السفير الفرنسي لدى اليمن لـ«الشرق الأوسط»: مستويات التجنيد الحوثي للأطفال مرعبة

كشف عن لقائه زعيم الجماعة... وأشاد بالمجلس الرئاسي

السفير الفرنسي لدى اليمن جان ماري صفا (تصوير: عمر الحقيل)
السفير الفرنسي لدى اليمن جان ماري صفا (تصوير: عمر الحقيل)
TT
20

السفير الفرنسي لدى اليمن لـ«الشرق الأوسط»: مستويات التجنيد الحوثي للأطفال مرعبة

السفير الفرنسي لدى اليمن جان ماري صفا (تصوير: عمر الحقيل)
السفير الفرنسي لدى اليمن جان ماري صفا (تصوير: عمر الحقيل)

كشف السفير الفرنسي لدى اليمن جان ماري صفا، عن أن السفارة الفرنسية على اتصال مع الحوثيين وقال، إنه التقى عبد الملك الحوثي خلال زمن الحوار الوطني بصفته نائباً لسفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، لكنه اتهم الجماعة بأنها تتواصل مع العالم عبر أشخاص «لا يملكون سلطة اتخاذ القرار».
ووصف صفا، في حوار مع «الشرق الأوسط»، مستويات التجنيد الحوثي للأطفال بالمرعبة مستدلاً بتقارير أممية، بينما أشاد بالمجلس الرئاسي، وقال، إن مشروع الحكومة اليمنية يمثّل مشروع دولة جمهورية تعددية تحترم تنوع المجتمع اليمني، ويضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، كما قال، إن «رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي رجل حكيم ووطني ورجل توافقي يُدافع عن المصالح العليا لليمن واليمنيين».
وحذر السفير من «الأسطوانة الحوثية» التي تحاول لعب دور المظلومية أمام المجتمع الدولي وقال، إنها «لم تعد كافية ولا تقنع أحداً»، متهماً الجماعة بإقامة نظام من الرعب وتدمير المجتمع اليمني والقيم القبلية التي تحمي النساء.
وأكد، أن فرنسا تثني على جهود مجلس دول التعاون الخليجي والسعودية، «اللذان اختارا بوضوح السلام، ويعملان على جمع كلّ الأطراف اليمنية حول طاولة المفاوضات نفسها تحت رعاية الأمم المتحدة». وفيما يلي تفاصيل الحوار...
> سعادة السفير... كيف ترى فرنسا وتقيّم ما يجري في اليمن منذ تأسيس مجلس القيادة الرئاسي والأحداث التي غطت مجمل هذا العام؟
- رحّب اليمنيون بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي بأمل كبير: الأمل في رؤية جميع فئات الجانب الشرعي تعمل سوية لخير الوطن، وبالتالي استعادة الدولة في خدمة جميع المواطنين من دون تمييز.
في اليمن، يتصادم مشروعان سياسيان: مشروع الحوثيين، وهو فرض سلطتهم الكاملة وسيطرتهم على جميع اليمنيين. في مواجهة هذا المشروع الذي يتّخذ طابعاً شمولياً بشكل متزايد، والذي يسعى إلى خنق المجتمع، وقمع النساء وغسل أدمغة الشباب، يأتي مشروع الحكومة اليمنية الذي يمثّل مشروع دولة جمهورية تعددية تحترم تنوع المجتمع اليمني. يضع هذا المشروع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي رجل حكيم ووطني ورجل توافقي يدافع عن المصالح العليا لليمن واليمنيين.
يواجه جانب الحكومة الشرعية العديد من المشاكل، ولكن على عكس الحوثيين، تتصرف الحكومة بحسّ من المسؤولية أمام شعبها وأمام المجتمع الدولي. هي تعمل على تجاوز انقساماتها من أجل المصلحة العامة. كما تسعى إلى تصحيح أخطائها ومحاربة الفساد. أشاد تقرير حديث للأمم المتحدة بجهود الحكومة لمكافحة تجنيد الأطفال. بالمقابل، بين صفوف الحوثيين، يصل تجنيد الأطفال إلى مستويات مرعبة.
شهد هذا العام 6 أشهر من الهدنة. كانت هذه الهدنة بمثابة نفحة هواء نقي للشعب اليمني الذي أنهكته ثماني سنوات من الحرب. واليوم ما زالت هذه الهدنة قائمة لكن من دون اتفاق. نحن في حالة اللاهدنة واللاحرب منذ 2 أكتوبر (تشرين الأول). الحوثيون وحدهم هم المسؤولون عن عدم تجديد الهدنة.
استراتيجيتهم واضحة: يريدون إسقاط الحكومة بكل الوسائل ليحلوا محلها، ولهذا السبب لا يرفضون التفاوض مع الحكومة وحسب، بل يلجأون إلى العنف لتدمير الحكومة، لا سيّما عن طريق خنقها اقتصادياً من خلال الهجمات على محطات النفط. والشعب اليمني يدفع الثمن. صنّف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفرنسا عضو (دائم) فيه، هذه الهجمات على أنها «أعمال إرهابية».
لكن إنهاء معاناة الشعب اليمني مرهونة بانتهاء الحرب الأهلية. يجب على الحوثيين التفاوض على السلام مع الحكومة تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة، السيد هانس غروندبرغ، الذي تُجدِّدُ فرنسا دعمها الكامل له.
> كانت هناك ردة فعل حوثية هجومية تجاه فرنسا، خصوصاً بعد إدانة صدرت عنكم. لماذا هذا الهجوم برأيكم؟
- هناك ردود فعل رسمية من الحوثيين الذين - بالطبع - يسعون لإخبار العالم بأنهم ضحايا الصراع في اليمن. هذا لم يعد يقنع أحداً. الحوثيون قَمعيون ويزداد قمعهم للنساء والشباب والقبائل واليمنيين بشكل عام، كلّ يوم. لم تَعُد أسطوانة الحوثيين المكسورة كافية لإخفاء الحقيقة. تثير تجاوزات نظام الحوثي في صنعاء قلق المجتمع الدولي بأسره. يقارنهم البعض بحركة «طالبان» في أفغانستان، والبعض الآخر بالخمير الحمر... في كل مرّة يُقارَن الحوثيّون بحركة أخرى، تكون المقارنة دائماً أسوأ مما تعتقد... إنهم يدمرون المجتمع اليمني من الداخل. إنهم يدمرون الهياكل القبلية والقيم القبلية التي تحمي النساء والأطفال. أقاموا نظاماً من الرّعب والمراقبة على السكان.
لكن داخل الحركة الحوثية، التي تتميز بصراع لا يرحم من أجل النفوذ على السيطرة على الموارد، يبدو أن جناحاً أكثر «براغماتية» موجود، ويتفهم الحاجة إلى الخروج من المأزق والتخلي عن الخيار العسكري للانضمام إلى العملية السياسية.
إلى جانب ردود الفعل الرسمية، لا يُمكننا أن ننسى كل حملات التضليل التي يقوم بها الحوثيون. إنه لمن الجنون أن نستمع إلى تفسيرات لا أساس لها، لا، بل حتى أنها وهمية، أحاطت بزيارتي إلى المكلا في سبتمبر (أيلول) الماضي. ذهبت إلى المكلا لتدشين مشروع تنموي ممول من فرنسا في مجال صيد الأسماك. لماذا هذه الحملات التضليلية ضد فرنسا؟ هل لأن صوت فرنسا لا يتنازل عن الدفاع عن القيم الإنسانية ويذكّر بشكل منهجي بضرورة الاستماع إلى الشعب اليمني؟
> هل لديكم تواصل مباشر أو غير مباشر مع الحوثيين؟ وإذا كان موجوداً، فمتى كان آخر تواصل وماذا تقولون لهم؟
- السفارة الفرنسية على اتصال مع الحوثيين. أعرف الحوثيين منذ زمن طويل، منذ زمن الحوار الوطني. تمكنت من مقابلة عبد الملك الحوثي مع السفراء الأوروبيين في فبراير (شباط) 2012، عندما كنت أشغل منصب نائب سفير الاتحاد الأوروبي.
منذ أن توليت منصبي في أكتوبر 2020، كنا على تواصل، غير أن هذا التواصل ازداد صعوبة بسبب سلوك الحوثيين. يعزل الحوثيون أنفسهم عن العالم. هم يفرضون على المجتمع الدولي قنوات محددة للنقاش مع أشخاص ليس لديهم سلطة اتخاذ القرار. العالم غير مسؤول عن هذا السلوك من الحوثيين الذين يغلقون الباب في وجه أي حوار حقيقي.
على الرغم من هذا السلوك، نواصل توصيل رسالة إليهم مفادها أنه من مصلحتهم التفاوض والتخلي عن الخيار العسكري الذي يقود الحوثيين والبلاد إلى طريق مسدود.
> كيف تعتقدون أن الهدنة اليمنية سوف تنجح، خصوصاً أن هناك اتهاماً حكومياً للحوثيين بالتمسك بعرقلتها والتصعيد الداخلي؟
- ترحب فرنسا بكل الجهود المبذولة حالياً لتجديد الهدنة وإعادة العملية السياسية إلى مسارها تحت رعاية الأمم المتحدة.
تدعم فرنسا بقوة جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، الذي يقوم بعمل رائع بقناعة وعزم. وتثني على جهود مجلس دول التعاون الخليجي والمملكة العربية السعودية، اللذان اختارا بوضوح السلام، واللذان يعملان على جمع كلّ الأطراف اليمنية حول طاولة المفاوضات نفسها تحت رعاية الأمم المتحدة.
كما تُحَيي فرنسا الدور النشط لسلطنة عُمان، التي تؤدي دوراً أساسياً لصالح الاعتدال والسلام.
> كيف ترون بأن الحل السياسي سينجح في ظل وجود جماعة مدعومة من إيران وسط اليمن؟
- تؤدي إيران دوراً سلبياً في مختلف الأزمات التي تهز المنطقة. في اليمن، للإيرانيين تأثير على الحوثيين وبشكل واضح، لا سيما على الجناح المتشدد. نتمنى أن نرى هذا التأثير يُستخدم لمصلحة السلام واليمن. أعتقد أيضاً أن الحوثيين يراقبون عن كثب ما يحدث في إيران الآن.
> هناك كثير من العتب اليمني على الدول الغربية بأنها تدلل الحوثيين. ماذا تقول لليمنيين أصحاب هذه النظرية؟
- أقول لهم، إن العالم بدأ يفتح عينيه على طبيعة حركة الحوثيين. إن القلق يتزايد داخل المجتمع الدولي بشأن تجاوزات نظام الحوثي الذي يهاجم كل شيء: النساء والأطفال وموظفي الدولة والثقافة والقيم القبلية... الحوثيون يدمرون المجتمع اليمني من الداخل. إنهم يدمرون الحاضر، ولكن أيضاً مستقبل الشباب اليمني، «المخيمات الصيفية» وتلقين الشباب للعقيدة هي مصادر قلق رئيسية. شعب بأكمله في خطر بسبب آيديولوجية الحوثي.
> كيف تصفون عملكم مع دول تحالف دعم الشرعية في اليمن.. سياسياً وإنسانياً في اليمن؟
- فرنسا تتحدث مع جميع الأطراف في اليمن وخارج اليمن. مرة أخرى، الكل يريد السلام. الحوثيون هم الطرف الوحيد الذي يقف في وجه المصالحة الوطنية، وبالتالي نهاية الحرب الأهلية. يجب أن ندعم معاً جهود المجلس الرئاسي لإعادة الدولة التي تخدم جميع اليمنيين. تلتزم دول الخليج العربية إلى حد كبير بهذا الدعم. نعتقد أن عودة الدولة لخدمة الشعب هو الحل الحقيقي في اليمن. الطريق ستكون طويلة. لكن يجب أن نواصل جهودنا في هذا الاتجاه على جميع الصعد، وعلى جميع الجهات داخل المجتمع الدولي.
> كيف تقيّمون تجربة مجلس القيادة الرئاسي، وهل ما زالت فرنسا تدعمه للوصول إلى السلام المنشود في اليمن؟
- لا يُمكن أن تكون الأمور مكتَملة داخل الجانب الشرعي. هذا الجانب لا يتكون من ملائكة وحسب. الفساد موجود من جميع الجهات: بين الحوثيين وكذلك في الجانب الحكومي. بعض الناس في الجانب الحكومي لا يساعدون على إحلال السلام، أو لا يحاربون الفساد. كل هذا معروف للجميع. لكني أرى حسن النية بين كثير من الناس، من جميع التوجهات السياسية، الذين يعملون لصالح اليمن ويريدون خدمة دولة جمهورية ومواطن. تطلب فرنسا من جميع فئات الجانب الحكومي التغلب على انقساماتهم والعمل معاً في وفاق لصالح الجميع.
> كيف ترون التصعيد الحوثي الأخير بالهجوم على منشآت النفط. وهل هناك أي تحركات لوقف هذا النوع من الهجمات من المجتمع الدولي دعماً للسلام وحالة وقف النار التي استمرت حتى بعد الهدنة
- لقد أدانت فرنسا بوضوح شديد هذه الهجمات على موانئ النفط. إنها غير مقبولة. وقد وصف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذه الهجمات بأنها «أعمال إرهابية».
استراتيجية الحوثيين واضحة: خنق الحكومة اقتصادياً من خلال فرض شبه حصار اقتصادي عبر هجمات تهدف إلى منع أي تصدير للنفط من الموانئ التي تسيطر عليها الحكومة.
كما نشعر بالقلق من التهديد الذي يشكله الحوثيون على التجارة البحرية الدولية. الحوثيون يتجاوزون خطوطاً حمراء غير مقبولة.
يجب أن يفهموا أن الاستمرار في مسار العنف هذا، ما هو إلا ضد مصلحة السلام واليمن واليمنيين وحتى ضدّ مصلحتهم الخاصة.


مقالات ذات صلة

هل يتعمد الحوثيون استخدام السجناء والمعتقلين دروعاً بشرية لتجنب القصف؟

المشرق العربي رجل يمشي وسط مركز إيواء الأفارقة في صعدة (رويترز)

هل يتعمد الحوثيون استخدام السجناء والمعتقلين دروعاً بشرية لتجنب القصف؟

يعتقد مسؤولون وباحثون يمنيون أن جماعة الحوثي تتعمد استخدام السجناء والمعتقلين دروعاً بشرية تجنباً للقصف الجوي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي الجماعة الحوثية تسعى لتجنيد مقاتلين جدد في ظل تضاعف مخاوف السكان على أبنائهم (غيتي)

الحوثيون يبتزون السكان بالغذاء والخدمات لتجنيد المقاتلين

لجأ الحوثيون لابتزاز السكان بالغذاء والخدمات لتجنيد المقاتلين بعد العزوف عن المعسكرات الصيفية، في حين كشف تحالف حقوقي عن تضليل إعلامي بشأن انفجار في مدرسة أطفال

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي مسؤولو الخارجية اليمنية والسورية خلال مراسم رفع العلم بمقر السفارة اليمنية في دمشق (سبأ)

اليمن يعلن إعادة فتح سفارته في دمشق... وينتظر من إيران «بادرة حُسن نية»

أكدت وزارة الخارجية اليمنية إعادة فتح أبواب سفارتها في العاصمة السورية دمشق، الأحد، وممارسة مهامها بشكل رسمي بعد أن سيطرت الميليشيات الحوثية الإرهابية عليها…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
شؤون إقليمية منظومة القبة الحديدية بالقرب من عسقلان في جنوب إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن قبل دخوله أراضي إسرائيل، ومسيّرة آتية من الجهة الشرقية.

تحليل إخباري كان ميناء رأس عيسى قبل استيلاء الحوثيين عليه يستخدم لتصدير النفط اليمني (رويترز)

تحليل إخباري ما تأثير العقوبات الأميركية واستهداف المنشآت الاقتصادية على الحوثيين؟

بينما تسعى الولايات المتحدة لاستنزاف الجماعة الحوثية مالياً بالعقوبات وباستهداف المنشآت الاقتصادية؛ يتوقع خبراء اقتصاديون تأثيرات متفاوتة على الجماعة والسكان.

وضاح الجليل (عدن)

«هدنة غزة»: الوسطاء يضغطون لإبرام اتفاق رغم «تهديدات نتنياهو»

فتيات فلسطينيات ينظرن إلى أنقاض مبانٍ دمرتها غارات إسرائيلية في بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)
فتيات فلسطينيات ينظرن إلى أنقاض مبانٍ دمرتها غارات إسرائيلية في بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)
TT
20

«هدنة غزة»: الوسطاء يضغطون لإبرام اتفاق رغم «تهديدات نتنياهو»

فتيات فلسطينيات ينظرن إلى أنقاض مبانٍ دمرتها غارات إسرائيلية في بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)
فتيات فلسطينيات ينظرن إلى أنقاض مبانٍ دمرتها غارات إسرائيلية في بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)

​ «مساعٍ حثيثة» من الوسطاء لعودة التهدئة في قطاع غزة، تقابلها تهديدات من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ«سحق حماس»، ورفض إقامة دولة فلسطينية، وتسريبات بوسائل إعلام بلاده عن رفض مقترح الحركة بصفقة شاملة لتبادل الرهائن والأسرى تصل إلى 5 سنوات.

ذلك التباين الذي يصل إلى ذروته مع قرب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد نحو أسبوعين، يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، محاولة متعمدة من نتنياهو لعدم تهديد مستقبله السياسي الذي يقف على حافة الانهيار، غير أنهم يرون أن ضغوط واشنطن، وتكثيف الوسطاء الجهود لحلول توافقية، مع دعم دولي قبل الزيارة المرتقبة للمنطقة، ستسهم في الذهاب لاتفاقات مرحلية وهدنة إنسانية وأخرى مؤقتة مع تضمينها إنهاء الحرب، خصوصاً أن البيت الأبيض غير راغب في صراع مفتوح من دون سقف، حرصاً على مصالحه بالشرق الأوسط.

ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر سياسي ببلادها، قوله إن حكومة نتنياهو «ترفض مقترحاً لوقف إطلاق النار بغزة 5 سنوات يشمل إعادة كل المخطوفين»، مؤكداً أنه «لا فرصة للسماح لـ(حماس) بعودة التسلح والانتعاش».

فلسطينيون يصلّون بجانب جثامين قتلوا في غارات إسرائيلية ببيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يصلّون بجانب جثامين قتلوا في غارات إسرائيلية ببيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)

وجاء الرفض بعد ساعات من خطاب مطول ألقاه نتنياهو، أكد خلاله أمرين هما: «سحق حماس» و«رفض الدولة الفلسطينية»، قائلاً: «فكرة أن الدولة الفلسطينية ستجلب السلام هي فكرة هراء، ولقد جربناها في غزة، سيتم سحق (حماس)، ولن نضع السلطة الفلسطينية هناك. لن نستبدل بنظام يريد تدميرنا، آخر يريد القيام بذلك».

لكن عائلات الأسرى الإسرائيليين، رفضت في بيان صحافي الاثنين، مسار نتنياهو الذي وصل إلى ذروته برفض المقترح، مع استمرار العد التنازلي لزيارة ترمب للسعودية، وقطر، والإمارات، في الفترة من 13 إلى 16 مايو (أيار) المقبل، حسب إعلان البيت الأبيض أخيراً، وقالت العائلات: «نطالب بإعادة المخطوفين دفعة واحدة وإنهاء الحرب، وندعو للتظاهر مساء الأربعاء في تل أبيب للمطالبة بإعادة المخطوفين».

وكان مصدر مطلع بـ«حماس» كشف لـ«الشرق الأوسط»، الأحد، أن الحركة «قدمت عبر الوسيط المصري، خلال لقاء السبت، رؤيتها الشاملة لإنهاء الحرب»، متضمنة مبادرة متكاملة تنص على «تنفيذ صفقة تبادل تشمل جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف العدوان، وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، وتأمين الإغاثة العاجلة للشعب الفلسطيني، والقبول بهدنة طويلة الأمد تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات».

وتتضمن الرؤية «الالتزام بالرؤية المصرية لإدارة قطاع غزة من خلال (لجنة إسناد مجتمعي)، مع تأكيد (حماس) عدم مشاركتها في هذه الإدارة ودعم جهود إعادة الإعمار، وتقديم ضمانات واضحة وقابلة للتنفيذ، بما يسهّل تطبيق الاتفاق»، بحسب المصدر المطلع.

وجاءت زيارة «حماس» إلى القاهرة للمرة الثانية خلال أسبوع، بعد أيام من زيارة لتركيا ولقاء وزير الخارجية التركي، وتلاه تأكيد مصدرين من الحركة لـ«الشرق الأوسط»، وقتها، أن الحركة تريد دعماً من تركيا، لنقل رؤيتها إلى إدارة ترمب بشأن «الصفقة الشاملة» في ظل «العلاقات الجيدة بينهما».

الخبير المختص في الأمن الإقليمي والدولي اللواء أحمد الشحات، يرى أن ما يصدر عن إسرائيل هو إصرار على استمرار الحرب والتوسع في احتلال غزة، ومحاولة لإفشال ضغوط الوسطاء التي تتواصل، ومحاولة لـ«استفزاز حماس» للتعنت وتحميلها أمام ترمب فشل أي مفاوضات.

وبرأي المحلل السياسي الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، نهرو جمهور، فإن تهديدات نتنياهو والتسريبات الإسرائيلية محاولة لإعاقة جهود الوسطاء والإبقاء على الحرب ولو لمائة عام، بهدف منع أي اتفاق شامل قد يجعل رئيس وزراء إسرائيل في مواجهة مساءلات داخلية تهدد بقاءه السياسي، مشيراً إلى أنه يدرك أن صفقة الـ5 سنوات كفيلة بأن تزيله هو شخصياً، وتجعله تحت المساءلة، وبالتالي يرفضها كلياً، وقد يرغب في اتفاق مرحلي للتهدئة دون التزام بوقف إطلاق النار استجابة لترمب قبل زيارته المنطقة.

في المقابل، لا يزال الوسطاء يتمسكون بممارسة مزيد من الضغوط وسط دعم دولي يتوسع لدعم ذلك المسار، وقال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في كلمة بمؤتمر بالدوحة الاثنين، إن قطر ستواصل بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين جهودها الحثيثة للتوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار في غزة، وتأمين تدفق المساعدات دون عوائق إلى القطاع.

وبالتزامن، دعت الحكومة الفرنسية نظيرتها في إسرائيل، إلى وقف «المذبحة» التي تجري في غزة، وأكدت «الخارجية» البريطانية أنه سيتم توقيع مذكرة تفاهم «تاريخية» مع الجانب الفلسطيني، تُكرّس الالتزام بتعزيز الدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين، بحسب وسائل إعلام غربية.

وانهار اتفاق لوقف إطلاق النار في 18 مارس (آذار) الماضي، عندما استأنفت إسرائيل قصف غزة، ورفضت دخول المرحلة الثانية الممهدة لإنهاء الحرب، ولم تنجح مقترحات مصرية وإسرائيلية وأميركية في مارس الماضي، وأوائل أبريل (نيسان) الحالي، في حلحلة الأزمة، بخلاف رفض «حماس» في 17 أبريل الحالي، اقتراحاً إسرائيلياً يتضمَّن هدنةً لمدة 45 يوماً، في مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء.

ويرى اللواء الشحات أن الوسطاء يحاولون حشد المجتمع الدولي والإقليمي، ويحثون واشنطن للضغط على إسرائيل في بند الملف الإنساني لترجمته لهدنة إنسانية في أقرب وقت، مع كبح جماحها في الحرب وتقديم مقترحات توافقية تستغل زيارة ترمب للمنطقة، ورغبته في تحقيق نصر سياسي له بالضغط على نتنياهو للذهاب لاتفاق مرحلي، متضمناً بحث إنهاء الحرب، مؤكداً أن الأخير وصل بهذا الرفض إلى الذروة، وقد يسفر عنه تدخل ترمب ليعلن أنه صاحب تحقيق الهدنة.

وبحسب نهرو جمهور، فإن الوسطاء سيواصلون الضغط لإقناع الطرف الفلسطيني بإبرام اتفاقات مرحلية تمهد لاتفاق شامل، وكذلك بالضغط على الجانب الأميركي لتحجيم رغبات نتنياهو في استمرار الحرب، معتقداً أن واشنطن ليست لديها رغبة في استمرار الصراع لما لا نهاية، وقد تنتصر للمعارضة الإسرائيلية بترتيبات جديدة بالمنطقة؛ منها اتفاق شامل لو استمر تعنت نتنياهو، أو إجباره على اتفاق ولو بشكل مرحلي.