أعلنت السعودية، أمس (الأربعاء)، عن موازنتها للعام الجديد، التي ضاعفت فيها الفوائض المقدرة للعام المالي الجديد 2023 إلى 16 مليار ريال (4.2 مليار دولار)، بإجمالي إيرادات قوامها 1.130 تريليون ريال (301 مليار دولار)، مقابل مصروفات بقيمة 1.114 تريليون ريال (297 مليار دولار)، معلنة بذلك مواصلة خطة التوسع في النشاط الاقتصادي ومسيرة التنمية، والدفع بمشروعات التطوير والتحول الشامل في البلاد.
وأقرّ مجلس الوزراء السعودي الذي رأسه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في قصر اليمامة بالرياض، اعتمادات الموازنة السعودية الجديدة، حيث شدد على تحويل الفائض من إيرادات الميزانية العامة للدولة إلى حساب الاحتياطي العام للدولة، مفوضاً وزير المالية بتدبير وإضافة الاعتمادات اللازمة لسداد المستحقات التي لا تقابلها اعتمادات كافية في بنود الميزانية العامة للدولة، مع مراعاة سقف النفقات المعتمد.
وشدد المجلس على أن يتولى الديوان العام للمحاسبة متابعة مدى التزام الجهات الحكومية بما قضت به هذه الفقرة، والرفع عن ذلك، لاتخاذ الإجراءات المقررة نظاماً بحق الجهات المخالفة.
وفوّض المجلس وزير المالية بتدبير وإضافة التكاليف المترتبة على الفروقات الضريبية في العقود والتكاليف اللازمة للعقود البديلة والتكاليف الناتجة عن الأحكام القضائية الصادرة بحق الجهات الحكومية، أو تعديل أسعار العقود، أو الاتفاقيات، أو تمديد أو نقل المشروعات، حسب الأنظمة والتعليمات الصادرة بشأنها.
مضاعفة الفائض
ويمثل الفائض المقدر للميزانية الجديدة ضعف ما كان مقدراً من وزارة المالية في وقت سابق، حيث توقع بيان تمهيدي في سبتمبر (أيلول) الماضي بفائض قدره 9 مليارات ريال، لتصل التقديرات الجديدة إلى 16 مليار ريال، في وقت حقق فائض ميزانية العام الحالي 2022 نمواً عن المقدر بنحو 11 في المائة، ليصل إلى 102 مليار ريال (27.2 مليار دولار) مقابل تقديرات بنحو 90 مليار ريال.
وسجلت الميزانية الفعلية الجديدة للعام الحالي إجمالي إيرادات بنحو 1.234 تريليون ريال (329 مليار دولار)، مقابل إنفاق بنحو 1.132 تريليون ريال (301.8 مليار دولار)، تمثل زيادة عن التقديرات للعام ذاته، البالغة 1045 مليار ريال للإيرادات، و955 مليار ريال للمصروفات.
الدين والاحتياطيات
وبحسب بيان وزارة المالية، يُتوقع أن يبلغ رصيد الدين العام 951 مليار ريال، أي 24.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023، مقارنة بـ985 مليار ريال، ما يعادل 24.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022.
ومن المتوقع الاستمرار في عمليات الاقتراض المحلية والخارجية بهدف سداد أصل الدين المستحق خلال العام الجديد، وعلى المدى المتوسط، واستغلال الفرص المتاحة حسب أوضاع السوق، لتنفيذ عمليات تمويلية إضافية استباقية لسداد مستحقات أصل الدين للأعوام المقبلة، ولتمويل بعض المشروعات الاستراتيجية، بالإضافة إلى استغلال فرص الأسواق لتنفيذ عمليات التمويل الحكومي البديل، بهدف تمويل الإنفاق التحولي للمشروعات الرأسمالية والبنية التحتية.
ومن المقدر كذلك، أن يبلغ رصيد الاحتياطيات الحكومية نحو 399 مليار ريال، بنهاية عام 2023، وذلك نتيجة تعزيز الاحتياطيات بجزء من الفوائض بهدف المحافظة على مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية لتعزيز المركز المالي للحكومة وقدرتها على التعامل مع الصدمات الخارجية.
مسيرة التحول
وأكد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، أن مسيرة التحول الاقتصادي التي تتبناها حكومة المملكة مستمرة، وأن ما تحقق من نتائج إيجابية حتى الآن وفق توجيهات خادم الحرمين الشريفين يؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية والمالية الهادفة إلى تعزيز النمو الاقتصادي الشامل، وتقوية المركز المالي للمملكة، بما يضمن الاستدامة المالية نحو مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح.
ترتيب أولويات الإنفاق
وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن الحكومة تستهدف في ميزانية 2023 ترتيب أولويات الإنفاق على المشروعات الرأسمالية وفق الاستراتيجيات المناطقية والقطاعية، المتوائمة مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 والتوجهات الوطنية، وأنها مستمرة في تنفيذ البرامج والمشروعات ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى دعم التنوع الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص بتحسين بيئة الأعمال، وتذليل المعوقات؛ لجعلها بيئة جاذبة، ورفع معدلات النمو الاقتصادي للعام المقبل وعلى المدى المتوسط.
الضبط المالي
وقال الأمير محمد بن سلمان، في بيان صدر أمس: «إن التعافي الاقتصادي ومبادرات وسياسات الضبط المالي وتطوير إدارة المالية العامة وكفاءتها أسهم في تحقيق فائض في الميزانية، مع المحافظة على تحقيق المستهدفات الرئيسية للرؤية؛ حيث يتوقع أن يبلغ الفائض في عام 2022 نحو 2.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي».
وأكد أن الفوائض المتحققة في الميزانية ستوجه لتعزيز الاحتياطيات الحكومية، ودعم الصناديق الوطنية، وتقوية المركز المالي للمملكة؛ لرفع قدراتها على مواجهة الصدمات والأزمات العالمية، وأكد سموه أنه يتم النظر حالياً في إمكانية تعجيل تنفيذ بعض البرامج والمشروعات الاستراتيجية ذات الأولوية.
تحسن المؤشرات
وأوضح ولي العهد السعودي أن الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تطبق منذ انطلاق رؤية المملكة 2030 أسهمت في تحسين المؤشرات المالية والاقتصادية، ودفع مسيرة التنويع الاقتصادي والاستقرار المالي؛ حيث حققت المملكة، حتى نهاية الربع الثالث من عام 2022، معدلات مرتفعة في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، بلغت نحو 10.2 في المائة، وانعكس ذلك بوضوح على نمو كثير من الأنشطة الاقتصادية والقطاعات المختلفة غير النفطية، بتسجيلها معدلات نمو 5.8 في المائة، ومن المتوقع بنهاية العام الحالي بلوغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 8.5 في المائة.
وأضاف الأمير محمد أن ذلك النمو انعكس على خلق مزيد من فرص العمل، ما أسهم في انخفاض معدلات البطالة بين المواطنين إلى 9.7 في المائة خلال الربع الثاني من العام 2022، وهو الأقل خلال الـ20 سنة الماضية، مبيناً أن أكثر من 2.2 مليون مواطن يعملون في القطاع الخاص، وهو الرقم الأعلى تاريخياً، في وقت ارتفعت فيه المشاركة الاقتصادية للمرأة من 17.7 في المائة إلى 35.6 في المائة.
المواطن السعودي
وأكد ولي العهد أن المواطن السعودي هو أعظم ما تملكه المملكة العربية السعودية للنجاح، مضيفاً أن دور المواطن محوري في التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ويسهم بشكل مباشر في تحقيق الإنجازات والمضي قدماً في مختلف المجالات والقطاعات الواعدة.
وأوضح أن الحكومة تواصل جهودها لتعزيز منظومة الدعم والحماية الاجتماعية للمواطنين لما تشكله من أهمية في توفير مستوى معيشي كريم للمواطنين كافة، خاصة الفئات الأقل دخلاً. مبيناً أن جميع برامج الرؤية تهدف إلى تعزيز جودة حياة المواطنين، بما في ذلك زيادة فرص التوظيف وتحسين مستوى الدخل، كما تهدف إلى تطوير البنى التحتية للمدن، وتوفير جميع الخدمات، وفق أعلى المستويات العالمية.
ميزانية 2023
وأشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن ميزانية عام 2023 تأتي استمراراً لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030؛ حيث تركز على مرحلة تسريع تحقيق النتائج، فقد نجحت الحكومة في تنفيذ كثير من المبادرات الداعمة والإصلاحات الهيكلية لتمكين التحول الاقتصادي وإشراك القطاع الخاص في رحلة التحول، موضحاً أن مراجعة وتحديث الاستراتيجيات والبرامج والمبادرات والإجراءات تتم بصفة دورية للتأكد من فاعليتها، وتصحيح مسارها كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
مبادرات رئيسية
وذكر الأمير محمد، وفقاً للبيان، أن الحكومة بالإضافة إلى مجالات الإنفاق عموماً، تنفذ عدداً من المبادرات الرئيسة التي ستسهم في تعزيز دور القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية التي ستساعد على تحقيق طموحات وتطلعات رؤية المملكة 2030، مستندة إلى مكامن القوة التي حباها الله لهذه البلاد؛ من موقع استراتيجي متميز، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربي وإسلامي. وأشار إلى إطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية، التي ترسخ دور المملكة، بصفتها حلقة وصل رئيسة، تعزز كفاءة سلاسل الإمداد العالمية التي ستسهم في تجاوز التحديات، التي تؤثر في كفاءة الاقتصاد العالمي ونموه، مؤكداً أن السعودية ستستمر خلال العام المقبل، وعلى المديين المتوسط والطويل، في زيادة جاذبية اقتصاد المملكة كقاعدة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنويع الاقتصاد عن طريق تطوير القطاعات الواعدة.
الإصلاحات الضخمة
وأشار ولي العهد إلى أن رؤية المملكة 2030، تركز على تبني إصلاحات ضخمة في مختلف المجالات؛ حيث يعد وجود قطاع صناعي حيوي ومستدام قادر على المنافسة ومعتمد على التصدير ممكّناً لتحقيق مستهدفاتها، لذلك «أطلقنا» الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي تهدف إلى تنمية بيئة الأعمال الصناعية، وتنويع قاعدتها، وتعزيز تجارة المملكة الدولية، وتدعيم وصول الصادرات الوطنية إلى الأسواق العالمية، وتنمية وتعزيز الابتكار والمعرفة.
وبحسب الأمير محمد، «يتوقع أن تحقق الاستراتيجية تأثيراً إيجابياً ضخماً في اقتصاد المملكة؛ حيث حددت أكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال، وتعمل على مضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال، ووصول مجموعة قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، إضافة إلى استحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة».
الأمن الغذائي
وعرج ولي العهد السعودي على الدور المهم والجهود التي بذلتها بلاده في السعي نحو أمنها الغذائي، بتوجهها المبكر الذي لاقى نجاحاً وتفوقاً خلال التوترات الجيوسياسية وما رافقتها من تبعات وضغوط على الأمن الغذائي في عموم دول العالم؛ حيث تميزت استراتيجية الأمن الغذائي في المملكة بتكاملها الذي ظهر واضحاً في استقرار أوضاع الغذاء داخلياً خلال هذه الفترة، التي يشهد فيها العالم نقصاً في تدفق الإمدادات الغذائية نتيجة الظروف الجيوسياسية وتأثيرات تغير المناخ وشح الموارد المائية.
التصدي للمخاطر
في ختام تصريحه، أشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن نجاح الحكومة في التصدي للمخاطر الناجمة عن التغيرات الجيوسياسية، والحد من آثارها الاقتصادية والاجتماعية، يثبت قوة اقتصاد المملكة في مواجهة التحديات الطارئة. كما شدد سموه على الدور الريادي للمملكة في استقرار أسواق الطاقة، في إطار السعي للإسهام في تعزيز استقرار الاقتصاد العالمي والمحلي ونموه.