بوتين لتعزيز تحالفاته الإقليمية في مواجهة الضغوط الغربية

قمة بشكيك: سوق مشتركة للغاز وتنسيق أولويات الاتحاد الاقتصادي الأوراسي

الرئيس الروسي فلاديمير يوتين مع رئيس قيرغيزستان صدير جاباروف (وسط) ورئيس كازاخستان قاسم جومارات توكاييف في بشكيك الجمعة (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير يوتين مع رئيس قيرغيزستان صدير جاباروف (وسط) ورئيس كازاخستان قاسم جومارات توكاييف في بشكيك الجمعة (أ.ب)
TT

بوتين لتعزيز تحالفاته الإقليمية في مواجهة الضغوط الغربية

الرئيس الروسي فلاديمير يوتين مع رئيس قيرغيزستان صدير جاباروف (وسط) ورئيس كازاخستان قاسم جومارات توكاييف في بشكيك الجمعة (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير يوتين مع رئيس قيرغيزستان صدير جاباروف (وسط) ورئيس كازاخستان قاسم جومارات توكاييف في بشكيك الجمعة (أ.ب)

انطلقت اليوم الجمعة في العاصمة القرغيزية بشكيك أعمال قمة «الاتحاد الأوراسي الاقتصادي» بحضور رؤساء روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان ورئيس وزراء أرمينيا. واللقاء الذي يوليه الكرملين أهمية خاصة في ظروف السعي النشط لوضع آليات مشتركة في مواجهة تصاعد الضغوط الغربية على روسيا، هو الثاني من نوعه منذ مايو (أيار) الماضي عندما عقدت المجموعة لقاء عبر تقنية الفيديو كونفرنس بطلب من موسكو.
ويكتسب حضور الرئيس فلاديمير بوتين دلالات إضافية على خلفية غيابه عن قمم دولية وإقليمية كبرى عُقدت خلال الأسابيع الماضية، أبرزها قمة «مجموعة العشرين» و«قمة المناخ» واجتماع رؤساء مجموعة «آسيان» وغيرها. في المقابل، بدا الحرص الروسي واضحاً على تنشيط عمل التكتلات الإقليمية التي تضم حلفاء للكرملين بحضور مباشر من جانب بوتين، الذي شارك في قمة رابطة الدول المستقلة في كازاخستان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ثم اجتماع منظمة الأمن الجماعي في أرمينيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ويشكل اجتماع رؤساء البلدان المنضوية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الجمعة الحلقة الثالثة في هذا المسار، ويكتسب أهمية اضافية كونه يأتي بعد تبني سلسلة خطوات لتشديد العقوبات الغربية على روسيا، كان أحدثها قرار تسقيف سعر النفط الروسي، في إطار الرزمة الجديدة من عقوبات الاتحاد الأوروبي على موسكو. ودفع ذلك بالكرملين إلى تسريع وتيرة تحركاته في إطار البحث عن بدائل للصادرات في قطاع الطاقة.
* رهان الكرملين على الحلفاء
وضع الكرملين تصوراته للنتائج المرجوة من القمة في إطار ورقة وزعها على الصحافيين، أكد فيها الحرص على تعميق النقاش "وجهاً لوجه" حول القضايا الأساسية المطروحة في عمل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وكذلك "آفاق عمليات التكامل المتعمق" بين بلدان المجموعة.
في هذا الإطار، رأى الديوان الرئاسي الروسي أنه يتعين على القادة تقييم مسار العمل على إلغاء العقوبات في السوق المحلية للاتحاد، ومناقشة قضايا عمل وتطوير سوق واحدة للخدمات، وتعزيز وتمويل المشاريع التعاونية الصناعية، وتكوين سوق للغاز المشترك، فضلاً عن إنشاء مجلس مشتركة للإدارة في مجال الطاقة، والتوصل إلى اتفاق على إجراءات جديدة في مجال تحصيل الضرائب على الخدمات بشكل إلكتروني.
وفي إطار جدول الأعمال الدولي، من المتوقع أن تضع القمة ملامح المجالات الرئيسية لنشاط الاتحاد الاقتصادي الأوراسي للعام 2023، وينتظر أن يتم خلال الاجتماع تبني قرار مشترك بشأن إطلاق عملية التفاوض لإبرام اتفاق التجارة الحرة بين المجموعة الأوراسية ودولة الإمارات العربية المتحدة. كما سيتم وضع عدد من الوثائق المشتركة التي تحدد آليات التحرك لتعزيز التكامل الاقتصادي بين بلدان المجموعة.
يعكس هذا التصور الذي تنطلق منه موسكو، مستوى الرهان الروسي على تعزيز آليات العمل المشترك في إطار التكتل الاقتصادي الذي برغم انه حافظ على وتائر الاتصالات بين أطرافه، لكنه لم يقدم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وتعاظم الضغوط الغربية على روسيا بدائل مهمة لموسكو لمساعدتها في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة.
وقد يكون العنصر الأبرز في الأولويات التي يضعها الكرملين، هو المتعلق بتشكيل مركز إقليمي ضخم لتصدير الغاز الطبيعي، وهو أمر تحتاجه روسيا بقوة حالياً لتعويض فقدان أسواق مهمة في أوروبا.
وكان بوتين قد اقترح أخيراً إنشاء مركز ثلاثي لتصدير الغاز يضم روسيا وكازاخستان وأوزبكستان، ورأى خبراء أن الخطوة تكتسب أهمية بالغة في الوقت الراهن، على الرغم من الصعوبات التي تعترض تنفيذها.
يتمتع «اتحاد الغاز الثلاثي» الذي اقترحه الجانب الروسي بمزايا وآفاق واضحة بالنسبة للمشاركين في المشروع، إذ سيكون الغاز الروسي متاحاً بسعر مناسب، وستستخدم الأطراف ممرات وأنابيب سوفياتية ما زالت، بعد مرور عقود على تفكك الدولة العظمى في السابق، تشكل أساساً مشتركاً للعمل في هذا الاتجاه.
الرئيس الروسي مع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان خلال القمة في بشكيك (أ.ب)
* عقبات تواجه موسكو
لكن المشروع الضخم يواجه عقبات جدية، وهو أمر يفسر عدم مسارعة كازاخستان وأزبكستان إلى تقديم اجوبة واضحة بشأن درجة انخراط البلدين في تنفيذه. هذه العقبات ترتبط بالدرجة الأولى بالتدابير التقييدية ضد بلدان آسيا الوسطى التي قد تفرضها العقوبات الغربية على روسيا. ولا يخفى أن أستانة وطشقند تعملان منذ سنوات على تعزيز مسار متعدد للعلاقات الخارجية. وبرغم الأهمية الاقتصادية الكبرى للمشاركة في مشروع تصدير الغاز الطبيعي، لا يرغب البلدان (كازاخستان وأزبكستان)، كما يبدو، في الوقوع تحت تأثير المواجهة القائمة حالياً بين روسيا والغرب.
وقال نائب وزير الخارجية في كازاخستان رومان فاسيلينكو، في تصريحات أدلى بها أخيراً، إن فكرة إنشاء اتحاد الغاز بين روسيا وكازاخستان وأوزبكستان «لا تزال في مرحلة مبكرة للغاية»، موضحاً أنه «ينبغي درس الفكرة بعناية من قبل المتخصصين». وفي حديثه عن المخاطر المحتملة على خلفية العقوبات ضد روسيا، أوضح فاسلينكو أنه «منذ الأيام الأولى من الصراع في أوكرانيا تم إنشاء لجنة حكومية في كازاخستان. تتمثل مهمتها في منع التأثير السلبي للعقوبات على اقتصاد كازاخستان ومنع استخدام أراضي كازاخستان للتحايل على العقوبات».
وأكد الدبلوماسي: «لم تتغير هذه المواقف وسيتم استخدامها في تقييم أي مبادرات جديدة محتملة».
في المقابل، لا تزال سلطات أوزبكستان تمتنع عن التعليق. ورأى بعض الخبراء أن «هذا صمت له معنى إلى حد ما». إذ تبدو رهانات طشقند مختلفة كلياً عن رهانات موسكو، وهي في هذه الحالة تضع خياراتها بين «البراغماتية الاقتصادية أو الرغبة في عدم الإساءة إلى العلاقات مع الغرب».
* الكرملين يرمم علاقاته مع محيطه الإقليمي
يمكن ملاحظة درجة صعوبة الخيارات التي يقف أمامها بوتين، وهو يعمل على تعزيز تحالفات بلاده الإقليمية، لمواجهة الضغوط المتزايدة عليها. ويراقب في الوقت ذاته، عدم حماسة بعض البلدان المحيطة بروسيا في تنشيط هذا المسار.
يرى بعض الخبراء أنه بالرغم من أن بوتين ظهر خلال السنوات الماضية بصفته الزعيم القوي الذي أعاد هيبة بلاده ومكانتها على الساحة الدولية، لكن محصلته النهائية في السياسة الخارجية لم تكن رابحة، كما يقول بعض الخبراء، وخصوصاً على الصعيد الإقليمي. فلقد خسرت موسكو أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا وتحولت هذه البلدان عملياً إلى خصوم لا يخفون سعيهم إلى انهاء كل احتمالات استعادة النفوذ الروسي في بلدانهم، ومواصلة تقدمهم في سياسة الاندماج مع الغرب.
كما أن أذربيجان وأوزبكستان أصلاً لم تسمحا بنفوذ روسي قوي فيهما. وبالنسبة إلى بقية «حلفاء» موسكو، فقد خسرت روسيا جزءاً من حضورها وتأثيرها الشعبي في بيلاروسيا بسبب دعم سياسات الرئيس الكسندر لوكاشينكو الذي يواجه معارضة داخلية متزايدة. والأمر ذاته انسحب على كازاخستان بسبب دعم موسكو السلطة القوية في مواجهة التحركات الشعبية مطلع العام، فضلاً عن حاجة الرئيس الكازاخي قاسم توكاييف إلى مواصلة سياسة سلفه في المحافظة على توازن العلاقات مع كل من موسكو وبكين وواشنطن.
وبالدرجة ذاتها، فقد تراجعت مواقع موسكو في أرمينيا أيضاً بسبب خيبة الأمل الواسعة من الموقف الروسي خلال الحرب الارمينية – الأذرية.
لقطة تذكارية للقادة المشاركين في قمة بشكيك اليوم (إ.ب.أ)
الملاحظ أن هذه البلدان كانت تتميز بوجود دعم شعبي قوي لتعزيز العلاقات مع روسيا سابقاً، الأمر الذي تغير تدريجياً خلال السنوات الماضية. وهذا أمر يفتح على مشكلة للكرملين بسبب احتمال تعرض بعض هذه البلدان لهزات داخلية عبر ثورات قد تنقلب على سياسات التقارب مع الكرملين، كما حدث في السابق مع مولدافيا وارمينيا، كما أن من المرجح أن يحذو بعضها، حالياً أو في المستقبل، حذو أوكرانيا وجورجيا في طلب الحماية والضمانات من الغرب، خصوصاً أن كل بلدان الفضاء السوفياتي السابق ما زالت فيه مشكلة التعامل مع الأقليات الناطقة بالروسية، ما يعني أنها تشكل فتيلاً قابلاً للاشتعال في أي وقت.
واحدة من النقاط المثيرة في هذا الشأن تمثلت في سن رزمة قوانين خلال العام الأخير تتعلق بحماية «العالم الروسي» التي تشتمل على حماية الأقليات الروسية في بلدان الجوار. بعض هذه القوانين موجه للتدخل القانوني والسياسي وبعضها الآخر لمحاربة من يروجون لـ«الروسوفوبي» في بلدان الفضاء السوفياتي السابق. لكن حلفاء روسيا في محيطها الإقليمي يرون أن هذه القوانين قد تشكل ذريعة للتدخل في شؤونهم الداخلية، على غرار ما يحصل في أوكرانيا. وعلى هذه الخلفية، تبرز أهمية التحركات النشطة التي قام بها الكرملين خلال الشهرين الماضيين، لتعزيز آليات التواصل مع الشركاء الإقليميين، في رابطة الدول المستقلة ومجموعة «الأمن الجماعي»، وأيضاً حالياً في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.