اليونان: أجواء توتر وترقب.. واستمرار غلق البنوك

الحكومة تعد بإصلاح نظامي التقاعد والضرائب «اعتبارًا من الأسبوع المقبل»

يونانيون يصطفون أمام فرع لبنك «يوروبنك» في أثينا (رويترز)
يونانيون يصطفون أمام فرع لبنك «يوروبنك» في أثينا (رويترز)
TT

اليونان: أجواء توتر وترقب.. واستمرار غلق البنوك

يونانيون يصطفون أمام فرع لبنك «يوروبنك» في أثينا (رويترز)
يونانيون يصطفون أمام فرع لبنك «يوروبنك» في أثينا (رويترز)

تهيمن أجواء متوترة وردود فعل سلبية هنا في أثينا بسب ما آلت إليه الأمور بين أثينا والشركاء في أوروبا، وعدم قدرتهم على التوصل إلى اتفاق يضع حدا للمأساة والمعاناة التي يعيشها اليونانيون حاليا أمام المصارف المغلقة وشح الأدوية في المستشفيات.
ومنح الأوروبيون أنفسهم مهلة تنتهي الأحد للتوصل إلى اتفاق مع اليونان، ويستعدون في حال عدم الاتفاق للخطة «ب»، وهي خروج هذا البلد من منطقة اليورو، حيث لم تقدم اليونان أي مقترحات إصلاحات ملموسة في قمة منطقة اليورو أول من أمس الثلاثاء.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك: «نحن فعلا في لحظة حرجة، في تاريخ الاتحاد الأوروبي عندما يتم الحديث رسميا عن عدم استبعاد سيناريو خروج اليونان إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق».
من جهته، أكد رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس في جلسة للبرلمان الأوروبي تصميمه على «مواصلة الجهد» للتوصل إلى اتفاق مع دائني بلاده «يضمن الخروج من الأزمة، وينهي احتمال خروج أثينا من منطقة اليورو»، ويلتقي قادة الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأحد في بروكسل لوضع حد - في أفضل الحالات - لمفاوضات بدأت قبل نحو ستة أشهر بعد وصول حزب سيريزا اليساري إلى الحكم في اليونان.
وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع يورغوس ستاثوبولس وهو عضو في اللجنة المركزية لحزب سيريزا الحاكم، قال: «الخلاف ما زال قائما، ولكن الوضع قبل الاستفتاء كان يختلف كثيرا، الآن يوجد حالة من الشد والجذب في المفاوضات، ونحن هنا، الشعب اليوناني، نعرف جيدا أن مثل هذه المفاوضات التي هي لمصلحة الشعب لم تحدث نهائيا منذ عام 2010». فيما قال غريغوراكيس ستيفانوس وهو عضو رابطة «لا للتقشف»: «جميع المواطنين هنا ينتظرون إعادة فتح البنوك ومعرفة ما إذا كان سوف تتم مصادرة نسبة من أموالنا في البنوك، وأتساءل لماذا يجلس تسيبراس مع زعماء المعارضة وكأن الموافقين على خطة الإنقاذ قد فازوا في التصويت، على الرغم من فوز الرافضين للخطة؟».
وقبل القمة المقررة الأحد ستكون أثينا مطالبة بتسليم منطقة اليورو، اليوم الخميس على أقصى تقدير، لائحة إصلاحات ملموسة بهدف إتاحة استئناف المفاوضات على خطة مساعدة مالية، وكان من المؤمل أن تسلم هذه اللائحة الثلاثاء وتقدم إلى اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو الذي سبق القمة، لكن وزير المالية اليوناني الجديد إفكيليدس تساكالوتوس قدم للاجتماع دون وثيقة مكتوبة، مما أثار غضب مسؤولين أوروبيين بعد ثلاثة أيام من الاستفتاء اليوناني الرافض لشروط الدائنين.
في هذه الأثناء، تبقى المصارف في اليونان مغلقة بعدما تعذرت إعادة فتحها الثلاثاء كما كان مقررا، مع استمرار الرقابة المفروضة على الرساميل، وباتت خزائن اليونان فارغة أو على وشك أن تفرغ، فيما يواجه هذا البلد خلال الأيام المقبلة استحقاقات عدة بعضها لدائنين من القطاع الخاص، وأهمها استحقاق للبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي أكثر من 5 مليارات يورو.
ووفقا للمصادر، فقد وعدت اليونان بالبدء بإصلاح نظامي التقاعد والضرائب اعتبارا من الأسبوع المقبل كما طلبت الجهات الدائنة مقابل قرض من منطقة اليورو على ثلاث سنوات لإنقاذ نظامها المالي المهدد بالانهيار، وذكرت وزارة المالية في رسالة إلى منطقة اليورو: «نقترح أن نطبق على الفور مجموعة إجراءات اعتبارا من مطلع الأسبوع المقبل وتشمل إصلاح نظام الضرائب والتقاعد» إذا كان القرض من آلية الاستقرار الأوروبية جاهزا.
وقبل بضع ساعات على نشر هذه الرسالة أكد متحدث باسم آلية الاستقرار الأوروبي في بروكسل لوكالة الصحافة الفرنسية تلقيه هذا الطلب اليوناني الذي كان منتظرا بعد القمة الطارئة مساء الثلاثاء في بروكسل. وأثناء هذه القمة حدد قادة منطقة اليورو مهلة حتى الأحد ليقرروا بشأن برنامج مساعدة جديد من دونه قد تضطر اليونان للخروج من منطقة اليورو.
وآلية الاستقرار الأوروبية هي صندوق مساعدة أوروبي وضع لضمان استقرار العملة الموحدة.
واقترح وزير المالية اليوناني «التطبيق الفوري منذ الأسبوع المقبل لتدابير من أجل إصلاح قطاعات الضرائب والتقاعد».
كما تعهد باتخاذ «تدابير إضافية لتعزيز الاقتصاد وتحديثه». وأكد تساكولوتوس أن مقترحات أثينا سترسل «الخميس على أبعد تقدير» إلى شركائها لتعرض في الاجتماع المقرر لوزراء مالية منطقة اليورو.
وعبر عن «ثقته» إزاء الدول الأعضاء في منطقة اليورو مبررا «الضرورة الملحة» لهذا القرض الذي طلب من آلية الاستقرار الأوروبية نظرا إلى «الوضع الهش للنظام المصرفي ونقص السيولة» في اليونان.
وأكد أن هذا القرض «سيستخدم لتسديد الديون لجميع دائني» البلاد، وكذلك من أجل «استقرار الاقتصاد»، مكررا «التزام اليونان بالبقاء عضوا في منطقة اليورو» و«احترام قوانينها». وخلص الوزير اليوناني إلى القول: «إن هذه الرسالة تحل مكان مقترحات 30 يونيو (حزيران)» التي قدمتها اليونان إلى شركائها. وقد تعهد رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس أمس بتقديم «مقترحات واضحة جديدة لإصلاحات ذات صدقية» الخميس كما تطالب منطقة اليورو لبقاء اليونان عضوا فيها، لكنه دافع عن «حق خيار» الوسائل للنهوض بالبلاد.
وأكد هذا الزعيم اليساري الراديكالي أمام البرلمان الأوروبي غداة إنذار وجهه دائنو اليونان أن أي اتفاق ينبغي أن يكون «عادلا اجتماعيا وقابلا للاستمرار اقتصاديا»، نافيا في الوقت نفسه وجود «أي خطة سرية» لإخراج اليونان من منطقة اليورو.
وقال إن اليونان «تحتفظ بحق اختيار كيفية توزيع أعباء» تصحيح المالية والإصلاحات، مؤكدا مجددا رفض حكومته الاقتطاع من معاشات التقاعد المتدنية.
وقد أمهلت منطقة اليورو الثلاثاء أثينا حتى منتصف ليل الخميس لتقدم خطة إصلاحات «ذات صدقية كاملة وفعالة» بغية تفادي خروج اليونان والحصول على خطة ثالثة لتعويم البلاد طالبت بها أثينا رسميا الأربعاء.
وذكرت مصادر في منطقة اليورو أن اليونان قدمت طلبا رسميا للحصول على قرض مدته ثلاث سنوات من صندوق الإنقاذ المسمى آلية الاستقرار الأوروبية، لكنها لم تحدد في خطابها حجم التمويل المطلوب، ولكن من السابق لأوانه التكهن بحجم القرض الذي ستحتاجه أثينا من شركائها بمنطقة اليورو لأن ذلك سيتوقف على التقييم الذي ستجريه المؤسسات الدائنة لتوقعاتها الاقتصادية الآخذة بالتدهور وماليتها العامة.
وأعلن رئيس الوزراء اليوناني في البرلمان الأوروبي أنه عازم على إصلاح ما أفرزته سنوات من الأداء الحكومي السيئ ومعالجة الاختلالات المتزايدة الناجمة عن التقشف الذي فرضه الدائنون على مدى خمس سنوات، وقال تسيبراس: «نطالب باتفاق مع جيراننا.. لكن اتفاق يعطينا علامة على أننا نجتاز الأزمة بنظرة للمدى البعيد، وهو ما سيظهر أن هناك ضوءا في نهاية النفق.. هدفنا الرئيسي يجب أن يكون محاربة البطالة وتشجيع الاستثمار». ووفقًا لقواعد آلية الاستقرار المالي، ومعاهدات الاتحاد الأوروبي، تخضع المساعدة المالية للدول الأعضاء إلى شروط صارمة، وكانت اليونان قد لجأت، في وقت سابق، إلى مرفق الاستقرار المالي الأوروبي، وانتهت الفترة المحددة لها في 30 يونيو الماضي.
يذكر أن قرار إنشاء آلية الاستقرار الأوروبي اتخذ من قبل المجلس الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) 2010، ووقعت حكومات دول منطقة اليورو على المعاهدة في 2 فبراير (شباط) 2012، وتعتبر آلية الاستقرار الأوروبي التي تصدر سندات دين لتمويل القروض وغيرها، من أشكال المساعدة المالية لدول منطقة اليورو، آلية دائمة لحل أزمات قد تواجهها، ووفقا لرئيس الحكومة الآيرلندية فإن الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا مما كانت عليه قبل الاستفتاء الذي حدث في اليونان، إلا أن سلطات منطقة اليورو على استعداد للقيام بكل ما هو ضروري لضمان الاستقرار المالي وبقاء اليونان ضمن المجموعة.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».