إيلي السمعان لـ «الشرق الأوسط» : أتطلع نحو المسرح الشبيه بـ«برودواي»

استوحى فكرة كليب «بيتكلم عليا» من منزل جورج وسوف

جورج وسوف يتوسط المخرج وأبطال العمل (الشرق الأوسط)
جورج وسوف يتوسط المخرج وأبطال العمل (الشرق الأوسط)
TT

إيلي السمعان لـ «الشرق الأوسط» : أتطلع نحو المسرح الشبيه بـ«برودواي»

جورج وسوف يتوسط المخرج وأبطال العمل (الشرق الأوسط)
جورج وسوف يتوسط المخرج وأبطال العمل (الشرق الأوسط)

الفيلم من بطولة جورج وسوف وعابد فهد وعبد المنعم العمايري وزينة مكي. أما ضيوف الشرف فهم عمالقة فن الزمن الجميل، أمثال عبد الحليم حافظ، وصباح فخري، ووردة الجزائرية، وصباح، وصولاً إلى فيروز. هذا باختصار الوصف الذي يستحقه كليب «بيتكلّم عليا» لجورج وسوف من إخراج إيلي السمعان. فهو يدور في سياق سينمائي ملحوظ، وكأنه يقدم تحية تكريمية للوسوف نفسه، ولعمالقة الفن العربي.
يؤكد صانع الفيلم ومخرجه بأنه كان المقصود ومنذ البداية، أن يكون الكليب بمثابة فيلم قصير. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «مجرد أن يطل فيه نجوم تمثيل وليس عارضي أزياء مثلاً، كان من الضروري أن يدور في هذا السياق. حتى أن النجوم المشاركين أنفسهم كانوا يعلمون بفكرتي هذه. وكان من الطبيعي أن تبرر إطلالتهم مع فنان أسطورة كالوسوف ضمن كليب من هذا المعيار».

المخرج إيلي السمعان مع جورج وسوف أثناء تصوير الأغنية (الشرق الأوسط)

الكليب وإثر إطلاقه، حصد في أيام قليلة ما يتجاوز المليوني مشاهدة. فهو يدور في أجواء المسرح الاستعراضي مع نجوم تمثيل من الصف الأول، يتوسطهم جورج وسوف مع خلفية فنية ترتكز على فريق يقدم لوحات تعبيرية راقصة تذكرنا بمشهدية السيرك. حتى بداية الكليب مع عملية فتح الستارة وإغلاقها في النهاية اتخذت طابعاً مسرحياً قلما نشاهده في الأغاني المصورة.
أما الأغنية «بيتكلم عليا» فهي من كلمات أمير طعيمة، وألحان زياد برجي، وتوزيع موسيقي لزاهر ديب. واللافت أن متابعي العمل ومشاهديه طالبوا في تعليقاتهم عبر «السوشيال ميديا» أن يتحول إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني. ويعلق السمعان: «حتى الممثلين أنفسهم المشاركين فيه طالبوا بذلك، وأكدوا أنهم جاهزون لتنفيذ الفكرة». ولكن هل جورج سوف، أبدى موافقته لتحويل الكليب إلى عمل مصور طويل؟ يرد: «لم تتح لي الفرصة بعد للتحدث معه في هذا الموضوع، لأن الكليب خرج إلى النور أثناء وجوده في مصر. وأنتظر عودته لألتقي به ونتحدث بالأمر. وأنا جاهز للبدء بكتابة العمل فوراً في حال وافق على الفكرة».
يحكي الكليب قصة رومانسية تشوبها الخيانة في علاقة تدور بين ثلاثة أشخاص. فيلتقي الحب والصداقة والمرأة في القصة تحت هذا العنوان ضمن عملية تصوير جميلة وتقنية رفيعة المستوى. ويتحدث إيلي السمعان عن فكرة الكليب: «هو بمثابة تحية تكريمية لعمالقة الفن. أطلوا بصمت رغم مقطع قصير بصوت الوسوف يغني فيه للعندليب الأسمر «أي دمعة حزن». ورغبت في أن تتضمن التحية أيضاً اسم جورج وسوف، لأنه سلطان الطرب وواحد من أساطير الفن. وعندما رأى صورته معلقة على الحائط في نهاية الكليب إلى جانب الآخرين نهرني، موضحاً أنه لا يستحق هذا المكان «مين أنا قدامن؟ ولكني آثرت ذلك لأن مكانه الصحيح هو بين هؤلاء تماماً، كوردة الجزائرية وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهم».
وكان مخرج العمل قد استوحى فكرة الحائط المعلقة عليه صور فناني الزمن الجميل في الكليب من منزل جورج وسوف. «عندما زرته في منزله لفتني هذا الأمر فعنده حائط مغطى بصور عمالقة الفن. سألته لماذا صورتك غائبة عن هذه المجموعة؟ فأجابني بأنها تعلق عندما يرحل عن الحياة».
ويشيد السمعان بالتواضع الذي يتمتع به جورج وسوف في شخصيته المحببة إلى الجميع. ويقول: «أعتقد أنه ليس هناك من نجم غناء يجمع صور كل هؤلاء العمالقة بهذا الشكل».
وعن المسؤولية التي حمّله إياها هذا العمل، سيما أنه يشارك فيه إلى جانب الوسوف نجوم في التمثيل. يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «إن المسؤولية موجودة دائماً، وفي أي عمل أقوم به، لأنني دقيق وأحب التأني في عملي إلى أبعد حدود. وقدمت الوسوف كما أرغب في رؤيته بعيني. فهو أهم من أن يصنع له كليباً عادياً، وأدركت أن فكرة العمل تليق بمكانته الفنية». ولم ينسَ أن ينوه المخرج أيضاً بالجهد الذي بذله فريق عمله: «كان عمل الفريق الذي يعاونني بجهد وحب معاً، أساسياً. أشكرهم جميعاً لأنهم ساعدوني. فعيني لوحدها لا تكفي لرؤية الأمور كاملة، وبفضلهم حصدنا هذه النتيجة».
لم يحضر كل هؤلاء النجوم في الكليب، بسبب تمني من قبل جورج وسوف فحسب، بل لأن صداقة وطيدة تربطه بعابد فهد وعبد المنعم العمايري. «لم يتردد أي منهما في المشاركة، حتى أنهما لم يطلعا على النص الخاص بقصة الكليب. فهو رغب في أن يكونا معه في هذا العمل، فنشأت الفكرة على هذا الأساس. حتى اختياري لزينة مكي أكمل هذه الحلقة، وجاءت في مكانها المناسب، وكانت سعيدة جداً بالمشاركة».
عادة لا يتحمس إيلي السمعان لرؤية عمله بعد إنجازه، إلا بعد فترة، ولكن مع كليب أغنية «بيتكلم عليا»، انقلبت المقاييس لأنه أغرم بالعمل كما يقول: «فرحت بالعمل وأنا فخور به، ليس من المطلوب أن يحمل كل كليب أقوم به هذه الضخامة. وقد تنعكس في بعض الأحيان المبالغة سلباً على العمل. ولذلك سترون قريباً كليب أغنية (إنت هوي) للين حايك مختلف تماماً عن (بيتكلم عليا). فهو بسيط وفرح ويليق بمغنية لا تزال في ريعان شبابها (19 عاماً)».

إيلي السمعان مع بطلي العمل زينة مكي وعبد المنعم العمايري (الشرق الأوسط)

ويرى السمعان أن صناعة الكليبات تراجعت عامة، وهي تلحق بطبيعة الأيام التي نعيشها. حتى أنه صار استسهال في هذا الموضوع ودخلاء كثر. ويعلق: «في رأيي زمن نادين لبكي، وسعيد الماروق، وليلى كنعان، وغيرهم بدأنا نفتقده، ولكنه لم ينعدم. فهناك أعمال جيدة تظهر بين فترة وأخرى. ولكن هذا التنافس الجميل الذي كان موجوداً في الماضي قلّ وهجه. وقد يعود السبب إلى قلة الإنتاجات بشكل عام من قبل الشركات الكبرى».
وعما إذا كليب «بيتكلم عليّا»، هو إشارة لاقتراب إيلي السمعان من دخول صناعة السينما يوضح: «لا أنتظر هذا الكليب كي أكون جاهزاً لموضوع السينما. فأنا حاضر للأمر من زمن طويل. ولكن أزمات كثيرة عشناها، اقتصادية منها وصحية بسب الجائحة، جعلت عملية مشاهدة الأفلام في الصالات تتراجع. فتكلفة مشاهدة الفيلم السينمائي ارتفعت والناس باتت تتجنب ارتياد الصالات وحضور الأفلام بسببها. ولكن كل شيء في وقته حلو، ولن أكون مخرجاً يتعدى على مهنة غيره لأني أحمل شهادة ماسترز في الإخراج السينمائي».
يتحدث عن السينما بحماس، ولكن عينه على فن آخر. «بالنسبة لي المسرح هو هدفي الأكبر، لا سيما الاستعراضي الشبيه بمسارح برودواي. فهناك اليوم غياب تام للمسرح الاستعراضي الذي تربينا عليه مع الرحابنة وكركلا وروميو لحود. ولبنان شكل أساساً له، فكان يصدّر هذا النوع من المسرحيات إلى الخارج. وأعتقد أننا نفتقد حس المغامرة للقيام بهذه الخطوة من جديد. نجومنا مشتاقون لهذا النوع من المسرح وينتظرون العودة إليه في أقرب وقت».
وعن مشاريعه المستقبلية بخصوص الأعمال الدرامية يختم: «أنا بصدد التحضير لعمل جديد، ولكن نصه لم يكتمل بعد. ولست مستعجلاً، لأني أفضل التأني وليس من الضرورة أن يعرض هذا العمل في موسم رمضان. فالأهم أن يتم تنفيذه على المستوى المطلوب».



باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
TT

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)

أوقدت باريس شعلتها الأولمبية، وسط افتتاح مذهل دُشّن بمقطع فيديو للكوميدي من أصول مغربية جمال دبوز، ولاعب كرة القدم السابق زين الدين زيدان «من أصول جزائرية» في استاد «دو فرانس»، قبل العرض غير المسبوق على نهر السين، بمشاركة 6 آلاف و800 رياضي، أمام معالم تاريخية في العاصمة الفرنسية.

وللمرة الأولى يُقام حفل الافتتاح خارج الملعب الرئيسي، يشاهده 320 ألف متفرج من مدرجات بُنيت خصوصاً للحفل على ضفاف النهر، ونحو 200 ألف من على شرفات المباني المجاورة.

وعَبَر أول قارب يقلّ البعثة اليونانية جسر «أوسترليتز» في باريس، ليُطلق موكب الوفود على نهر السين، في بداية حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، الجمعة، في باريس.

بعثة اللاجئين تشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية (رويترز)

وانفتح جدار من المياه المتدفقة تحت الجسر؛ ما أتاح مرور قارب البعثة اليونانية، كما تقضي التقاليد بوصف اليونان مهد الحركة الأولمبية الحديثة، وهو الأول من بين 85 قارباً يجب أن تنقل 6 آلاف و800 رياضي إلى تروكاديرو.

وحملت نجمة التايكوندو دنيا أبو طالب علم البعثة السعودية، التي ظهرت على متن قرب، وارتدى أفرادها الزي التاريخي (البشت والشماغ والعقال)، في حين ارتدت الرياضيات زياً نسائياً تراثياً (جلابية وطرحة على الرأس)، ورفرف جميعهم بالأعلام السعودية.

ومرت الساعات والدقائق ببطء شديد، بعد ظهر الجمعة بانتظار انطلاق الحفل الافتتاحي للأولمبياد الـ33 للعصر الحديث في باريس، التي تحوّلت إلى قلعة حصينة يصعب على المواطن العادي التنقل داخلها ما لم يكن حاصلاً على «الخاتم السحري»، الذي يُطلب منه عند كل مفترق طرق أو عند أي جسر على نهر السين.

الرئيس الفرنسي ماكرون يصافح باخ رئيس الأولمبية الدولية قبل انطلاق الحفل (رويترز)

الحكومة الفرنسية بدت قلقة وهي تضع نصب عينيها توفير الأمن المطلق للملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، الذين أمّوا باريس؛ للمشاركة في أضخم حدث أولمبي تشهده العاصمة الفرنسية، الذي تريده الأجمل والأكثر إثارة في تاريخ الأولمبياد. كوكبة ضخمة تزيد على 120 مسؤولاً كبيراً كانوا على موعد مع «عاصمة النور» التي عبّأت أجهزتها الأمنية بشكل مطلق، إذ يصل إلى 90 ألف رجل أمن عام وخاص وأفراد من الجيش، بل استعانت بعناصر أجنبية من 60 دولة؛ لتوفير أفضل تغطية أمنية، ولسد المنافذ كافّة التي يمكن أن تؤثر في المسار الصحيح للاحتفال.

أولمبياد باريس: الاستثناء

سمعة فرنسا كانت في الميزان. ولأن باريس عرفت في السنوات والأشهر الأخيرة حراكاً اجتماعياً أو أحداثاً أمنية لها علاقة بالإرهاب، ولأن أولمبيادها يجري في ظل توترات جيوسياسية وحربين مشتعلتين، الأولى في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022، والثانية في غزة منذ عشرة أشهر، فإن المخاوف كانت أن تنعكس هذه الحالة على الحفل الافتتاحي، ولكن أيضاً على الفعاليات الرياضية التي ستُجرى في العاصمة وفي عديد من المدن الأخرى. ومنذ ما قبل حصوله، برز غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يُدع إلى الاحتفال «عقاباً» له على حربه على أوكرانيا.

الفنانة ليدي غاغا خلال فقرتها الغنائية (رويترز)

كذلك تقلّصت البعثة الرياضية الروسية إلى 15 فرداً مُنعوا من حمل علم بلادهم، وسُمح لهم بالمشاركة بصفتهم الفردية، في حين كانت البعثة الروسية في المناسبات السابقة من الأكبر (أكثر من 300 رياضي). وكما غاب بوتين، غاب أيضاً الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا... كذلك، فإن حرب غزة كانت حاضرة من خلال الدعوة إلى منع مشاركة الوفد الإسرائيلي في الحفل الافتتاحي، بل في الفعاليات الرياضية.

ولأن اللجنة الأولمبية المسؤولة عن الدعوات رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب، فقد اتُّهمت بـ«ازدواجية المعايير».

وخلال مباراة كرة القدم، التي تواجه خلالها الفريقان المالي والإسرائيلي، في ملعب «بارك دي برانس» في باريس، رُفعت الأعلام الفلسطينية وسُمعت أهازيج فلسطينية وصفير وتنديد بالفريق الإسرائيلي. ومن بين البعثات الرياضية كافّة، فإن البعثة الإسرائيلية تحظى بأكبر حماية بوليسية، إن في موضع سكنها أو خلال تنقلاتها ومشاركاتها الرياضية. وسارع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية إلى الترحيب بالمشاركة الإسرائيلية وإلى التنديد بدعوة المقاطعة، في حين سارعت الهيئات القريبة من إسرائيل إلى التذكير بما حصل للفريق الرياضي الإسرائيلي خلال ألعاب ميونيخ في عام 1974.

البعثة السعودية لدى مرورها أمام المتفرجين وضيوف الحفل (أ.ف.ب)

المفاجأة الأولى

أرادت باريس، من خلال أولمبيادها، أن تدهش العالم... هذا ما دأب مسؤولوها على ترداده يوماً بعد يوم. ولذا، رُصد للأولمبياد ما يقارب سبعة مليارات يورو للإنشاءات الأولمبية ولتجميل العاصمة.

ولم يكن اختيار مجرى نهر السين، الذي يقسّم باريس إلى قسمين «شمال وجنوب» للحفل الافتتاحي إلا لغرض إبراز الانقطاع عما عرفته الأولمبيادات السابقة، خصوصاً من أجل إبراز الإرث التاريخي العمراني والحضاري والمعماري للعاصمة التي نشأت على ضفتي النهر. ذلك أن التطواف في نهر السين لـ94 مركباً، التي حملت جانباً كبيراً من أفراد 204 بعثات أولمبية (ما يقارب 8 آلاف و500 شخص)، لمسافة نهرية تزيد على ستة كلم؛ دفع إلى الواجهة أبرز المحطات الباريسية، التي يتعيّن على كل زائر للمدينة أن يعرفها؛ أكان ذلك «كاتدرائية نوتردام»، ومبنى «بلدية باريس»، وصولاً إلى جزيرتي «سان لويس»، و«لا سيتيه»، و«جسر الفنون» (لو بون دي زار أو جسر العشاق)، ومتحف «اللوفر»، وقصر «التويليري»، وامتداداً إلى مبنى «الجمعية الوطنية»، وقصر «كي دورسيه» (وزارة الخارجية)، فضلاً عن «متحف أورسي» وبرج إيفل. وانتهى المسار تحت أقدام ساحة تروكاديرو الشهيرة وحديقتها المطلة مباشرة على نهر السين؛ إذ كانت الوفود الرسمية التي تقدمها الرئيس إيمانويل ماكرون.

ويمكن اعتبار المشاهدين الـ320 ألفاً الذين توفّرت لهم الفرصة لمشاهدة التطواف مباشرة من مقاعدهم على ضفتي نهر السين من المحظوظين. بيد أنهم لم يكونوا وحدهم مَن تمتع بهذه المشاهد؛ إذ إن الاحتفالية نُقلت مباشرة على شاشات التلفزة في العالم كله، إذ قُدّر أن هناك ما بين مليار ومليار ونصف المليار مشاهد تابعوا التطواف في نهر السين، وما رافقه من أنشطة وفعاليات فنية وموسيقية ولوحات راقصة، قدّمها ما لا يقل عن 3 آلاف فنان وراقص وموسيقي، وبمشاركة أسماء عالمية دُعيت خصوصاً إلى هذه المناسبة.

ماكرون: كل شيء جاهز

قبل الموعد الحاسم، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقطع مصور نشره على موقع «إكس» للتواصل الاجتماعي: «كل شيء جاهز»، مشيراً بشكل خاص إلى الإجراءات الاستثنائية التي عمدت الأجهزة المعنية إلى اتخاذها. وأكد وزير الداخلية «المستقيل» جيرالد دارمانان، من جانبه، أن الاستعدادات قد تمت، وأنه لا يوجد أي «تهديد محدد» لحفل الافتتاح أو المنافسات.

وفي هذا السياق، لجأت السلطات، في إطار عملية أمنية واسعة النطاق، إلى الصلاحيات التي أقرها قانون مكافحة الإرهاب، ووضعت 155 شخصاً قيد إجراءات المراقبة الصارمة التي تحد من تحركاتهم كثيراً.

كذلك عمدت إلى تجميع الأشخاص الذين يفترشون الشوارع والساحات وأخرجتهم من العاصمة إلى مراكز خارجها، في حين فرضت داخل باريس، خصوصاً في المناطق القريبة من مجرى السين والساحات الرئيسية، مثل: «التروكاديرو» و«الكونكورد» و«الأنفاليد»؛ تدابير استثنائية، إن للمشاة خصوصاً السيارات. ولكن على الرغم من ذلك، جاءت مفاجأة من العيار الثقيل لتذكّر المسؤولين أن سد الثغرات كافّة ليس بالعمل السهل.

وقد برز ذلك مع الأعمال التخريبية، التي ضربت صبيحة يوم الجمعة شبكة القطارات السريعة من خلال إشعال مجموعة حرائق استهدفت صناديق الإشارة التي تتحكم بسير القطارات.

وسارع المسؤولون الرسميون وممثلو الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها إلى التنديد بالعمل التخريبي، وعمدت النيابة العامة إلى فتح تحقيق قضائي لاستجلاء ظروف ما حدث. ووصف رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الهجمات بأنها «أعمال تخريب منسّقة».

وغرّد عبر منصة «إكس»، قائلاً إن آثار الهجوم على شبكة السكك الحديدية في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية ضخمة وحادة. وأضاف: «تمّت تعبئة أجهزة المخابرات ووكالات إنفاذ القانون، للعثور على الجناة في هذه الأعمال الإجرامية ومعاقبتهم». وقال دارمانان إن الأعمال التخريبية «ليست لها نتائج مباشرة على الحفل الافتتاحي ولا على الفعاليات الرياضية»، مشيراً، في المقابل، إلى أن هناك أكثر من 50 ألف رجل أمن، بالإضافة إلى العسكريين الذين يسهرون على سلامة الافتتاح.

وقال ديفيد لابارتيان، رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية، إن الرياضيين المشاركين في الفعاليات وصلوا جميعهم إلى مواقعهم. وحتى عصر الجمعة، رفض أي مسؤول فرنسي توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة، والدعوة إلى انتظار نتائج التحقيق الذي بدأته الأجهزة الأمنية. بيد أن مصادر أخرى أشارت إلى احتمال ضلوع مجموعات يسارية متشددة أو أخرى بيئوية متطرفة في الأعمال التخريبية التي أضرّت بما لا يقل عن 800 ألف مسافر، بينهم الأكثرية الساحقة التي كانت تتحضّر للذهاب إلى المنتجعات في إطار العطلة الصيفية. واعترف المسؤولون عن الشبكة بعجزهم عن حماية 30 ألف كلم من الخطوط الحديدية.

قناصة فوق الأسطح... وغطاسون في مياه السين

منذ ما بعد الظهر، كانت شبكة الأمان قد انتشرت تماماً في منطقة التطواف النهري. والصعوبة الأولى، وفق المصادر الأمنية، كانت تكمن في تأمين الحماية لمسافة 12 كلم على ضفتي نهر السين، إن من خلال تفتيش المنازل والأقبية والأبنية القائمة على جانبي النهر، أو التعرّف إلى هويات الأشخاص الذين يسكنون في شققها. فضلاً عن ذلك، كان على الأجهزة أن تنشر قناصتها على أسطح البنايات لتدارك أي عملية إطلاق نار على الوفود الرسمية، كما حصل في إطلاق النار على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في مناسبة مهرجان انتخابي. واستبقت الأجهزة الأمنية بداية التطواف النهري بعملية تفتيش واسعة ودقيقة، أسهمت فيها الكلاب البوليسية للمراكب التي شاركت في الافتتاح، والتي حملت أفراد البعثات الرياضية. بيد أن الهم الأكبر الآخر تمثّل في توفير الحماية الجوية للافتتاح. ولذا، مُنع تحليق أي طائرة في دائرة قطرها 150 كلم حول العاصمة؛ ما شلّ حركة الطيران في مطاري باريس الرئيسيين: «رواسي شارل ديغول» في شمال العاصمة، و«أورلي» جنوبها.

ووُضع الطيران الحربي في حالة تأهب لإسقاط أي طائرة أو مروحية تنتهك الإجراءات المشار إليها.

إلا أن للقلق مصدراً آخر هو المسيرات. لذا، فقد تم إيجاد مركز تنسيق لمواجهتها في قاعدة «فيلاكوبليه» الجوية الواقعة جنوب العاصمة ومهمته القضاء، بكل الوسائل المتاحة، على أي تهديد يمكن أن تشكّله أي مسيرة أكانت مثلاً حاملة لعلم من الأعلام أو أن تكون مفخخة. وعُلم أن مجموعة كبيرة من القناصة الذين تقوم مهمتهم على إسقاط هذه المسيّرات سيتم نشرهم إلى جانب وسائل الدفاع الجوي التقليدية.

التطلّع إلى السماء

ليس سراً أن باريس تسعى دوماً، في كل ما تفعله، إلى أن تكون متميزة. ولأنها انتظرت مائة عام لتنظم الأولمبياد الصيفي، فإنها أرادت الحدث انعكاساً لتميّزها وفرادتها. من هنا، أهمية الاستثنائية التي أُفردت للجوانب الجمالية والفنية، الأمر الذي برز في اللوحات الاستعراضية، بداية مع المراكب التي مخرت نهر السين، وما رافقها من أنشطة فنية، وأخيراً في الحفل الغنائي والألعاب النارية التي اختتم بها الحفل الافتتاحي. كما استمتع المشاهدون بلوحات فنية أداها فنانون من على أسطح عدة أبنية تطل على مجرى السين أو على نوافذ بعض الشقق. بيد أن العديد من هذه الأنشطة كانت رهن حالة الطقس المتأرجحة بين الماطرة والغائمة. ووفق تخطيط مصممي الاحتفال، فإن الغرض من بدء الاحتفال في الساعة السابعة والنصف بتوقيت باريس (أي قبل غياب الشمس)، وانتهائه قبل منتصف الليل، كان الجمع بين الليل والنهار في حركة انسيابية وانسجامية ذات أبعاد فنية كثيرة.