في أحدث مقابلاتها، تحسّرت جنيفر أنيستون على قطار الأمومة الذي فاتها. أفصحت لمجلة «أليور» الأميركية أنها كانت لتمنح أي شيء، لولا نصحَها أحدٌ ما بتجميد بويضاتها. تصرّ الممثلة الأميركية على أنها غير نادمة، لكنها تحتفظ بذكريات أليمة عن المرحلة التي كانت تسعى في خلالها إلى الحمل والإنجاب بواسطة التلقيح الصناعي (IVF).
اليوم، في الـ53 من عمرها، تعيش النجمة العالمية أنوثتها على قاعدة: «ليس ضرورياً أن نكون زوجات أو أمهات حتى نشعر بالكمال. نحن مَن نقرر شكل سعادتنا».
الممثلة الأميركية جنيفر أنيستون (رويترز)
كثيراتٌ مثل أنيستون يرَين في تجميد البويضات حبل خلاص، لكن يبقى التمييز ضرورياً بين الفرصة والضمانة. فهذه التقنية التي انتقلت عام 2012 من مرحلتها التجريبية إلى المرحلة الفعّالة بقرار من الجمعية الأميركية للصحة الإنجابية، ليست دائماً ورقة يانصيب رابحة. فبين احتمالَي الفوز والخسارة، تقف عوامل عدة أوّلها العمر.
في حديث مع «الشرق الأوسط»، تعلّق أخصائية العقم والصحة الجنسية الطبيبة النسائية الدكتورة ليال أبي زيد على تصريح أنيستون قائلةً: «منذ 10 سنوات، يوم أصبح تجميد البويضات فعّالاَ، كانت أنيستون في الـ43. في هكذا سن يتطلّب الأمر 60 بويضة على الأقل، للحصول على نسبة متدنية لاحتمال حصول حمل. بالتالي، علمياً وواقعياً لم تكن أنيستون لتنجح في حملٍ قائم على تجميد البويضات».
تتفاوت نِسَب فاعلية تجميد البويضات لناحية حصول حمل لاحقاً، بناءً على عمر المرأة. حسب الدكتورة أبي زيد، «كل ما كانت السيّدة أصغر سناً لحظة حصول التجميد، كل ما صار احتمال الحمل أكبر لأن عدد البويضات المجمدة يكون مرتفعاً، ونوعيتها تكون أفضل».
تنصح أبي زيد كل سيدة أتمّت الـ30 من عمرها ولا مشروع ارتباط أو زواج في الأفق لديها، بأن تبدأ بالتفكير في تجميد بويضاتها. فالسن المثالية لهذا المشروع للّواتي يرغبن بأن يصبحن أمهات، تتراوح بين الـ30 والـ35 عاماً. تتابع الطبيبة مطمئنةً مَن تخطّين الـ35: «يمكن الخضوع لتجميد البويضات حتى بعد الـ35، لكن يجب دراسة نسبة النجاح قبل خوض التجربة. فبعد الـ38 تحديداً، يحصل انحدار في مستوى الخصوبة. لكن لا شيء مُنزَل هنا، فثمة سيدات تخطين السن المثالية وهن يتمتعن بنوعية جيدة وبعددٍ كافٍ من البويضات».
وتنضمّ إلى قائمة السيّدات المرشّحات لتقنية التجميد، أولئك المعرّضات لانقطاع الطمث المبكّر، واللواتي يعانين من بطانة الرحم المهاجرة (endometriosis)، إضافةً إلى مريضات السرطان قبل الخضوع لجلسات العلاج الكيميائي.
أخصائية العقم والصحة الجنسية الطبيبة النسائية د. ليال أبي زيد
مراحل تجميد البويضات
بعد أن تتخذ السيدة قرار تجميد بويضاتها، عليها الخضوع لمعاينة الطبيب. «إذا لم تكن معرّضة للجلطات ولا تعاني من مشاكل في الهرمونات، يطلب الطبيب تحليل دم خاص يُعرف باسم AMH ويحدد كمية البويضات»، توضح أبي زيد. بناءً على نتيجة التحليل، يقرر الطبيب جرعة العلاج، وما إذا كانت السيدة مرشّحة جيّدة للتجميد. في الخطوة التالية، وإذا كان العدد مقبولاً، تخضع السيدة لفحص الصورة الصوتية في اليوم الثاني من دورتها الشهرية. يلي ذلك علاج بالإبر الهرمونية التي تُحقن في البطن لفترة 8 إلى 9 أيام إضافة إلى تناول حبة دواء واحدة، وذلك للمساعدة في استخراج أكبر عدد ممكن من البويضات.
ثم يأتي دور الإبر التي تفجّر البويضات والتي تليها بعد 36 ساعة عملية سحب البويضات، فيما تكون السيدة خاضعة للتنويم (sedation) وليس للتخدير أو البنج. لا آثار جانبية لهذا الإجراء حسبما تؤكد أبي زيد: «قد تحدث نفخة لمدة أسبوع، ثم تعود الدورة الشهرية». وتلفت الطبيبة هنا إلى أنه «في حال لم يكن عدد البويضات كافياً، لا شيء يحول دون تكرار تلك العملية. أما العدد المثالي للبويضات فيتراوح بين 10 و15، لكن لا تنجح كل السيدات في الحصول على هذا العدد من جراء محاولة واحدة».
طريقة حفظ البويضات
غالباً ما تُسأل أبي زيد عمّا إذا كان حفظ البويضات مرتبطاً بطريقة أو بأخرى بالتيار الكهربائي. لكنه ظنٌ خاطئ، فلا داعي للقلق من انقطاع الكهرباء. توضح الطبيبة أن «الحفظ يتم في مادة النيتروجين السائل المستخرج من الهواء. لا خطر بالتالي على البويضات وبالإمكان الاحتفاظ بها لفترة 30 سنة». وتضيف: «قبل 10 سنوات من الآن، كنا ما زلنا في المرحلة التجريبية لأن التقنيات المتاحة لم تكن تسمح بالحفاظ على البويضات بشكل جيّد. أما عام 2012 فبدأ اللجوء إلى تقنية الـvitrification (التزجيج)، التي تتيح الانتقال من حرارة 25 درجة مئوية (أي حرارة البويضة) إلى 190 درجة تحت الصفر في خلال 3 ثوانٍ وبفضل النيتروجين السائل. سمحت هذه السرعة بأن تبقى 80 إلى 90 بالمائة من البويضات على قيد الحياة وصالحة للاستعمال».
حفظ البويضات (المصدر: Getty)
من التجميد إلى محاولة الحمل
عندما يحين موعد استعمال البويضات المجمّدة، يلجأ الطبيب إلى التلقيح الصناعي (IVF). تشرح الدكتورة أبي زيد: «يجري تسخين (thawing) البويضات ونحقنها ببذرة الشريك، مثل تقنية طفل الأنبوب، لكن بدل أن تكون البويضة طازجة، تكون مجمّدة. بعد ذلك نعيدها إلى داخل رحم السيدة». وتلفت الطبيبة هنا إلى أنه «حتى وإن كانت السيدة قد دخلت مرحلة انقطاع الطمث، يمكن أن تستخدم بويضاتها المجمّدة شرط أن يكون حجم الرحم طبيعياً. لكن لا بد من التنبيه إلى أن هكذا حمل يصبح خطراً بعد عمر الـ50 لأنه قد يترافق ومشاكل صحية أخرى».
صحيح أن سباقهنّ ضد الساعة البيولوجية يدفع بالسيدات إلى اتخاذ قرار تجميد بويضاتهن، إلا أن العمر ليس على هذا القدر من الأهمية عندما يتعلّق الأمر بمحاولة الحمل. فالحمل يمكن أن يحصل في سن متأخرة، على عكس التجميد. لكن الدكتورة أبي زيد تصرّ على تشجيع الحمل الطبيعي فتقول إنه «أفضل من كل العلاجات، إذ إن تجميد البويضات ليس ضمانة إنما هو فرصة في حال كانت ظروف الحياة لا تسمح بحمل طبيعي وفي أوانه المثالي». تضيف في هذا السياق: «في مجتمع يطلب من المرأة أن تحمل مسؤوليات مهنية ومادية، ثم يطلب منها أن تحمل وتكون أماً، تغيّرت المقاييس وتغيّر معها عمر الحَمل الأول، لذلك أصبح تجميد البويضات ضرورياً».
تحضير البويضات قبل التلقيح (المصدر: Getty)
تشير أحدث الدراسات إلى أن فرص حصول حمل جرّاء تجميد البويضات تتراوح ما بين 30 و60 في المائة، وتختلف النسبة حسب سن السيدة وقت حصول التجميد. غير أن تلك الأرقام لا تحول دون تهافت النساء إلى عيادات تجميد البويضات. وقد لعب إفصاح الفنانات والمؤثّرات العربيات والأجنبيات عن لجوئهن إلى تلك التقنية، دوراً توعوياً وتشجيعياً.