تغيُّر المناخ العالمي يهدد مستقبل كرة القدم

هل نجحت قطر في تنظيم بطولة {محايدة كربونياً}؟

أجهزة التبريد في استاد خليفة في الدوحة (رويترز)
أجهزة التبريد في استاد خليفة في الدوحة (رويترز)
TT

تغيُّر المناخ العالمي يهدد مستقبل كرة القدم

أجهزة التبريد في استاد خليفة في الدوحة (رويترز)
أجهزة التبريد في استاد خليفة في الدوحة (رويترز)

تستمر بطولة كأس العالم في قطر بإثارة الجدل على نحو لم تفعله أي مسابقة رياضية كُبرى من قبل. وفيما عرفت بعض الدورات الأولمبية وبطولات كأس العالم تجاذبات عديدة قبل الحرب العالمية الثانية، وخلال تصاعد حرارة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، فإن كأس العالم الحالية تجاوزت البُعد الكروي إلى حدٍّ بعيد واختلط فيها الرياضي بالسياسي والحقوقي بالثقافي، إلى جانب البُعد الكربوني.
وليس ببعيد عن حرارة المنافسات في هذه البطولة العالمية وحماسة متابعيها، كانت حرارة الطقس الدافع الرئيسي لجعل مباريات كأس العالم تنطلق في فصل الشتاء لأول مرة منذ بدايتها عام 1930. وفي الوقت ذاته، مثّلت انبعاثات غازات الدفيئة وأثرها على الاحترار العالمي قضية شائكة أخرى أثارتها البطولة على نحو غير مسبوق. فعدا عن البصمة الكربونية للمنشآت والنشاطات المرافقة، طُرحت تساؤلات عن الانبعاثات الناجمة عن تبريد الملاعب خلال فترات الحرّ. وقد حاول المنظّمون حل جزء من هذه المشكلة باستخدام الطاقات المتجددة، خاصة الشمس، لتوليد بعض احتياجات الكهرباء.
- الانبعاثات الكربونية في تقارير «فيفا»
تشهد قطر طفرة في مجال الإنشاءات الخاصة بالبطولة الكروية منذ نحو عقد من الزمان؛ حيث شيّدت سبعة ملاعب جديدة و30 مرفقاً للتدريب وآلاف الغرف الفندقية، ووسّعت مطار الدوحة الدولي. وتُعد البلاد بين الأعلى حرارة والأكثر جفافاً على وجه الأرض، إذ تواجه موجات حرّ متفاقمة ونقصاً في المياه مع اشتداد تغيُّر المناخ.
ويتوقّع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أنّ الأنشطة المتعلقة بكأس العالم هذه السنة ستصل إلى 3.6 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل استهلاك الطاقة لنحو 460 ألف منزل لمدة سنة كاملة. ووفقاً لأحدث تقرير عن الانبعاثات أصدره «فيفا»، يمثّل السفر الجوي والإقامة أكبر مصدر للانبعاثات المتعلقة بالبطولة؛ حيث من المتوقّع أن يحضر نحو 1.5 مليون مشجّع من جميع أنحاء العالم. ويخطط الاتحاد الدولي لكرة القدم وقطر لتعويض الانبعاثات التي لا يمكن تجنّبها بأرصدة الكربون، ومن خلال تدابير أخرى مثل زراعة الأشجار.
ووفقاً للتقرير نفسه، يمثّل بناء الملاعب نحو 18 في المائة من انبعاثات الكربون الناتجة عن البطولة. ومن بين الملاعب السبعة الجديدة التي تم تشييدها لبطولة قطر، يخطط منظمو كأس العالم لتفكيك ملعب واحد بالكامل وتقليل سعة الملاعب الأخرى بمقدار النصف تقريباً. وبالنسبة إلى المقاعد المؤقتة، يحمّل المنظمون أنفسهم مسؤولية 70 يوماً فقط من الانبعاثات، هي مدة البطولة، بالإضافة إلى مدة مسابقتي بطولة العالم للأندية التي سبقت كأس العالم.
وفي المقابل، تشير مجموعة «كاربون ماركت ووتش» (Carbon Market Watch) إلى أن المنهجية التي جرى اعتمادها في تقرير «فيفا» الأخير لا تتماشى مع تقاريره السابقة، التي ذكرت أن عُمر الملعب يمكن أن يصل إلى 60 عاماً. وتقدّر المجموعة أن البصمة الكربونية الإجمالية للملاعب الستة الدائمة ستصل إلى ثمانية أضعاف حسابات الكربون التي تبنّاها المنظّمون.
ومن ناحية أخرى، تقع الملاعب الثمانية المستخدمة في كأس العالم على بُعد نحو 50 كيلومتراً من وسط مدينة الدوحة. وفي حين يقلل التركيز العالي للملاعب من الانبعاثات المرتبطة بسفر المشجّعين، فإن المرافق قد تخلق مشكلات طويلة الأجل لسكان المدينة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.
ويعدّ تقرير ما يجب فعله بالملاعب المتبقية مشكلة معروفة للمدن التي استضافت أحداثاً رياضية ضخمة، مثل كأس العالم أو الألعاب الأولمبية. وتُعرف هذه الأماكن باسم «الفيلة البيضاء»، لارتفاع ثمنها وسويّتها العالمية، وغالباً ما تصبح في حالة سيئة وتحتل مساحة كبيرة وتستنزف الموارد المحلية.
وقد أعلن منظّمو كأس العالم في قطر عن نيّتهم التخلص من جميع «الفيلة البيضاء» من خلال وضع خطط لتحويل ما يتبقى من هذه الملاعب إلى مراكز مجتمعية وفنادق ومراكز تعليمية. وعلى سبيل المثال، من المقرر أن يصبح «استاد الجنوب»، الذي يتّسع لأكثر من 44 ألف متفرّج، مقراً لنادي الوكرة. وبعد نهائيات كأس العالم ستنخفض سعة الملعب إلى 20 ألف مقعد، ومن غير المعروف ماذا سيحدث للملعب الذي كان يستخدمه سابقاً الفريق المحلي، ويتّسع لنحو 12 ألف مشجّع.
وبالنسبة إلى الملعب المؤقت «استاد 974»، لم يكشف المنظّمون حتى الآن عن أي خطط ملموسة لكيفيّة أو حتى إمكانية إعادة استخدام حاويات الشحن التي بُني بها الملعب. ولم يتم احتساب الانبعاثات المتراكمة أثناء نقل وإعادة بناء المواد المستخدمة في حسابات الكربون.
ومن المتوقع أن يُصدِر «فيفا» تقريراً محدّثاً عن الانبعاثات بعد اختتام البطولة، وهو إجراء يتوافق مع مبادراته العديدة التي تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تشمل جعل كرة القدم جاهزة للعمل المناخي، وحماية البطولات الكبرى من الآثار السلبية لتغيُّر المناخ، وضمان جعل كرة القدم مرنة مناخياً. ولكن هل ستكون هذه المبادرات كافية لحماية مستقبل بطولات كرة القدم العالمية من آثار تغيُّر المناخ؟
- كرة القدم والتكيُّف مع تغيُّر المناخ
خلال السنوات القليلة الماضية، تعرّضت العديد من التجمُّعات الرياضية الكبرى لظواهر الطقس المتطرّفة. ففي 2019، تسبب إعصار موسمي (تايفون) في تأجيل عدّة مباريات خلال كأس العالم للرغبي في اليابان. وفي بطولة أستراليا المفتوحة للتنس 2020، أصبح الهواء غير قابل للتنفس بسبب حرائق الغابات، كما تمّ في العام ذاته نقل مسار سباق الماراثون في أولمبياد طوكيو مئات الكيلومترات إلى الشمال هرباً من حرارة الجو المرتفعة. ويزداد القلق حول مستقبل الألعاب الأولمبية الشتوية مع ازدياد الاحترار العالمي.
وتكشف البيانات التاريخية وسيناريوهات الانبعاثات الحالية أن ارتفاع مستويات سطح البحر، وموجات الحرّ الشديدة، ومخاطر الحرائق الضخمة، والفيضانات، وتدهور جودة الهواء ستشكّل جميعها تهديدات كبيرة لمباريات كرة القدم، سواء للهواة أو المحترفين.
وكرة القدم ليست مجرّد ضحية لتغيُّر المناخ، فهي تسهم في زيادة الانبعاثات أيضاً. ويتضح ذلك من البصمة الكربونية للاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز، التي تقدّر بنحو 29 طناً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً نتيجة السفر فقط، وهي كمية تقارب ثلاثة أضعاف البصمة الكربونية السنوية لمواطني المملكة المتحدة، وتتجاوز بكثير الهدف العالمي الذي يبلغ طنين اثنين لكل شخص من أجل الوفاء بالتزامات اتفاقية باريس المناخية.
وتنصبّ مخاوف عدد من اتحادات كرة القدم حالياً على مسألتي انخفاض جودة الهواء وارتفاع حرارة الجو، ما قد يؤثر على صحة الرياضيين والمتفرّجين والعاملين في مجال الرياضة، فضلاً عن تراجع الأداء. وكان الدوري الأميركي لكرة القدم وضع عتبات محددة لتنظيم المباريات أثناء الطقس الحارّ، كما أصدر اتحاد «ألبرتا سوكر» في كندا أدلّة عمل إرشادية تتعلق بنوعية الهواء.
ونظراً لأن ظروف ارتفاع حرارة الجو ستصبح أكثر تواتراً في المستقبل القريب، فمن المتوقع أن يكون هناك تأجيل وإلغاء للعديد من مباريات وبطولات كرة القدم. ومن المرجح أن تُسجّل تأثيرات ملحوظة للحرائق على البنية التحتية لملاعب كرة القدم، وأن تتدهور أرضيات ملاعب العشب الطبيعي نتيجة الجفاف والقيود المفروضة على الري خلال الصيف، كما ستتأثر الملاعب بظروف الشتاء القاسية على نحو متزايد.
وكانت دراسة، أُجريت في بريطانيا في عام 2013 وشملت 460 نادياً رياضياً، أشارت إلى خسارة ما بين 3 و13 أسبوعاً من استخدام بعض الملاعب سنوياً بسبب هطولات الأمطار الغزيرة. وعلى المدى الطويل، من المرجّح أن تشكّل مياه البحر المرتفعة والفيضانات المتكررة تهديداً مؤقتاً أو دائماً لأنشطة الأندية الرياضية، ما يعرّض مستقبل كرة القدم للخطر في بعض أجزاء العالم، إذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مسارها الحالي. وقد تسببت الفيضانات بالفعل في جعل ملاعب مونبلييه الفرنسية في 2014 وملاعب كارلايل البريطانية في 2015 خارج الخدمة لعدّة أشهر.
وفيما تمثّل ملاعب العشب الاصطناعي حلولاً مثيرة للاهتمام تسمح بتنظيم المباريات على فترات أطول خلال العام، فإن هذه الملاعب تؤدي إلى تكوين جُزُر حرارية حيث ترتفع حرارتها السطحية بما بين 12 و22 درجة مئوية أعلى من حرارة العشب الطبيعي. ويزيد مستوى الحرارة المرتفع من الإجهاد الحراري الذي يتعرّض له اللاعبون، ويعزز المخاطر على صحتهم وأدائهم. وينطبق الأمر نفسه على صحة الحكام والمدربين والمشجّعين.
ويؤثر تلوُّث الهواء سلباً على كمية ونوعية التمريرات والمسافات المقطوعة وجهود اللاعبين المحترفين عالية الشدة، كما يمكن أن يؤدي التلوُّث المرتفع إلى تقليل عدد الأهداف المسجّلة أثناء المباريات بشكل كبير. وتشير الأدلة التجريبية لعدّة عقود إلى أن فرص الفوز لدى الفِرَق المُضيفة أعلى من فرص فوز الفِرَق الزائرة، لا سيما عندما يأتي الفريق المنافس من مدينة أقل تلوُّثاً. ويرتبط ذلك باعتياد الفِرَق المُضيفة على نوعية الهواء في ملاعبها، ما يجعل أداؤها أقل تأثراً.
بفضل انتشارها وقدرتها على الوصول إلى جمهور عريض، يمكن أن تلعب كرة القدم دوراً رئيسياً في التحوّل البيئي، بما في ذلك استراتيجيات التخفيف من تغيُّر المناخ والتكيُّف معه. وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم من أوائل الاتحادات الرياضية الدولية التي التزمت بإطار عمل الأمم المتحدة للرياضة من أجل المناخ، عبر تبنّي استراتيجية خاصة في هذا الشأن.
ويتعيّن على عالم كرة القدم الانتقال بسرعة كبيرة من نهج رد الفعل إلى النهج الاستباقي، عبر اتخاذ عدد من الإجراءات الوقائية، في طليعتها تحديد التواريخ بما يتناسب مع أحوال الطقس في البلد المُضيف، بما يقلل الحاجة إلى تبريد الملاعب. كما تجب إعادة هيكلة المسابقات الوطنية والعالمية لتقليل سفر الرياضيين والمشجّعين، والحثّ على استخدام وسائط النقل العامة والمشتركة، وتعزيز تدابير السلامة، كزيادة فترات الراحة خلال المباريات وإجراء المزيد من التبديلات للاعبين، وتأمين الحماية من أشعة الشمس الحارقة للمتفرّجين.
من أهم ما حققته دورة قطر كسر الموانع التي كانت تعوق إقامة البطولات في مناطق حارّة، بنقل الموعد التقليدي من فصل الصيف إلى الشتاء، وبداية استخدام تقنيات الطاقة المتجددة على نطاق واسع في الملاعب، فلا يُحرم أي شعب من حقه في أن يكون جزءاً من نشاطات الرياضة العالمية. ونظراً إلى أن كرة القدم لن تكون الضحية الوحيدة للتغيُّر المناخي والمؤثرة فيه، فإن الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل المجتمع الرياضي ككل لمواصلة اللعب بأمان ومتعة.


مقالات ذات صلة

الصين تبني نظاما إيكولوجيا جديدا لمراقبة البيئة ومعالجة التلوّث

بيئة الصين تبني نظاما إيكولوجيا جديدا لمراقبة البيئة ومعالجة التلوّث

الصين تبني نظاما إيكولوجيا جديدا لمراقبة البيئة ومعالجة التلوّث

كشفت وزارة البيئة والإيكولوجيا الصينية، يوم أمس (السبت)، أن البلاد تخطط لبناء نظام حديث لمراقبة البيئة الإيكولوجية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
علوم عربات كهربائية تُشحن قِطعاً وتُجمّع في موقع استخدامها

عربات كهربائية تُشحن قِطعاً وتُجمّع في موقع استخدامها

شاحنات يمكن تجميع أجزائها في أفريقيا.

أديل بيترز (واشنطن)
أوروبا تُظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في لا تيست دو بوش بجنوب غربي فرنسا في 11 مارس 2024 موجات تتكسر على الشاطئ أثناء المد العالي (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة العواصف التي اجتاحت جنوب شرقي فرنسا إلى 5 قتلى

أعلنت السلطات الفرنسية، اليوم (الاثنين)، ارتفاع عدد القتلى الذين سقطوا بسبب العواصف العاتية التي اجتاحت جنوب شرقي فرنسا، إلى 5 أشخاص.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رجال الإطفاء يرشون المياه أثناء حريق الغابات في ستاماتا بالقرب من أثينا (إ.ب.أ)

أوروبا قد تواجه أوضاعاً «كارثية» في حال عدم تقييم المخاطر المناخية

حذرت الوكالة الأوروبية للبيئة من أن أوروبا قد تواجه أوضاعاً «كارثية» إذا لم تقيّم المخاطر المناخية التي تواجهها والتي بلغ كثير منها بالفعل مستوى حرجاً

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
العالم يتصاعد الدخان الناتج عن حرائق الغابات شمال بوفورت بالقرب من بالارات في فيكتوريا أستراليا 24 فبراير 2024 (رويترز)

موجة حارة قوية تجتاح جنوب شرقي أستراليا

تعرضت مساحات كبيرة من أستراليا اليوم (السبت) لموجة شديدة الحرارة أدت إلى زيادة احتمال حدوث حرائق غابات في جنوب شرقي البلاد.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

الصين تبني نظاما إيكولوجيا جديدا لمراقبة البيئة ومعالجة التلوّث

الصين تبني نظاما إيكولوجيا جديدا لمراقبة البيئة ومعالجة التلوّث
TT

الصين تبني نظاما إيكولوجيا جديدا لمراقبة البيئة ومعالجة التلوّث

الصين تبني نظاما إيكولوجيا جديدا لمراقبة البيئة ومعالجة التلوّث

كشفت وزارة البيئة والإيكولوجيا الصينية، يوم أمس (السبت)، أن البلاد تخطط لبناء نظام حديث لمراقبة البيئة الإيكولوجية، وتتوقع أن يؤدي دوراً مهماً في السيطرة على التلوث ومعالجته والحفاظ على الإيكولوجيا والاستجابة لتغير المناخ.

وأضافت الوزارة خلال مؤتمر صحفي أن النظام الجديد سيرفع مستوى جمع البيانات الموثوقة والدقيقة والشاملة والجديدة في الوقت المناسب. كما سيتم إنشاء شبكة رصد تستفيد من الأقمار الصناعية والطيران والاستشعار عن بعد الأرضي، إضافة الى إدخال الذكاء الرقمي لترقية تكنولوجيات الرصد. وذلك وفق ما ذكرت وكالة أنباء «شينخوا» الصينية.

وحسب الوكالة، فان الصين تهدف إلى استكمال بناء النظام بحلول عام 2035، ما يرفع قدرات رصد البيئة الإيكولوجية في البلاد إلى مستوى متقدم عالمياً.


انقطاع الطمث لدى الحيتان قد يفسر هذه الحالة لدى النساء

حوت يقفز من الماء في البحر بالقرب من راوسو هوكايدو اليابان (رويترز)
حوت يقفز من الماء في البحر بالقرب من راوسو هوكايدو اليابان (رويترز)
TT

انقطاع الطمث لدى الحيتان قد يفسر هذه الحالة لدى النساء

حوت يقفز من الماء في البحر بالقرب من راوسو هوكايدو اليابان (رويترز)
حوت يقفز من الماء في البحر بالقرب من راوسو هوكايدو اليابان (رويترز)

يمكن لتفسير انقطاع الطمث لدى أنواع معينة من الحيتانيات أوردته دراسة حديثة أن يلقي الضوء على سبب هذه الحالة الطبيعية لدى النساء، إذ إن هذه السمة الخاصة قد ترتبط بطول العمر المتوقع لدى إناث الحيتان والبشر.

يتساءل العلماء عن الآلية التي تمنع الأنثى من التكاثر رغم أنه لا تزال أمامها سنوات طويلة لتعيشها، في حين تغتنم معظم الحيوانات كل فرصة للتكاثر، وفقا لما ذكرته وكالة «الصحافة الفرنسية».

ويزداد الغموض لأنه من بين خمسة آلاف نوع من الثدييات، يطال انقطاع الطمث فقط النساء وخمسة أنواع من الحيتانيات المسنة، بما فيها الحيتان القاتلة (الأوركا) وكركدن البحر. ولكن ذلك لا يطال الدلافين بين هذه الحيتانيات ذوات الأسنان.

وقارن فريق من الباحثين البريطانيين بين هاتين المجموعتين لمحاولة فهم سبب وصول إحداهما إلى انقطاع الطمث، وما يمكن استخلاصه عن الآلية لدى النساء.

فعلى الرغم من اختلافاتنا، يشترك البشر في «مسار حياة متقارب» مع هذه الحيوانات البحرية لا بد أنه شجّع على ظهور انقطاع الطمث، على ما توضح الدراسة التي نشرتها أخيراً مجلة «نيتشر».

وتستند الدراسة إلى فرضيات عدة تفسر انقطاع الطمث، خصوصاً تلك المتعلقة بمتوسط العمر المتوقع.

«فرضية الجدة»

تعيش إناث الأنواع الخمسة من الحيتانيات المسنة مع انقطاع الطمث حوالى 40 عاماً أطول من الحيتانيات الأخرى من الحجم نفسه. كما أنها تعيش بشكل عام أعماراً أطول من الذكور من جنسها.

ذيل الحوت الأحدب يظهر في مضيق غيرلاش في القارة القطبية الجنوبية (أ.ف.ب)

وأوضح المعد الرئيسي للدراسة صامويل إليس من جامعة إكستر، في مؤتمر صحافي أن إناث الحيتان القاتلة «تعيش عادةً ما بين 60 أو 70 عاماً، لكن الذكور جميعاً تفارق الحياة قبل سن الأربعين».

يدعم هذا الواقع «فرضية الجدة» التي بموجبها تعتني الإناث الأكبر سنا بأحفادها، مع ميزة يولّدها انقطاع الطمث.

«الجزء الثاني من القصة يدور حول المنافسة»، بحسب المعد المشارك في الدراسة دارن كروفت الذي قال إنه عند «تكاثر الأم والابنة لدى حيتان الأوركا في الوقت نفسه، فإن متوسط العمر المتوقع لصغار الأنثى الأكبر سنا يكون أقصر بسبب التنافس على الغذاء».

ولذلك فإن هذا النوع «تطوّر نحو متوسط عمر متوقع أكبر مع فترة تكاثر أقصر»، بحسب دارن كروفت.

وأضاف: «إنه نوع مسار الحياة نفسه الذي نلاحظه عند البشر». ويبدو أن أوجه التشابه في الهياكل الاجتماعية لهذه الأنواع المختلفة «مذهلة».

تعايش الإخوة والأخوات

وبحسب كروفت، تلعب «الأمهات القدامى» دوراً بارزاً في العملية... فالخبرة المكتسبة خلال حياتها تساعد الحيوانات الأخرى في مواجهة المصاعب مثل نقص الطعام.

لكن وجود مجتمع أمومي ليس كافيا. فعلى سبيل المثال، تستمر إناث الفيلة المسنة في التكاثر بشكل جيد في سن الشيخوخة.

العالم الكولومبي دييغو موخيكا من مؤسسة مالبيلو يلتقط صورا للحوت الأحدب في مضيق غيرلاش (أ.ف.ب)

وثمة فرق بين النوعين هو أن إناث الحيتانيات المسنّة تستمر في رعاية أبنائها، بينما تترك الأخيرة المجموعة لدى الأفيال.

كما أن استمرار الإخوة والأخوات في التعايش (حتى مرحلة البلوغ المبكر) يمكن أن تكون سمة شائعة وفريدة من نوعها بين أنواع الحيتانيات الخمسة والبشر المتأثرين بانقطاع الطمث.

ومع ذلك، فإن كل هذا «لا يقدم إجابة محددة لسؤال كيفية تطور انقطاع الطمث»، كما علقت عالمة الأنثروبولوجيا ريبيكا سير، من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، في مقال مصاحب للدراسة في مجلة نيتشر.

حيتان بالقرب من راوسو هوكايدو اليابان (رويترز)

وحذرت سير من أنه من الصعب للغاية دراسة الحيتانيات، وأن الكثير من البيانات المستخدمة في الأبحاث تنتج عن الجنوح الجماعي لهذه الحيوانات.

وأشارت أيضاً إلى قلة الاستثمار في الأبحاث المتعلقة بانقطاع الطمث، بسبب التحيز في توجيه الدراسات نحو الآليات التي تؤثر على الرجال.


تقنيات متقدمة لتدوير مخلّفات البلاستيك... حل لمعضلة كبرى أم وصفة أخرى للفشل؟

صبي سوري يحمل مواد قابلة لإعادة التدوير ليتم وزنها في مكب للقمامة في محافظة إدلب 14 مارس (أ.ف.ب)
صبي سوري يحمل مواد قابلة لإعادة التدوير ليتم وزنها في مكب للقمامة في محافظة إدلب 14 مارس (أ.ف.ب)
TT

تقنيات متقدمة لتدوير مخلّفات البلاستيك... حل لمعضلة كبرى أم وصفة أخرى للفشل؟

صبي سوري يحمل مواد قابلة لإعادة التدوير ليتم وزنها في مكب للقمامة في محافظة إدلب 14 مارس (أ.ف.ب)
صبي سوري يحمل مواد قابلة لإعادة التدوير ليتم وزنها في مكب للقمامة في محافظة إدلب 14 مارس (أ.ف.ب)

يتوقع تقرير صادر عن «برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)» أن ينمو توليد النفايات الصلبة في البلديات من 2.3 مليار طن في عام 2023 إلى 3.8 مليار طن بحلول سنة 2050. ويدعو التقرير إلى تحسين إدارة النفايات عن طريق سياسات التقليل وإعادة التدوير، ومع ذلك تبقى المخلّفات البلاستيكية المعضلة الكبرى في خطط الاقتصاد الدائري العالمي.

يقدِّر التقرير الذي يحمل عنوان «التوقعات العالمية لإدارة النفايات لعام 2024» أن ترتفع التكلفة العالمية المباشرة وغير المباشرة لإدارة النفايات من 361 مليار دولار في 2020 إلى 640.3 مليار دولار في 2050. ويقترح عدداً من الإجراءات لخفض هذه التكلفة، في مقدمتها تقليل النفايات عن طريق منعها في المقام الأول، أو إعادة استخدام المواد التي قد تصبح نفايات، بدلاً من إنتاج النفايات ثم إعادة تدويرها.

وتؤدي إعادة الاستخدام والتدوير إلى تقليل الطلب على استخراج المواد الخام كثيفة الاستهلاك للطاقة والمضرّة بالبيئة، وتمكّن من تقييم النفايات كمورد، وتمنع التلوّث الناجم عن تسرُّب النفايات إلى البيئة. وفي المقابل، يواجه تدوير المواد البلاستيكية مصاعب جمّة، إذ إنه من أصل 7 مليارات طن جرى إنتاجها من هذه المواد تاريخياً على مستوى العالم، تم تدوير أقل من 10 في المائة. وإذا استمرت اتجاهات النمو التاريخية، فمن المتوقَّع أن يرتفع الإنتاج العالمي السنوي من المواد البلاستيكية الأولية من 400 مليون طن حالياً إلى 1100 مليون طن بحلول 2050.

ويقترب معدّل توليد النفايات المنزلية في المنطقة العربية من 500 مليون طن يومياً، وتتباين نسبة المخلّفات البلاستيكية فيها حسب معدلات الدخل من بلد إلى آخر، حيث تصل هذه النسبة إلى 30 في المائة في البحرين، و25 في المائة في الإمارات وقطر وعُمان، وتتراجع إلى أقل من 17 في المائة في باقي الدول العربية. وتحقق الإمارات أعلى معدلات التدوير في العالم العربي بنسبة 20 في المائة، وتليها السعودية بمعدل 15 في المائة، فيما تقلّ النسبة عن 10 في المائة في باقي البلدان. وتقوم هذه المعدلات بمعظمها على تدوير المخلّفات المعدنية والأوراق وكمية قليلة من المواد البلاستيكية.

تقنيات متطوّرة لتدوير البلاستيك

لا تُتيح طُرق إعادة التدوير الميكانيكية للمخلّفات البلاستيكية إزالة جميع أشكال التلوّث، ولذلك لا تسمح التشريعات الوطنية عادة باستخدام البلاستيك المُعاد تدويره ميكانيكياً في منتجات على اتصال مباشر بالمواد الغذائية. كما تفقد المواد البلاستيكية جودتها وخصائصها مع زيادة حلقات إعادة التدوير، وحسب طبيعة البوليمر المستخدَم. وفي حالات النفايات البلاستيكية المختلطة أو المشوبة بنفايات عضوية، تصبح إعادة التدوير الميكانيكية غير مجدية فنياً واقتصادياً.

ونتيجة لذلك، يجري التخلُّص من مجمل المخلّفات البلاستيكية في تيارات النفايات البلدية التي تصبّ غالباً في مكبّ النفايات أو محطات الحرق، بدلاً من معالجتها وتحويلها إلى مادة خام جديدة. ولهذا السبب، تُعدّ تقنيات إعادة التدوير المتقدمة ضرورية للاقتصاد الدائري، حيث توفّر مجموعة أدوات من التقنيات المتنوّعة لمعالجة تدفقات النفايات البلاستيكية بتركيبات ونوعيات مختلفة، من أجل تحويلها إلى مجموعة متنوعة من المواد الخام.

وتشمل هذه التقنيات إعادة تدوير المواد على أساس الانحلال، وهي عملية فيزيائية تسمح بالحصول على البوليمرات من المخلّفات البلاستيكية. كما يتوفر العديد من تقنيات إعادة التدوير الكيميائي القادرة على استخلاص البوليمر المستهدَف وإعادته إلى وحداته البنائية (المونومرات)، عن طريق التحلل الإنزيمي والتحلل بالمذيبات وإزالة البلمرة الحرارية.

كما توجد مجموعة أخرى من تقنيات إعادة التدوير تعتمد العمليات الكيميائية الحرارية، التي تحقق حالياً كبرى القدرات التشغيلية. وتقوم هذه التقنيات على الانحلال الحراري، والتغويز، والحرق، إلى جانب احتجاز الكربون واستخدامه، وذلك من أجل تحويل النفايات البلاستيكية إلى مواد كيميائية ثانوية ذات قيمة، ومنتجات جانبية يمكن استخدامها مثل مواد خام لإنتاج البوليمرات الجديدة.

ويقدم تقرير «رسم خرائط لتقنيات إعادة تدوير النفايات البلاستيكية المتقدمة وقدراتها العالمية»، الصادر مؤخراً عن «مؤسسة نوفا الاستشارية الأوروبية»، نظرة تفصيلية عن التقدم التكنولوجي واللاعبين الرئيسيين في هذا المجال، ويصِف الحالة الحالية لإعادة التدوير المتقدمة في أوروبا والعالم.

ويعرِض التقرير 127 تقنية إعادة تدوير متقدمة متاحة حالياً في السوق أو ستتوفر قريباً. وتقع غالبية التقنيات المحددة في أوروبا، لا سيما في هولندا وألمانيا، تليها أميركا الشمالية والصين واليابان ورابطة الدول المستقلة والشرق الأوسط وأفريقيا. ويسجّل التقرير وجود أكثر من 340 محطة متقدمة لتدوير المخلّفات البلاستيكية قيد التشغيل أو التخطيط في جميع أنحاء العالم، مما يوفر إجمالي قدرة مدخلات على معالجة النفايات البلاستيكية تقارب 1.5 مليون طن سنوياً. ومع وجود أكثر من 60 محطة تغطي ربع قدرة المدخلات العالمية، تُعدّ أوروبا رائدة في هذا القطاع.

ويتوقع التقرير حدوث نمو قوي في السوق خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث ستتزايد على نحو مطرد أعداد مصانع إعادة التدوير الكيميائية والفيزيائية. ويُظهِر تحليل إعلانات مقدمي التكنولوجيا لبناء محطات جديدة أن قدرة معالجة المخلّفات البلاستيكية بالطُرق المتقدمة ستزيد في أوروبا بأكثر من 3 أضعاف بحلول عام 2027، بينما ستتضاعف القدرة على المستوى العالمي. ومع ذلك، فإن التوقعات بالنسبة لأوروبا قد تتغير صعوداً، اعتماداً على تدابير سياسية إضافية، مثل مراجعة التوجيهات ذات الصلة، أو إنشاء حوافز وبرامج استثمار.

شكوك بفعالية تدوير النفايات البلاستيكية

رغم التطوُّر الحاصل في تدوير النفايات البلاستيكية بالطُرق الميكانيكية التقليدية أو من خلال التقنيات المتقدمة، لا تزال معدلات استرجاع البلاستيك منخفضة للغاية. وحالياً، لا يزال إنتاج نحو 98 في المائة من المنتجات البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة يتم من الوقود الأحفوري، أو المواد الأولية «البِكر». وتتوقع «الوكالة الدولية للطاقة» أن يقود البلاستيك وحده ما يقرب من نصف النمو في الطلب العالمي على النفط بين 2017 و2050.

فعلياً، لا يزال قطاع تدوير المخلّفات البلاستيكية يواجه عقبات كبيرة، قد يكون من الصعب التغلّب عليها. وتتمثّل كبرى هذه العقبات بتكلفة إعادة التدوير، التي تستهلك كثيراً من الطاقة، في مقابل العروض المتزايدة من المواد الخام رخيصة الثمن التي تقوّض جدوى المواد البلاستيكية المُعاد تدويرها. كما أن نوعية المنتجات المُعاد تدويرها تبقى متدنية بالمقارنة مع تلك المصنوعة من المواد الخام.

ويبدو العالم حالياً أمام معضلة حقيقية، بين منافع المنتجات التي تُعدّ رخيصة الثمن وتوّفر استهلاك الموارد الطبيعية وتحقق متطلّبات الصحة العامة، مِثلما ظهر في أزمة جائحة «كوفيد - 19»، ومساوئ بصمتها الكربونية المرتفعة وآثارها التراكمية في النظم البيئية ومصاعب تدويرها.

ولمواجهة هذه المعضلة، تقترح «الوكالة الدولية للطاقة» عدداً من التوصيات في مجال السياسات، من بينها تحفيز قطاع الكيماويات على الاستثمار بشكل مباشر في البحث والتطوير لطُرق الإنتاج الكيميائي المستدام، وتقليل الاعتماد على المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وتحسين ممارسات إدارة النفايات في جميع أنحاء العالم، ورفع وعي المستهلك حول الفوائد المتعددة لإعادة التدوير، وتصميم المنتجات مع وضع التخلُّص منها في الاعتبار، وتوسيع نطاق مسؤولية المنتِج لتشمل الجوانب المناسبة لاستخدام المنتجات الكيميائية والتخلُّص منها.

سلسلة القيمة الخاصة

ويعد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) الحكومات جهات فاعلة رئيسية في سلسلة القيمة الخاصة بالمواد البلاستيكية، وهي تستطيع القيام بأمور عدّة إذا توافرت الإرادة، مثل حظر المواد البلاستيكية التي يمكن الاستغناء عنها، ودعم الابتكار بتصميم المواد البلاستيكية، وإدخالها في الاقتصاد بطريقة تسمح بإعادة استخدامها، وتعزيز الاقتصاد الدائري بجعل المواد البلاستيكية متداولة في الاقتصاد لأطول فترة ممكنة.

ويدعو «يونيب» قطاع البتروكيماويات لتسريع التغيير المنهجي في إنتاج المواد البلاستيكية، من خلال تعديل المنتجات التي ينطوي استخدامها على إشكاليات تُعيق التدوير، عن طريق إعادة تصميمها لتعزيز الاستدامة، وابتكار نماذج أعمال للانتقال من الاستخدام الخطّي لمرة واحدة إلى الاستخدام الدائري للمنتجات البلاستيكية. كما يقترح توفير معلومات استدامة موثوقة وشفافة حتى يتمكن المستهلكون من إجراء عمليات شراء مدروسة، إلى جانب زيادة استخدام المحتوى المُعاد تدويره في المنتجات الجديدة لجعل المواد البلاستيكية متداولة في الاقتصاد.

لا تزال تقنيات إعادة التدوير المتقدمة في مرحلة مبكرة من التطوير، ولا يمكن حتى الآن وضع افتراضات دقيقة حول تأثيراتها ومساهماتها؛ فهي لا تتعدى كونها بصيص أمل لمعالجة مشكلة المخلّفات البلاستيكية، وليست حلاً سحرياً. ولذلك يتعيّن على الحكومات أن تسنّ أنظمة أكثر صرامة، وعلى الصناعات أن تعطي الأولوية للحلول المستدامة، وعلى المستهلكين اتخاذ خيارات أكثر وعياً. ومن خلال التعاون بين الجميع يمكن تجنُّب تحويل الكوكب إلى مكبّ كبير للنفايات.


انخفاض مستمر في مناسيب المياه الجوفية حول العالم

انخفاض مستمر في مناسيب المياه الجوفية حول العالم
TT

انخفاض مستمر في مناسيب المياه الجوفية حول العالم

انخفاض مستمر في مناسيب المياه الجوفية حول العالم

من الحياة الاجتماعية المعقّدة لأكثر الحيوانات المفترسة نجاحاً في أفريقيا إلى الجهود المُلهِمة لمتطوعي إنقاذ الحيوانات التي وقعت في مرمى نيران الحرب الأوكرانية، تتنوّع مواضيع المجلات العلمية التي صدرت هذا الشهر. وتتعمّق مقالاتها في تقييم أسباب موجات الحرّ والجفاف غير المتوقعة التي تشهدها أوروبا، وتقترح مقاربات عملية لتقوم الولايات المتحدة بدورها في مواجهة تغيُّر المناخ على نحو فاعل، كما تحذّر من الانخفاض المستمر في مناسيب المياه الجوفية حول العالم.

«ناشيونال جيوغرافيك»

خصصت «ناشيونال جيوغرافيك» (National Geographic) مقال غلاف عدد مارس (آذار) للضباع الرقطاء. ويُناقش المقال البنية الاجتماعية المعقّدة لهذه الضباع، التي تُعد أكثر الحيوانات المفترسة نجاحاً في أفريقيا، ويتناول المفاهيم الخاطئة التي تحيط بها وتتناقلها الأساطير في مقابل ذكائها ونجاحها في البقاء. ويستكشف المقال التفاعلات بين الضباع والبشر، بما في ذلك تحديات الحفاظ على الموائل الطبيعية، والفوائد التي توفّرها الضباع للنظم البيئية بوصفها حيوانات تعتمد على الجِيَف في غذائها. ومن المرجح أن يكون هناك أكثر من 50 ألف ضبع مرقّط يجوب منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، لكن أعدادها آخذة في الانخفاض.

«نيو ساينتست»

اهتمت «نيو ساينتست» (New Scientist) بموجات الحرّ التي ستسيطر على صيف أوروبا في السنوات المقبلة. وتتوقّع دراسة حديثة أن تصبح أوروبا أعلى احتراراً وجفافاً مع تسارع ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند كعامل مُضاف إلى ارتفاع حرارة الكوكب نتيجة تغيُّر المناخ العالمي. ورغم التوقّعات المسبقة بحصول موجات حرّ وجفاف في بعض المناطق، فإن ما شهدته أوروبا مؤخراً كان أكثر تطرّفاً مما توقّعته النماذج المناخية.

«ساينس»

دعت «ساينس» (Science) في مقالها الافتتاحي الولايات المتحدة إلى التحوّل بعيداً عن الجدل حول الحلول المثالية للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، إلى التركيز على الاستراتيجيات الممكنة والمتاحة من حيث التكلفة. وتؤكد المجلة على أهمية جعل التحوّل الكامل إلى الطاقة المتجددة هدفاً نهائياً للولايات المتحدة، على ألا يحول ذلك دون اتخاذ إجراءات عملية مرحلية تُبقي الباب مفتوحاً أمام حلول مستقبلية أفضل. وتقترح المجلة مقاربةً ثلاثية المحاور للقيام بذلك، تشمل وضع لوائح مشدّدة تدريجياً لمصادر الانبعاث المختلفة مع تشجيع الابتكار، والاستثمار في التقنيات المنخفضة الكربون بتكاليف معقولة، والاستفادة من البنية التحتية الحالية لمحطات الطاقة النووية، وتطوير تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.

«أميركان ساينتست»

ظاهرة «النَّهب» التي تقوم بها أسماك القرش لحصيلة أسماك الصيّادين كانت مِحور مقال لافِت في «أميركان ساينتست» (American Scientist). وتتوالى التقارير عن شكاوى الصيادين حول العالم من زيادة حوادث النَّهب التي تقوم بها أسماك القرش رغم أن أعدادها لا تزال تتراجع نتيجة الصيد الجائر والتهديدات المختلفة. ويعزو علماء هذا الارتفاع في ظاهرة النهب إلى التغيُّرات السلوكية التي طرأت على أسماك القرش، حيث تعلّمت أنّ استهداف الأسماك المحتجزة ضمن شباك الصيادين هو أمر أسهل من مطاردتها في المياه المفتوحة.

«بي بي سي ساينس فوكاس»

هل إعادة استخدام زجاجات المياه تنطوي على مخاطر؟ للإجابة عن ذلك، عرضت «بي بي سي ساينس فوكاس» (BBC Science Focus) نتائج دراسة حول هذا النوع من الممارسات الصديقة للبيئة، حيث يقلل من استهلاك القوارير البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، ولكنه يتضمن أيضاً مخاطر صحية محتملة على الأفراد نتيجة نمو البكتيريا والعفن، إذا لم يتم تنظيف الزجاجات بشكل صحيح. وتقترح الدراسة تنظيف هذه الزجاجات بعد كل استخدام عن طريق غسلها بالماء الساخن والمنظفات، وعدم ملئها بأي سوائل غير الماء، حيث يمكن للسوائل التي تحتوي على السكريات أن تعزز نمو الميكروبات.

«ساينس نيوز»

سلّطت «ساينس نيوز» (Science News) الضوء على تراجع مناسيب المياه الجوفية حول العالم. وتشير دراسة شملت تحليل بيانات 170 ألف بئر مراقبة إلى انخفاض في مستويات المياه الجوفية بأكثر من نصف متر سنوياً في 12 في المائة من هذه الآبار، وبنسبة عُشر متر سنوياً في 36 في المائة منها. وتحدث أسرع الانخفاضات في بعض المناطق الأكثر جفافاً في العالم، بما في ذلك وسط تشيلي وإيران وأجزاء من غرب الولايات المتحدة. وتُشير الدراسة إلى أهمية الإدارة المستدامة للمياه لتجنُّب مستقبل يعاني فيه العالم من ندرة المياه الشديدة، وما يرتبط بها من عواقب اجتماعية وبيئية خطرة.

«سميثسونيان»

بمجموع أطوال يصل إلى 600 ألف كيلومتر، تمتد الطرقات داخل الغابات الوطنية في الولايات المتحدة، وهي مسافة تكفي لتطويق الأرض 15 مرة. وتقترح «سميثسونيان» (Smithsonian) في عددها الجديد أن تتم إزالة الطُّرق في الغابات القديمة من أجل السماح للنظم البيئية بالتجدّد الطبيعي، وإقلال تلوّث مجاري المياه بالجريان السطحي، وإعادة التواصل بين الموائل الطبيعية المجزّأة بهدف تعزيز فرص الأنواع الحيّة في البقاء والازدهار.

«بي بي سي وايلدلايف»

تناولت «بي بي سي وايلدلايف» (BBC Wildlife) جهود المتطوعين في حماية الحيوانات خلال المعارك والأعمال الحربية. وتمثّل الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ سنتين مأساة إنسانية متواصلة، وهي في الوقت ذاته ظرف عصيب تمرّ به الأنواع الحيّة في المنطقة، حيث يتراجع الاهتمام بها على نحو كبير. ومع تقدم المعارك على الأرض، اضطر كثير من المدنيين في أوكرانيا للنزوح عن بيوتهم ومزارعهم تاركين خلفهم حيواناتهم الأليفة وكثيرا من الحيوانات البرية التي كانت تعيش في الأسر، كالأسود والنمور والثعالب القطبية. ويغامر بعض المتطوعين من أجل إنقاذ الحيوانات وتوفير ظروف أفضل لمعيشتها بعيداً عن الصراع.


حرارة المحيطات تسجل مستوى قياسيا في فبراير

 إبيضاض الشعاب المرجانية  يعني أن تفقد لونها تحت الضغط الحراري (رويترز)
إبيضاض الشعاب المرجانية يعني أن تفقد لونها تحت الضغط الحراري (رويترز)
TT

حرارة المحيطات تسجل مستوى قياسيا في فبراير

 إبيضاض الشعاب المرجانية  يعني أن تفقد لونها تحت الضغط الحراري (رويترز)
إبيضاض الشعاب المرجانية يعني أن تفقد لونها تحت الضغط الحراري (رويترز)

قالت خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، يوم الخميس، إن درجة حرارة المحيطات سجلت مستوى قياسيا في فبراير (شباط)، ليبلغ متوسط ​​درجة حرارة سطح البحر عالميا 21.06 درجة مئوية.

وتخطى هذا المتوسط ​الرقم القياسي السابق البالغ 20.98 درجة مئوية، والمسجل في أغسطس (آب) 2023، وفق بيانات يعود رصدها إلى عام 1979. وجاء الرقم القياسي البحري المثير للقلق خلال فبراير (شباط) الأكثر سخونة أيضا.وحذر علماء بحار هذا الأسبوع من احتمال وقوع رابع حدث عالمي لإبيضاض واسع النطاق للشعاب المرجانية في نصف الكرة الجنوبي نتيجة ارتفاع درجة حرارة المياه والذي قد يكون الأسوأ في تاريخ الكوكب، وفقا لوكالة «رويترز».

ويفقد المرجان لونه تحت الضغط الحراري الذي يطرد الطحالب الملونة المفيدة التي تعيش في أنسجة الشعاب ويتركها هيكلا عظميا شاحبا. وهذا قد يؤدي إلى انهيار النظم البيئية الهشة للشعاب المرجانية لتترك السواحل دون حماية من عوامل النحر والعواصف ويضر بمصائد الأسماك.

ظاهرة النينيو

وتنتج زيادة الحرارة عن ظاهرة النينيو الناجمة عن ارتفاع حرارة مياه سطح البحر أكثر من المعتاد في شرق المحيط الهادي إلى جانب تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري.

وقال عالم المناخ ريتشارد آلان من جامعة ريدينج «الأكثر إثارة للدهشة هو أن درجات حرارة سطح البحر وصلت إلى مستويات قياسية في مناطق بعيدة عن مركز ظاهرة النينيو، مثل المنطقة الاستوائية من المحيط الأطلسي والمحيط الهندي».

وأضاف أن هذا يشير إلى التأثير القوي لارتفاع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.ويستثني المتوسط ​​العالمي لدرجة حرارة سطح البحر المحيطات القطبية لكن الأمور في هذه المحيطات في حالة سيئة أيضا.

فقد وصل الجليد البحري في القطب الجنوبي إلى الحد الأدنى السنوي في شهر فبراير (شباط)، مسجلا ثالث أدنى مستوى له، منكمشا 28 بالمئة عن المتوسط.

وقالت خدمة كوبرنيكوس إن ظاهرة النينيو تضعف الآن في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادي، لكن درجات حرارة الهواء فوق المحيطات ما زالت عند مستوى مرتفع استثنائيا.


تحذير: القطب الشمالي قد يشهد أول يوم «خالٍ من الجليد» خلال سنوات

الجليد في القطب الشمالي يذوب خلال أشهر الصيف مما يقلل من مساحة المحيط المتجمد (رويترز)
الجليد في القطب الشمالي يذوب خلال أشهر الصيف مما يقلل من مساحة المحيط المتجمد (رويترز)
TT

تحذير: القطب الشمالي قد يشهد أول يوم «خالٍ من الجليد» خلال سنوات

الجليد في القطب الشمالي يذوب خلال أشهر الصيف مما يقلل من مساحة المحيط المتجمد (رويترز)
الجليد في القطب الشمالي يذوب خلال أشهر الصيف مما يقلل من مساحة المحيط المتجمد (رويترز)

كشف باحثون أن القطب الشمالي قد يشهد أول أيام الصيف «الخالية من الجليد»، مع غطاء قليل جداً من الجليد البحري، في السنوات القليلة المقبلة.

يذوب الجليد في القطب الشمالي خلال أشهر الصيف، مما يقلل من مساحة المحيط المتجمد، ثم يزداد مرة أخرى خلال أشهر الشتاء، وفقاً لصحيفة «إندبندنت».

ولكن الغطاء الجليدي آخذ في الانحدار نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، وهناك توقعات بشأن الموعد الذي قد يصبح فيه المحيط المتجمد الشمالي «خالياً من الجليد» في شهر سبتمبر (أيلول)، عندما يصل إلى الحد الأدنى من اتساعه في نهاية الصيف.

لا يعني الخلو من الجليد أنه لن يكون هناك جليد، ولكن يُعرِّف العلماء الأمر بأنه منطقة بها أقل من مليون كيلومتر مربع من الغطاء الجليدي، أي 20 في المائة فقط من متوسط الحد الأدنى للغطاء الجليدي في الثمانينات.

سيكون لمثل هذه الظروف مجموعة من التأثيرات، بدءاً من زيادة الاحترار عن طريق تقليل قدرة الجليد الأبيض على عكس الحرارة، إلى الضغط على الحياة البرية مثل الدببة القطبية، والتسبب في انتقال أنواع جديدة من الأسماك إلى المحيط المتجمد الشمالي، وزيادة في النشاط البشري، مثل الشحن.

وحللت الدراسة التي أجرتها جامعة كولورادو بولدر في الولايات المتحدة، الأدبيات الموجودة حول توقعات الجليد البحري، وبيانات تغطية الجليد البحري من النماذج المناخية، لمعرفة كيف يمكن أن يتغير القطب الشمالي يومياً في المستقبل.

وقالت الدراسة التي نشرت في مجلة «Nature Review Earth and Environment» إن أقرب سبتمبر خالٍ من الجليد يمكن أن يحدث في عشرينات وثلاثينات القرن الحالي، في ظل جميع السيناريوهات المتعلقة بكمية الغازات الدفيئة التي يطلقها البشر في الغلاف الجوي، ومن المرجح أن يبرز الأمر بحلول عام 2050.

وقال الباحثون إن جميع التوقعات السابقة بشأن القطب الشمالي الخالي من الجليد تركز على متوسط الظروف الشهرية لشهر سبتمبر؛ لكن تحليلهم يظهر أن ذلك يمكن أن يحدث على أساس يومي، وليس على مدار الشهر كله قبل سنوات.

وأوضحت ألكسندرا جان، الأستاذة المشاركة في علوم الغلاف الجوي والمحيطات في جامعة كولورادو بولدر: «عندما يتعلق الأمر بإبلاغ ما يتوقع العلماء حدوثه في القطب الشمالي، فمن المهم التنبؤ بالموعد الذي قد نلاحظ فيه أول ظروف خالية من الجليد في القطب الشمالي، والتي سوف تظهر في بيانات الأقمار الاصطناعية اليومية».

ووجد الباحثون أن أول ظهور للظروف اليومية الخالية من الجليد، من المتوقع أن يحدث في المتوسط قبل 4 سنوات من شهر سبتمبر كله.

وأفادت الدراسة بأن هذا يعني أن الظروف الخالية من الجليد في عمليات الرصد اليومية عبر الأقمار الاصطناعية يمكن أن تحدث حتى في وقت أبكر مما كانت عليه في النماذج الشهرية، وربما في عشرينات القرن الحالي.

وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن القطب الشمالي قد يكون خالياً من الجليد في كثير من الأحيان، في سبتمبر، بين عامي 2035 و2067 في ظل سيناريوهات ذات انبعاثات غازات دفيئة عالية، مع احتمال حدوث تأخير بسيط وسط سيناريوهات الانبعاثات الأقل.


مأساة زراعية في صقلية بسبب موجات الجفاف

جفاف في صقلية (أ.ف.ب)
جفاف في صقلية (أ.ف.ب)
TT

مأساة زراعية في صقلية بسبب موجات الجفاف

جفاف في صقلية (أ.ف.ب)
جفاف في صقلية (أ.ف.ب)

أعلنت صقلية حالة الطوارئ في فبراير (شباط) بسبب الجفاف، نظراً إلى أن الأمطار التي طال انتظارها بعد صيف حارق لم تهطل في الشتاء على الجزيرة المتوسطية التي كانت تُعدّ أهراء العالم القديم في زمن الإغريق ثم الرومان.

«الوضع مأساوي»... بهذا الكلام تصف ماريلينا باريكا المشهد وهي تتأمل تلال مادوني في شرق باليرمو، والتي تحولت مراعيها الخصبة إلى ما يشبه سجادة صفراء. حتى إن التبن في المكان بات ذا نوعية رديئة لدرجة أن الأبقار لم تعد تأكله.

وخارج صقلية، يؤثر هذا الوضع في غرب البحر الأبيض المتوسط برمّته، من شمال أفريقيا إلى إسبانيا، بما في ذلك المناطق الإيطالية الأخرى مثل جزيرة سردينيا.

وبسبب تغير المناخ، من المتوقع أن تصبح موجات الجفاف أكثر تواتراً في صقلية، وكذلك الأمطار الغزيرة وموجات الحرّ.

وأدت العواصف التي اجتاحت صقلية خلال موسم حصاد التبن في ربيع 2023 إلى إتلاف الأعلاف، ما أدى إلى ظهور سموم خطرة على الماشية. ومذاك، لم تهطل أي أمطار تقريباً، وبالتالي لا يوجد تبن ليحل محله.

أبقار مسمومة

ماريلينا، البالغة 47 عاماً، تدير مزرعتها مع شقيقتها، وتنفق ما يقرب من 3 آلاف يورو شهرياً لشراء العلف الذي لم تكن قادرة على إنتاجه بنفسها.

وفي غياب التبن عالي الجودة لاستخدامه في تغذية المواشي، فإن الأمر يرتبط بالنسبة لها بالحفاظ على أبقارها البالغ عددها 150 على قيد الحياة: إذ تنتج الحيوانات حالياً ما بين 17 إلى 18 لتراً فقط من الحليب، مقارنة بـ27 إلى 30 لتراً عادةً.

وتقول ماريلينا، وهي طبيبة بيطرية أيضاً، إن أبقار زملائها تسممت بسبب الأعلاف الفاسدة و«لا يمكن أن تنجب عجولاً، وتتعرض لحالات سقوط حمل تلقائي وينتهي بها الأمر في المسلخ أو حتى تفارق الحياة قبل ذلك».

وتأسف قائلة: «علينا أن نستورد علفاً عالي الجودة، لكن تكاليفه باهظة للغاية».

وسجلت صقلية 8 أشهر من «الجفاف شبه الكامل»، وفق مرصد الموارد المائية. ولن يكون للأمطار القليلة التي هطلت في الأيام الأخيرة سوى تأثير محدود أو معدوم.

ووفق وكالة الأرصاد الجوية الإقليمية، كان النصف الثاني من عام 2023 الأكثر جفافاً منذ أكثر من قرن، في حين كانت الجزيرة قد شهدت بالفعل درجة حرارة قياسية على المستوى الأوروبي في عام 2021، عند 48.8 درجة مئوية.

وبسبب عدم قدرتها على ملء خزاناتها، اضطرت صقلية إلى تقنين المياه في عشرات المدن في الجزيرة، ما أثر على حقول القمح وبساتين البرتقال والزيتون.

يسحق فيتو أمانتيا (67 عاماً)، كتلاً من الأرض المتربة بيديه، باحثاً من دون جدوى عن آثار البذور التي زُرعت في نوفمبر (تشرين الثاني)، «والتي كان من المفترض أن تكون قد أنتجت نباتات بطول 50 سنتيمتراً».

ولا تزال القناة الإقليمية القريبة من أرضه متوقفة عن العمل، رغم سنوات من أعمال الصيانة.

وفي بستانه للبرتقال، الذي يستفيد من التربة البركانية الخصبة بالقرب من جبل إتنا، لم يعد يُرى سوى ثمار أصغر بكثير من المعتاد أو أخرى ذابلة على الأغصان.

يقول هذا الممثل المحلي لمنظمة «كولديريتي»، وهي الجهة التمثيلية الرئيسية لمشغّلي الأراضي الزراعية في إيطاليا: «لا أذكر، وأنا في عمر السبعين عاماً تقريباً، أنني رأيت شيئاً مشابهاً في ما مضى، أو سمعت أن والدي أو جدي اضطُرا لمواجهة ما يشبه هذا الوضع».

ووفقاً له، فإن 30 في المائة من منتجي الليمون في منطقة كاتانيا، ثانية أكبر مدن صقلية، معرضون لخطر الإفلاس.

القيظ آتٍ

ويقول منسق مرصد كوبرنيكوس الأوروبي أندريا توريتي لوكالة الصحافة الفرنسية: «ما يقلقنا حقاً هو أن توقعاتنا للأشهر الثلاثة المقبلة بالنسبة للبحر الأبيض المتوسط تشير إلى درجات حرارة أعلى كثيراً من المعتاد».

ويواجه نحو 70 في المائة من أراضي صقلية خطر التصحر، ليس فقط بسبب انحباس الأمطار فترات طويلة، ولكن أيضاً بسبب التوسع الحضري غير المنضبط وهدر المياه، وفق مرصد الموارد المائية.

وقد أتلفت صقلية 95 في المائة من أراضيها الرطبة على مدى السنوات المائة والخمسين الماضية لتحويلها إلى أراضٍ زراعية أو بناء، على الرغم من دورها الرئيسي في منع الجفاف.

وتخطط المنطقة لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي لمساعدة المزارعين، لكنّ مجموعات بيئية تحذر من أن كثيراً من محطات معالجة مياه الصرف الصحي لا تستوفي المتطلبات المفروضة بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي.

إضافة إلى ذلك، تُفقد 52 في المائة من المياه المتداولة في شبكة إمدادات المياه السائلة في صقلية بسبب عمليات التسرب، وفق المعهد الوطني للإحصاء.

يقول فيتو أمانتيا بمرارة: «إن صقلية نائمة منذ 30 عاماً. وهذا الجفاف هو نتيجة الإهمال».


الذكاء الاصطناعي يغير المشهد أيضاً في قطاع الزراعة

من معرض باريس الزراعي (رويترز)
من معرض باريس الزراعي (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يغير المشهد أيضاً في قطاع الزراعة

من معرض باريس الزراعي (رويترز)
من معرض باريس الزراعي (رويترز)

سبق للذكاء الاصطناعي أن دخل إلى عالم المزارع لتحليل صور الأعشاب الضارة مثلاً، أو سلوك الأبقار في الحظيرة، لكنّ الجديد في معرض باريس الزراعي هو بروز أشكال «توليدية» من هذا الذكاء تتيح المعالجة السريعة لبعض المشاكل.

في تقرير لوكالة «الصحافة الفرنسية»، يتساءل سيدريك، وهو مزارع بجنوب غربي فرنسا: «هل يمكن للذكاء الاصطناعي (...) أن يخبرنا متى يمكن نشر السماد؟»، مع «احترام القواعد المتعلقة بالمناطق المعرضة للخطر».

أما لورانس، وهي مربية مواشٍ في منطقة مايين، فتسأل: «هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدد بصورة كمية حجم غزو القراد؟»، بينما يرغب برونو في معرفة ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يبلغه بنوع المساعدة التي يمكنه المطالبة بها بالنظر إلى إنتاجه ووضعه الاقتصادي.

هذه عينة من الأسئلة التي طُرحت على فرق التطوير، في الموقع وعن بُعد، في بداية حدث استمر يومين تم في إطار معرض باريس الزراعي خلال الأيام الماضية.

وقد تُرك لعلماء المعلوماتية هؤلاء، وهم طلاب آتون من شركات ناشئة أو مجموعات كبيرة في القطاع الزراعي مثل شركة التأمين «غروباما» (Groupama)، مهمة تقديم إجابات باستخدام قواعد البيانات وأداة مصنعة من شركة «ميسترال» الفرنسية حديثة النشأة. وتسعى هذه الأخيرة إلى تحقيق مكانة لها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو ما تأخر بفعل ظهور «تشات جي بي تي» في نهاية عام 2022، مع ما تملك هذه البرمجية من قدرة على تقديم إجابات مفصلة في بضع ثوانٍ.

يقول دافيد جولان، القائم على العملية: «كانت المشروعات ناجحة إلى حد ما، لكنهم تمكنوا جميعاً من إنشاء واجهات أذهلتنا».

ويوضح أن فرقاً عدة اقترحت حلولاً تهدف إلى تحسين دوران المحاصيل أو أتمتة المهام التنظيمية.

وثمة برمجيات موجودة بالفعل في هذه المجالات، يستخدم كثير منها الذكاء الاصطناعي، ولكن «استغرق تطويرها أشهراً عدة، بل سنوات. أما مع الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد أصبح الأمر يحصل بصورة مباشرة»، بحسب دافيد جولان.

وتُعدّ هذه التكنولوجيا، وفق جولان، واعدة في كل ما يتعلق بالجزء التنظيمي أو في تقديم المشورة للمزارعين. ويؤكد أن الأمر لا يتعلق باتخاذ القرارات بالنيابة عنهم، بل «بتخفيف العبء الإداري والذهني» عليهم.

وفي الوقت نفسه، تعمل طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على تسريع التقدم التقني في قوة بطاقات الرسومات، ما يفيد جميع الحلول الرقمية، بحسب دافيد جولان.

يد عاملة

بين الطقس، وصور النباتات، والمعلومات عن التربة، وعلم الوراثة، ومراقبة الأمراض، كانت الزراعة دائماً مصدراً وفيراً للبيانات، وغالباً ما تكون حية وبالتالي متقلبة، على ما تقول سليمة الطيبي، إحدى مديرات الماجستير في إدارة البيانات الزراعية والغذائية بمعهد «أونيلاسال» (UniLaSalle) للفنون التطبيقية.

وقد ازدادت هذه الوفرة بفعل تكاثر أجهزة الاستشعار أو المجسات أو المسيّرات أو صور الأقمار الاصطناعية أو الكاميرات في المزارع.

وتقول الطيبي إن كل هذه البيانات «تحتاج إلى معالجة»، عادّة أن الزراعة كانت «القوة الدافعة للذكاء الاصطناعي» في هذا الصدد، وتمكنت من تطوير كثير من أدوات المساعدة في صنع القرارات.

من هنا، ينبغي تقدير المياه المتوافرة في الأرض خلال الأيام السبعة المقبلة من خلال الجمع بين المعلومات التاريخية والفورية الخاصة بأجهزتها مع توقعات الطقس المحلية.

ويوضح مدير المبيعات ماتيو غودار لمزارع فضولي: «هذا ليس سحراً، لكنه يجلب كثيراً من الراحة بمجرد النظر إلى الهاتف الذكي».

فإذا كان من المتوقع هطول أمطار بمعدل 40 ملليمتراً خلال يومين على سبيل المثال، فلن تكون هناك حاجة للري. يتم توفير الماء والطاقة اللازمة لتشغيل المضخات، وإذا كانت قطعة الأرض تبعد 10 كيلومترات، فيمكن للمزارعين توفير الوقت أيضاً.

من معرض باريس الزراعي (رويترز)

توجد أيضاً حلول في مجال تربية المواشي مثل برنامج «إيه آي هيرد» (AI Herd) الذي، من خلال كاميرات مثبتة في السقف، يحلل سلوك الأبقار ويمكنه اكتشاف أي مشكلات.

وفي الحقول، يمكن لمجرفة «ستاوت» (Stout) الذكية أن تميز نبات الخس عن الأعشاب الضارة وتستهدف الأخيرة فقط، كما يقول تييري لو بريكييه، المسؤول عن قسم زراعة الفاكهة والخضراوات في شركة تصنيع الآلات الزراعية «سي إن إتش إنداستريال» (CNH Industrial)، وهي من المساهمين في «ستاوت».

ويقول: «نحن بحاجة إلى تغيير ممارساتنا الزراعية، من حيث استخدام المياه والمدخلات وإمكانية التتبع التي يطلبها الزبائن»، وهو ما يسهّله هذا النوع من الأدوات الموجهة بالذكاء الاصطناعي.

وهناك ميزة أخرى، بحسب قوله، لهذه الآلات التي تقوم تلقائياً بمهام صعبة، إذ «يمكننا أيضاً الاستجابة لصعوبات التوظيف».


جمعية الأمم المتحدة للبيئة ترسم مساراً لمستقبل مستدام

جانب من جلسة مجموعة النقاش الأولى (ENB)
جانب من جلسة مجموعة النقاش الأولى (ENB)
TT

جمعية الأمم المتحدة للبيئة ترسم مساراً لمستقبل مستدام

جانب من جلسة مجموعة النقاش الأولى (ENB)
جانب من جلسة مجموعة النقاش الأولى (ENB)

اختتمت الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة (UNEA-6) أول من أمس اجتماعاتها في المقر الرئيسي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في نيروبي، حيث ضمّت ممثّلين عن مجمل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وحضر عدد غير مسبوق من المندوبين تجاوز الخمسة آلاف من 193 بلداً. وباعتبارها أعلى هيئة لصنع القرار البيئي في العالم، ركّزت الجمعية على تحقيق التوافق حول إجراءات فعّالة وشاملة ومستدامة، لمعالجة التحدي الثُّلاثي الأبعاد، المتمثل في تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي والتلوُّث. ولحَظت في قراراتها مجموعة من القضايا البيئية الشائكة، بما فيها الحلول القائمة على الطبيعة وتدهور الأراضي والجفاف والعواصف الرملية والغبارية والمبيدات الحشرية الشديدة الخطورة، إلى جانب الإجراءات العملية لتنفيذ تدابير الحدّ من التلوُّث بالبلاستيك. واستقطبت المعاهدات البيئية الدولية نقاشات حادة، خاصة تلك المعنية بتغيُّر المناخ والتصحر والتنوُّع البيولوجي والنفايات الخطرة. فللمرة الأولى يُطرَح موضوع وضع آلية لتعزيز التنسيق بينها، في إطار دور أكبر لجمعية الأمم المتحدة للبيئة. وقد تخوّفت الأمانات العامة لهذه المعاهدات من أن تخسر بعضاً من استقلاليتها إذا تنازلت عن جزء من صلاحياتها. لكن التسوية الوسطية كانت الغالب في النهاية.

رئيسة الدورة السادسة الوزيرة المغربية ليلى بنعلي تُعلن المصادقة على جدول الأعمال (ENB)

تقييم ورؤية استشرافية

لم تكن اجتماعات نيروبي لتقييم التقدم المُنجَز فقط وإنما أيضاً لصياغة مستقبل العمل البيئي. وقد نظر ممثّلو الدول والمنظمات الدولية والمجموعات الرئيسية في التقارير المتعلقة بتنفيذ القرارات السابقة، بما في ذلك متابعة وضع اتفاق مُلزم قانوناً لإنهاء التلوُّث البلاستيكي بموجب القرار الذي اتخذته جمعية الأمم المتحدة للبيئة قبل سنتين. وكان هذا النهج بمثابة شهادة على التزام الجمعية بالبناء على التعهدات السابقة وضمان التقدم المستمر في القضايا البيئية الحاسمة.

وتُعد جمعية الأمم المتحدة للبيئة، التي تنعقد دورياً كل سنتين، بمثابة منصة حيوية لتعزيز التعاون الدولي عبر المناقشات والمداخلات المتعلقة بالسياسات البيئية الدولية الفعالة وهياكل الإدارة. وقد تمّت مراجعة المقترحات الخاصة بهذه السياسات في البداية من قِبل اللجنة المفتوحة العضوية للممثّلين الدائمين للدول، قبل تقديمها إلى الجمعية، بحيث تعكس إجماعاً عالمياً بشأن التوجهات المستقبلية. ومنذ تأسيسه عام 1972 حتى 2014، كانت السلطة العليا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) بيد «المجلس الحاكم»، المؤلف من 58 دولة تنتخبها الجمعية العمومية للأمم المتحدة دورياً. وكان إقرار التحوُّل من «مجلس حاكم» إلى «جمعية البيئة» عام 2014 بمثابة تسوية أعقبت مطالبات بالتحوُّل من «برنامج» إلى منظمة دولية مستقلة. لكن رغم التحوُّل من مجلس حاكم إلى جمعية عامة تضم جميع الدول، ما زال «يونيب» تحت سلطة الأمانة العامة للأمم المتحدة.

وفي هذه السنة، ناقشت الجمعية نحو 20 قضية تخصّ العمل البيئي المشترك عبر خمس مجموعات عمل. وكانت حصّة مجموعة العمل الأولى قضايا المبيدات الحشرية الشديدة الخطورة، والإدارة السليمة للمواد الكيميائية والنفايات، وتعزيز التعاون الإقليمي بشأن تلوُّث الهواء لتحسين نوعيته على مستوى العالم، ومكافحة العواصف الرملية والترابية، وتعديل الإشعاع الشمسي لضمان موثوقية وشفافية مبادرات هندسة تغيُّر المناخ.

وبرزت النقاشات حول قرار يخص تلوُّث الهواء، الذي يتسبب بنحو سبعة ملايين وفاة حول العالم سنوياً، اعتماداً على وثيقة اقترحتها الولايات المتحدة. وتدعو الوثيقة الدول الأعضاء لاتخاذ إجراءات مختلفة لتحسين نوعية الهواء، مثل وضع المعايير الوطنية، وزيادة الوعي، والعمل مع القطاع الخاص، وتبادل الخبرات. وتقترح تشكيل شبكة تعاون عالمية للتعاون الإقليمي في مجال نوعية الهواء مع الدول الأعضاء والشركاء ومنظمات التمويل، وتنفيذ عدة إجراءات لدعم الشبكة.

مظاهرة للمجتمع المدني على أبواب المؤتمر تربط بين وقف الحرب والإبادة في غزة وحماية البيئة (ENB)

واستندت الوثيقة الخاصة بمكافحة العواصف الرملية والترابية، التي قدمتها إيران، إلى قرارات سابقة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة عدّت هذا النوع من العواصف تحدياً خطيراً للتنمية المستدامة، ودعت إلى العمل المنسّق والتعاون بين أصحاب المصلحة المعنيين. وتطلب الوثيقة من المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) دعم الدول الأعضاء والشركاء الآخرين في التصدي لتحديات العواصف الرملية والترابية من خلال تحديد فجوات البيانات والمعلومات، وأنشطة زيادة الوعي، والسياسات والتدابير الأخرى. كما تدعو الوثيقة الدول الأعضاء إلى تبادل أفضل الممارسات والمعارف، وتعزيز التعاون، وإعداد وتنفيذ البرامج وخطط العمل، ومعالجة العواصف الرملية والترابية من خلال التدخلات المتكاملة.

أما القضايا على جدول أعمال المجموعة الثانية فشملت تعزيز الجهود الدولية لوقف تدهور الأراضي واستصلاح الأراضي المتدهورة وزيادة قدرة النظم الإيكولوجية والمجتمعات المحلية على مواجهة الجفاف، وتطوير المعايير والقواعد والمقاييس والمبادئ التوجيهية لتنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة لدعم التنمية المستدامة، وتعزيز إدارة المحيطات والبحار لمعالجة تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي البحري والتلوُّث، وتنفيذ حلول فعالة وشاملة لتعزيز سياسات المياه لتحقيق التنمية المستدامة في سياق تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي والتلوُّث.

وتحثّ الوثيقة الخاصة بمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، التي بادرت لاقتراحها السعودية، الدول الأعضاء على تنفيذ سياسات وبرامج لمكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي، واستعادة الأراضي المتدهورة، وتعزيز الإدارة المستدامة للأراضي، والمساهمة في تحييد تدهور الأراضي، وتعزيز القدرة على التكيُّف مع الجفاف. وتطلب الوثيقة من المدير التنفيذي تيسير تبادل المعرفة والبيانات والموارد، وتعزيز التعاون والتآزر في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.

جانب من الجلسة الختامية لجمعية الأمم المتحدة العمومية للبيئة في نيروبي مساء الجمعة (ENB)

ولحظت قضايا المجموعة الثالثة دعم العمل الوطني لمواجهة التحديات البيئية من خلال زيادة التعاون بين جمعية الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) والاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف، وتعزيز دور واستمرارية المنتديات الوزارية البيئية الإقليمية والمكاتب الإقليمية في تحقيق التعاون المتعدد الأطراف في التصدي للتحديات البيئية، وتعزيز النهج التآزري لمعالجة الأزمات العالمية المترابطة المتمثّلة في تغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي والتلوُّث، إلى جانب دعم التنمية المستدامة، وإجراءات متعددة الأطراف فعالة وشاملة ومستدامة لتحقيق العدالة المناخية.

وشملت قضايا المجموعة الرابعة تكثيف الجهود لتسريع التحوُّل محلياً وإقليمياً وعالمياً إلى الاقتصادات الدائرية، والجوانب البيئية للمعادن والفلزات، والمساعدة البيئية والتعافي في المناطق المتضررة من النزاعات المسلحة، والتغييرات السلوكية نحو أنماط الحياة المستدامة، ودائرية صناعة قصب السكر المرنة والمنخفضة الكربون. فيما ضمّت قضايا المجموعة الخامسة تعديلات على وثيقة إنشاء صندوق البيئة العالمي المُعاد هيكلته، وجدول الأعمال المؤقت وموعد ومكان انعقاد الدورة السابعة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، وإدارة الصناديق الائتمانية والمساهمات المخصصة.

مقاربة متعددة الأوجه

إلى جانب مناقشات السياسات، قامت الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة بتيسير الحوار والمشاركة في مسائل التعاون الأخرى، ما يدل على التزامها بنهج متعدد الأوجه للعمل البيئي. واستعرضت الجمعية خطة عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) وميزانيته، لضمان توافق موارد المنظمة مع التحديات البيئية الأكثر إلحاحاً.

وإدراكاً لأهمية الشمولية والمسؤولية المشتركة لمعالجة الأزمة الكوكبية الثُّلاثية الأوجه، المتمثّلة بتغيُّر المناخ وخسارة الطبيعة والتنوُّع الحيوي والتلوُّث، استضافت الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة حوارات مخصصة تتناول المسائل الحاسمة بهدف عقد محادثات مثمرة واستكشاف الحلول المحتملة لبعض التحديات البيئية الأكثر إلحاحاً في عصرنا. وناقش الخبراء وأصحاب المصلحة فعالية العِلم والبيانات والتحوُّل الرقمي في تسريع عملية الانتقال إلى مستقبل أكثر استدامة.

كما استكشف الخبراء دور النظام المالي العالمي في المعالجة الفعالة لتغيُّر المناخ وفقدان التنوُّع البيولوجي والتلوُّث، مع تسليط الضوء على الحاجة إلى آليات مالية مبتكرة لدعم العمل البيئي. وجرَت هذه الحوارات بأسلوب نقدي لتقييم أثر التشاركية البيئية في معالجة الأزمة الكوكبية الثُلاثية، وذلك بهدف الوصول إلى آلية لتعزيز التعاون الدولي وتسريع التقدم.

وركّز الحوار بين أصحاب المصلحة المختلفين على تعزيز التعددية التي لا تهمل أحداً، مع تسليط الضوء على الدور الحيوي للمجموعات الرئيسية وأصحاب المصلحة، من مجتمع مدني وأكاديمي وقطاع خاص وسكان أصليين، في التوصل إلى حلول فعالة وفي الوقت المناسب. ومن خلال الجمع بين وجهات نظر وخبرات متنوعة، شددت الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة على أهمية العمل التعاوني والمسؤولية المشتركة في التصدي للتحديات العالمية المعقدة.

ويعكس الإعلان الوزاري في ختام الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة اتفاقاً على الخطوط العريضة للقضايا التي جرت مناقشتها، مع الإقرار بأهمية التنمية كأولوية والأخذ بعين الاعتبار منفعة الجميع. ويؤكد الإعلان إقرار إجراءات مشتركة تخصّ تغيُّر المناخ، وفقدان التنوُّع البيولوجي، وتدهور الأراضي، والتصحر والجفاف، وخسارة الغابات، والتحوُّل العادل والمستدام نحو الطاقة النظيفة، والإدارة المستدامة للمعادن والفلزات، والتلوُّث البلاستيكي، وتلوُّث الماء والهواء، وإدارة المواد الكيميائية، وإدارة مخاطر الكوارث، وتمكين الجميع من المشاركة في صنع القرار البيئي.

ويؤكد الإعلان على الاستفادة من التحوُّلات الرقمية كأداة تمكينية لدعم الاقتصادات والمجتمعات المستدامة، من خلال سدّ الفجوات الرقمية الحالية، وتحسين البحث والابتكار والمساواة في الوصول إلى المعلومات البيئية وتسخير التقنيات الناشئة ومراقبة كيفية تطورها من أجل الاستدامة، مع ضمان أن تظل الرقمنة شاملة ومنصفة ومستدامة.

وتقدِّم المناقشات والقرارات وأوجه التعاون الرئيسية التي أقرّتها الدورة السادسة خريطة طريق قيّمة لمعالجة التحديات البيئية الملحّة التي تواجه كوكبنا. فنجاح الجمعية لا يكمن في القرارات المتخذة فحسب، بل أيضاً في روح التعاون الدولي المتجددة التي عززتها. ومن خلال تعزيز التعاون الدولي والعمل الجماعي، يمكن بناء مستقبل أفضل يوفّر متطلبات الأجيال القادمة ويضمن سلامة الكوكب.


الزراعة الحَضَرية... ممارسة خضراء وبصمة كربونية مرتفعة

الزراعة الحضرية في حدائق المشاعات المشتركة (شاترستوك)
الزراعة الحضرية في حدائق المشاعات المشتركة (شاترستوك)
TT

الزراعة الحَضَرية... ممارسة خضراء وبصمة كربونية مرتفعة

الزراعة الحضرية في حدائق المشاعات المشتركة (شاترستوك)
الزراعة الحضرية في حدائق المشاعات المشتركة (شاترستوك)

تشكّل الزراعة الحَضَرية التي يمارسها أكثر من 800 مليون شخص داخل المدن، جانباً محورياً في النظام الغذائي العالمي، وهي تحمل غالباً راية الاستدامة والانسجام مع البيئة. ومع ذلك، تشكّك دراسة صدرت مؤخراً في الصورة المثالية للزراعة في المدن، وتكشف عن بصمة كربونية للمزارع الحَضَرية أعلى من المتوقع، مقارنة بنظيراتها التقليدية.

الزراعة الحَضَرية وتغذية مليار إنسان

تشمل الزراعة الحضرية أشكالاً مختلفة من الأنشطة الزراعية داخل المناطق الحَضَرية وما يحيط بها. وهي تضمّ الزراعات في الأفنية الخاصة، وحدائق المشاعات المشتركة، وحدائق الأسطح، والزراعات المائية «هيدروبونيكس وأكوابونيكس»، والزراعة العمودية الداخلية. وتكون هذه الزراعات عادة قائمة على الأرض أو مدمجة في المبنى، مع أو من دون تكييف المكان المخصص لها.

وتسلّط كثير من الدراسات الضوء على المساهمات المحتملة للزراعة الحَضَرية في تغذية سكان الحَضَر من المستوى المحلي إلى المستوى العالمي. وتُظهر على سبيل المثال قدرة الزراعة الحَضَرية على تغذية نحو مليار شخص، أي ثلث إجمالي سكان الحَضَر. وتستطيع الزراعة الحَضَرية أن تلبّي الطلب على الخضراوات لسكان الحَضَر، والتي تُعد عنصراً أساسياً في النظام الغذائي الصحي؛ حيث إن استهلاكها أقل من القيمة الموصى بها في جميع أنحاء العالم تقريباً، وقد تكون الزراعة الحَضَرية أداة لسدّ هذه الفجوة.

وتؤمّن الزراعة الحَضَرية حالياً نحو 5 إلى 10 في المائة من إنتاج الغذاء العالمي، مع حصة أكبر في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. كما توفّر خدمات متعددة للنظام البيئي تصل قيمتها إلى 33 مليار دولار سنوياً، وتشمل خدمات إنتاج الغذاء، وتوفير الطاقة، وعزل النيتروجين، وتجنُّب جريان مياه الأمطار. وفي سيناريو الزراعة الحَضَرية المكثّفة، يمكن أن تصل القيمة الإجمالية لهذه الخدمات إلى ما يتراوح بين 80 و160 مليار دولار سنوياً.

إلى جانب الخدمات المذكورة سابقاً، يمكن للزراعة الحَضَرية أن تحقق فوائد اجتماعية واقتصادية وبيئية متنوعة، بما في ذلك تنمية المجتمع وتعزيز فرص التعليم. ومع ذلك، يظلّ تطبيق هذه الفوائد موضوعاً للنقاش؛ لأنها تعتمد على عوامل مختلفة كالمنطقة والموسِم والمحصول.

وتُعد الزراعة الحَضَرية من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية للأُسر الفقيرة في كثير من البلدان المنخفضة الدخل. وإلى جانب كونها مصدراً للدخل، فهي تساهم في تخفيف تأثير صدمات الاستهلاك الغذائي الموسمي. وتبقى هذه الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للزراعة الحَضَرية غير نمطية، بسبب اعتمادها على المنطقة وشكل الزراعة المستخدمة. وعلى سبيل المثال، تواجه الزراعة الحَضَرية الأرضية ضغوطاً من الزحف العمراني. ومع ذلك، تشهد بعض المناطق الحَضَرية أيضاً نهضة زراعية مع زيادة حصة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي. ويمكن للزراعة الحَضَرية أن تُنتِج بشكل أساسي الخضراوات الورقية والأعشاب التي تكون باهظة الثمن غالباً، وبعيدة عن متناول الأُسر الفقيرة.

البصمة الكربونية للزراعة الحَضَرية

تساهم الزراعة الحَضَرية في التكيُّف مع تغيُّر المناخ والتخفيف من آثاره. ومن خلال تشجيع إضفاء الطابع الإقليمي على النظم الغذائية، تساعد الزراعة الحضرية على إعادة ربط سكان الحَضَر بدورات الطبيعة وتقلل انبعاثات نقل الأغذية. ومع ذلك، تبقى قدرة الزراعة الحَضَرية الإجمالية على خفض الانبعاثات موضع تساؤل، ويرجع ذلك أساساً إلى متطلبات تخصيص المساحات ذات البنية التحتية المكثّفة، والطلب المرتفع على الطاقة واستهلاك المياه.

وتكشف نتائج دراسة نشرتها دورية «نيتشر سيتيز» في شهر فبراير (شباط) الماضي، عن زيادة بمقدار ستة أضعاف في متوسط البصمة الكربونية لكل وجبة فواكه أو خضراوات تكفي شخصاً واحداً جرَت زراعتها حَضَرياً؛ إذ بلغت الانبعاثات 420 غراماً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون للمزارع الحَضَرية، مقارنة بـ70 غراماً فقط للمزارع التقليدية.

وتعتمد الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة ميشيغان على بيانات 73 مزرعة حَضَرية في 5 بلدان. وبينما تسلّط الدراسة الضوء على الحاجة إلى التحسين، فإنها تكشف أيضاً عن حقيقة مهمة، هي وجود تباينات بين المزارع الحَضَرية داخل العيّنة ذاتها، مما يؤكد على أن تبنّي ممارسات محددة سينعكس بشكل كبير على التأثير البيئي لهذه المزارع.

ولاحظت الدراسة أن البنية التحتية المستخدمة في المزارع الحَضَرية تؤثّر بشكل كبير في متوسط بصمتها الكربونية. وغالباً ما تعتمد المزارع الحَضَرية على الأحواض الزراعية المرتفعة، وحاويات تخمير السماد العضوي، وغيرها من العناصر المبنية التي يكون عمرها الافتراضي أقصر بسبب واقع التنمية الحَضَرية. ويساهم نقل الأحواض الزراعية، وإعادة بناء الهياكل، إلى جانب اهتلاك المواد المستخدمة، في ارتفاع البصمة الكربونية.

وفي المقابل، كشفت الدراسة أن 17 مزرعة من أصل 73 مزرعة أظهرت بصمة كربونية أقلّ من المزارع التقليدية. وظهرت هذه البصمة المنكمشة مع محاصيل معيّنة، مثل محاصيل الطماطم والهليون المزروعة حَضَرياً في الهواء الطلق، وذلك بالمقارنة مع منتجات المزارع التقليدية التي يجري إنباتها عادة في دفيئات كثيفة الاستخدام للموارد، أو يجري شحنها على مسافات شاسعة لتصل إلى المدن.

وتقترح الدراسة عدّة استراتيجيات رئيسية لنقل الزراعة الحَضَرية نحو مستقبل أكثر استدامة، من بينها إطالة عمر المزرعة لضمان سداد البنية التحتية بصمتها الكربونية بمرور الوقت، من خلال استخدامها على نحو مستمر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لاستخدام المواد المستهلكة، كالعجلات والصناديق المهملة، أن يقلل من البصمة الكربونية المرتبطة بإنشاء البنية التحتية.

وتشجّع الدراسة على الزراعة الحَضَرية للمحاصيل التي يتم نقلها تقليدياً لمسافات طويلة، أو زراعتها في الدفيئات المستنزفة للموارد. ومن خلال اختيار مثل هذه المحاصيل وإنتاجها محلياً في المناطق الحَضَرية، يمكن تقليل البصمة الكربونية بشكل كبير. كما يتيح تدوير النفايات الحَضَرية، بتحويلها إلى سماد عضوي ومحسِّن للتربة، حلاً مستداماً لتقليل الاعتماد على الأسمدة المنتجة تجارياً، وتعويض تكاليف الكربون المرتبطة بالإنتاج والنقل.

إن العلاقة بين الزراعة الحَضَرية والبصمة الكربونية معقدة، مما يجعل فهم ديناميكيات الكربون في إنتاج الغذاء في المناطق الحَضَرية وتحسينها أمراً بالغ الأهمية في مواجهة تغيُّر المناخ. ومن خلال تبنِّي الممارسات المستدامة والبحث والتطوير، يمكن للزراعة الحَضَرية أن ترقى إلى مستوى وعدها بتوفير الغذاء وخفض الانبعاثات.