الصومال: «حرب شاملة» تطمح لكسر صحوة «الشباب»

يتحالف فيها الجيش والمواطنون بدعم أفريقي ـ أميركي

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (أ.ف.ب)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (أ.ف.ب)
TT

الصومال: «حرب شاملة» تطمح لكسر صحوة «الشباب»

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (أ.ف.ب)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (أ.ف.ب)

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود تعهّد مع بداية ولايته الأولى عام 2012 بإلحاق الهزيمة بحركة «الشباب» المتطرفة الموالية لتنظيم «القاعدة» في غضون عامين، ولكن بعد مرور عشر سنوات ما زال المسلحون يشكلون تحدياً صعباً في بلد يموج بالاضطرابات الأمنية والسياسية، بل إنه ووفقاً لمراقبين زادت الحركة «تطوراً وقوة» عما كانت عليه عام 2012. في ظل سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي مكّنتها من تأسيس حكومة موازية. واليوم، مع عودته للحكم مجدداً، في مايو (أيار) الماضي، يطمح شيخ محمود في أن يتمكن، عبر الفرصة الثانية التي سنحت له، من كسر «الشباب»، معتبراً القضاء عليها «أولوية قصوى» من خلال «حرب شاملة»، مستنداً في ذلك إلى ظهير شعبي داعم ومشارك في الحرب، بجانب قوى دولية تدرك أهمية استعادة الاستقرار في ذلك البلد الاستراتيجي بمنطقة القرن الأفريقي.
ترتكز استراتيجية الحكومة الصومالية الجديدة، التي أعلن عنها شيخ محمود، في سبتمبر (أيلول) الماضي، للقضاء على خطر حركة «الشباب»، على أربعة محاور أساسية، تشمل عملية عسكرية واسعة مشتركة مع قوات التحالف الأفريقي والأميركي، وإعادة صيغة الخطاب الديني بما يحد من الفكر المتطرف، وتحجيم القدرات الاقتصادية للحركة، وأخيراً التضييق الإعلامي على الحركة، خصوصاً عبر مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي.
وجاء الإعلان عن الاستراتيجية الجديدة بعد فترة قصيرة من شن مقاتلي الحركة واحدة من أكبر عملياتها على الإطلاق، حين اقتحموا فندقاً قريباً من القصر الرئاسي، في العاصمة مقديشو، وتحصن المهاجمون داخل الفندق لمدة 30 ساعة.
وقال مسؤولون إن أكثر من 20 شخصاً قُتلوا في الهجوم على الفندق، كما أُصيب 117. وراهناً، يعمل الرئيس محمود على حشد الجيش الصومالي وعشائر مدعومة من الحكومة، في محاولة لاسترداد القرى والبلدات من أيدي التنظيم الذي يسيطر على مساحات شاسعة من البلاد.

تطوّر محفوف بالمخاطر
يمكن اعتبار إعلان الرئيس حسن شيخ محمود «الحرب الشاملة على حركة الشباب»، تطوراً مهماً ومطلباً أمنياً للشعب الصومالي، إلا أن المحلل السياسي خالد أيجيح، المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، المقيم في كيان «صوماليلاند» المتاخم للصومال، يرى أن ثمة مخاطر وعيوباً تشوب هذه العملية، أبرزها أن «الحكومة الصومالية في مقديشو تستعين بالميليشيات القبلية في حربها ضد حركة الشباب في وسط وجنوب الصومال، وسلّمت كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات المملوكة للحكومة، وهو ما قد يؤدي إلى استخدام الميليشيات هذه الأسلحة والمعدات، بعضها ضد بعض، أو ضد الحكومة، أثناء أو بعد هزيمة الحركات الإرهابية».
وما يعزز هذه الفرضية استخدام الميليشيات عينها الأسلحة التي كانت حصلت عليها بعد انهيار الدولة المركزية عام 1991، بعضهم ضد بعض، وضد الحكومة أيضاً.
ثمة نقطة أخرى مهمة، وفق تصريحات أيجيح لـ«الشرق الأوسط»، هي مهمة القوات الأفريقية المنشورة في الصومال إذا لم تشارك في المعارك الجارية بجدية ضد حركة «الشباب»؛ إذ يبلغ عدد القوات الأفريقية التي جُلبت لمهمة السلام في الصومال نحو 20 ألف جندي من جنسيات أفريقية كثيرة، لكن الملحوظ أن هذه القوات لا تشارك في المعارك المباشرة ضد الحركة المتطرفة، بل تكتفي بحراسة المقرات الحكومية والمطارات وما إلى ذلك. ويلفت المحلل السياسي إلى أهمية التركيز على الجوانب العقائدية والفكرية والاقتصادية للحركة، بقدر البعد الاستخباراتي والأمني نفسه، خاصة أن الحركة تحصل على 80 في المائة من تمويلها عبر جمع الضرائب والزكاة من رجال الأعمال والتجار في مقديشو وجنوب ووسط الصومال، وبالتالي، يستحيل الانتصار على الحركة فقط بالتركيز على الشق العسكري.
وهنا، لوقف مصادر تمويل حركة «الشباب»، أعلنت الحكومة الصومالية إلغاء ترخيص أي شركة تدفع الضرائب التي تطلبها الحركة، كما أعلنت الولايات المتحدة عن تقديم نحو عشرة ملايين دولار أميركي، مقابل أي معلومات تسمح «بتعطيل الآليات المالية».

طموحات توسعية
للعلم، حركة «الشباب» تسعى إلى الإطاحة بالحكم المدني في الصومال، وإرساء حكم جديد يقوم على تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية. بيد أن طموحها لا يتوقف عند هذه المرحلة، كما يحذر عثمان باونين، السياسي السوداني وخبير شؤون القرن الأفريقي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحركة تعمل في الوقت نفسه على زعزعة الأمن في منطقة البحر الأحمر ومحيطها، ولديها أفكارهم للتوغل في دول الجوار في القرن الأفريقي».
وراهناً تسيطر الحركة على جزء كبير جنوب ووسط الصومال، لكنها استطاعت بسط نفوذها في مناطق تسيطر عليها حكومة مقديشو. وهاجم مقاتلو الحركة أهدافاً على طول الحدود بين الصومال وإثيوبيا في وقت سابق من العام، ما أثار المخاوف بشأن احتمال وجود استراتيجية جديدة لديها. ويضيف باونين: «الآن على الحكومة الحالية في الصومال، وبالتعاون مع المجتمع الدولي، السعي لاجتثاث جذور حركة (الشباب المجاهدين) من أجل استقرار الصومال، وأيضاً لتأمين منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي»، لافتاً إلى الإمكانيات المحدودة لدى الحكومة الصومالية، ما يستوجب التزام المجتمع الدولي بتكثيف الدعم اللوجيستي والمالي للقوات الصومالية.
حركة «الشباب» تجمع حالياً أموالاً تضاهي ما تجنيه السلطات الرسمية، باستخدامها التخويف والعنف. ووفق تقرير نشره «معهد هيرال»، المتخصص في الشؤون الأمنية، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يجبي مسلحوها نحو 15 مليون دولار في الشهر، ويأتي أكثر من نصف المبلغ من العاصمة مقديشو. ويصف التقرير الطريقة التي تأخذ بها الجماعة الأموال من سكان الريف بـ«الوحشية».
وأورد التقرير أنّ «الخوف والتهديد الحقيقي لحياتهم هو الدافع الوحيد الذي يجعل الناس يدفعون أموالاً لحركة (الشباب)».
وحسب «معهد هيرال»، بعكس الحكومة الصومالية، فإنّ حركة الشباب «تدر فائضاً مالياً كبيراً»؛ إذ يزداد مقدار الأموال التي تجمعها سنوياً، بينما تظل تكاليفها التشغيلية ثابتة إلى حدّ ما. ويضيف التقرير المستند إلى مقابلات مع أعضاء الحركة المتطرفة ورجال أعمال ومسؤولين حكوميين وغيرهم، أنّ جميع الشركات الكبرى في الصومال تقدم للحركة المال، سواء على شكل مدفوعات شهرية، أو «زكاة» سنوية، بنسبة 2.5 في المائة من الأرباح السنوية. ويشتكي رجال الأعمال في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من أنه يتوجب عليهم دفع المال لكل من المسلحين والحكومة، ويشمل ذلك رجال الأعمال في مقديشو، حيث مقر الحكومة، وفي مدينتي بوساسو وجوهر، وبدرجة أقل في كل من كيسمايو وبايدوا، وجميعها مناطق تقع رسمياً خارج سيطرة المتشددين. وبينما يمثل ميناء مقديشو مصدراً أساسياً لإيرادات الحكومة الصومالية، فإن الحركة «تفرض ضرائب» على الواردات، وتحصل على بيانات سفن الشحن من مسؤولين بالميناء. يذكر هنا «معهد هيرال» أن العديد من موظفي الحكومة يقدمون جزءاً من رواتبهم للحركة بأمل أن يتركهم مسلحوها وشأنهم، رغم اعتبارهم أهدافاً مشروعة. ويفصّل موظفو الدولة وغيرهم من العاملين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة كيفية اتصال المسلحين بهم عبر الهواتف الجوالة للمطالبة بالمال.
نجاحات نسبية
في هذه الأثناء، رغم الخسائر الكبيرة التي تسببها العمليات الإرهابية للحركة، التي تحظى بتغطية إعلامية دولية بارزة، تسوّق الحكومة الصومالية الجديدة عدداً من النجاحات النسبية منذ قدومها، بينها تصفية عدد من قيادات الحركة البارزين، واستعادة عدد من معاقلها. ومع إقراره بأنه لا يمكن هزيمة حركة «الشباب» بالقوة وحدها، أقدم الرئيس حسن شيخ محمود، على خطوة جريئة، يوم 2 أغسطس (آب) الماضي، عندما عيّن مختار روبو، النائب السابق لقائد الحركة والناطق باسمها قبل انشقاقه، وزيراً للشؤون الدينية، كجزء من استراتيجية جديدة لإنهاء الصراع.
ويُعدّ روبو أحد الأعضاء المؤسسين لحركة «الشباب»، وتلقى تدريبات في أفغانستان، كما كان مُدرجاً على «القائمة الأميركية للإرهابيين المطلوبين»، مع مكافأة مقدارها 5 ملايين دولار.
لكن روبو اختلف مع الحركة عام 2013، وندّد بها علناً، بل وتبرّع بالدم لضحايا انفجار ضخم نجم عن شاحنة مفخخة في مقديشو، خلال أكتوبر 2017، وأودى بحياة ما يقرب من 600 شخص. وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2018، اعتقل روبو، وظل رهن الإقامة الجبرية حتى تعيينه وزيراً في الحكومة. وقال إنه تلقى خبر تعيينه بالهاتف أثناء وجوده رهن الاحتجاز.
وفي مقابل فرحة شعبية عدتها انتصاراً، وصفت حركة «الشباب» قبول نائب قائدها السابق منصباً حكومياً «جريمة شنعاء» تستوجب العقوبة القصوى. وقال المتحدث باسم الجماعة علي دهيري، في بيان مسجل مدته 10 دقائق، إن «روبو مرتدّ ودمه مهدور»، إلا أن الرئيس شيخ محمود يؤمن بأن تعيين روبو وتجديد الهجوم العسكري على معاقل الحركة سيضعفانها بدرجة كافية لإرغامها على الدخول في مفاوضات.
ولكن إلى حين التيقن من نتيجة رهان الحكومة الصومالية، وما إذا كانت ستنجح في كبح جماح الحركة أم تفجّر عمليات انتقامية جديدة، أعلنت الحكومة، يوم 3 أكتوبر الماضي، عن عدد من النجاحات العسكرية على الأرض، بينها قتل القيادي عبد الله نذير، الرجل الثاني في تسلسل القيادة، والخليفة المحتمل لقائد حركة «الشباب»، أحمد ديري، الملقب بأبي عبيدة، نتيجة غارة جوية في إقليم جوبا الوسطى بجنوب البلاد، نفذتها القوات الصومالية والقوات الدولية المتحالفة معها لمحاربة «الشباب»، في منطقة شرق أفريقيا. ويُعتبر نذير من أخطر عناصر الحركة، وشغل سابقاً منصب مسؤول الدعوة فيها، إضافة إلى رئاسة «مجلس شورى الجماعة»، ومسؤول شؤونها المالية.
كذلك، أعلنت الحكومة الصومالية، يوم 4 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اعتقال عبد الصمد ليبان محمد، مسؤول الحركة في مدينة دوسمريب عاصمة ولاية غلمدغ، ومسؤول قاعدة البيانات والمعلومات للحركة في دائرة وسط الصومال. وجاءت عملية الاعتقال بمشاركة الجيش الصومالي والميليشيات القبلية. وأيضاً، أثمرت المواجهات تكبيد القوات الحكومية حركة «الشباب» خسائر كبيرة، خلال أكتوبر الماضي، في منطقة جنالي بإقليم شبيلي السفلي قرب العاصمة مقديشو، حيث قتل محمد نور شري، المسؤول الأول للحركة في الإقليم، بالإضافة إلى 13 فرداً من الحركة.
وشملت النجاحات استعادة أراضٍ تابعة للحركة المسلحة، بمساندة من مسلحي العشائر، منها نحو 40 موقعاً في غضون ثلاثة أشهر من قبل التحالف الذي يضم الجيش الصومالي وقوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، والعديد من الميليشيات المدنية والمزارعين، وبدعم القوات العسكرية الأميركية. وكان الجيش الصومالي، بعد عملية سابقة، قد أعلن عن قتل 3 من عناصر الحركة بمنطقة مقوكوري التابعة لبلدة محاس بإقليم هيران، وسط الصومال، ووفق قيادة الفرقة 27 من الجيش، فإن القتلى هم المسؤولون عن جمع الضرائب (الإتاوات) لصالح الحركة. وجاءت تصفية مسؤولي الإتاوات بعد أيام من استعادة الجيش السيطرة الكاملة على عدة قرى في محافظة شبيلي الوسطى، بعد يوم واحد من إعلانه قتل العشرات من المسلحين قرب شبيلي وهيران.
تأتي هذه العمليات العسكرية، بالتزامن مع تنفيذ أحكام قضائية بالإعدام على عناصر من «الشباب»، بعد إدانتهم في قضايا قتل وإرهاب، كان آخرها مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، بعدما أعدمت محكمة عسكرية صومالية عنصرين من عناصر الحركة، إثر إدانتهما في قضية اغتيال ضابطي أمن في 2019. كذلك أعلن الجيش، في الأسبوع الأول من نوفمبر، مقتل أكثر من 100 عنصر من عناصر الحركة في عمليات بوسط البلاد بمساعدة الأهالي، منها معركة وُصفت بـ«الضارية»، في منطقة عيل هريري التابعة لناحية مقوكوري بمنطقة هيران. ووفق الناطق باسم وزارة الدفاع، الجنرال عبد الله علي عانود، فإن الجيش شن هجوماً برياً وجوياً على منطقتين في محافظة هيران، بعد تجمُّع «الإرهابيين»، بمشاركة قوات محلية عشائرية مناهضة للحركة.
لكن الضربات التي تلقتها الحركة ليست فقط من الداخل، بل فرضت وزارة الخزانة الأميركية في أكتوبر الماضي عقوبات على 6 أعضاء في «الشباب» كوَّنوا شبكة لشراء الأسلحة وعمل التسهيلات المالية واستقطاب الأفراد. وأعلنت واشنطن، منتصف نوفمبر، عن زيادة بمبلغ 10 ملايين دولار أميركي لمكافأة مَن يدلي بمعلومات عن ثلاثة من قادة الحركة. وأشار «برنامج المكافآت من أجل العدالة» التابع لوزارة الخارجية الأميركية (...) إلى زيادة عروض المكافآت التي تصل إلى 10 ملايين دولار «بهدف الحصول على معلومات تؤدي إلى تحديد مواقع القادة البارزين: أحمد ديرية ومهاد كاراتيه وجهاد مصطفى».

ضربات موجعة
وحقاً، يبدو أن نجاح استراتيجية «الحرب الشاملة»، حسب الخبير باونين، «أمر يحتاج إلى أمد طويل»، كما أنه محفوف بالمخاطر والمخاوف من فقدان الأمل والصبر. ورغم المكاسب العسكرية الأخيرة، نجحت حركة «الشباب» في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية الدموية والموجعة، لعل أبرزها مقتل 100 شخص وإصابة 300 آخرين بجروح في تفجير سيارتين أمام وزارة التعليم في مقديشو، نهاية أكتوبر الماضي. وهو التفجير الذي علق عليه الرئيس شيخ محمود بالقول: «أهلنا الذي قُتِلوا، بينهم أمهات يحملن أولادهن بين أذرعهن، وآباء يعانون من مشاكل طبية، وطلاب ذاهبون إلى مدارسهم، ورجال أعمال يشقون من أجل عائلاتهم». ولقد وقعت العملية، التي أعلنت الحركة مسؤوليتها عنها، في مكان تفجير شاحنة عام 2017؛ ما سبب مقتل 500 شخص، وكان الاعتداء الأشد دموية في تاريخ البلاد.
وبنهاية نوفمبر الماضي، حسمت قوات الأمن الصومالية معركة استمرت أكثر من 20 ساعة، مستعيدة السيطرة على فندق قريب من القصر الرئاسي في العاصمة تحصن فيه مسلحون من الحركة. ولقي ما لا يقل عن 15 شخصاً، بينهم ثمانية مدنيين، حتفهم أثناء حصار فرضه المسلحون على الفندق، قبل سيطرة الشرطة على الوضع. كذلك نجحت قوات الأمن في إنقاذ نحو 60 مدنياً، دون أن يصاب أي من المدنيين بجروح. وإلى جانب المدنيين الثمانية القتلى، قُتل عنصر من الشرطة، وسقط خمسة قتلى من مسلحي الحركة.
ويرى مراقبون أن تكرار هذه الهجمات الدموية يأتي رداً على التهديد الوجودي الذي تتعرض له الحركة حالياً. وهو الأمر الذي أقره الرئيس شيخ محمود، حين قال، في منتصف نوفمبر، إنّ «العودة إلى الوراء أو الهزيمة ليستا خياراً»... لكنّ «تحرير البلاد» الموعود ستتخلّله تحدّيات كبرى.

موقع انفجار في العاصمة الصومالية في 30 أكتوبر الماضي (رويترز)

«المجاعة» تطرق أبواب الصومال وتزاحم خطر الإرهاب
> وسط التحديات الأمنية الملحة، تطرق المجاعة أبواب الصومال بقوة، مزاحمة الخطر الإرهابي الذي تشكله حركة «الشباب»، وسط مخاوف من تأثيرها على تقويض جهود مكافحته. ووفق تحذير رسمي للأمم المتحدة، فإن مجاعة وشيكة ستحل على مناطق بالصومال نهاية العام الحالي، في ظل تفاقم الجفاف وارتفاع أسعار الغذاء العالمية إلى مستويات قياسية. وقال مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إن «المجاعة على الأبواب».
حالياً، تشهد منطقة القرن الأفريقي أسوأ موجة جفاف منذ 40 سنة، ويقول الخبراء إن المنطقة في طريقها إلى تسجيل شحّ في الأمطار، للموسم الخامس على التوالي.
وهنا يقول غريفيث إن الأوضاع الحالية تشبه تلك التي حدثت عامي 2010 و2011، لكنها الآن أسوأ، بسبب أربعة مواسم من شح الأمطار وعقود من الصراعات. معلوم أنه عام 2011، عانى الصومال من مجاعة أودت بحياة أكثر من ربع مليون شخص، معظمهم من الأطفال. وتتهم الحكومة الصومالية حركة «الشباب»، بإعاقة جهود الإغاثة الدولية، عبر تنفيذ التفجيرات والاعتداء على المزارعين، ومنع جماعات الإغاثة من الوصول إلى المناطق الأكثر تضرراً.
وفي حين تطالب منظمات إغاثية الحكومة في مقديشو بالإعلان رسمياً عن وجود مجاعة في البلاد، بغية جذب المساعدات الدولية والإنسانية لإنقاذ حياة الملايين، ترفض الحكومة ذلك خشية أن يقوِّض الإعلان مصداقيتها أمام الرأي العام الذي يدعمها أو يعطي مزيداً من النقاط لحركة «الشباب»، كما لفتت مصادر لـ«نيويورك تايمز»، في تقرير سابق، الشهر الماضي.
كذلك تخشى الحكومة الصومالية أن يؤدي إعلان المجاعة إلى نزوح الناس من المناطق المتضررة إلى المدن والبلدات الرئيسية، ما يعجّل باستنفاد الموارد الشحيحة أصلاً، وزيادة معدلات الجريمة.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة والحكومة الصومالية، فإن نحو 7.8 مليون من مجموع سكان الصومال (16 مليوناً تقريباً) يحتاجون إلى مساعدة غذائية. وكشف تقرير نشره الصيف الماضي «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية»، التابع للأمم المتحدة، أن 1.5 مليون طفل صومالي يعانون من سوء التغذية بسبب ظروف الجفاف، منهم 356 ألفاً سيواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد.
ويقول الخبراء إن الجفاف في الصومال يحدث بسبب التغيرات المناخية، مع تعاقب 4 مواسم أمطار غير كافية، في ظاهرة غير مسبوقة منذ 40 سنة على الأقل، وسط توقع موسم خامس جاف.
وتقع المناطق الأكثر تضرراً من الجفاف جنوب ووسط الصومال. وفي يونيو (حزيران) الماضي، نشر مكتب رئاسة الوزراء الصومالية تقريراً ذكر فيه أن الجفاف شرد نحو 700 ألف قروي من مناطقهم، وتوجهت أعداد من هؤلاء إلى المدن، خصوصاً العاصمة مقديشو، بحثاً عن الغذاء، علماً بأن عائدات المحاصيل الزراعية تشكل مصدر الدخل الأساسي لنحو 80 في المائة من الصوماليين.


مقالات ذات صلة

الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

العالم العربي الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

الجيش الصومالي يعلن مقتل 60 عنصراً من «الشباب» في عملية عسكرية

أعلن الجيش الصومالي نجاح قواته في «تصفية 60 من عناصر حركة (الشباب) المتطرفة»، في عملية عسكرية مخططة، جرت صباح الثلاثاء، بمنطقة علي قبوبي، على مسافة 30 كيلومتراً جنوب منطقة حررطيري في محافظة مذغ وسط البلاد. وأكد محمد كلمي رئيس المنطقة، وفقاً لوكالة الأنباء الصومالية، أن «الجيش نفذ هذه العملية بعد تلقيه معلومات عن سيارة تحمل عناصر من (ميليشيات الخوارج) (التسمية المتعارف عليها حكومياً لحركة الشباب المرتبطة بالقاعدة) وأسلحة»، مشيراً إلى أنها أسفرت عن «مقتل 60 من العناصر الإرهابية والاستيلاء على الأسلحة التي كانت بحوزتهم وسيارتين عسكريتين». ويشن الجيش الصومالي عمليات عسكرية ضد «الشباب» بدعم من مقات

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي رئيس وزراء الصومال: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش لاستعادة الاستقرار

رئيس وزراء الصومال: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

(حوار سياسي) بين مواجهة «إرهاب» غاشم، وجفاف قاحل، وإسقاط ديون متراكمة، تتمحور مشاغل رئيس وزراء الصومال حمزة بري، الذي قال إن حكومته تسعى إلى إنهاء أزمتي الديون و«الإرهاب» بحلول نهاية العام الحالي، معولاً في ذلك على الدعم العربي والدولي لإنقاذ أبناء وطنه من مخاطر المجاعة والجفاف. «الشرق الأوسط» التقت المسؤول الصومالي الكبير بالقاهرة في طريق عودته من الأراضي المقدسة، بعد أداء مناسك العمرة، للحديث عن تحديات يواجهها الصومال حاضراً، وآمال كبيرة يتطلع إليها مستقبلاً...

خالد محمود (القاهرة)
العالم رئيس وزراء الصومال لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

رئيس وزراء الصومال لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش

رئيس وزراء الصومال لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في رفع الحظر عن تسليح الجيش لاستعادة الاستقرار حمزة بري أكد ضرورة القضاء على أزمة الديون لإنقاذ وطنه من المجاعة والجفاف بين مواجهة «إرهاب» غاشم، وجفاف قاحل، وإسقاط ديون متراكمة، تتمحور مشاغل رئيس وزراء الصومال حمزة بري، الذي قال إن حكومته تسعى إلى إنهاء أزمتي الديون و«الإرهاب» بحلول نهاية العام الحالي، معولاً في ذلك على الدعم العربي والدولي لإنقاذ أبناء وطنه من مخاطر المجاعة والجفاف. «الشرق الأوسط» التقت المسؤول الصومالي الكبير بالقاهرة في طريق عودته من الأراضي المقدسة، بعد أداء مناسك العمرة، للحديث عن تحديات يواجهها الصومال حاضراً، وآمال كبيرة يتطلع إ

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي واشنطن: مجلس النواب يرفض مشروعاً لسحب القوات الأميركية من الصومال

واشنطن: مجلس النواب يرفض مشروعاً لسحب القوات الأميركية من الصومال

رفض مجلس النواب الأميركي مشروع قانون، قدمه أحد النواب اليمينيين المتشددين، يدعو الرئيس جو بايدن إلى سحب جميع القوات الأميركية من الصومال في غضون عام واحد. ورغم هيمنة الجمهوريين على المجلس، فإن المشروع الذي تقدم به النائب مات غايتس، الذي لعب دوراً كبيراً في فرض شروط الكتلة اليمينية المتشددة، قبل الموافقة على انتخاب كيفن مكارثي رئيساً للمجلس، رفضه غالبية 321 نائباً، مقابل موافقة 102 عليه. وعلى الرغم من أن عدد القوات الأميركية التي تنتشر في الصومال، قد تراجع كثيراً، عما كان عليه في فترات سابقة، خصوصاً منذ عام 2014، فإن البنتاغون لا يزال يحتفظ بوجود مهم، في الصومال وفي قواعد قريبة.

إيلي يوسف (واشنطن)
العالم العربي الصومال يستعد لرحيل «قوات أتميس» الأفريقية

الصومال يستعد لرحيل «قوات أتميس» الأفريقية

عقدت الدول المشاركة في بعثة قوات الاتحاد الأفريقي العاملة في الصومال (أتميس)، اجتماعاً (الثلاثاء)، بالعاصمة الأوغندية كمبالا، لبحث «سبل تعزيز العمليات العسكرية الرامية إلى القضاء على (حركة الشباب) المتطرفة». ويأتي الاجتماع تمهيداً للقمة التي ستعقد في أوغندا خلال الأيام المقبلة بمشاركة رؤساء الدول المنضوية تحت بعثة «أتميس»، وهي (جيبوتي، وأوغندا، وبوروندي، وكينيا، وإثيوبيا)، وفقاً لوكالة الأنباء الصومالية الرسمية. وناقش الاجتماع «سبل مشاركة قوات الاتحاد الأفريقي في العمليات العسكرية الجارية للقضاء على فلول (حركة الشباب)، كما تم الاستماع إلى تقرير من الدول الأعضاء حول ذلك»، مشيدين بـ«سير العمليات

خالد محمود (القاهرة)

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
TT

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

يتوجه الأردنيون في العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل لاختيار مجلسهم النيابي العشرين، الذي خصص من مقاعده 41 مقعداً للأحزاب من أصل 138 مقعداً، في تجربة هي الأولى من نوعها سيشهدها الأردن تحت شعار «تحديث المنظومة السياسية» في المملكة. ويذكر أنه على مدى العامين السابقين دخلت المملكة في حالة جدال نخبوي حاد، حول مدى مساهمة قانون الانتخاب الجديد في تجويد الأداء البرلماني، ولا سيما، بعد تراجع اقتناع الرأي العام بأداء المجالس النيابية التي سجلت نسباً متدنية من الثقة عند الرأي العام بعد استطلاعات رأي تحدث بعضها عن ما نسبته 17 في المائة فقط يثقون بمجلس النواب. وبالتالي، من المرجح أن يصدر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، خلال الأيام القليلة المقبلة مرسوماً يقضي بحل مجلس النواب التاسع عشر؛ تمهيداً لفتح باب الترشح للانتخابات النيابية، وبهذا القرار يتوقع أن يبدأ الحراك الانتخابي ويزداد سخونة مع قرب موعد يوم الاقتراع، لكن تبقى جملة من المحددات قد تؤثر على تحقيق أهداف التحديث البرلماني المنشود. إذ ستبدأ مرحلة الترشح للانتخابات المقبلة في الثلاثين من الشهر الحالي، وسط حراك حزبي يسعى لإثبات وجوده في السلطة التشريعية، التي هي ركن أساسي في معادلة الحكم، لكن الكلام عن استخدام المال لجذب القواعد الانتخابية فتح باب التخوف من إحباط التجربة الحزبية البرلمانية في نسختها الأولى، فعلى ثلاثة مواسم انتخابية سترتفع نسبة التمثيل الحزبي في البرلمان من 30 في المائة إلى 65 في المائة في انتخابات عام 2032.

سمير الرفاعي

يبلغ متوسط نسب الاقتراع في الانتخابات النيابية الأردنية للمواسم الانتخابية الثلاثة الماضية نحو 32 في المائة. وإذا كانت هذه النسبة متدنية، ففي أفضل الحالات لم تتخطَّ نسب المشاركة حاجز الـ40 في المائة طوال السنوات الـ25 الماضية، أضف إلى ذلك أن الحافز العشائري يُعدّ من أهم روافع المشاركة والإقبال، في وقت تتراجع نسب الاقتراع في العاصمة عمّان ومراكز الثقل السكاني في محافظتي إربد والزرقاء.

وعلى الرغم من الجهود المؤسسية المبذولة لتحفيز المواطنين على المشاركة، يظل المزاج العام شديد التأثر بالسلبية عند مراجعة أداء البرلمانات في السنوات الأخيرة. وكل الضجيج الذي يسمعه الناس في خطابات النواب لم يأتِ بأي قرار يخالف التوجّهات الحكومية، بل عادة ما يجيء التصويت بعكس الموقف الذي يعلنه نائب أو كتلة نيابية.

مشاجرات وفصل نوابمن جهة ثانية، مشاهد المشاجرات والعنف، بالإضافة إلى تسجيل مجلس النواب الحالي عدداً من حالات الفصل وتجميد العضوية لعدد من النواب سوابق لم تحدث في مجالس نيابية سابقة. فلقد قرّر المجلس الحالي فصل نائبين وتجميد عضوية نائبين آخرين، ورُفعت الحصانة على نائب ما زال يَمثُل أمام محكمة أمن الدولة (قضاء عسكري) بتهمة تهريب السلاح إلى إسرائيل، وهذا بلا شك ساهم في العزوف عن متابعة أداء السلطة التشريعية.

وثمة مشاهد كثيرة أخرى ربما أدت أيضاً إلى صرف الناخبين عن المشاركة، منها ممارسات حزبية وُلدت من رحم برنامج التحديث السياسي وسبّبت حالة إحباط لدى الرأي العام، وبخاصة، أن تلك الأحزاب قدّمت نفسها على أنها «أحزاب الدولة»، ولكن مارس بعضها سلوكيات ساهمت في التشويه والتشويش على التجربة الحزبية الجديدة في البلاد. وكان آخرها إحالة أمين عام أحد الأحزاب إلى النائب العام بتهمة طلبه مبلغاً مالياً من مرشح مفترض أن يكون في صدارة قائمته للانتخابات المقبلة.

وطبعاً، يضاف إلى كل ذلك أن الضغوط الاقتصادية المعيشية المُصاحبة لحالة المواطن الأردني ساهمت بـ«حالة من قلة الاكتراث» - وفق مراقبين - بمجمل المشهد السياسي، ومنه الانتخابي على وجه الخصوص؛ بسبب الاقتناع المتجذر بعجز البرلمانات عن حل الأزمة الاقتصادية المتراكمة منذ أزمة جائحة «كوفيد - 19» التي شلّت وأغلقت قطاعات خدمية حيوية وصناعية؛ ما تسبب في تسريح عاملين يقفون اليوم في طوابير البطالة التي يختلف المتخصصون على نسبتها.

تأثير الحرب على غزة

وعلى صعيد موازٍ، هناك أسباب تتعلق بالتخوف الرسمي من نسب المشاركة في الانتخابات. فاستمرار الحرب على قطاع غزة، تركت انسحابات على الشارع الأردني المتصل بالقضية الفلسطينية جغرافياً وديموغرافياً. وهذه الانسحابات أدخلت الرأي العام في حالة من الإحباط بعد غياب آفاق وقف الحرب في المدى المنظور، وبالتلازم مع هذا الإحباط توجد مخاوف رسمية من استفراد الحركة الإسلامية في الأردن بحصة الأسد من أصوات المقترعين، المشحونين بعاطفة الانتصار للمقاومة الإسلامية في غزة. واستطراداً، يبقى لغز ضعف نسب المشاركة في الأوساط الأردنية من أصول فلسطينية، حالة محيرة لمركز القرار، الذي نفّذ دراسة اجتماعية مسكوت عنها لم تصل إلى نتائج حاسمة في تعريف المشكلة على طريق صناعة الحلول.

نخب تقليدية بمواجهة طامحين

في هذه الأثناء ظهرت مساحات من الصراع بين تيارين: التيار الأول، تيار النخب التقليدية الذي يحمل موقفاً سلبياً من القفزات التي جاءت في قانوني الأحزاب والانتخاب، وأساس سلبيته شعوره بـ«تغييبه» عن مراكز القرار كواعظين وناصحين، بعد فترة ازدحمت بإطلاق الأوصاف بحقهم كـ«الحرس القديم» و«النخب المحافظة» و«قوى الشد العكسي» و«قوى الوضع القائم». والتيار الآخر يتمثل بأعضاء من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، الذين بشّروا بانطلاق مرحلة التحول الديمقراطي بالتزامن مع دخول المملكة مئويتها الثانية... والصراع هنا كان وقوده الرأي العام الذي انقسم بين التيارين المتعارضين، في حالة عزّزت من مشاعر «قلة الاكتراث» بالانتخابات النيابية في نسختها الحالية.

وعلى مدى السنتين الماضيتين أنتجت مرحلة التحديث السياسي - بعد إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب، والتعديلات على الدستور - 38 حزباً، بعدما كان عدد الأحزاب 56 حزباً. إلا أن هذا المشهد لم يختصر الكم الحزبي، كما لم يأتِ بالنوع المتفرد. إذ انقسم المشهد على ثلاثة تيارات تقليدية، هي:

- تيار اليسار والقوميين، الذي يعاني أزمة انتشار بسبب التشبث بخطابه التقليدي ويعاني تراجع دعم المؤازرين له.

- التيار الوسطي الذي يحاول إعادة إنتاج نفسه متمسكاً بأدبياته نفسها، ومكتفياً بتغيير قياداته التي جاءت بدعم من مراكز قرار.

- التيار الثالث... وهو اليمين الإسلامي، الذي احتكر تمثيله حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذراع الحزبية لجماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخصة في الأردن.

تحدٍ رسمي يراهن على نسب مشاركة كبيرة رغم الإحباطات الكثيرة

 المشهد السابق دفع برئيس اللجنة الملكية، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، إلى ممارسة النقد الذاتي لتجربة التوافق على مخرجات لجنته. لكنه لم ينتقد التوافق في حد ذاته، بل بعض الممارسات الحزبية التي اختطفت التجربة لتعيدها وتختصرها في شخوص من أسسوا أحزاباً جديدة، تاركين الفكرة في مهب التشكيك والتشويه. وهنا برز عدد من المريدين لإلقاء المسؤولية بعيداً عنهم، وتحميل تخبّط النسخة الأولى من التجربة لمؤسسات وجهات مدنية وأمنية. وأيضاً، هاجم بعض هؤلاء الهيئة المستقلة للانتخاب التي حمّلوها مسؤولية التقصير في دورها ومتابعة شؤون الأحزاب ومدى تطبيقها شروط القانون وأحكامه. لكن «المستقلة للانتخاب» ردّت بإجراءات على الأرض أسفرت عن إحالات للادعاء العام بشبهة استخدام المال في ارتكاب جرائم انتخابية بقصد التأثير على إرادة الناخبين من جهة، وطلب مبالغ مالية من مرشحين من جهة أخرى لحملهم نحو مقاعد مجلس النواب الجديد.

في هذه الأثناء، الطامحون بخوض التجربة الحزبية في الانتخابات المقبلة يعتقدون أن ولادة الحكومة البرلمانية اقتربت، إلا أن الرفاعي في محاضرته الأخيرة أكد أن خريطة التحديث لم تقلّ عن إنتاج حكومات حزبية بالمعنى التقليدي في المدى المنظور، لكن من شأن تراكم الحضور الحزبي أن يوصل إلى حكومات برلمانية تقابلها معارضة حزبية في سباق لكسب تأييد الناخب الأردني ضمن مفاهيم التعددية السياسية وتداول السلطة.

كذلك، بدا سمير الرفاعي وكأنه يُذكّر بأن الجمع بين مقعدي النيابة والوزارة أمر بات منتهياً في ظل حظر الدستور، بموجب التعديلات الأخيرة مطلع عام 2022، الجمع بين الموقعين تكريساً لمبدأ الفصل بين السلطتين، وتأكيداً بأن الثقة البرلمانية بالحكومات ستأتي حتماً بشخصيات حزبية ليست من أعضاء مجلس النواب. وهكذا، حرّك كلام الرفاعي المياه الراكدة، وأيقظ طامحين منبهاً إياهم بضرورة الكف عن الترويج لمفاهيم غير موجودة على خريطة الإصلاح البرلماني التي جاءت في وثيقة التحديث الملكي لمئوية جديدة، تحاكي المستقبل وتغادر الحاضر المشبع بتحديات الثقة والسلبية السائدة - وخصوصاً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

خروج أقطاب يمهّد لوجوه جديدةمن جهة أخرى، لم يكن من المتوقع من بعض الأقطاب من النواب إعلانهم باكراً العزوف عن الترشح لهذا الموسم الانتخابي. ولكن هذا ما حدث، بعد إعلان المحامي عبد الكريم الدغمي، البرلماني المخضرم الذي لم يغب عن مجالس النواب منذ عام 1989 وحتى اليوم، وترأس المجلس في دورتين متباعدتين، واعتُبر عرَّاب التشريعات. وبعده تبعه النائب خليل عطية الذي قرر العزوف عن خوض الانتخابات التي داوم على حضورها منذ عام 1997، وتلاه أيمن المجالي، ورئيس مجلس النواب الأسبق عبد المنعم العودات، والنائب الاقتصادي خير أبو صعيليك.

وراهناً، تبدو احتمالات عودة نواب حاليين ضعيفة أمام ما ترسخه الأعراف العشائرية في الانتخابات النيابية من عملية (الدور) في الترشح، والقائمة على منح فرص متساوية لأبناء العشائر في التقدم نحو المناصب القيادية. وهذا غالباً ما يحدث في الدوائر الانتخابية البعيدة عن مراكز المدن الرئيسية الثلاث (عمان، وإربد، والزرقاء)، فدوائر الأطراف تُسجل عادة نسباً عالية في المشاركة، ومنافسة ساخنة في بعض المواسم السابقة.

للعلم، تعدّ العشيرة في الأردن حزباً اجتماعياً نافذاً ومتجذراً، ولها في العملية السياسية مساحة فاعلة. وهي عادة ما تمثّل درجة الحسم في كثير من مستويات المشاركة السياسية، وتعتبر من أهم روافع الأمن والاستقرار، نتيجة الاستجابة للمصلحة العامة، من دون أن تقايض بمواقفها في الملفات المهمة. بيد أن ما ذهبت إليه فكرة «الدائرة العامة المخصصة للأحزاب»، وبحصة متصاعدة في ثلاثة مواسم انتخابية، أسهم في كسر الحدود الإدارية بين الدوائر الانتخابية، وصولاً إلى فكرة الدائرة الوطنية الواحدة، التي قد تساهم في تجاوز التمثيل الأضيق على حساب التمثيل الأوسع... وهكذا، يذهب الناخب لاختيار من يمثّله على اتساع الرقعة الجغرافية الكاملة للمملكة؛ ما يساهم في صهر المجتمع، وتجاوز الفوارق التنموية والديموغرافية.

وللتذكير، تُجرى الانتخابات النيابية المقبلة وفق قانون انتخاب جديد أدخل حزمة من الإجراءات الجديدة، على رأسها إنشاء دائرة عامة على مستوى الوطن بـ41 مقعداً مخصصة للأحزاب، و18 دائرة محلية لها 97 مقعداً. ونص القانون أيضاً على «درجة الحسم» (العتبة) شرطاً للتنافس على المقاعد الحزبية بنسبة 2.5 في المائة والمحلية بنسبة 7 في المائة، في حين جاء القانون بفرص زيادة تمثيل المرأة بواقع تخصيص مقعد امرأة لكل دائرة انتخابية، ومقعدين من أول ستة مترشحين في القائمة الحزبية، مع حرية اختيار مسار «التنافس الحصصي» أو «الكوتا». وهي الفرص ذاتها التي مُنحت للشركس والمسيحيين، مع ضمان تمثيل الحد الأدنى لهم ضمن «كوتات» لعضوية المجلس المقبل.

عبدالكريم الدغمي

 

لمحة تاريخية عن المجالس النيابية الأردنية خلال 35 سنة

> دخل الأردن مرحلة التحوّل الديمقراطي عام 1989، بعد أحداث ما عرف بـ«هبّة نيسان» (أبريل)، ولم تنقطع الحياة البرلمانية خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، فأجريت الانتخابات في السنوات 1989 و1993 و1997. وفي مطلع الألفية الجديدة تعطل البرلمان لمدة سنتين بسبب تداعيات «الانتفاضة (الفلسطينية) الثانية»، وما رافقها من تداعيات على الساحة المحلية، وأجريت الانتخابات في عام 2003 بعد ثلاثة أشهر من احتلال بغداد، وعاش ذلك المجلس لمدة أطول من مدته الدستورية. في نهاية عام 2007 أجريت الانتخابات الشهيرة في الأردن، التي شهدت عمليات تزوير اعترف بها الرسميون، وأغضبت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ليدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة عام 2010. لكن هذه أيضاً شهدت تدخلات رسمية، ساهمت في فقدان الثقة بالعملية الديمقراطية أردنياً. وعلى الأثر، حل البرلمان وتعطلت الحياة البرلمانية لمدة سنة. وكانت جميع تلك الانتخابات قد أجريت وفق أحكام قانون الصوت الواحد الذائع الصيت الذي انتقدته تيارات سياسية عريضة في البلاد. بعد «الربيع الأردني» دُعي إلى انتخابات نيابية بعد إنشاء هيئة مستقلة للانتخاب، وأجريت الانتخابات في مطلع عام 2013. ومنذ ذلك التاريخ لم تنقطع الحياة النيابية ولم يحدث فراغ تشريعي، بعدما أكملت المجالس مدتها الدستورية بواقع أربع سنوات شمسية؛ إذ يُحّل المجلس قبلها بأربعة أشهر لإجراء الانتخابات بموعدها.