مكتبة لإدوار الخراط في القاهرة... وجائزة سنوية باسمه

مثقفون أكدوا أن مشروعه الإبداعي واكبه جهد تنظيري يؤسس لأفكاره

لقطة من الاحتفالية
لقطة من الاحتفالية
TT

مكتبة لإدوار الخراط في القاهرة... وجائزة سنوية باسمه

لقطة من الاحتفالية
لقطة من الاحتفالية

في افتتاح مكتبته التي تضم آثاره الأدبية والنقدية بوسط القاهرة، اعتبر مبدعون ونقاد مصريون أن إدوار الخراط كان صاحب مشروع إبداعي متميز في السرد المصري والعربي الحديث، وكان يسعى إلى التأثير في الأجيال الأخرى، ويجعلها امتداداً له، ولتياره الأدبي.
وقال الروائي إبراهيم عبد المجيد: «إن الخراط لم يكن مجرد كاتب؛ بل علامة فارقة في الأدب العربي، وقد عرفنا إبداعاته مبكراً، كانت مدهشة ومختلفة، وهو واحد من أوائل المجددين بين كتاب جيل الستينات، مع كاتبي القصة: محمد حافظ رجب، ويوسف الشاروني، وكان أكثر ما يميزه اللغة الإبداعية التي كان يكتب بها، وقد عرف في سن مبكرة جداً العلاقة بين اللغة والكتابة، فالأولى لم تكن بالنسبة له إناء حاملاً للمعنى؛ لكنها في نظره كانت المعنى نفسه، فقد كانت كتابته عبارة عن صور ذات تركيبات خاصة، محمولة على لغة لا تنتسب لسواه».

الكاتب الروائي إدوار الخراط

تأثر عبد المجيد -حسب قوله- في شبابه بإبداعات إدوار الخراط، وكتب قصة يحذو فيها حذوه، كان عنوانها «شمس الظهيرة»، ونشرها في مجلة «الطليعة»، في بداية السبعينات، ثم توقف عن الكتابة حتى يتخلص من تأثيره، ويجد طريقه بعيداً عن تأثيرات الآخرين: «وكان إدوار الخراط واحداً منهم، ويدرك أن العالم يمضي إلى الأمام، وأنه لا يمكن لكاتب أن يلغي آخر أو يوقفه، من هنا كان موقفه مع كتاب القصة من أبناء جيل السبعينات، وكتب كتاباً مهماً عنهم، بعنوان (القصة في السبعينات)، دشن بها وجودنا».
من جهته، ذكر الناقد الدكتور صبري حافظ، أن إدوار الخراط كان واحداً من أبناء مرحلة الأربعينات؛ حيث تكون معرفياً في سياقها، وكان من أوائل خريجي جامعة الإسكندرية التي أسسها طه حسين عام 1942، وضمن أول دفعة تخرجت فيها، مع مصطفى صفوان، وعبد الحميد صبرة، ومصطفى بدوي، وجميعهم صاروا رموزاً في الثقافة والعلوم والنقد فيما بعد، وعملوا في عدد من جامعات أوروبا، مثل هارفارد وأكسفورد.
وكان لدى الخراط -حسب رأي حافظ- حساسية مغايرة تكونت لديه منذ فترة الأربعينات التي شهدت ظهور يوسف إدريس وسعد مكاوي، وغيرهما؛ لكن كتابة إدوار تميزت بخاصية قريبة جداً من كتابات عادل كامل، وهو واحد من أبناء جيل نجيب محفوظ، «وقد كتبت مقالاً تتبعت خلاله تلك الحساسية الرمزية المغايرة التي كان يمثلها كامل، الذي أرى أنه كان أهم من نجيب محفوظ حينما بدآ معاً، والدليل على ذلك أن رواية عادل كامل التاريخية (ملك من شعاع) لا تزال أفضل من روايات محفوظ التاريخية الثلاث المعروفة، وحين انتقل للرواية الواقعية، وكتب (مليم الأكبر) قدم عملاً يعتبر علامة إبداعية في تاريخ الأدب المصري، هذا إضافة لإسهاماته المهمة في القصة القصيرة والمسرح، وقد أشرت إلى ذلك في دراسة نشرتها قبل 58 عاماً».
وأشار حافظ إلى أنه في دراسته الطويلة التي كتبها عام 1969 عن إدوار الخراط، والتي نشرها في حلقتين بمجلة «الآداب» البيروتية بعنوان «أقصوصة الرغبات المحبطة» عن مجموعته القصصية «حيطان عالية» كان قد مر على صدورها عشر سنوات، وظل الخراط محافظاً على حساسيته المغايرة في كتاباته التي قدمها فيما بعد، وهي مرتبطة في جزء منها بعادات المجتمع القبطي المسيحي المصري وعاداته وتقاليده، وقد ظل الخراط كاتباً إشكالياً مثيراً لكثير من المشكلات، أما عن مساهمات الخراط النقدية فقد كانت من أجل الترويج للتيار الذي يكتب فيه. لم تكن كتاباته معيارية تلتزم بدرجة كبيرة بالخريطة الأدبية الأوسع، وبالتالي كان هناك كُتاب لا يلتفت إليهم، وكان إن كتب عنهم تأتي كتاباته سلبية جداً، وهو ما قام به عندما تصدى لإبداعات نجيب محفوظ، ومحفوظ كاتب كبير بالطبع بأي معيار، سواء كان محلياً، أو عالمياً؛ لكن نقد إدوار لصاحب «نوبل» كان يتسم بهذه الإشكالية التي تنتصر لطريقته في الكتابة، والتي كان يهدف منها أن يستمر أسلوبه ويسود، وهذا ما يتضح من طريقته في تقديم الأجيال الجديدة، وقد اختار منهم من كان يكتب بأسلوبه.
من جهته، قال الشاعر جمال القصاص، إن إدوار الخراط كان مغامراً مجدداً في شتى مناحي الإبداع، وذكرياته تظل ساطعة وحية لا تغيب، وقد تكون هي بذاتها ذاكرة خاصة له «كمبدع كبير»، لم يترك مجالاً إلا وكتب فيه، بما في ذلك الشعر، وقد قدم مجموعة شعرية. اللغة عند الخراط لم تكن ثمرة من ثمرات الطفولة فحسب؛ لكنها كانت صورة منحوتة سردياً، تبرز علاقته بالفن التشكيلي، وتظهر ما وراءها من فراغ وخطوط مبهمة، وتكوينات بارزة وغامضة، تشاكس الصمت والعمق معاً. كان يستحلب اللغة، ويطاردها إلى أقصى مفرداتها ومرادفاتها بقوة الصورة البصرية، وكان هدفه الكشف عما تحتويه المفردة الشعرية من أشياء تكمن فيما وراء الإدراك المادي الملموس، ما وراء النطق والسمع والبصر. هذه البصيرة المتقدة بالكتابة والوعي بجمالياتها، هي التي جعلتنا كأبناء لجماعة «إضاءة» الشعرية نتواصل معه، وهو الذي أطلق علينا جيل السبعينات، وكان المحفز الأساسي وراء كل ما قدمناه من إبداعات وحراك ثقافي على مختلف الأصعدة.
ولفت القصاص إلى فكرة «الإصاتة» واللعب على جماليات الحرف شعرياً، وهي الفكرة التي مارسها في بعض قصائده، وأيضاً رفيقاه الشاعر حلمي سالم وحسن طلب. لقد استعرناها من كتابات إدوار الخراط وغرامه اللغوي الباذخ. كانت لعبة شعرية مغوية ومهمة جداً، ضمن نسق شعر التفعيلة.
أضاف القصاص أن «أجمل ما تعلمناه من إدوار الخراط أنه كان يمنحنا الثقة بالذات وبكينونتنا المبدعة، ولم يكن يفعل ذلك مع الشعراء فقط؛ لكنه أيضاً يدعم الفنانين وكثيراً من المشتغلين بالهم الثقافي العام».
أما الكاتب منتصر القفاش، فقد بدأ بالحديث عن أول لقاء جمعه ومجموعة من زملائه بإدوار الخراط، والذي كان قد نحت مصطلح «القصة القصيدة» في دراسته عن يحيي الطاهر عبد الله. وقتها شعر القفاش وزملاؤه بأن هذا المصطلح يفتح الباب أمام نوع آخر من السرد: «فقررنا أن تتضمن مجلة كنا قررنا طباعتها حوارين: مع إدوار الخراط، والناقد الكبير سيد البحراوي، لنقدم على أساسهما نظرتين مختلفتين للقصة القصيرة. وقد كان حوارنا معه هو أساس الفصل الذي تضمنه مؤلفه (الكتابة عبر النوعية)، وقد أشار فيه إلى لقائنا معه الذي كان أشبه بورشة نقدية مصغرة. وقد كان من الكتاب الذي يرون أنه يجب على المبدع أن يبلور آراءه النقدية، ويكون له موقف نقدي من الكتابة والإبداع، لذلك كان مهموماً طوال الوقت بالكتابة عن الآخرين، أو طرح رؤيته للقصة والرواية والشعر. وليس غريباً تعدد التسميات التي كان يقترحها الخراط؛ سواء لنصوصه أو لنصوص الآخرين، مثل: متتالية قصصية، وكولاج روائي، ونزوات روائية. وقد يبدو هذا ظاهرياً به نوع من التكلف؛ لكن الذي يمعن النظر سوف يجد أن الخراط يريد طول الوقت من القارئ أن يعيد النظر في النوع الأدبي وفي إمكاناته، وخصائصه، وما هو معروف عنه، وقد كانت تجربته الإبداعية يتداخل فيها الواقع والحلم والأسطورة، واللغة التقريرية والشعرية، والوصف الحسي الدقيق للتفاصيل التي يمكن أن تشكل في كتاباته لوحات مستقلة، تجعل القارئ يستمتع بوصفه لأي شيء، بما فيها آثار العصافير على الرمال، وقد فعل ذلك في مجموعته القصصية (اختناقات العشق والصباح)، وفيها يختلط الوصف الحسي بالرؤى الصوفية، وهي سمة يتميز بها الخراط في كل كتاب من مؤلفاته؛ حيث يتعايش القارئ مع (اللاحدود). لم يكن إدوار يعرف التمهيد، ولا يمنح القارئ فرصة لالتقاط أنفاسه؛ بل كان يقدم عجينة سردية يتداخل فيها كثير من الأزمنة والمستويات، في رحلة إبداعية كانت بلا ضمانات ولا خرائط».
من جهته، تحدث الدكتور إيهاب الخراط، النجل الأكبر لإدوار الخراط، مستعرضاً ما تتضمنه المكتبة من ذخائر ومقتنيات ومؤلفات، وكتب مترجمة، فضلاً عن مخطوطاته من الروايات والقصص ومسوداتها، والكتب والأعمال التي ترجمها، ورسائل الدكتوراه والماجستير التي كُتبت عن إبداعاته، وقال إنه تقرر إتاحتها جميعاً للدراسة والتعرف عليها ودراستها.
وأعلن إيهاب -بناء على مقترحات من الحضور- إطلاق جائزة للخراط، تهتم بالكتابات الطليعية الشابة المجددة، وأنه سوف يتم الإعلان عن الفائزين بها في احتفال يقام سنوياً بالمكتبة، في يوم ميلاد إدوار الخراط.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

دعوة مستثمر مصري للعمل 12 ساعة يومياً تثير جدلاً

رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
TT

دعوة مستثمر مصري للعمل 12 ساعة يومياً تثير جدلاً

رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)

في حين أوصت دراسة من جامعة كامبريدج بتقليص ساعات العمل وتطبيق «أربعة أيام عمل في الأسبوع» لتعزيز الإنتاجية والحفاظ على الصحة النفسية للموظفين والعاملين، صرّح محمد فاروق، المستثمر ورجل الأعمال المصري المعروف بـ«الشارك حمادة»، بضرورة زيادة ساعات العمل لتحقيق النجاح الاقتصادي وزيادة الإنتاجية.

وأثارت التصريحات جدلاً عبر «السوشيال ميديا» بمصر، فبينما عدّ البعض تلك التصريحات تضر بحقوق العمال، عدّها آخرون تستهدف الحماس والتفوق في العمل.

وقال رجل الأعمال المصري محمد فاروق، إنه من الضروري العمل 12 ساعة يومياً لمدة 6 أيام في الأسبوع، وأضاف في برنامج بودكاست بعنوان «حكاية مدير» أن الدول الناجحة والمتقدمة تطبق هذا الأمر، ضارباً المثل بالصين وأن الناس هناك تعمل من 9 صباحاً إلى 9 مساء لستة أيام في الأسبوع.

وانتقد فاروق ما يروجه البعض حول التوازن بين العمل والحياة الشخصية، عادّاً هذا الحديث الذي ظهر خلال «جائحة كورونا» نوعاً من «الدلع»، مؤكداً «عدم نجاح الدول التي اتبعت هذا الأسلوب»، وفق تقديره.

وعدّ عضو مجلس النواب المصري عن حزب التجمع، عاطف مغاوري، أن «هذا الكلام يذكرنا بعقلية بدايات النظام الرأسمالي الذي كان يستنزف العمال في أوقات عمل طويلة، إلى أن تمكنت حركات النضال العمالية من تنظيم عقد عمل وحقوق عمال ومواعيد للعمل، وهذا متعارف عليه عالمياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «التشريعات العمالية حين منحت العمال إجازات أو حددت لهم ساعات عمل كان هذا لمصلحة العمل وليس لصالح العامل، لأنك لو استنزفت العامل فلن تكون لديه قدرة على الاستمرار، كما أن منحه إجازات يجعله يجدد طاقته ونشاطه».

وأشار إلى أن «الاجتهاد يجب أن يكون في إطار الدستور والقوانين الموجودة لدينا، لكن المنطق الذي يطرح حالياً ربما يكون الهدف منه نبيلاً، وهو تحويل المجتمع إلى مجتمع منتج، ولكن ليس باستنزاف العامل».

وزارة القوى العاملة في مصر (فيسبوك)

ولفت إلى وجود «تشريعات حديثة تدعو لاحتساب الوقت المستغرق للوصول إلى العمل والعودة منه ضمن ساعات العمل».

وينظم ساعات العمل في القطاع الحكومي (العام) في مصر والقطاع الخاص، قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وما طرأ عليه من تعديلات، بالإضافة إلى اللوائح والقرارات التنفيذية الداخلية بكل مؤسسة أو شركة، وتقر المادة 85 من قانون العمل المصري بأنه «في جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد ساعات العمل الفعلية على عشر ساعات في اليوم الواحد».

وعدّ الخبير في «السوشيال ميديا» محمد فتحي أن «البودكاست أصبح يتم استغلاله في الدعاية بشكل لافت»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض رواد الأعمال يستغلون هذه المنصة لبناء صورتهم الشخصية وعلاماتهم التجارية».

وأشار الخبير «السوشيالي» إلى سعي العديد من رجال الأعمال إلى بناء صورة إيجابية لأنفسهم وعلاماتهم التجارية من خلال المشاركة في البودكاست، حيث يمكنهم الوصول إلى جمهور واسع والتأثير في آرائه، للبحث عن الشهرة»، وفق تعبيره.

لكنه عدّ نقل الخبرات والمعرفة من الجوانب الإيجابية لظهور رجال الأعمال في البودكاست، بما يساهم في تطوير المهارات الريادية لدى الشباب، وكذلك إلهام الآخرين وتحفيزهم على تحقيق أهدافهم.

ووفق فتحي فإن «الأمر لا يخلو من جوانب سلبية لظهور رجال الأعمال في البودكاست من أهمها التسويق الخفي، بالإضافة إلى التركيز على النجاح الفردي بشكل مبالغ فيه، مما قد يخلق انطباعاً خاطئاً لدى المستمعين حول سهولة تحقيق النجاح».

وتوالت التعليقات على «السوشيال ميديا» حول تصريحات فاروق، بين من يعدّونه نموذجاً ويطالبون بتركه يتحدث، وآخرين عَدُّوه يتحدث بمنطق رجال الأعمال الذين لا يراعون العمال. وعلقت متابعة على الحلقة في «يوتيوب»، وكتبت: «المفروض يتعمل نادي لرجال الأعمال علشان يتجمعوا ويطوروا ويفيدوا بعض... وعجبتني جداً رؤية محمد فاروق للتكنولوجيا وحماسه تجاهها».

في حين كتب متابع آخر: «من السهل أن يعمل 12 ساعة وأكثر لأنها أعمال مكتبية، لا يمكن مقارنتها بعامل يقف على قدميه طوال اليوم لمدة 12 ساعة».

ويرى استشاري الأعمال الدولي، محمد برطش، أن «ساعات العمل لها قانون يحددها في أي مجتمع، لكن هناك ظروف استثنائية يمكن أن يعمل فيها الشخص 12 و20 ساعة لو هناك ما يتطلب ذلك».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أرفض المقارنة بين مصر ودول أخرى، خصوصاً أوروبا وأميركا وأستراليا، فهذه دول تحملت الكثير لكي تصل إلى ما هي عليه الآن، وظروفها لا تشبه ظروفنا».

وتابع: «فكرة 12 ساعة عموماً يمكن الموافقة عليها أو رفضها بعد الإجابة عن عدة أسئلة، مثل: في أية ظروف وبأي مقابل، في القطاع العام أو الخاص؟ فمثلاً لو قلنا إن مصر لديها مشروع قومي لتصبح دولة صناعية حقيقية وسنطبق 12 ساعة عمل لتنفيذ مشروع قومي في مجال إنتاج بعينه حتى يتحقق الهدف من المشروع فهذا مقبول، لكن في الظروف العادية فهذا يتنافى مع قانون العمل».

وتبلغ ساعات العمل الأسبوعية في القطاعات المختلفة بمصر نحو 55 ساعة عمل أسبوعياً، وفق إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صادرة عام 2022.