كيف يرى الليبيون التقارب بين رئيسي «النواب» و«الأعلى للدولة»؟

(تحليل إخباري)
رغم أن التقارب الراهن بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، أحيا آمال الكثيرين بقرب حدوث انفراجة سياسية ليبية، فإنه أسفر في المقابل عن «اعتراضات داخل المجلسين، وتحديدا فيما يتعلق بطريقة إدارة صالح والمشري للمشاورات بينهما»، بحسب سياسيين ومراقبين للمشهد السياسي المحلي.
وفيما وصف البعض تلك الاعتراضات «بالكيدية»، واتهموا أصحابها بأنهم من الكتلة الداعمة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي دأب على توجيه انتقادات لرئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة، أكد آخرون أن الاعتراضات «لا تمثل رأي الأغلبية».
واعتبر عضو مجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، الحديث عن تباين واسع بالآراء بين المشري وأعضاء مجلسه «تضخيما من قبل أصوات محسوبة على الدبيبة»، ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «القرارات المعبرة عن إرادة الأعلى للدولة ومواقفه حيال القضايا المهمة تتخذ عبر آلية التصويت عليها، ولا ينفرد بها المشري».
وكان 50 عضوا بالأعلى للدولة قد طالبوا المشري بأن تكون الأولوية للتفاوض مع «النواب» حول القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات قبل التوافق على ملفي المناصب السيادية والسلطة التنفيذية، إلا أن المجلس صوت مؤخرا لصالح قبول مقترح يقضي «بالسير بالتوازي في المسارات الثلاثة».
ورغم إقراره بوجود طموح لدى صالح بتشكيل مجلس رئاسي جديد لرئاسته، وأن يكون المشري رئيسا لحكومة جديدة، اتهم بن شرادة بعض الموالين للدبيبة «بتشويه أي جهد لحلحلة أي مسار من المسارات الثلاثة، عبر وصف القائمين عليه بكونهم مرتزقة يبحثون عن مصالحهم فقط». وأوضح أن «تشكيل مجلس رئاسي وحكومة جديدة قرار ستنفرد به البعثة الأممية، إذا ما اختارت السير لتشكيل ملتقى حوار سياسي جديد لإنتاج سلطة انتقالية جديدة... ودون معالجة الانقسام الحكومي وتوحيد المؤسسات لا يمكن الحديث عن انتخابات».
ويتفق مع الطرح السابق عضو الأعلى للدولة، عادل كرموس، الذي انتقد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إصرار البعض على المشاركة في المباحثات، التي تجري على مستوى الرئاسة بين المجلسين، وأن يكون على علم بكل التفاصيل، في حين أن اللوائح المنظمة لعمل الأعلى للدولة تخول المشري، بصفته رئيسا، إجراء المباحثات مع الأطراف السياسية. بالمقابل، رفض عضو مجلس النواب الليبي، سالم قنيدي، تعميم الاتهام، ووصف أي معارضة لرئيسي المجلسين بكونها موالية لحكومة «الوحدة الوطنية» ورئيسها. وقال لـ«لشرق الأوسط» إن «هناك تباينا واسعا بين عقيلة صالح وعدد من النواب المعترضين على محاولته الانفراد بالقرار، وعدم إشراكهم فيما يطرأ من مستجدات». مضيفا أنه «لم يتم استطلاع رأي النواب في استئناف المشاورات مع الأعلى للدولة بالمغرب قبل شهرين، وتداعيات ذلك من تفاهمات بينهما أعلن عنها عقيلة صالح مؤخرا، ومن قبل ذلك لم يطلع أحدا على أسباب، وأهداف رحلاته المكوكية، باستثناء زياراته قبل عدة أشهر لتركيا، حيث اضطر للكشف عن تفاصيلها جراء ضغط النواب عليه بعد عودته».
وكان صالح قد نوه في تصريحات صحافية على هامش زياراته للقاهرة الأسبوع الماضي، بأن هناك اتفاقا كبيرا بين رئاسة المجلسين النواب والأعلى الدولة على «إعادة تكوين المؤسسات السيادية التابعة لمجلس النواب»، وأنه «سيتم الفصل في هذا الأمر خلال الأيام القادمة، بالإضافة إلى تكوين سلطة واحدة في ليبيا».
ورحج قنيدي «وجود مصالح خاصة يسعى رئيسا المجلسين لتحقيقها جراء إعطاء الأولوية لحسم ملفي المناصب السيادية والسلطة التنفيذية»، وأرجع تمتع عقيلة صالح بدعم الأغلبية تحت قبة البرلمان «لوجود كتلة صامتة كبيرة، ربما لا تؤيده كالمقربين منه، ولكنها أيضا لا تعلن عن معارضتها له».
من جانبه، ورغم إبداء تفهمه لمنطقية ما يطرحه النواب المؤيدون لضرورة البدء بإنجاز القاعدة الدستورية، فإن عضو مجلس النواب الليبي حسن الزرقاء، رأى أن أغلبية النواب تتفق مع طرح عقيلة صالح لما يحمله من «مبررات منطقية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حتى لو أنجزت القاعدة الدستورية فإنه لن يمكن تطبيقها في ظل عدم وجود حكومة موحدة، وقوات أمنية موحدة، وبالتالي فتوحيد المؤسسات هو البداية».
أما عضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد الشركسي، فوصف التناقض الحادث بين انتقاد بعض أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة لرئاستهما، دون السعي الجدي لعزلهما عبر اللوائح المنظمة لكل مجلس، أو دون التقدم بالاستقالة بكونه «انتقادا ومعارضة مصطنعة». وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا توجد انتقادات حقيقية، ورئاسة كل مجلس منهما تتمتع بالأغلبية، كونها من تقود صفقات البقاء والتمديد، في حين يكتفي البعض بدور المعارض والمنتقد لتبرير موقفه، عبر الإيحاء بأن رئاسة مجلسه تتحكم بالقرار، والواقع أن هؤلاء لو رغبوا لسارعوا بعزل تلك الرئاسات، وهو أمر كان يمكن حدوثه خاصة بالأعلى للدولة».
وأضاف الشركسي موضحا أن الجسم الاستشاري الذي ولد مع اتفاق الصخيرات «شهد ليومنا الحالي سبعة انتخابات داخلية على موقع رئيس المجلس، وفاز المشري الذي تتم مهاجمته من قبل قطاع غير هين من أعضائه بآخر خمسة استحقاقات».
مؤكدا أن «الشارع بات لا يرى في تلك المجالس، وأيضا الحكومات الراهنة ممثلة عنه لاشتراكهما جميعا في عرقلة الانتخابات».