس تكريماً لأم وابنتها توفيتا في نوفمبر (تشرين الثاني)، فروا من هذه الكنيسة الكاثوليكية في العاصمة وهم يصرخون عندما بدأ إطلاق النار، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت شرطة لندن في بيان، «وقع الحادث قرب كنيسة كانت تقام فيها جنازة... وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الرصاصات أطلقت من سيارة ابتعدت بعد ذلك عن مكان الحادث».

«الشرق الأوسط» (لندن)

وسط أجواء من الفرح... الجامعات والمدارس تعيد فتح أبوابها في دمشق

طلاب سوريون يسحبون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)
طلاب سوريون يسحبون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)
TT

وسط أجواء من الفرح... الجامعات والمدارس تعيد فتح أبوابها في دمشق

طلاب سوريون يسحبون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)
طلاب سوريون يسحبون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)

«حاسين إننا تحررنا» هو الشعور السائد، اليوم (الأحد)، في الباحة الكبيرة بكلية الآداب في جامعة دمشق حيث داس مئات من الطلاب بحماسة تمثالاً يرمز إلى الحكم السابق بعد أسبوع على سقوط بشار الأسد.

وتقول ريناد عبد الله (18 عاماً): «كتير كتير الأجواء حلوة. يعني صراحة كله هيك عم يضحك ومبسوط».

وأمامها تمثال يرتفع عدّة أمتار لحافظ الأسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد من 1971 إلى 2000 قبل أن يخلفه ابنه بشار، طُرح أرضاً.

وتخبر الشابة التي تدرس الطبّ بأن لها صورة قديمة مع التمثال لكنها تنوي الآن «التقاط صورة ثانية لكن من دون التمثال».

وقال عميد كلية الآداب الدكتور علي اللحام، في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الحصص التعليمية استؤنفت، الأحد، بحضور 80 في المائة من الموظفين وعدد كبير من الطلاب.

وفي باحة الجامعة، يعبّر مئات الطلاب عن فرحتهم، هاتفين بشعارات ثورية ورافعين علم الانتفاضة المنادية بالديمقراطية التي انطلقت في 2011، وتتوسطه 3 نجوم.

وتخبر ياسمين شهاب التي تدرس الأدب الإنجليزي، وهي في التاسعة والعشرين من العمر، بأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ وقت جدّ طويل، خصوصاً أنه لم يعد للتمثال الذي كان «مثل الهمّ على القلب» وجود. وتقرّ: «حاسين إننا تحررنا»، معربة عن ثقتها بمستقبل سوريا الذي «لن يكون فيه طائفية».

وتؤكد أن «المرحلة المقبلة ستكون أحسن إن شاء الله وسنكون يداً بيد والكلّ سيكون له دور».

طلاب سوريون يشاركون في مسيرة بالقرب من حرم جامعة دمشق اليوم (أ.ف.ب)

وفي مبادرة عفوية، اتّجه آلاف الطلاب إلى ساحة الأمويين في دمشق حيث يحتفي السوريون منذ أسبوع بسقوط بشار الأسد.

وكان رئيس الوزراء محمد البشير المكلَّف المرحلة الانتقالية قد تعهّد، الأربعاء الماضي، بأن التحالف بقيادة «هيئة تحرير الشام» سيضمن حقوق الجميع في بلد متعدد الإثنيات والطوائف.

«دون قيود»

واليوم، عاد عشرات من التلاميذ إلى المدارس في دمشق للمرة الأولى منذ سقوط حكم بشار الأسد، على ما أفاد صحافيو الوكالة.

وعلى طريق المدرسة، رفعت فتيات إشارة النصر ولوّحت أخريات بعلم الثورة الذي رسمته إحداهن على خدّها.

وقالت رغيدة غصن (56 عاماً)، وهي أم لثلاثة أولاد، إن الأهل تلقوا «رسائل من المدرسة لإرسال الطلاب من الصف الرابع وحتى الصف العاشر. أما بالنسبة للأطفال فسيبدأ الدوام بعد يومين».

وفي قاعة تعليم في إحدى المدارس، لم يتغير الكثير ما خلا علم الثورة المعلّق على الحائط.

وقال موظف في المدرسة الوطنية إن نسبة الحضور اليوم «لم تتجاوز 30 في المائة» مشدداً على أن ذلك «أمر طبيعي، ومن المتوقع أن تزداد الأعداد تدريجياً».

وفي شوارع العاصمة السورية التي دخلها تحالف فصائل المعارضة المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام»، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، عادت الحياة إلى طبيعتها في العاصمة مع انطلاق السكان إلى أعمالهم صباح اليوم.

وأقيم قداس في كاتدرائية سيدة النياح (المعروفة أيضاً باسم كنيسة الزيتون) في دمشق.

على أبواب أحد الأفران في حي ركن الدين الشعبي، تجمع نحو 10 أشخاص بانتظار دورهم للحصول على الخبز، حسب أحد مراسلي الوكالة.

وقال غالب خيرات (70 عاماً): «زاد عدد أرغفة ربطة الخبز إلى 12 رغيفاً بعد أن كانت 10 خلال فترة النظام السابق، ونستطيع أن نأخذ ما نشاء من الكميات دون قيود».

على الأرصفة، انتشر باعة جائلون يعرضون صفائح بنزين، فيما فتحت بعض محطات الوقود أبوابها لبيع المحروقات بكميات محدودة.

وفي الجانب الخدمي، لا يزال سكان المدينة يعانون من ساعات تقنين طويلة للتيار الكهربائي تصل إلى نحو 20 ساعة خلال اليوم في بعض المناطق، دون وجود بدائل للتدفئة أو شحن بطاريات الهواتف والأجهزة المحمولة.