إيران... ما بين محاولات احتواء غضب الشارع وتهديدات المحتجين

إيرانية من دون حجاب في طهران بعد حل شرطة الأخلاق (رويترز)
إيرانية من دون حجاب في طهران بعد حل شرطة الأخلاق (رويترز)
TT

إيران... ما بين محاولات احتواء غضب الشارع وتهديدات المحتجين

إيرانية من دون حجاب في طهران بعد حل شرطة الأخلاق (رويترز)
إيرانية من دون حجاب في طهران بعد حل شرطة الأخلاق (رويترز)

ما بين مساعٍ لاحتواء غضب الشارع الإيراني الثائر منذ وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني (22 عاماً) خلال احتجازها من قِبل «شرطة الأخلاق» قبل أكثر من عشرة أسابيع وبين التهديد بسحق المحتجين، تتأرجح المواقف الرسمية للحكومة الإيرانية، في تضارب وارتباك واضحين، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن العديد من المراقبين.
واعتبرت وكالة «بلومبرغ» الأميركية، أن التصريحات التي أدلى بها المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، الأحد الماضي، بشأن حل «شرطة الأخلاق» لا ترقى إلى «حل رسمي» لهذه الهيئة، مشيرة إلى أنها تأتي في أعقاب اضطرابات دامية تحدت القيادة الإيرانية على نطاق لم تشهده البلاد منذ عام 1979. واستبعدت «بلومبرغ» أن يمثل قرار منتظري تحولاً كبيراً في السياسة، ورأت أنه «لم يعالج مطالب المحتجين بإلغاء قواعد اللباس الإلزامي تماماً، أو التعامل مع قائمة واسعة من المظالم المتعلقة بالحريات المدنية والحوكمة وسيادة القانون».
على الجانب الآخر، وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» القرار بأنه «يعدّ بداية تنازلات لصالح الحركة الاحتجاجية، كما أنه انتصار كبير للنساء اللاتي يحلمن منذ سنوات بتفكيك هذه الهيئة المثيرة للجدل».
وكان النائب العام الإيراني صرح الخميس الماضي، بأن السلطات تراجع لوائح الحجاب في البلاد وستصدر قراراً في غضون 15 يوماً.

وأشارت الصحيفة إلى أنه إذا تم حل شرطة الأخلاق في نهاية المطاف، «فسيكون لذلك تأثير كبير على قدرة الدولة على مراقبة ما ترتديه النساء». لكنها أضافت، أنه لم يتضح على الفور ما إذا كانت السلطات تخطط لتخفيف القوانين التي تفرض على المرأة ارتداء الحجاب وتغطية جسدها.
وكانت الاحتجاجات الإيرانية، التي فجّرتها وفاة أميني، ركزت في البداية على قوانين الزي الإلزامي، لكنها سرعان ما تحولت إلى مطالب بإنهاء حكم رجال الدين والسماح بقدر أكبر من الحرية الاجتماعية.
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم، إن الخطوة تهدف إلى محاولة تهدئة الاحتجاجات المشتعلة في إيران، لكنهم أضافوا، أنه من غير الواضح ما إذا كانت تصريحات منتظري تعكس قراراً رفيع المستوى لحكام إيران بإجراء تغييرات كبيرة بشأن قانون الحجاب، أم أنها مبادرات مؤقتة تهدف إلى المساعدة في احتواء الاحتجاجات.
وقال سانام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس»، ومقره لندن «أعتقد أنهم (قادة إيران) يحاولون فقط إثبات قدرتهم على التحلي بالمرونة، ولكن ما لا يفعلونه هو تقديم تنازلات ذات مغزى».
وأضاف وكيل، في مقابلة مع «نيويورك تايمز»، أن «النظام الإيراني يبدو أنه يختبر ما إذا كانت مثل هذه التنازلات قد تقضي على الدعم الأوسع للمظاهرات بين الإيرانيين الذين لم يخرجوا إلى الشوارع حتى الآن».
وقالت مهسا مرداني، وهي محللة بارزة في الشأن الإيراني في منظمة حقوقية مقرها لندن «إنهم على الأرجح متعبون ويعتقدون أن بعض التنازلات السطحية الصغيرة مثل هذه ستخمد الانتفاضة ضدهم... هذه الخطوة بالتأكيد لن توقف المتظاهرين أو ترضي أولئك الذين يهتفون من أجل التغيير الكامل للنظام».
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن متظاهرة إيرانية قولها، إن إعلان حل شرطة الأخلاق كان «خبراً مضللاً لصرف انتباه الناس عن الدعوات للاحتجاج أو لإثارة الانقسامات والشكوك بين النشطاء... هذا لا يغيّر كراهية الناس للنظام وستستمر الاحتجاجات».
وذهب محللون إلى القول، إن الدعم الواسع للاحتجاجات قد يجبر الحكومة على التخلي عن تطبيق قانون الحجاب في معظم الأماكن العامة بخلاف المباني الحكومية والمناسبات الرسمية وغيرها من الأحداث البارزة في البلاد.
وفي السياق، صرح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن النظام الإسلامي الإيراني منصوص عليه في دستور البلاد، لكنه أضاف، أن «هناك طرقاً لتطبيق الدستور يمكن أن تكون مرنة».
ورغم التفسيرات المتباينة للخطوات والتصريحات الصادرة من القيادة الإيرانية وتشكيك البعض في مدى جديتها، خرج الحرس الثوري ليتوعد المحتجين، مؤكداً أن قوات الأمن «لن ترحم مثيري الشغب وقطاع الطرق والإرهابيين».
تهديد قابلته دعوات إلى مسيرات حاشدة في العاصمة طهران أمس الأربعاء، بالتزامن مع دخول إضراب عام للمحال التجارية والشركات حيز التنفيذ.
ورأت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن المتظاهرين سيرون اختبارهم الخاص هذا الأسبوع في مشاركة أعداد كبيرة من الناس في مظاهرات طهران المخطط لها؛ إذ لم تجتذب الدعوات السابقة للاحتجاجات سوى حشود متواضعة، على الرغم من الدعم الشعبي الواسع للمظاهرات المناهضة للنظام.
وقالت الصحيفة، إن أصحاب المتاجر وسائقي الشاحنات في إيران نظموا الاثنين إضراباً فيما يقرب من 40 مدينة وبلدة؛ وذلك استجابة لدعوات لإضراب عام لمدة ثلاثة أيام على مستوى البلاد من قبل المتظاهرين، حيث رفضت الحكومة تأكيد حل شرطة الأخلاق.
وذكرت الصحيفة، أنه بدلاً من ذلك، أفادت الصحف الإيرانية بوجود المزيد من دوريات شرطة الأخلاق، لا سيما في المدن الدينية، ما يتطلب من النساء ارتداء الحجاب، وتوجيه مديري المتاجر من قِبل الشرطة لتعزيز القيود المفروضة على الحجاب.
ورأت الصحيفة، أن تنفيذ الإضراب من قِبل أصحاب المتاجر يرضي المتظاهرين «لأنه أظهر أن الاستياء من النظام لا يزال منتشراً في المدن الكبرى، مثل طهران، وكرج، وأصفهان، ومشهد، وتبريز وشيراز». وأشارت إلى أن 19 مدينة انضمت إلى حركة الإضراب في غرب إيران، حيث يعيش معظم السكان الأكراد في البلاد.
وفي غضون ذلك، نقلت الصحيفة عن هادي غيمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران، وهو منظمة مستقلة مقرها نيويورك، قوله «بالنسبة للإيرانيين العاديين، شرطة الآداب (الأخلاق) ليست ذات صلة الآن... إذا كان هناك أي شيء، فإن تحركات النظام قد تعمل على تشجيع المزيد من المتظاهرين».
وأضاف غيمي «شكاواهم (المحتجون) الآن أعمق بكثير من مجرد شرطة الأخلاق أو قانون الحجاب، وهذا ليس السبب في أن المئات لا يزالون يضعون حياتهم على المحك. لقد تطور هذا إلى شيء أكبر بكثير يشكك في النظام السياسي بأكمله».
وأشار إلى أن «حل شرطة الأخلاق كان يمكن أن يحدث فارقاً بعد وفاة أميني مباشرة»، واصفاً حلها في هذه المرحلة بأنه ليس «سوى محاولة يائسة من النظام للانتقاص من المطالب الأوسع للمحتجين بإنهاء حكم رجال الدين الاستبدادي».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

الجيش الإسرائيلي يشدد ضوابط التغطية الإعلامية وسط مخاوف من مقاضاة عسكريين

جنود إسرائيليون يحملون أغراضهم عائدين إلى إسرائيل  (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يحملون أغراضهم عائدين إلى إسرائيل (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يشدد ضوابط التغطية الإعلامية وسط مخاوف من مقاضاة عسكريين

جنود إسرائيليون يحملون أغراضهم عائدين إلى إسرائيل  (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يحملون أغراضهم عائدين إلى إسرائيل (أرشيفية - إ.ب.أ)

فرض الجيش الإسرائيلي قيودا جديدة على التغطية الإعلامية التي تشمل عسكريين أثناء مشاركتهم في مهام قتالية فعلية وسط مخاوف متزايدة من احتمال تعرض أفراد من قوات الاحتياط لإجراءات قانونية خلال سفرهم إلى الخارج بسبب اتهامات تتعلق بتورطهم في جرائم حرب في غزة.

جاءت هذه الخطوة بعد أن اضطر جندي احتياط إسرائيلي كان يقضي عطلة في البرازيل إلى مغادرة البلاد بشكل مفاجئ عندما أمر قاض برازيلي الشرطة الاتحادية بفتح تحقيق في أعقاب اتهامات من مجموعة مناصرة للفلسطينيين بأنه ارتكب جرائم حرب أثناء خدمته في غزة.

وبحسب ما قاله المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لفتنانت كولونيل ناداف شوشاني للصحفيين فإنه بموجب القواعد الجديدة، لن يتمكن الإعلاميون الذين يجرون مقابلات مع عسكريين برتبة كولونيل فما أقل من إظهار وجوههم أو نشر أسمائهم بشكل كامل، على غرار القواعد القائمة بالفعل بالنسبة للطيارين وعناصر وحدات القوات الخاصة. كما يتعين عدم الربط بين العسكريين الذين تجري مقابلات معهم وبين نشاط قتالي محدد شاركوا فيه.

وقال شوشاني «هذه هي القواعد التوجيهية الجديدة لحماية جنودنا وضمان عدم تعرضهم لمثل هذه الأمور التي يقوم بها ناشطون مناهضون لإسرائيل حول العالم». وأوضح أنه بموجب القواعد العسكرية المعمول بها حاليا، ليس من المفترض أن ينشر العسكريون مقاطع فيديو وصورا من مناطق الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي «رغم أن هذا ليس الحال دائما، فلدينا جيش كبير». وأضاف أن هناك أيضا قواعد وإرشادات راسخة للعسكريين المسافرين إلى الخارج.

وذكر أن جماعات، مثل مؤسسة هند رجب التي تتخذ من بلجيكا مقرا والتي دفعت لاتخاذ الإجراء الذي شهدته البرازيل، «تربط النقاط ببعضها» فيما يتعلق بالعسكريين الذين ينشرون مواد من غزة ثم ينشرون صورا ومقاطع فيديو أخرى لأنفسهم أثناء قضاء عطلاتهم في الخارج.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية العام الماضي مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بالإضافة إلى القيادي بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إبراهيم المصري المعروف باسم محمد الضيف، بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة ما أثار غضبا في إسرائيل.

وقال شوشاني إن هناك «بضعة» حالات جرى فيها استهداف جنود احتياط خلال السفر للخارج، بالإضافة إلى قضية البرازيل، كلها بدأت بمطالبات من جماعات للسلطات بإجراء تحقيق.