حرب أوكرانيا تزيد مخاطر الإرهاب في الداخل الروسي

إحباط 64 هجوماً... واعتقال مئات «المخربين» الأجانب في 10 أشهر

من آثار الحريق الذي شب في مركز تسوق قرب موسكو قبل أيام (أ.ف.ب)
من آثار الحريق الذي شب في مركز تسوق قرب موسكو قبل أيام (أ.ف.ب)
TT

حرب أوكرانيا تزيد مخاطر الإرهاب في الداخل الروسي

من آثار الحريق الذي شب في مركز تسوق قرب موسكو قبل أيام (أ.ف.ب)
من آثار الحريق الذي شب في مركز تسوق قرب موسكو قبل أيام (أ.ف.ب)

أظهرت حصيلة أعلنتها الأجهزة الخاصة الروسية، أن مستوى الخطر الإرهابي في البلاد تضاعف مرات عدة، منذ اندلاع أعمال القتال في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي.
وبالمقارنة مع السنوات السابقة، دلت معطيات هيئة الأمن الفيدرالي الروسي إلى تبدل ملحوظ في نوعية وشكل التهديدات التي تواجهها روسيا خلال العام الأخير.
وبعدما كان الجهد الأمني مركزاً في السابق على التصدي لنشاطات مجموعات دينية أو قومية متشددة، شغلت التهديدات المتعلقة بعمليات التخريب وجرائم الإرهاب المرتبطة بالحرب الأوكرانية الموقع الأبرز على لائحة التحديات الجديدة.
ولا يكاد يمر يوم في روسيا خلال الأشهر الأخيرة، من دون إعلان وقوع هجوم تخريبي أو اندلاع حريق في منشآت حساسة، وجزء كبير من هذه الحوادث لم يقتصر على منشآت تقع في مدن أو بلدات قريبة من الشريط الحدودي المتاخم لمسرح العمليات، إذ وقع كثير منها داخل العمق الروسي على بعد آلاف الكيلومترات من أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن الجزء الأعظم من الحوادث لم يتم ربطه مباشرة، على المستوى الرسمي، بالعمليات العسكرية الجارية، فإن ازدياد معدلات تلك الحوادث بالمقارنة مع سنوات سابقة لفت الأنظار.
وجاء التقرير الأمني السنوي، الذي قدم خلال اجتماع موسع عقد اليوم (الثلاثاء)، ليزيد من التكهنات حول مستوى تأثير الحرب في أوكرانيا على الوضع الداخلي.
عُقد الاجتماع بحضور قادة اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وأجهزة الاستخبارات، وهيئة الأمن الفيدرالي، التي ترأّس مديرها ألكسندر بورتنيكوف اللقاء.
وقال الأخير، في تقريره أمام الحاضرين، إنه نتيجة للإجراءات التي تم اتخاذها هذا العام، فقد تم إحباط 123 جريمة إرهابية، من بينها 64 هجوماً في مرحلة ما قبل التنفيذ مباشرة.
وأقر بورتنيكوف برصد زيادة ملموسة في نشاطات الاستطلاع والأنشطة التخريبية في المناطق المتاخمة لمنطقة العملية الخاصة. ووفقاً له، فإن هذا مرتبط بـ«السياسة التدميرية لسلطات كييف، وعمل أجهزة المخابرات الغربية».
وكشف تقرير لجنة مكافحة الإرهاب عن اعتقال أكثر من 400 من «المخربين» الأوكرانيين المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب. وتم اعتقال هؤلاء خلال محاولات التسلل عبر المنافذ الحدودية، أو أثناء إعداد الهجمات داخل الأراضي الروسية.
وفي السياق ذاته، تم وضع لوائح جديدة للأشخاص المحظور دخولهم الأراضي الروسية بعد تلقي معلومات عن انخراطهم في توجيه وتخطيط هجمات إرهابية في العمق الروسي.
ووفقاً للتقرير المقدم فقد ضمت هذه اللائحة أكثر من ألف شخص ثبت من التحقيقات تورطهم بشكل أو بآخر في التخطيط لأنشطة إرهابية في روسيا.
ولم تقتصر الملاحقات الأمنية، خلال الأشهر العشرة الماضية، على الأشخاص والأجهزة الأمنية «المعادية»، إذ شغلت «الحرب الإعلامية»، كما دلت التقارير المقدمة إلى الاجتماع، حيزاً مهماً في النشاط الروسي الموجه لمواجهة «حملات التضليل» الخارجية.
في هذا الإطار تم إعلان أنه منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، كثفت لجنة مواجهة الإرهاب عملها في المجال الإعلامي. وتم حجب أكثر من 3.5 ألف من مصادر الإنترنت التي «نشرت معلومات كاذبة حول مسار العملية الخاصة وأعمال القوات المسلحة الروسية».
اللافت أن النشاط الموجه ضد «حملات التضليل الإعلامي» لم يقتصر على المصادر الأوكرانية، بل شهد اتساعاً غير مسبوق في الداخل الروسي، على خلفية تطبيق قوانين تشدد من عقوبة تداول «معلومات غير مؤكدة عن مسار عمليات القتال»، لتصل في بعض الحالات إلى توجيه الاتهام بـ«الخيانة العظمى»، وهي التهمة التي وُجِّهت لمئات الأشخاص خلال الأشهر الماضية، بينهم شخصيات بارزة في مؤسسات علمية ومراكز مدنية أو عسكرية، وكان أحدثها اعتقال أحد سكان خاكاسيا (سيبيريا) بتهمة الخيانة العظمى.
وفي سياق «الحرب الإلكترونية» أيضاً، أظهرت التقارير المقدمة إلى الاجتماع الأمني، أن «الأنشطة المشتركة لهيئة حماية المستهلك ووكالات إنفاذ القانون عملت منذ فبراير الماضي على تنشيط تحركاتها في مجال تعزيز حماية الفضاء المعلوماتي من الدعاية لفكر الإرهاب».
ووفقاً للتقرير، فقد تم خلال تلك الفترة «حجب 5.7 ألف مادة ذات محتوى إرهابي على الإنترنت، وحذف أكثر من 25 ألف مادة تحرض على الإرهاب».
وحظي الوضع في المناطق الحدودية باهتمام خاص خلال الاجتماع، وأعلن بورتنيكوف زيادة ملحوظة في «عدد النشاطات الإرهابية في المناطق الحدودية»، ويرجع ذلك وفقاً للمسؤول الأمني، إلى «عدة أسباب، بينها تعاظم أنشطة الخدمات الخاصة الأوكرانية بدعم من الأجهزة الغربية».
وأشار بورتنيكوف إلى أن «عدد المظاهر الإرهابية قد زاد بشكل كبير العام الحالي، ولا سيما في المناطق الحدودية الواقعة في المقاطعة الفيدرالية الوسطى والمقاطعة الفيدرالية الجنوبية، ويرجع ذلك إلى الأنشطة الاستخباراتية والتخريبية التي تقوم بها القوات الخاصة الأوكرانية بدعم من دول غربية بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك محاولات أنصار المنظمات الإرهابية الدولية لتكوين خلايا تآمرية وارتكاب جرائم ذات طبيعة إرهابية».



تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

يتولى رئيس الوزراء الهولندي السابق، مارك روته، الثلاثاء، قيادة «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، لكن التناوب على رأس أكبر حلف عسكري في العالم لا يعني أنه سيكون بالإمكان إحداث تغيير جذري في عمله.

وقال إيان ليسر، من معهد «جيرمان مارشال فاند» للدراسات في بروكسل: «في (حلف الأطلسي) يتقرر كل شيء؛ كل شيء على الإطلاق، من أتفه الأمور إلى أكثرها استراتيجية، بالإجماع... وبالطبع؛ فإن مدى الاحتمالات المتاحة للأمناء العامين لإحداث تغيير في العمق في عمل (حلف الأطلسي)، يبقى محدوداً جداً».

ويعمل الأمين العام «في الكواليس» من أجل بلورة القرارات التي يتعين لاحقاً أن توافق عليها الدول الأعضاء الـ32.

وأوضح جامي شيا، المتحدث السابق باسم «الحلف» والباحث لدى معهد «تشاتام هاوس» البريطاني للدراسات، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الأمين العام «لديه سلطة تحديد الأجندة، وهو الذي يترأس (مجلس شمال الأطلسي)؛ الهيئة السياسية للقرار في (الحلف)». لكنه لا يمسك وحده بقرار الدخول في حرب، وليس بالتأكيد من يضغط على الزر النووي، فهاتان من صلاحيات الدول الأعضاء؛ على رأسها الولايات المتحدة.

وهذا لا يعني أن قائد «الحلف» لا يملك نفوذاً.

وأشار إيان ليسر في هذا الصدد إلى أن الأمين العام الأسبق، جورج روبرتسون، كان له دور مهم في تفعيل «المادة5» بعد اعتداءات «11 سبتمبر (أيلول) 2001» على الولايات المتحدة.

ستولتنبرغ مع روته بالمقر الرئيسي لـ«الناتو» في بروكسل يوم 17 أبريل 2024 (رويترز)

وتنص «المادة5» من ميثاق «الناتو» على أن أي هجوم على دولة عضو «سيعدّ هجوماً على كل الأعضاء»، تحت عنوان: «الدفاع الجماعي». وجرى تفعيلها مرة واحدة في كل تاريخ «الحلف» لمصلحة الولايات المتحدة ولو رمزياً.

كما أن شخصية الأمين العام الجديد سيكون لها دور، وهذا ما يثير ترقباً حيال مارك روته بعد 10 سنوات من قيادة رئيس الوزراء النرويجي السابق ينس ستولتنبرغ.

فهل يعمل على ترك بصماته منذ وصوله، أم ينتظر ولاية ثانية محتملة؟

وقال شيا إن الأمناء العامين «يميلون عند وصولهم إلى أن يكونوا مرشحي الاستمرارية، لكن إذا بقوا بعض الوقت، فهم بالطبع يزدادون ثقة».

قيادة المساعدات

ودفع ستولتنبرغ «الحلف» باتجاه تقديم دعم متصاعد لأوكرانيا، لا سيما بعد غزو روسيا أراضيها في فبراير (شباط) 2022. وطرح تقديم مساعدة سنوية لا تقل عن 40 مليار دولار لأوكرانيا، وحصل على التزام من الدول الحليفة في هذا الصدد. كما حصل على صلاحية أن يتولى «الحلف» القيادة الكاملة لعمليات تسليم المساعدات العسكرية الغربية.

زعماء «الناتو» خلال انعقاد قمتهم في واشنطن يوم 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)

يبقى أنه في زمن الحرب، تكون لوحدة الصف والاستمرارية الأفضلية على كل الحسابات الأخرى؛ مما لا يشجع على أي تغيير.

وقال دبلوماسي في «حلف الأطلسي»، طالباً عدم الكشف عن اسمه: «في ظل وضع جيوسياسي بمثل هذه الصعوبة، من المهم للغاية الحفاظ على الاستمرارية وعلى التوجه ذاته في السياسة الخارجية والأمنية».

يبقى أن الجميع في أروقة مقر «الحلف» في بروكسل ينتظرون من روته أسلوباً جديداً في الإدارة يكون «جامعاً أكثر بقليل»، بعد عقد من قيادة «نرويجية» مارسها سلفه «عمودياً»، وفق ما لفت دبلوماسي آخر في «الحلف».

ومارك روته من معتادي أروقة «حلف الأطلسي» و«الاتحاد الأوروبي» بعدما قضى 14 عاماً على رأس الحكومة الهولندية.

وهذا ما يجعل الجميع يراهن عليه بصورة خاصة لتعزيز التنسيق بين «حلف الأطلسي» والتكتل الأوروبي، في وقت يؤدي فيه «الاتحاد» دوراً متصاعداً في المسائل الأمنية.

وهذا الملف معلق بسبب الخلافات بين تركيا؛ العضو في «الحلف» من غير أن تكون عضواً في «الاتحاد الأوروبي»، واليونان حول مسألة قبرص.

وفي حال عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن الدول الحليفة تعول على مهارات روته مفاوضاً من أجل الحفاظ على وحدة «الحلف».

ورفض ستولتنبرغ إسداء أي نصيحة إلى روته في العلن، مكتفياً بالقول إنه سيكون «ممتازاً». لكنه لخص بجملة ما يتوقعه الجميع من الأمين العام لـ«الحلف» بالقول: «ستكون مهمته الكبرى بالطبع إبقاء جميع الحلفاء الـ32 معاً».