عمارة جنائزية أثرية بالفيوم تعكس تناغماً بين الفنين المصري والروماني

الاكتشاف الجديد أظهر ارتباطاً بين «جودة التحنيط» والمستوى الاجتماعي

جانب من الاكتشاف الأثري (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جانب من الاكتشاف الأثري (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

عمارة جنائزية أثرية بالفيوم تعكس تناغماً بين الفنين المصري والروماني

جانب من الاكتشاف الأثري (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جانب من الاكتشاف الأثري (وزارة السياحة والآثار المصرية)

عكس مبنى جنائزي أثري اكتشف حديثاً بالفيوم (دلتا مصر)، حجم «التناغم» بين الفنين المصري والروماني في العصور القديمة، فيما اعتبره آثاريون دليلاً على «تأثر» الفنان الروماني بعناصر الفن المصري القديم، واستمرار ملامح الطقوس المصرية في التحنيط والدفن في العصرين اليوناني والروماني.
وفي قرية جرزا بالفيوم، عثرت البعثة الأثرية المصرية على مبنى جنائزي أثري وصفته بـ«الضخم»، يعود تاريخه إلى العصرين البطلمي والروماني، إضافة إلى نماذج من «بورتريهات الفيوم».
وقال الدكتور عادل عكاشة، رئيس الإدارة المركزية للآثار المصرية في مصر الوسطى، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يميز الاكتشاف هو حجم التنوع في العمارة الجنائزية خلال العصرين اليوناني والروماني، على طول الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد، وحتى القرن الخامس ميلادياً»، مشيراً إلى أن «الاكتشافات عكست الاندماج والتناغم بين الفنين الروماني والمصري، من خلال تنوع طرز المقابر والدفنات».
وأوضح أن «المبنى المكتشف تم تشييده على طراز البيوت الجنائزية؛ حيث يتكون من أرضية من الملاط الجيري الملون والمزين ببلاطات متبادلة الألوان، ويتقدمه من الناحية الجنوبية سقيفة أعمدة عثر بداخلها على بقايا أربعة أعمدة».
وداخل إحدى الدفنات بالمبنى الجنائزي، عثرت البعثة الأثرية المصرية على تمثال وصفته بـ«النادر» للمعبودة أفروديت، مصنوع من التيراكوتا (الطين المحروق)، وموضوع داخل تابوت خشبي، إضافة إلى مجموعة من سجلات ورق البردي، مكتوبة بالخطين الديموطيقي واليوناني، تتحدث عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والدينية خلال تلك الفترة، حسب بيان صحافي من وزارة السياحة والآثار.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في إفادة رسمية، إن الكشف الأثري تم خلال موسم الحفائر العاشر للبعثة الأثرية المصرية العاملة بمنطقة جرزا بالفيوم، لافتاً إلى أن «الاكتشاف يوضح درجة التنوع والاختلاف في دقة وجودة التحنيط خلال تلك الفترة»، موضحاً أن «جودة التحنيط وطبيعة الدفنات كانت تختلف حسب المستوى الاقتصادي للمتوفى، من دفنات عالية الجودة إلى أخرى بسيطة».
ويرى الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن قرية جرزا تعتبر من «أهم» المواقع الأثرية التي تؤرخ لعصر ما قبل الأسرات، وحضارة نقادة الثانية، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القرية تقع عند مدخل الفيوم، وكانت لها أهمية في العصور القديمة»، لافتاً إلى «أهمية الكشف الأثري في إعطاء صورة عن شكل الحياة في تلك الفترة».
ويعود تاريخ إنشاء قرية جرزا إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت تعرف باسم «فيلادلفيا» خلال العصر اليوناني، واعتبرت قرية مركزية ضمن مشروع الاستصلاح الزراعي الذي نفذه الملك بطليموس الثاني (فيلادلفيوس) في إقليم الفيوم، بهدف تأمين مصادر الغذاء لمصر.
واعتبر عكاشة نماذج بورتريهات المومياوات، أو ما يعرف بـ«بورتريهات الفيوم»، «أهم» ما كشفته البعثة خلال موسم الحفائر الحالي، وقال إن «النماذج المكتشفة هي أول النماذج التي يتم العثور عليها منذ اكتشاف آخر بورتريهات بواسطة عالم الآثار الإنجليزي فلندرز بتري قبل أكثر من 115 عاماً».
وبورتريهات أو «وجوه الفيوم»، هي «استمرار لطرق الدفن والتحنيط المصرية القديمة، مع محاولة صبغها بطابع شخصي خلال العصر الروماني»، حسب عبد البصير، الذي يوضح أن «هذه الوجوه تؤكد على الطبيعة الفردية للمتوفى، حيث يرسم وجهه»، لافتاً إلى أن سبب إطلاق اسم «بورتريه» عليها هو أنها «تحمل صور المتوفى نفسه، وقد اكتشف منها 900 بورتريه، يعرض بعضها في مصر، والآخر في متاحف عالمية»، مؤكداً على «أهمية اكتشاف نماذج جديدة منها في قرية جرزا».
وتضمن الكشف الأثري مجموعة من التوابيت، بعضها اتخذ الشكل الآدمي، والآخر اعتمد الشكل اليوناني المزود بسقف جملوني، حسب الدكتور باسم جهاد، المشرف على وحدة التدريب المركزي ورئيس البعثة.
وبدأت البعثة المصرية أعمال الحفائر بموقع جرزا عام 2016، وعلى مدار السنوات الماضية كشفت عن مجموعة من اللقى الأثرية الثابتة والمنقولة، وعدد من المقابر التي تعكس التطور المعماري في الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الثالث الميلادي، والتي تمزج في العمارة والقطع الأثرية بين الحضارتين المصرية القديمة واليونانية. وأوضح جهاد أن «بين تلك النماذج 6 مقابر ضخمة مبنية بالطوب اللبن تمثل مقابر جماعية على طراز الكتاكومب (المصاطب)».
وأكد عكاشة أن «الحفائر مستمرة في منطقة جرزا للكشف عن مزيد من أسرارها»، لافتاً إلى أنها «منطقة واعدة تاريخياً وأثرياً».


مقالات ذات صلة

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

يوميات الشرق المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو إلى تحذير إسرائيل من تهديد الآثار اللبنانية.

ميشال أبونجم (باريس)

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
TT

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)

كشفت دراسة أميركية عن استراتيجية بديلة تلجأ إليها الخفافيش عندما تفقد قدرتها على السمع، وهي حاسة أساسية تستخدمها للتوجيه عبر تقنية الصدى الصوتي.

وأوضح الباحثون من جامعة جونز هوبكنز أن النتائج تثير تساؤلات في إمكانية وجود استجابات مشابهة لدى البشر أو الحيوانات الأخرى، مما يستدعي إجراء مزيد من الدراسات المستقبلية، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Current Biology).

وتعتمد الخفافيش بشكل أساسي على حاسة السمع للتنقل والتواصل عبر نظام تحديد المواقع بالصدى (Echolocation)، إذ تُصدر إشارات صوتية عالية التّردد وتستمع إلى صدى ارتدادها عن الأشياء المحيطة لتحديد موقعها واتجاهها. وتعد هذه القدرة إحدى الحواس الأساسية لها.

وشملت الدراسة تدريب الخفافيش على الطيران في مسار محدد للحصول على مكافأة، ومن ثم تكرار التجربة بعد تعطيل مسار سمعي مهمٍّ في الدماغ باستخدام تقنية قابلة للعكس لمدة 90 دقيقة.

وعلى الرغم من تعطيل السمع، تمكنت الخفافيش من إتمام المسار، لكنها واجهت بعض الصعوبات مثل التصادم بالأشياء.

وأوضح الفريق البحثي أن الخفافيش تكيفت بسرعة بتغيير مسار طيرانها وزيادة عدد وطول إشاراتها الصوتية، مما عزّز قوة الإشارات الصدوية التي تعتمد عليها. كما وسّعت الخفافيش نطاق الترددات الصوتية لهذه الإشارات، وهي استجابة عادةً ما تحدث للتعويض عن الضوضاء الخارجية، لكنها في هذه الحالة كانت لمعالجة نقص داخلي في الدماغ.

وأظهرت النتائج أن هذه الاستجابات لم تكن مكتسبة، بل كانت فطرية ومبرمجة في دوائر الدماغ العصبية للخفافيش.

وأشار الباحثون إلى أن هذه المرونة «المذهلة» قد تعكس وجود مسارات غير معروفة مسبقاً تعزّز معالجة السمع في الدماغ.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة، الدكتورة سينثيا موس، من جامعة جونز هوبكنز: «هذا السلوك التكيفي المذهل يعكس مدى مرونة دماغ الخفافيش في مواجهة التحديات».

وأضافت عبر موقع الجامعة، أن النتائج قد تفتح آفاقاً جديدة لفهم استجابات البشر والحيوانات الأخرى لفقدان السمع أو ضعف الإدراك الحسي.

ويخطط الفريق لإجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى تطبيق هذه النتائج على الحيوانات الأخرى والبشر، واستكشاف احتمال وجود مسارات سمعية غير معروفة في الدماغ يمكن أن تُستخدم في تطوير علاجات مبتكرة لمشكلات السمع لدى البشر.