العراق يستذكر هزيمة «داعش»... في ظل استمرار قضية النازحين والمغيبين

قوة عسكرية عراقية في عملية لملاحقة عناصر «داعش» بمحافظات صلاح الدين وديالى وسامراء (وكالة الأنباء العراقية)
قوة عسكرية عراقية في عملية لملاحقة عناصر «داعش» بمحافظات صلاح الدين وديالى وسامراء (وكالة الأنباء العراقية)
TT

العراق يستذكر هزيمة «داعش»... في ظل استمرار قضية النازحين والمغيبين

قوة عسكرية عراقية في عملية لملاحقة عناصر «داعش» بمحافظات صلاح الدين وديالى وسامراء (وكالة الأنباء العراقية)
قوة عسكرية عراقية في عملية لملاحقة عناصر «داعش» بمحافظات صلاح الدين وديالى وسامراء (وكالة الأنباء العراقية)

فيما حالت الخلافات السياسية دون التوصل إلى حلول جدية بشأن استمرار هجرة ونزوح أكثر من مليوني مواطن عراقي من مناطق سكنهم بسبب احتلال تنظيم داعش نحو أربع محافظات غربية خلال شهر يونيو (حزيران) 2014، احتفل القادة العراقيون بالذكرى الخامسة للنصر العسكري على التنظيم الإرهابي.
وفي هذا السياق، وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الشكر إلى المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، الذي أفتى بقتال تنظيم داعش لمن هو قادر على حمل السلاح، وذلك بالانضمام إلى القوات الأمنية في وزارتي الدفاع والداخلية.
وقال السوداني، في تغريدة له بهذه المناسبة: «سيبقى العاشر من ديسمبر (كانون الأول) عنواناً عراقيّاً للشجاعة والتضحية بامتياز، وشكراً للمرجعية الرشيدة لفتواها التي سار على هديها الغيارى». وأضاف: «المجد لكل مَن صنع هذا النصر، وبورك الدم الطاهر الذي أعاد النبض للعراق والعراقيين»، مؤكداً أن «ذكرى النصر حافز لبناء العراق وخدمة شعبه».
وكان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أعلن، في بيان له في العاشر من شهر ديسمبر 2017، النصر العسكري على تنظيم داعش، بعد تحرير جميع الأراضي العراقية من التنظيم الإرهابي، عقب 6 أشهر من إعلان زعيم التنظيم آنذاك، أبو بكر البغدادي (قتل في غارة أميركية عام 2019)، ما سمّاها «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ومختصرها «داعش».
وجاء النصر العسكري على «داعش» بعد معارك طاحنة خاضها الجيش العراقي و«قوات الحشد الشعبي» والحشود العشائرية وقوات البيشمركة الكردية، على مدى أربع سنوات، سقط فيها عشرات آلاف القتلى والجرحى، فضلاً عن تهديم العديد من المدن وتحطيم المعالم والآثار ونزوح ملايين العراقيين داخل البلاد وخارجها.
من جهتهم، عبّر عدد من القادة العراقيين عن سعادتهم بهذا اليوم، وفي مقدمهم الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم وسواهم، مؤكدين في الوقت نفسه أهمية تضافر كل الجهود من أجل حسم الخلافات العالقة بشأن الآثار الخطيرة، السياسية والمجتمعية، التي خلفها احتلال «داعش» للأراضي العراقية.
وأكد الحكيم «أهمية الحفاظ على النصر»، كونه «لا يقل أهمية عن تحقيقه»، مؤكداً أن «فرحتنا لن تكتمل إلا بإعادة مَن تبقى من النازحين إلى مناطق سكناهم بعد تأهيلها، وأيضاً مواصلة ضرب رؤوس الإرهاب وخلاياه النائمة وصون المنجز الأمني وتفويت الفرصة على كل مَن تسول له نفسه الآثمة العبث بأمن واستقرار وطننا».
وطالب رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، في بيان له، بـ«استكمال النصر الذي حققه العراقيون بتكاتفهم وفتوى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، من خلال ترميم آثار الحرب على الإرهاب، بعودة النازحين وإعمار المناطق المحررة وضمان حقوق الشهداء والجرحى وإنصاف ذوي المغدورين والمغيبين».
من جهته، قال رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي تمت هزيمة «داعش» خلال ولايته (2014 ـ 2018) في بيان له: «لقد أنجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة». وأضاف العبادي أن الانتصار على التنظيم الإرهابي كان عراقياً بامتياز، قائلاً: «لقد تمت العمليات بتخطيط وإنجاز عراقي ومقاتلين عراقيين حصراً، ولا أجانب على الأرض»، وذلك في إشارة إلى ما كان يجري الحديث عنه على نطاق واسع من مشاركة إيران في تخطيط وتنفيذ العمليات القتالية بإشراف قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني آنذاك، الجنرال قاسم سليماني، الذي قُتل مع نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، في غارة أميركية على مطار بغداد في الثالث من يناير (كانون الثاني) عام 2020.
وفيما فقد التنظيم الإرهابي المدن التي احتلها كما فقد معظم قياداته وزعاماته البارزة، فإنه لا يزال موجوداً في مناطق مختلفة من العراق، لا سيما المناطق الواقعة بين محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى، وأبرزها سلسلة جبال حمرين.
وفي ظل عدم وجود أرقام دقيقة عن عدد العناصر المتبقية من «داعش» في العراق، فإن قيادة العمليات المشتركة أشارت في تصريحات رسمية قبل نحو شهرين إلى أن «عدد عناصر داعش بالعراق أقل من 1000 عنصر، أغلبهم محليون».
وعلى الرغم من الملاحقات المستمرة للتنظيم الإرهابي من قبل الأجهزة الأمنية العراقية، فإنه لا يزال قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق مختلفة، بسبب الحواضن الطبيعية والبشرية التي لا يزال يتحصن فيها، وهو ما يعوق عودة النازحين والمهجرين، نتيجة استمرار الخلافات السياسية، لا سيما بين المكونات السياسية السنية والمكونات السياسية الشيعية، رغم تضمين عملية عودة المهجرين والنازحين إلى ديارهم في ورقة الاتفاق السياسي التي جرى التوقيع عليها وتشكل بموجبها «ائتلاف إدارة الدولة»، الذي صوّت على حكومة السوداني.
وكان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في آخر تصريح تلفزيوني له قبل يومين، تحدى «القادة الشيعة قبل السنّة أن يدخلوا منطقة جرف الصخر» التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، والتي تم تهجير سكانها السنّة منذ عام 2015.


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع الأميركي: نحتاج لإبقاء قواتنا في سوريا لمواجهة تنظيم داعش

الولايات المتحدة​  وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا (أ.ف.ب)

وزير الدفاع الأميركي: نحتاج لإبقاء قواتنا في سوريا لمواجهة تنظيم داعش

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لوكالة أسوشيتد برس إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إبقاء قواتها في سوريا لمنع تنظيم داعش من إعادة تشكيل تهديد كبير.

«الشرق الأوسط» (قاعدة رامشتاين الجوية (ألمانيا))
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تكشف عن 4 مطالب دولية في سوريا

كشفت تركيا عن إجماع دولي على 4 شروط يجب أن تتحقق في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد وهددت بتنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الكردية في شمال سوريا وسط دعم من ترمب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

تنسيق تركي - أردني حول دعم المرحلة الانتقالية في سوريا... وعودة اللاجئين

أبدت تركيا توافقاً مع الأردن على العمل لضمان وحدة وسيادة سوريا ودعم إدارتها الجديدة في استعادة الاستقرار وبناء مستقبل يشارك فيه جميع السوريين من دون تفرقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عبد القادر مؤمن

كيف أصبح ممول صومالي غامض الرجل الأقوى في تنظيم «داعش»؟

يرجّح بأن الزعيم الصومالي لتنظيم «داعش» عبد القادر مؤمن صاحب اللحية برتقالية اللون المصبوغة بالحناء بات الرجل الأقوى في التنظيم

«الشرق الأوسط» (باريس)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم