«الشخصية التوافقية»... هل تحسم صراع «إخوان لندن»؟

محمد بديع (أرشيفية – رويترز)
محمد بديع (أرشيفية – رويترز)
TT

«الشخصية التوافقية»... هل تحسم صراع «إخوان لندن»؟

محمد بديع (أرشيفية – رويترز)
محمد بديع (أرشيفية – رويترز)

ترددت أنباء خلال الساعات الأخيرة عن اختيار «جبهة لندن» صلاح عبد الحق في منصب القائم بأعمال مرشد تنظيم «الإخوان».
وهو الترشيح الذي رجح مؤشرات اختيار «شخصية توافقية» لخلافة إبراهيم منير، نظراً لـ«وجود خلافات داخل الجبهة حول اختيار (بديل) منير». وهُنا أُثير تساؤل حول: هل هذه «الشخصية التوافقية» التي من المقرر الإعلان عنها سوف تحسم «الخلافات» داخل «مجموعة لندن» أم ستعمقها؟، وما موقف «جبهة إسطنبول» التي سبق أن عينت محمود حسين في منصب القائم بالأعمال؟
الأنباء التي ترددت على حسابات مصادر مطلعة على تحركات «الإخوان» بصفحات التواصل الاجتماعي، أشارت إلى أنه «تم اختيار صلاح عبد الحق بوصفه (شخصية توافقية) داخل (جبهة لندن) بين (الأجنحة المتصارعة)، ومنهم محيي الدين الزايط، وحلمي الجزار».
ووفق باحثين في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، فإن «اختيار عبد الحق قد حُسم بناء على وصية إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد السابق».
وفي 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن المتحدث باسم «جبهة إخوان لندن»، صهيب عبد المقصود، تكليف الزايط منصب القائم بأعمال مرشد (الإخوان) بشكل (مؤقت) لحين اختيار من يخلف منير.
وأضاف حينها أن «هناك خطوات إدارية تمت بالفعل في حياة منير، خصوصاً في ترتيب من يخلفه حال وفاته».
وبعد ساعات من اختيار الزايط بشكل «مؤقت»، سارعت «جبهة إسطنبول»، إحدى الجبهات المتصارعة على قيادة التنظيم، معلنة تعيين محمود حسين قائماً بأعمال المرشد. واستند «مجلس الشورى العام» (التابع لجبهة إسطنبول) في ذلك القرار، إلى أن اللائحة تنص على أنه «في حال حدوث موانع قهرية»، حسب وصفها، تحول دون مباشرة المرشد مهامه، «يحل محله نائبه الأول، ثم الأقدم فالأقدم من النواب، ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء (مكتب الإرشاد)».
وأضافت جبهة إسطنبول: «حيث لا يوجد حالياً من أعضاء مكتب الإرشاد بعد حبس محمود عزت، سوى محمود حسين، فقد قرر المجلس أن يتولى الأخير مهام القائم بأعمال مرشد (الإخوان)».
الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، أشار إلى أن «جبهة لندن لم تعلن بشكل رسمي اختيار صلاح عبد الحق، لكن تم حسم اختياره لمنصب القائم بأعمال المرشد»، مضيفاً أن «اختياره لم يكن بالانتخاب؛ لكن حسب وصية إبراهيم منير»، لافتاً إلى أنه «تم فتح وصية منير في حضور أعضاء (مجلس شورى لندن) وأعضاء (اللجنة الإدارية العليا البديلة عن مكتب إرشاد الإخوان) التي أشارت لهذا الاختيار».
أديب أكد لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن هذه الوصية غير ملزمة؛ لكن في أدبيات (الإخوان) دائماً ما تكون مثل هذه الوصايا واجبة النفاذ، ويتم تنفيذها من قبل التنظيم، وحدث ذلك في بداية (الإخوان) عندما مات المؤسس الأول حسن البنا، وأوصى من بعده بحسن الهضيبي، ولم يكن الهضيبي حينها معروفاً، ورغم ذلك تم اختياره من قبل أعضاء الهيئة التأسيسية لـ(الإخوان)»، لافتاً إلى أنه «دائماً ما تكون وصايا القيادات رفيعة المستوى في الهيكل التنظيمي محل اهتمام، لذا تم العمل بالوصية، واختيار صلاح عبد الحق».
وأشار أديب إلى أن «غالبية قيادات جبهة لندن انحازت للوصية»، مرجحاً أن «يكون إبراهيم منير كتب هذه الوصية ليتفادى أي انشقاق يحدث في جبهته، عقب وفاته، على منصب القائم بأعمال المرشد، حيث يبدو أنه كانت لديه شكوك حول حدوث خلافات بين محيي الدين الزايط، وحلمي الجزار، ومحمد البحيري حول المنصب».
وبحسب أديب فإن «عبد الحق لم يشغل أية مناصب رفيعة المستوى داخل التنظيم، وكان مسؤول التربية داخل (الإخوان)، وهو لا يقيم في لندن أو إسطنبول، لكنه ولد في مصر عام 1945 وانضم لـ(الإخوان) في سن 19 عاماً، وحكم عليه عام 1965 في القضية المتهم فيها سيد قطب (مُنظر الإخوان) ومحمد بديع مرشد التنظيم (مسجون في مصر وصدرت بحقه أحكام بالإعدام والسجن المؤبد في قضايا عنف)».
وحول عدم إعلان «جبهة لندن»، حتى الآن بشكل رسمي، اختيار عبد الحق، قال أديب إن «صلاح عبد الحق مُقيم خارج لندن، لكنه وفق المعلومات المتاحة وصل إلى إسطنبول، وقد يكون الانتظار لحين ترتيب الأوراق ثم الإعلان بشكل رسمي».
لكنه يرى أن «الصراع داخل جبهة لندن لن يهدأ باختيار عبد الحق»، مرجحاً «وجود خلاف داخل جبهة لندن بسبب أن عبد الحق قد يكون (شخصية توافقية)؛ إلا أنه يفتقر للإدارة، فلم يتولَّ أي منصب إداري في التنظيم من قبل، وهو شخص قد يتسع صدره للجميع، وهذا قد يدفع بعض (قيادات لندن) إلى التدخل في مهامه، وإصدار قرارات باسمه».
صراع «قيادات تنظيم الإخوان بالخارج» بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير بحل المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقام بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن مكتب إرشاد «الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن» لـ«مجلس شورى جديد»، وإعفاء أعضاء مجلس «شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين من مناصبهم.
وعن اختيار إبراهيم منير لصلاح عبد الحق تحديداً، قال الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، إن «منير اختار عبد الحق لأنه يشبهه في شخصيته»، لكنه يرى أن «هذا الاختيار سوف يعمق الانقسامات داخل (الإخوان) بشكل عام وليس (مجموعة لندن)»، لافتاً إلى أن «منير عمق الانقسامات داخل التنظيم من قبل، عندما أصدر قرارات أشعلت الخلافات مع محمود حسين، والآن قد يتعمق الخلاف بين (مجموعة لندن) باختيار عبد الحق».
ودلل على حسم «جبهة لندن» اختيار عبد الحق لمنصب القائم بأعمال المرشد، بقوله إن محمود حسين استبق اختيار جبهة لندن لعبد الحق، وذكر في بيان، على لسان المتحدثة الإعلامية باسم «جبهة إخوان إسطنبول» إيمان محمود، أن «تنظيم (الإخوان) في مصر وفروعه بالخارج، الوحيد المخول له اختيار قيادته، وليس من حق أحد خارجه أن يفرض عليه قيادة بالمخالفة لكل النظم واللوائح».
وأضاف البيان (مساء الأربعاء) رفضه «استدعاء قيادة (مزعومة) لتكون بديلاً عن القيادات (الشرعية)».
يأتي هذا في وقت يشير فيه مراقبون إلى أنه «لم يتم حسم الاختيار بشكل نهائي حتى الآن، وأن جبهة لندن سوف تعلن خلال الساعات المقبلة من سيشغل منصب القائم بأعمال المرشد».


مقالات ذات صلة

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

أوروبا العلم الألماني في العاصمة برلين (أ.ب)

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

صادرت الشرطة الألمانية أجهزة كومبيوتر محمولة وأموالاً، خلال عمليات مداهمة استهدفت جمعية إسلامية تم حظرها حديثاً، ويقع مقرّها خارج برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي في مطار أنقرة في إسطنبول (من البث المباشر لوصول الرئيس المصري) play-circle 00:39

السيسي وصل إلى أنقرة في أول زيارة لتركيا

وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

أعلنت «الداخلية المصرية»، الثلاثاء، القبض على المتهم ببث «فيديو فيصل» الذي شغل الرأي العام، مؤكدة «اعترافه» بارتكاب الواقعة، بـ«تحريض» من عناصر «الإخوان».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الإعلامي بقناة «الشرق» الإخوانية عماد البحيري تم توقيفه بسبب التهرب الضريبي (من حسابه على  «فيسبوك»)

تركيا توقف إعلامياً في قناة إخوانية لتهربه من الضرائب

أحالت السلطات التركية، (الخميس)، المذيع بقناة «الشرق» المحسوبة على «الإخوان المسلمين»، عماد البحيري، إلى أحد مراكز التوقيف بدائرة الهجرة في إسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (د.ب.أ)

الجزائر: فصيل «الإخوان» يرشح الرئيس تبون لعهدة ثانية

أعلنت حركة البناء الوطني (فصيل الإخوان في الجزائر)، الجمعة، عن ترشيحها الرئيس عبد المجيد تبون للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 7 سبتمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.