أسماك قرش النمر ترصد أكبر نظام بيئي للأعشاب البحرية في العالم

باحثو «كاوست» ومعهد «بي تي دبليو» يكتشفون أهم حوض لـ«الكربون الأزرق»

غالاغر يجمع بيانات عن أحواض الأعشاب البحرية في جزر الباهاما (تصوير: كريستينا ميترماير)
غالاغر يجمع بيانات عن أحواض الأعشاب البحرية في جزر الباهاما (تصوير: كريستينا ميترماير)
TT

أسماك قرش النمر ترصد أكبر نظام بيئي للأعشاب البحرية في العالم

غالاغر يجمع بيانات عن أحواض الأعشاب البحرية في جزر الباهاما (تصوير: كريستينا ميترماير)
غالاغر يجمع بيانات عن أحواض الأعشاب البحرية في جزر الباهاما (تصوير: كريستينا ميترماير)

في تطور مثير، اكتشف العلماء أخيراً أكبر نظام بيئي للأعشاب البحرية في العالم بمنطقة في جزر الباهاما على مساحة تقدر بنحو 92 ألف كيلومتر مربع. ورسم العلماء خريطة لهذه المنطقة ونشروا نتائج دراستهم في المجلة العلمية «نيتشر Nature Communications)».
وتوضح الدراسة؛ التي تحمل عنوان «مساهمات أسماك قرش النمر في توصيف أكبر نظام بيئي للأعشاب البحرية في العالم»، النهج المبتكر للباحثين، المتمثل في استخدام كاميرات الرصد لتتبع تحركات أسماك «قرش النمر» فوق مروج الأعشاب البحرية، مما ساعد العلماء على رسم خريطة لها والتحقق من صحة التقديرات المكانية السابقة عن هذه المنطقة، وبالتالي تأكيد وجود مخزونات هائلة من «الكربون الأزرق» في جزر الباهاما لأول مرة.
وتعدّ أسماك «قرش النمر» من أكبر الحيوانات المفترسة البحرية العدوانية والأكثر خطورة في البحار الاستوائية بالعالم، والتي تتمتع بحواس قوية جداً. وتُعد هذه الأسماك من الكائنات المحمية في جزر الباهاما لأكثر من عقد من الزمان، ويُدرس سلوكها بانتظام بواسطة معهد «Beneath The Waves-BTW»، وهو معهد غير حكومي مختص في أبحاث المحيطات، يركز على تحسين المناطق المحمية البحرية الحالية والمستقبلية للحفاظ على أسماك القرش.


تساعد الكاميرات المثبتة على «قرش النمر» في العثور على الأعشاب البحرية (تصوير: دييغو كاميجو)

مستشعرات على الأسماك
في عام 2019، بدأ الدكتور أوستن غالاغر، كبير العلماء والمدير التنفيذي لمعهد «BTW»، في تثبيت أجهزة استشعار خاصة بالتصوير عبر الكاميرات، على زعانف أسماك «قرش النمر» في جميع أنحاء جزر الباهاما، واستطاع من خلال مقاطع الفيديو المسجلة التي حصل عليها من هذه المستشعرات الحصول على دليل لعبور تلك الأسماك فوق مروج شاسعة وكثيفة من الأعشاب البحرية.
الخطوة الثانية كانت عرض تلك البيانات على البروفسور كارلوس دوارتي، أستاذ العلوم البحرية في «مركز أبحاث البحر الأحمر» في «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)»، وأحد العلماء المتعاونين في هذه الدراسة والمشاركين في تأليف هذه الورقة البحثية.
ويعد البروفسور دوارتي أحد أبرز خبراء العالم في النظام البيئي «للكربون الأزرق»، ولديه أبحاث كبيرة في هذا المجال صاغ من خلالها هذا المفهوم بصورة دقيقة، وهو إنجاز حصل من أجله على «جائزة آفاق المعرفة المتميزة في علم النظم البيئية وبيولوجيا حفظها» في عام 2020 والتي تمنحها مؤسسة «بنك بلباو فيزكايا أرجنتاريا (BBVA)»؛ إحدى كبرى المؤسسات المالية في العالم.
يقول دوارتي: «النظام البيئي البحري في جزر الباهاما يحتوي على أكبر ضفاف رملية في العالم، وهي موائل ضحلة مناسبة تماماً لزراعة الأعشاب البحرية. لقد اعتقدنا أن جزر الباهاما لديها على الأرجح نظام بيئي واسع النطاق للأعشاب البحرية، ولكن لم يتم تحديد التقدير المكاني الحقيقي بشكل صحيح؛ لأن مسح هذه المنطقة البحرية الشاسعة يمثل تحدياً كبيراً».
أجرى الفريق تحليل الاستشعار من بعد بهدف تحديد المساحة الإجمالية التي تغطيها الأعشاب البحرية في تلك الجزر، ودمجوا نتائجهم مع تقديرات صور الأقمار الصناعية السابقة، لتوليد تقدير مركب للنظام البيئي للأعشاب البحرية في المنطقة. وقُرنت هذه البيانات مع المسوحات الموثقة القديمة؛ بما في ذلك أكثر من 2400 مسح للأعشاب البحرية أجراها غواصون من جميع أنحاء المنطقة. وبالتالي استطاعوا رسم خرائط مفصلة لمناطق إضافية من قاع البحر بفضل «التعاون» مع تلك الأسماك.
يوضح دوارتي: «أظهرت الأبحاث التي أجراها معهد «BTW» أن أسماك (قرش النمر) تقضي نحو 77 في المائة من وقتها في القيام بدوريات في أحواض الأعشاب البحرية، وهو ما يمكن ملاحظته بواسطة الكاميرات بزاوية 360 درجة التي ثبتناها على تلك الأسماك. لقد وفر هذا فرصة لتوسيع نطاق استكشاف الأعماق الشاسعة والصعبة لضفاف جزر الباهاما، حيث تغطي تلك الأسماك نحو 70 كيلومتراً في اليوم الواحد. ساعد التحقق الإضافي الذي قدمته تلك الأسماك في رفع تقديراتنا عن منطقة موائل الأعشاب البحرية عبر ضفاف تلك الجزر من 66 ألف كيلومتر مربع في الحد الأدنى إلى 92 ألف كيلومتر مربع.

«تعاون الأحياء»
تقدم هذه الدراسة التي تجرى لأول مرة باستخدام أجهزة استشعار للتصوير المثبتة على تلك الأسماك نموذجاً للتعاون بين البشر والحيوانات البحرية الكبيرة لاستكشاف المحيطات. حيث جمع فريق البحث أيضاً عينات من الرواسب من النظام البيئي الشامل للأعشاب البحرية لتقييم كمية الكربون المخزنة في الرواسب، وكشف في النهاية أن جزر الباهاما تحتوي على الأرجح على 25 في المائة من المخزون العالمي من «الكربون الأزرق» القائم على الأعشاب البحرية.
تعليقاً على هذا البحث، قال رئيس وزراء جزر الباهاما، فيليب بريف ديفيس: «يمثل العمل المبتكر الذي قام به الفريق البحثي، بالشراكة مع جزر الباهاما، لرسم خريطة لمروج الأعشاب البحرية الشاسعة في بلادنا، تقدماً علمياً استثنائياً، يقدم مساهمة كبيرة للغاية في تنميتنا الوطنية وأمننا». ويضيف: «قد تكون جزر الباهاما في صدارة التصنيف بشأن قابلية تأثرها بالمناخ، ولكن لدينا الآن دليل على أننا أيضاً نتصدر قائمة النقاط الساخنة لـ(الكربون الأزرق) في العالم، مما يعني أن أعشابنا البحرية يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في توليد الموارد التي نحتاجها للانتقال إلى الطاقة المتجددة والتكيف مع ظاهرة تغير المناخ».
يذكر أن جزر الباهاما - الواقعة في جنوب الولايات المتحدة الأميركية والتي تمثل حلماً لجميع عشاق البحار الزرقاء النقية - تُعدّ من أكثر الدول تضرراً نتيجة التغيرات المناخية؛ إذ تعاني هذه الجزر منذ 7 أعوام فيضانات وأعاصير مدمرة أبرزها «أرما» و«ماريا»، وآخرها إعصار «دوريان» الذي ضرب أباكو عام 2019 وتسبب في غرق 3 آلاف شخص من السكان المحليين، بالإضافة إلى خسائر فادحة لجزيرتي أباكو وباهاما الكبرى اللتين تُعدان من أكبر الجزر في البلاد.
من جانبه يؤكد غالاغر: «يجب أن يمنحنا هذا الاكتشاف الأمل في مستقبل محيطاتنا. فلقد كانت أسماك (قرش النمر) محمية في جزر الباهاما لسنوات عديدة، وبسببها تمكنا من دراسة ورصد العمليات القديمة التي كانت هذه الحيوانات منخرطة فيها لآلاف السنين واستطعنا اكتشاف نظام بيئي للأعشاب البحرية في هذه الجزر من المحتمل أن يكون أهم حوض لـ(الكربون الأزرق) على هذا الكوكب».

«الكربون الأزرق»... أمل المستقبل

> تلعب النظم البيئية الساحلية والبحرية، مثل أشجار المانغروف والمستنقعات المالحة والأعشاب البحرية، دوراً حيوياً في امتصاص وعزل غاز ثاني أكسيد الكربون؛ إذ تعمل النباتات في تلك النظم على امتصاص الكربون ودفنه في الرواسب الساحلية، وهو ما بات يعرف بـ«الكربون الأزرق»، وهو مصطلح أصبح له تأثير متزايد في اجتماعات واستراتيجيات الحد من ظاهرة تغيّر المناخ الدولية.
وأوضح دوارتي أن هناك أبحاثاً عدة أجريت في موضوع «الكربون الأزرق»، جرى اعتماد نتائجها ضمن أطر اتفاقية الأمم المتحدة بشأن ظاهرة تغيّر المناخ، وإدراجها ضمن المساهمات الأساسية الرامية لتخفيف آثار ظاهرة الاحتباس الحراري على كوكب الأرض، إضافة إلى الاكتشافات العلمية في مجالات علوم البيئة البحرية والعلوم البيولوجية للمحيطات.


مقالات ذات صلة

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

يوميات الشرق السمكة المجدافية كما أعلن عنها معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، إلى أحد شواطئ جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
الاقتصاد د. خالد أصفهاني الرئيس التنفيذي لـ«المؤسسة العامة للمحافظة على الشعب المرجانية» وعدد من الشخصيات عند انطلاق المؤتمر

دراسة مع «البنك الدولي» لتحديد القيمة الفعلية للشعاب المرجانية في السعودية

تقترب السعودية من معرفة القيمة الفعلية لمواردها الطبيعية من «الشعاب المرجانية» في البحر الأحمر.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق يأتي الاكتشاف ضمن سلسلة الجهود لتعزيز المعرفة بالسلاحف البحرية وبيئاتها الطبيعية (واس)

اكتشاف أكبر موقع تعشيش لـ«السلاحف» في البحر الأحمر بالسعودية

أعلنت السعودية، السبت، عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية يتم تسجيله على الإطلاق في المياه السعودية بالبحر الأحمر، وذلك في جزر الأخوات الأربع.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق يمكن أن يتحول فَردان من قناديل البحر بسهولة فرداً واحداً (سيل برس)

قناديل البحر قد تندمج في جسد واحد عند الإصابة

توصل باحثون إلى اكتشاف مدهش يفيد بأن أحد أنواع قناديل البحر المعروف بـ«قنديل المشط» يمكن أن تندمج أفراده في جسد واحد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الدلافين دائماً ما تفتح فمها بصورة تظهرها مبتسمة أثناء لعبها مع بعضها بعضاً (رويترز)

دراسة: الدلافين تبتسم لبعضها بعضاً «لتجنب سوء الفهم»

كشفت دراسة جديدة، عن أن الدلافين تبتسم لبعضها بعضاً أثناء اللعب لتجنب سوء الفهم.

«الشرق الأوسط» (روما)

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة
TT

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ابتكر أليكس ويلشكو، مؤسس شركة الذكاء الاصطناعي «أوسمو»، وفريقه نسخة «ألفا» من جهاز خيالي بحجم حقيبة الظهر مزودة بمستشعر شمّ يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المنتجات المقلدة من خلال تحليل تركيبها الكيميائي.

وأقامت شركة «أوسمو» (Osmo) شراكة مع منصات إعادة بيع الأحذية الرياضية لإظهار أن اختبار الشم عالي التقنية قادر على تحديد المنتجات المزيفة بدرجة عالية من الدقة.

الجزيئات المتطايرة تحدد الرائحة

كل شيء في العالم له رائحة، من الملابس إلى السيارات إلى جسمك. هذه الروائح هي جزيئات متطايرة، أو كيمياء «تطير» من تلك الأشياء وتصل إلى أنوفنا لتخبرنا بالأشياء. ويختبر الإنسان ذلك بوعي ووضوح عندما يكون هناك شيء جديد قرب أنفه، مثل شم سيارة جديدة أو زوج من الأحذية الرياضية. لكن حتى عندما لا تلاحظ الروائح، فإن الجزيئات موجودة دائماً.

رائحة المنتجات المقلَّدة

الأحذية المقلدة لها رائحة مختلفة عن الأحذية الحقيقية. إذ لا تختلف الأحذية الرياضية الأصلية والمقلدة في المواد، فحسب، لكن في التركيب الكيميائي. حتى الآن، اعتمدت شركات مثل «استوكس» (StockX) على اختبارات الشم البشري والفحص البصري لتمييز الأصالة - وهي عملية تتطلب عمالة مكثفة ومكلفة. وتهدف التقنية الجديدة إلى تبسيط العملية.

خريطة تحليل الفوارق اللونية

تدريب الذكاء الاصطناعي على الاختلافات الجزيئية

ووفقاً لويلشكو، درَّب فريقه «الذكاء الاصطناعي باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية للتمييز بين هذه الاختلافات الجزيئية».

وستغير هذه التكنولوجيا كيفية إجراء عمليات التحقق من الأصالة في الصناعات التي تعتمد تقليدياً على التفتيش اليدوي والحدس. وتهدف إلى رقمنة هذه العملية، وإضافة الاتساق والسرعة والدقة.

20 ثانية للتمييز بين المزيف والحقيقي

ويضيف أن آلة «أوسمو» تستغرق الآن نحو 20 ثانية للتمييز بين المنتج المزيف والحقيقي. وقريباً، كما يقول، ستقل الفترة إلى خمس ثوانٍ فقط. وفي النهاية، ستكون فورية تقريباً.

تم بناء أساس التقنية على سنوات من العمل المخبري باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية، كما يصفها ويلشكو، «بحجم غسالة الأطباق»، ويضيف: «تم تصميم أجهزة الاستشعار هذه لتكون حساسة مثل أنف الكلب، وقادرة على اكتشاف أضعف البصمات الكيميائية».

وتعمل هذه المستشعرات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتجمع باستمرار البيانات حول التركيب الكيميائي لكل شيء من البرقوق والخوخ إلى المنتجات المصنعة»، كما يوضح ويلشكو.

خريطة الرائحة الرئيسية

تشكل البيانات التي تم جمعها العمود الفقري لعملية تدريب الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، والتي تساعد في إنشاء فهم عالي الدقة للروائح المختلفة ومنحها موقعاً في نظام إحداثيات يسمى خريطة الرائحة الرئيسية.

إذا كنت على دراية بكيفية ترميز ألوان الصورة في الصور الرقمية، فان الطريقة تعمل بشكل مماثل. إذ تقريباً، يتوافق لون البكسل مع مكان على خريطة RGB، وهي نقطة في مساحة ثلاثية الأبعاد بها إحداثيات حمراء وخضراء وزرقاء.

تعمل خريطة الرائحة الرئيسية بشكل مشابه، باستثناء أن الإحداثيات في تلك المساحة تتنبأ بكيفية ورود رائحة مجموعات معينة من الجزيئات في العالم الحقيقي. يقول ويلشكو إن هذه الخريطة هي الصلصة السرية لشركة «أوسمو» لجعل الاختبار ممكناً في الوحدات المحمولة ذات أجهزة استشعار ذات دقة أقل وحساسة تقريباً مثل أنف الإنسان.

من المختبر إلى الأدوات اليومية

يقول ويلشكو إنه في حين أن أجهزة الاستشعار المحمولة أقل حساسية من وحدات المختبر، فإن البيانات المكثفة التي يتم جمعها باستخدام أجهزة الاستشعار عالية الدقة تجعل من الممكن إجراء اكتشاف فعال للرائحة. مثل الذكاء الاصطناعي لقياس الصورة القادر على استنتاج محتويات الصورة لإنشاء نسخة بدقة أعلى بناءً على مليارات الصور من نموذجه المدرب، فإن هذا يحدث بالطريقة نفسها مع الرائحة. تعدّ هذه القدرة على التكيف أمراً بالغ الأهمية للتطبيقات في العالم الحقيقي، حيث لا يكون نشر جهاز بحجم المختبر ممكناً.

من جهته، يشير روهينتون ميهتا، نائب الرئيس الأول للأجهزة والتصنيع في «أوسمو»، إلى أن مفتاح عملية التعريف لا يتعلق كثيراً بالروائح التي يمكننا إدراكها، لكن بالتركيب الكيميائي للكائن أو الشيء، وما يكمن تحته. ويقول: «الكثير من الأشياء التي نريد البحث عنها والتحقق من صحتها قد لا يكون لها حتى رائحة محسوسة. الأمر أشبه بمحاولة تحليل التركيب الكيميائي».

وهو يصف اختباراً تجريبياً أجرته الشركة مؤخراً مع شركة إعادة بيع أحذية رياضية كبيرة حقق معدل نجاح يزيد على 95 في المائة في التمييز بين الأحذية المزيفة والأحذية الحقيقية.

إلا أن الطريقة لا تعمل إلا مع الأشياء ذات الحجم الكبير، في الوقت الحالي. ولا يمكن للتكنولوجيا التحقق من صحة الأشياء النادرة جداً التي تم صنع ثلاثة منها فقط، مثلاً.

هذا لأنه، كما أخبرني ويلشكو، يتعلم الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات. لكي يتعلم رائحة طراز جديد معين من الأحذية، تحتاج إلى إعطائه نحو 10 أزواج من الأحذية الرياضية الحقيقية. في بعض الأحيان، تكون رائحة البصمة خافتة لدرجة أنه سيحتاج إلى 50 حذاءً رياضياً أصلياً ليتعلم الطراز الجديد.

خلق روائح جديدة

لا يشم مختبر «أوسمو» الأشياء التي صنعها آخرون فحسب، بل يخلق أيضاً روائح جديدة داخل الشركة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات نفسها. أظهر علماء الشركة كيف يعمل هذا بطريقة عملية خلال تجربة أطلقوا عليها اسم مشروع نقل الرائحة. لقد التقطوا رائحة باستخدام مطياف الكتلة للتفريق اللوني الغازي (GCMS)، الذي يحللها إلى مكوناتها الجزيئية ويحمل البيانات إلى السحابة. أصبحت هذه البيانات الملتقطة إحداثيات على خريطة الرائحة الرئيسية. بمجرد رسم الخريطة، يتم توجيه روبوت التركيب في مكان آخر لخلط عناصر مختلفة وفقاً لوصفة الرائحة، وإعادة إنشاء الرائحة الأصلية بشكل فعال.

رائحة مصنّعة لتعريف المنتجات

باستخدام تقنية تصنيع الرائحة نفسها، يتخيل ويلشكو أن «أوسمو» يمكن أن تدمج جزيئات عديمة الرائحة مباشرة في المنتجات بصفتها معرفاتٍ فريدة؛ مما يخلق توقيعاً غير مرئي لن يكون لدى المزورين أي طريقة لاكتشافه أو تكراره. فكر في هذا باعتباره ختماً غير مرئي للأصالة.

وتعمل شركة «أوسمو» على تطوير هذه العلامات الفريدة لتُدمج في مواد مثل الغراء أو حتى في القماش نفسه؛ ما يوفر مؤشراً سرياً لا لبس فيه على الأصالة.

هناك فرصة كبيرة هنا. وكما أخبرني ويلشكو، فإن صناعة الرياضة هي سوق بمليارات الدولارات، حيث أعلنت شركة «نايكي» وحدها عن إيرادات بلغت 60 مليار دولار في العام الماضي. ومع ذلك، تنتشر النسخ المقلدة من منتجاتها على نطاق واسع، حيث أفادت التقارير بأن 20 مليار دولار من السلع المقلدة تقطع هذه الإيرادات. وقد صادرت الجمارك وحماية الحدود الأميركية سلعاً مقلدة بقيمة مليار دولار فقط في العام الماضي في جميع قطاعات الصناعة، وليس فقط السلع الرياضية. ومن الواضح أن تقنية الرائحة هذه يمكن أن تصبح سلاحاً حاسماً لمحاربة المنتجات المقلدة، خصوصاً في أصعب الحالات، حيث تفشل الأساليب التقليدية، مثل فحص العلامات المرئية.

الرائحة هي مفتاح المستقبل

يرى ويلشكو أن النظام جزء من استراتيجية أوسع لرقمنة حاسة الشم - وهو مفهوم بدأ العمل عليه عند عمله في قسم أبحاث «غوغل». إن أساس النظام يكمن في مفهوم يسمى العلاقة بين البنية والرائحة. وتتلخص هذه العلاقة في التنبؤ برائحة الجزيء بناءً على بنيته الكيميائية، وكان مفتاح حل هذه المشكلة هو استخدام الشبكات العصبية البيانية.

إمكانات طبية لرصد الأمراض

إن الإمكانات الطبية لهذه التقنية هي تحويلية بالقدر نفسه. ويتصور ويلشكو أن النظام يمكن استخدامه للكشف المبكر عن الأمراض - مثل السرطان أو السكري أو حتى الحالات العصبية مثل مرض باركنسون - من خلال تحليل التغييرات الدقيقة في رائحة الجسم التي تسبق الأعراض غالباً.

لكنه يقول إنه حذّر بشأن موعد حدوث هذا التقدم؛ لأنه يجب على العلماء أن يحددوا أولاً العلامات الجزيئية لهذه الروائح قبل أن تتمكن الآلة من اكتشاف أمراض مختلفة. وتعمل الشركة بالفعل مع عدد من الباحثين في هذا المجال.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»