الأسبرين وجرثومة المعدة... علاقة معقدة في التسبب بقروحها

علاج البكتيريا الحلزونية يضمن فترة حماية محدودة من النزيف لدى متناولي العقار

الأسبرين وجرثومة المعدة... علاقة معقدة في التسبب بقروحها
TT

الأسبرين وجرثومة المعدة... علاقة معقدة في التسبب بقروحها

الأسبرين وجرثومة المعدة... علاقة معقدة في التسبب بقروحها

أثارت دراسة حديثة لباحثين بريطانيين جدوى القضاء على بكتيريا المعدة الحلزونية في تخفيف احتمالات حصول نزيف المعدة جراء تناول الأسبرين. ووفق ما نُشر ضمن عدد 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من مجلة «لانست» الطبية Lancet، أفادت دراسة هيت HEAT Study، بأن القضاء على البكتيريا الملوية البوابية (بكتيريا المعدة الحلزونية أو جرثومة المعدة) Helicobacter pylori يُقلل من حدوث نزيف القرحة الهضمية Peptic Ulcer Bleeding، لدى كبار السن الذين يتلقون الأسبرين يومياً. ولكن الدراسة لاحظت أيضاً أن هذه الميزة الوقائية لا تستمر بعد تجاوز فترة أول سنتين ونصف السنة من المتابعة.

الأسبرين والقرحة

ويُصنف الأسبرين من فئة الأدوية «الأعلى وصفاً» من قِبل الأطباء، وخاصة لكبار السن، وبالتالي من فئة الأدوية «الأعلى تناولاً» من قِبل أولئك المرضى.
وتمثل العلاقة بين تناول الأسبرين وتسببه بقروح والتهابات ونزيف في المعدة، «أزمة تاريخية» لدى الأوساط الطبية، ولم تجد لها حلاً حتى اليوم، ويحاول الباحثون الطبيون معرفة الطريقة الأفضل للتغلب عليها.
ورغم مضي 125 سنة منذ اكتشافه من قبل الألمان، وبدء استخدامه كمُسكّن للألم وخافض للحرارة ومهدئ للالتهابات، ورغم مضي أكثر من 50 سنة منذ بدء التوسع في استخدامه ليشمل الوقاية من تداعيات ومضاعفات أمراض شرايين القلب وجوانب وقائية أخرى، فإن مشكلة احتمالات تسبب تناول الأسبرين بقروح والتهابات ونزيف في المعدة، تظل حاضرة طوال الوقت لدى المريض والطبيب.
وفي المقابل، منذ أن وصف الطبيب الألماني جورج إرنست ستال في عام 1728 حالة التهاب المعدة Gastritis، تتابع الأطباء خلال القرون التي بعدها (بقدراتهم المحدودة آنذاك) في وصف التغيرات التشريحية والمجهرية لبطانة المعدة الداخلية، والتي تبين من خلالها تصنيف التلف الذي يعتري بطانة المعدة إلى التهابات وقروح وسرطان المعدة. ولكن القدرة على تشخيص هذه الحالة بدقة ظلت متأخرة، وذلك إلى حين بدء التوسع في استخدام منظار المعدة المرن Flexible Gastroscopy، باستخدام الألياف البصرية، وإلى حين تقدم وسائل التشخيص المجهري للأمراض Histopathology. ثم أخذ علاج هذه الحالات يتطور ببطء، عبر استخدام أدوية، غير فعالة في الغالب، واللجوء إلى الحلول الجراحية، إما باستئصال أجزاء من المعدة أو بقطع الأعصاب التي تغذي المعدة وتتسبب بزيادة إفراز الأحماض فيها. ولكن حصل تطوران مهمان خلال الثلاثين سنة الأخيرة. الأول تمثل في اكتشاف البكتيريا الحلزونية Helicobacter pylori المتسببة في التهابات وقروح المعدة في كثير من الحالات، وذلك من قِبل أطباء أستراليين في بدايات الثمانينات الماضية. والآخر تمثل في اكتشاف الأدوية التي تُثبّط بدرجة كبيرة جداً من إفراز المعدة للأحماض، فئة أدوية مثبطات مضخة البروتون PPI، وبدء استخدامها العلاجي في نهاية تلك الثمانينيات.
وطبياً، يوصى بتناول الأسبرين على نطاق واسع، ضمن الوقاية المتقدمة Secondary Prevention من نشوء الخثرات لدى الأشخاص «المصابين» فعلاً بأمراض الأوعية الدموية، وخاصة أمراض شرايين القلب وشرايين الدماغ. ولكن رغم جدواه الوقائية، يتم تقييد استخدامه بشكل أساسي نتيجة احتمالات تسببه بزيادة خطر حدوث نزيف دموي، خاصة من الجهاز الهضمي العلوي، والمعدة بالذات. ولذا؛ تراجع الأوساط الطبية نصائحها بخصوص تناول الأسبرين للوقاية الأولية Primary Preventionمن نشوء الخثرات في الأوعية الدموية لدى «الأصحاء» من الناس (غير مُصابين بأمراض شرايين القلب)، وتقتصر في ذلك حينما تكون الجدوى تفوق احتمالات تسببه بالضرر على المعدة، وفق تقييم طبي دقيق.
وترى الأوساط الطبية، أنه يمكن جزئياً تخفيف مخاطر حصول نزيف الجهاز الهضمي العلوي عند تناول الأسبرين، عن طريق خفض إنتاج المعدة للأحماض، عبر تناول أدوية خفض إنتاج المعدة للأحماض (مثبطات مضخة البروتون). أي مع تناول الأسبرين، للوقاية من نشوء تلك القروح واحتمالات تسببها بالنزيف.
وهناك أدلة علمية على أن بكتيريا المعدة الحلزونية قد تلعب دوراً رئيسياً في تطور التقرح الهضمي ونزيف القرحة لدى المرضى الذين يتلقون الأسبرين، وأن القضاء عليها قد يكون هدفاً علاجياً للوقاية من القرحة الهضمية ونزيف القرحة. كما تتوفر أنواع الأسبرين المُغلّف Enteric - Coated، كوسيلة لتخفيف احتمالات تسبب قرص الأسبرين، ذي الطبيعية الحامضية، في التلف المباشر لبطانة المعدة، عند تواجد قرص الأسبرين فيها. وأيضاً يُنصح المرضى بتناول الأسبرين بعد تناول وجبة الطعام، وليس على معدة خالية. وكل هذه الاحتياطات هدفها تقليل تلك الاحتمالات بالضرر على المعدة عند تناول الأسبرين.

دراسة متابعة

وفي الدراسة الحديثة، أجرى البروفسور كريس هوكي من جامعة نوتنغهام في المملكة المتحدة وزملاؤه، متابعة طبية عبر 1208 مراكز رعاية أولية في المملكة المتحدة. وشملت أكثر من 30 ألف من المرضى الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً أو أكثر، والذين كانوا يتلقون الأسبرين بجرعة يومية، وممنْ تم لهم إجراء اختبار التنفس Breath Test للبكتيريا الحلزونية. وكانت النتيجة إيجابية (مؤكدة) لدى نحو 6 آلاف منهم بما يُؤكد إصابتهم بها. وبين هؤلاء الذين ثبتت إصابتهم بجرثومة المعدة، تمت المقارنة بين نصفهم ممنْ تلقوا بروتوكول المعالجة الطبية للإزالة الفعلية Active Eradication لجرثومة المعدة هذه، عبر تناول مزيج من المضادين الحيويين كلاريثروميسين Clarithromycin وميترونيدازول Metronidazole مع تناول دواء لانسوبرازول لخفض إنتاج المعدة للأحماض Lansoprazole، عن طريق الفم ومرتين يومياً لمدة أسبوع واحد. وبين نصفهم الآخر ممنْ تلقوا الأدوية الوهمية بالطريقة نفسها.
ولاحظ الباحثون، أن في أول سنتين ونصف السنة من المتابعة، حصل انخفاضٌ كبير في حدوث نزيف المعدة وعدد من مؤشرات مضاعفاته، لدى منْ تلقوا معالجة إزالة جرثومة المعدة، مقارنة مع منْ تلقوا المعالجة الوهمية. وتحديداً، في مدة وقت الاستشفاء أو الوفاة بسبب نزيف القرحة المعوية المؤكدة أو المحتملة. ولكن مع المتابعة الزمنية الأطول، ضاعت تلك الميزة، وتقاربت الاحتمالات بين المجموعتين.
وهذا ما دعا الباحثين إلى القول في نتائجهم «في هذه الدراسة الكبيرة للمرضى الذين تناولوا جرعات منخفضة من الأسبرين، حققنا معدلات عالية القضاء على بكتيريا المعدة الحلزونية، مع انخفاض بنسبة 65 في المائة من الاضطرار إلى دخول المستشفى بسبب نزيف القرحة الهضمية خلال أول سنتين ونصف السنة. إن الاستئصال الفعلي للبكتيريا الحلزونية يحمي من نزيف القرحة الهضمية المرتبط بالأسبرين، ولكن قد لا يستمر هذا على المدى الطويل».

علامات وأعراض لالتهاب المعدة وقرحتها

> يوضح أطباء الجهاز الهضمي في مايو كلينك، أنه عند ظهور مؤشرات أو أعراض للإصابة بعدوى بكتيريا المَلوية البَوابية، فإنها عادة ما تكون مرتبطة بالتهاب المعدة أو القرحة الهضمية.
وذكروا عدداً من الأعراض، منها:
- وجع أو ألم حارق في معدتك (البطن)
- ألم في المعدة قد يتفاقم عندما تكون المعدة فارغة
- الغثيان
- فقدان الشهية
- التجشؤ المتكرر
- الانتفاخ
- فقدان الوزن غير المقصود.
وأضافوا «بادر بزيارة الطبيب إذا لاحظت أي مؤشرات وأعراض قد تكون دالة على التهاب المعدة أو القرحة الهضمية.
اطلب المساعدة الطبية العاجلة إذا ظهرت لديك الأعراض التالية:
- ألم شديد أو مستمر في المعدة (البطن) قد يوقظك من النوم
- بُراز ملطخ بالدم أو أسود قاتم
- قيء دموي أو أسود أو يشبه القهوة المطحونة».

البكتيريا الحلزونية أعلى الميكروبات انتشاراً بين سكان العالم

> لا يُعرف حتى اليوم لماذا تتخذ جرثومة المعدة، أو البكتيريا الملوية البوابية، الشكل الحلزوني عند تواجدها في المعدة. ولكن يُعتقد أنها طورت هذا الأمر كميزة ميكانيكية، لتتمكن من اختراق البطانة المخاطية للمعدة، وتستوطن عميقاً في أنسجة بطانة المعدة. وقد تأخر التعرّف على وجود هذا النوع من البكتيريا إلى عام 1982، عندما عزلها أطباء أستراليون، ونالوا بعد ذلك جائزة نوبل للطب لقاء اكتشافهم هذا.
وتشير الإحصائيات الطبية إلى أن نحو 50 في المائة من سكان العالم لديهم هذه البكتيريا في جهازهم الهضمي العلوي؛ مما يجعلها الميكروب الأعلى انتشاراً عالمياً. وتشير كثير من المصادر الطبية إلى أن هذه العدوى تحصل في الغالب أثناء فترة الطفولة.
وأكثر المُصابين بها (90 في المائة) لا يُعانون من أي أعراض أو علامات تدل على وجودها لديهم. بمعنى أن معظم الأشخاص المُصابين بها، لا يُدركون ذلك؛ لأنهم لا يعانون من أعراضها مطلقاً.
ويوضح أطباء مايو كلينك جانباً من الأمر بقولهم «لا تظهر على معظم الأشخاص المصابين بعدوى بكتيريا المَلوية البَوابية أي مؤشرات أو أعراض. ولا يُعرف بشكل واضح سبب عدم ظهور الأعراض لدى العديد من الأشخاص. لكن قد يولد بعض الأشخاص بقدرة أكبر على مقاومة التأثيرات الضارة لبكتيريا المَلوية البَوابية».
ولكن يظل وجودها (اي العدوى بها) عاملاً يرفع من مخاطر الإصابة بالقرحة أو الالتهابات في الجهاز الهضمي العلوي (المعدة، الاثنا عشر بالذات)، إضافة إلى عدد من الأعراض كعسر الهضم وألم المعدة وانتفاخ البطن وغيرها. ولذا تعتبر أحد الأسباب الشائعة لقُرحة المعدة. وتحديداً، فإن نحو 10 في المائة من المصابين ببكتيريا المَلوية البَوابية يصابون بالقرحة. ومصطلح القرحة الهضمية، هو قرحة على الغشاء المبطن للمعدة (قرحة مَعِدية) أو الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة (قُرحة الاثنا عشر).
وحصول نزيف المعدة، نتيجة إما القرحة في المعدة أو الاثنا عشر، أو الالتهاب في أي منهما، قد يتسبب إما بقيء يحتوي على دم، أو إخراج براز ذي لون أسود، أو أن يكون النزيف بطيئاً ولفترات طويلة؛ ما يتسبب بفقر الدم.
وعلى المدى البعيد، قد ترتبط الإصابة بجرثومة المعدة بارتفاع احتمالات نشوء سرطان في أحد أجزاء الجهاز الهضمي العلوي.

طرق متعددة لتشخيص الإصابة بجرثومة المعدة

> تشخيص الإصابة بجرثومة المعدة يُجرى قبل بدء المعالجة، وفي كثير من الأحيان للتأكد من نجاح المعالجة. ويتم ذلك بطرق عدة. ومنها أخذ عينة من البراز، ثم إما إجراء تحليل البحث عن البروتينات (المستضدات) المرتبطة بعدوى بكتيريا المَلوية البَوابية في البراز.
أو إجراء فحص مختبري يُسمى تفاعل البوليميراز المتسلسل للبراز للكشف عن عدوى بكتيريا المَلوية البَوابية في البراز. وهناك طريقة أخرى تُسمى «اختبار التنفس»، ويتم فيها قياس مكونات معينة في هواء الزفير. وتحديداً، بعد تناول الشخص قرصاً أو سائلاً يحتوي على اليوريا المحتوي على نظير مُشع للكربون. وإذا كان الشخص مصاباً بجرثومة المعدة، فإن تلامس المحلول مع جرثومة المعدة يُحول اليوريا إلى أمونيا وثاني أكسيد الكربون. ويتم بعد ما بين 10 إلى 30 دقيقة قياس مدى تكوين ثاني أكسيد الكربون، بقياس تواجده في هواء الزفير. ولكن تجدر ملاحظة أن التحليل يُجرى بعد التوقف لمدة 14 يوما عن تناول أدوية خفض إنتاج المعدة للأحماض، وبعد التوقف عن تناول المضادات الحيوية لمعالجة هذه البكتيريا، لمدة 4 أسابيع.
وفي بعض الأحيان، يأخذ الطبيب عيّنة من نسيج بطانة المعدة (عند إجراء منظار المعدة)، للفحص بالميكروسكوب عن وجود هذه الجرثومة.


مقالات ذات صلة

تناول الحديد مع الفيتامين «C»... كيف تدمج العناصر الغذائية لأكبر قدر من الاستفادة؟

صحتك كيف نحصل على أكبر قدر من العناصر الغذائية؟ (رويترز)

تناول الحديد مع الفيتامين «C»... كيف تدمج العناصر الغذائية لأكبر قدر من الاستفادة؟

من المهم جداً اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة والعناصر الغذائية، لكن كيفية تناول هذه العناصر الغذائية تلعب دوراً في الحصول على أكبر فائدة ممكنة منها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق تعرف على أفضل 10 دول في العالم من حيث جودة الحياة (رويترز)

الدنمارك رقم 1 في جودة الحياة... تعرف على ترتيب أفضل 10 دول

أصدرت مجلة «U.S. News and World Report» مؤخراً تصنيفها لأفضل الدول في العالم بناءً على جودة الحياة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

تُعد السمنة من أبرز التحديات الصحية في العصر الحديث، حيث تتزايد معدلاتها بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم، وتلقي بتأثيراتها السلبية على الصحة العامة.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (الخبر - المنطقة الشرقية)
صحتك فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

مع بدء العام الدراسي، سلط العلماء في جامعة فلوريدا أتلانتيك، الضوء على أهمية ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الطفل الإبداعية والفكرية في مرحلة ما قبل الدراسة.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك عضلات جسمك تؤلمك... 9 أسباب قد تغيب عنك

عضلات جسمك تؤلمك... 9 أسباب قد تغيب عنك

عند استخدام لغة الأرقام، فإن حالات آلام العضلات تمثل مشكلة صحية واسعة الانتشار.

د. عبير مبارك (الرياض)

الملوثات الكيميائية مصدر قلق متزايد على صحة القلب

الملوثات الكيميائية مصدر قلق متزايد على صحة القلب
TT

الملوثات الكيميائية مصدر قلق متزايد على صحة القلب

الملوثات الكيميائية مصدر قلق متزايد على صحة القلب

عادة ما يثير الاتصال بالمواد الكيميائية السامة، والتلوث الناجم عنها، المخاوف بخصوص الإصابة بالسرطان أو مشكلات عصبية. إلا أنه بجانب ذلك، ثبت تورط المواد الخطرة في البيئة كذلك في السبب الرئيس للوفاة على مستوى البلاد، أمراض القلب والأوعية الدموية.

كشف حديث لدور الملوثات

في هذا الصدد، شرح د. فيليب لاندريغان، الأستاذ المساعد للصحة البيئية في كلية تي إتش تشان للصحة العامة بجامعة هارفارد، وزميل قسم الصحة العالمية والطب الاجتماعي في كلية الطب بجامعة هارفارد، أن «إدراك أن الملوثات الكيميائية يمكن أن تساهم في أمراض القلب يعدّ أمراً حديثاً، لكنه حقيقي تماماً». وأوضح أنه حتى وقت قريب، كان خطر التلوث البيئي يتوارى تحت وطأة عوامل خطر كلاسيكية أخرى مرتبطة بأمراض القلب.

وأضاف: «حقّق أطباء القلب تقدماً غير عادي في تحديد ودراسة هذه المخاطر. واليوم، تراجعت معدلات الوفيات الناجمة عن أمراض القلب أكثر مما كانت عليه في خمسينات القرن الماضي. والآن، بعد أن انخفضت أعداد المدخنين، وأصبحت لدى مزيد من الناس قدرة أفضل على السيطرة على مستويات الكوليسترول وضغط الدم، بدأت خطورة التعرض للملوثات البيئية تحظى باهتمام أكبر».

مصادر التلوث

تتضمن الملوثات الكيميائية السموم الموجودة في الهواء والماء والتربة. وهنا، أوضح د. لاندريغان أن تلوث الهواء يعد التهديد الرئيس لصحة القلب والأوعية الدموية.

من بين الملوثات الأخرى المثيرة للقلق، المعادن الثقيلة، (خاصة الرصاص)، ومواد بيرفلورو ألكيل (perfluoroalkyl) وبولي فلورو ألكيل (polyfluoroalkyl)، المعروفة باسم الفاعلات بالسطح الفلورية (PFAS)، علاوة على المبيدات الحشرية، طبقاً لمقال نشرته دورية «سيركيوليشن ريسرتش» (Circulation Research).

والآن، أين توجد هذه المواد؟ وكيف يمكنها الإضرار بالقلب؟

• الرصاص. أوضح د. لاندريغان أن أي شخص ولد قبل منتصف سبعينات القرن العشرين، تعرض للرصاص عبر استنشاق عوادم السيارات، التي تعمل بالغاز المحتوي على الرصاص. علاوة على ذلك، تظل بقايا الطلاء المحتوي على الرصاص موجودة بالمنازل وغيرها من الهياكل التي بنيت قبل عام 1978.

كما يمكن أن يؤدي تآكل أنابيب الرصاص (خاصة بالمنازل التي يعود تاريخ بنائها في أميركا إلى قبل عام 1986) إلى تلويث مياه الشرب. أضف إلى ما سبق أن هوايات مثل الرسم الزيتي وصناعة الزجاج الملون، تُعرض الأفراد إلى الرصاص.

ورغم أن الجسم يتخلص من بعض الرصاص عبر البول، فإن جزءاً منه يترسب في العظام، حيث يمكن أن يبقى لعقود. ومع ذلك، تعمل أنسجة العظام على إعادة تشكيل نفسها باستمرار، ما يتيح إعادة إطلاق الرصاص المخزن مرة أخرى في مجرى الدم، مع تقدم الناس في السن. وعلى ما يبدو، يزيد الرصاص خطر الإصابة بأمراض القلب عبر إضعافه لوظائف الكلى، ما يسفر بدوره عن رفع ضغط الدم.

الملوثات الأبدية والمبيدات

• الفاعلات بالسطح الفلورية (PFAS). تعرف باسم الكيميائيات الدائمة (الأبدية)، لأنها تقاوم التحلل الكيميائي والبيولوجي. ويشيع استخدام هذه المواد في حياتنا اليومية، فهي تستخدم في تغليف عبوات الأطعمة والمشروبات وغيرها من المنتجات. وتستخدم الفاعلات بالسطح الفلورية كذلك على نطاق واسع في صناعتي الطيران والسيارات وغيرهما. وتعني النفايات الصناعية الناتجة عن هذه الصناعات أن الفاعلات بالسطح الفلورية غالباً ما ينتهي بها المطاف إلى مياه الشرب وإمدادات الغذاء. وارتبطت المستويات المرتفعة من هذه المواد الكيميائية بارتفاع معدلات الكوليسترول الضار، وتراكم اللويحات داخل الشرايين.

• المبيدات الحشرية. يواجه العاملون في الصناعات الزراعية والكيميائية المستوى الأعلى من المخاطر المرتبطة بهذه المواد الكيميائية. ويمكن كذلك للأشخاص الذين يعيشون بالمناطق الزراعية الريفية أن يتأثروا بانجراف رش المبيدات الحشرية. ويمثل استخدام المبيدات الحشرية داخل المنزل، لمكافحة الأعشاب الضارة والحشرات، سبيلاً آخر محتملاً للتعرض لهذه المواد الكيميائية، وقد يستهلك البعض بقايا مبيدات حشرية في الطعام.

مساهمة الملوثات في أمراض القلب أمر حديث لكنه حقيقي تماماً

خطوات لتقليل المخاطر

يمكن للخطوات الآتية أن تسهم في تقليل المخاطر:

• تفحص مياه الشرب. يلزم القانون الجهات البلدية المعنية بتوفير مياه الشرب، بإطلاع عملائها على تقارير جودة سنوية. وفي العادة، يجري اختبار المياه قبل خروجها من الجهة المعنية بإنتاجها. ونظراً لأن الرصاص يمكن أن يتسرب إلى المياه عبر الأنابيب التي تنقل المياه إلى منزلك، فإنه ينصح بتفحص مياه الصنبور جيداً. وفي هذا الصدد، توفر وكالة حماية البيئة الأميركية إرشادات تفصيلية.

وعليك الاتصال بالوكالة الصحية أو البيئية المحلية، إذا كانت المياه التي تستهلكها تأتي من بئر خاص.

وإذا كانت مياه الشرب تحتوي معادن ثقيلة، أو الفاعلات بالسطح الفلورية، أو ملوثات أخرى، فاعتمد واحدة من العلامات التجارية الرئيسية من مرشحات المياه، واحرص على استبدال المرشح طبقاً للإرشادات.

• اختر منتجات خالية من الفاعلات بالسطح الفلورية. قد تؤدي بقايا وغبار بعض المنتجات الاستهلاكية إلى تعريض أشخاص للفاعلات بالسطح الفلورية، وتتضمن:

- السجاد والمفروشات والأقمشة الأخرى المقاومة للبقع.

- الملابس والأحذية المقاومة للماء.

- منتجات التنظيف.

- منتجات العناية الشخصية، ومستحضرات التجميل، مثل الشامبو، وخيط تنظيف الأسنان، وطلاء الأظافر، ومكياج العيون.

ـ الدهانات والورنيش والمواد المانعة للتسرب.

ابحث عن عبارة «خالٍ من فاعلات بالسطح الفلورية» على الملصقات، وتجنب المنتجات التي تحتوي على مكونات بها اسم «بيرفلورو» أو «فلورو».

• تجنب المبيدات الحشرية قدر الإمكان. ابحث عن طرق بديلة غير كيميائية لمكافحة الآفات في المنزل. وفكّر في شراء الأطعمة العضوية، خاصة الأطعمة التي تتناولها بشكل متكرر.

* رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا».