حفرية جديدة تُعيد تعريف أصل الطيور الحديثة

كشفت أن المنقار المتحرك وريث عصر الديناصورات

حنك جانافيس نهائي بالمقارنة مع طائر الدراج والنعامة  (جامعة كامبريدج)
حنك جانافيس نهائي بالمقارنة مع طائر الدراج والنعامة (جامعة كامبريدج)
TT
20

حفرية جديدة تُعيد تعريف أصل الطيور الحديثة

حنك جانافيس نهائي بالمقارنة مع طائر الدراج والنعامة  (جامعة كامبريدج)
حنك جانافيس نهائي بالمقارنة مع طائر الدراج والنعامة (جامعة كامبريدج)

ساعدت الشظايا المتحجرة لهيكل عظمي، الموجودة داخل صخرة بحجم ثمرة «الغريب فروت»، في قلب أحد أطول الافتراضات القائمة حول أصول الطيور الحديثة.
ووجد الباحثون من جامعة كامبريدج البريطانية ومتحف «ماستريخت» في هولندا، أن إحدى سمات الجمجمة الرئيسية التي تميز 99 في المائة من الطيور الحديثة، وهي منقار متحرك، تطورت قبل حدث الانقراض الجماعي الذي قتل جميع الديناصورات الكبيرة، قبل 66 مليون سنة.
وتشير هذه النتيجة أيضاً إلى أن جماجم النعام والإيمو، وأقاربهم قد تطورت «إلى الوراء»، عائدةً إلى حالة أكثر بدائية بعد ظهور الطيور الحديثة.
وباستخدام تقنيات التصوير المقطعي المحوسب، حدد فريق كامبريدج عظام الحنك، أو سقف الفم، لنوع جديد من الطيور القديمة الكبيرة، والتي أطلقوا عليها اسم «جانافيس فايناليدينس».
وعاشت هذه الطيور في نهاية عصر الديناصورات، وكانت من آخر الطيور ذات الأسنان التي تعيش على الإطلاق، ويُظهر ترتيب عظام حنكه أن هذا «الطائر الديناصور» كان له منقار متحرك ماهر، لا يمكن تمييزه تقريباً عن منقار معظم الطيور الحديثة.
ولأكثر من قرن، كان من المفترض أن الآلية التي تمكِّن منقاراً متحركاً قد تطورت بعد انقراض الديناصورات، ومع ذلك، فإن الاكتشاف الجديد، الذي نشرته (الأربعاء) دورية «نيتشر»، يشير إلى أن فهمنا لكيفية ظهور جمجمة الطيور الحديثة يحتاج إلى إعادة تقييم.
ويتم تصنيف كل نوع من أنواع الطيور على الأرض التي يبلغ عددها 11 ألف نوع اليوم، إلى واحدة من مجموعتين، بناءً على ترتيب عظام الحنك.
ويصنف النعام وأقاربهم في مجموعة «الفك القديم»، مما يعني أنه، مثل البشر تلتحم عظام الحنك معاً في كتلة صلبة.
ويتم تصنيف جميع مجموعات الطيور الأخرى في مجموعة «الفك الحديث»، مما يعني أن عظام الحنك متصلة بواسطة مفصل متحرك، هذا يجعل مناقيرهم أكثر براعة، ومفيدة لبناء العش، والاستمالة، وجمع الطعام، والدفاع.
وتم تصنيف المجموعتين في الأصل من قبل توماس هكسلي، عالم الأحياء البريطاني. وفي عام 1867، قسم جميع الطيور الحية إلى مجموعة الفك «القديمة» أو «الحديثة»، وكان افتراض هكسلي أن تكوين الفك «القديم» كان هو الشرط الأصلي للطيور الحديثة، مع ظهور الفك «الحديث» لاحقاً.
ويقول الدكتور دانيال فيلد، من قسم علوم الأرض في «كامبريدج»، وهو كبير مؤلفي الورقة البحثية، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، بالتزامن مع نشر الدراسة: «لقد تم عدّ هذا الافتراض أمراً مفروغاً منه منذ ذلك الحين، والسبب الرئيسي لاستمرار هذا الافتراض هو أنه لم يكن لدينا أي عينات للطيور الأحفورية محفوظة جيداً من الفترة التي نشأت فيها الطيور الحديثة».
وتم العثور على الحفرية (جانافيس) في مقلع للحجر الجيري قرب الحدود البلجيكية الهولندية في التسعينات ودُرست للمرة الأولى عام 2002، وتعود إلى 66.7 مليون سنة مضت، خلال الأيام الأخيرة للديناصورات.
ونظراً لأن الحفرية مغطاة بالصخور، لم يكن بإمكان العلماء في ذلك الوقت سوى بناء أوصافهم على ما يمكنهم رؤيته من الخارج، حيث وصفوا أجزاء العظم التي تبرز من الصخر بأنها شظايا من عظام الجمجمة والكتف، وأعادوا الحفرية التي تبدو غير ملحوظة إلى المخزن.
بعد ما يقرب من 20 عاماً، تم إقراض الحفرية لجامعة كامبريدج، والدكتور خوان بينيتو، الذي حصل على درجة الدكتوراه في ذلك الوقت، حيث تمكنوا باستخدام التصوير المقطعي المحوسب على الحفريات من رؤية الصخور ورؤية الحفرية بأكملها، واستطاعوا من خلالها تقديم مفهوم جديد عن تطور الطيور.


مقالات ذات صلة

ترقُّب فرخ ثالث لاكتمال عائلة النسرَيْن الشهيرَيْن «جاكي» و«شادو»

يوميات الشرق العائلة تكبُر (أصدقاء وادي بيغ بير)

ترقُّب فرخ ثالث لاكتمال عائلة النسرَيْن الشهيرَيْن «جاكي» و«شادو»

تتصاعد المشاعر المشحونة بالترقُّب حيال عشّ النسرين الشهيرين «جاكي» و«شادو»، بعد شرخ دقيق في البيضة الثالثة، إيذاناً ببدء مرحلة الفَقْس...

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
المهارة (رويترز)

الإنسان صنع الأدوات بعظام الحيوانات قبل 1.5 مليون سنة

أظهر بحثٌ جديدٌ أنَّ البشر الأوائل استخدموا عظام الحيوانات بانتظام لصنع أدوات حادّة قبل نحو 1.5 مليون سنة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفئران المعدلة وراثياً ذات لون أفتح من الفئران المعملية العادية (شركة كولوسال)

علماء يبتكرون «فأراً صوفياً» لإحياء حيوان الماموث

ابتكر العلماء فأراً صغيراً بشارب مجعد وشعر متموج وخفيف ينمو أطول بـ3 مرات من شعر فأر المعمل العادي. ويجسد القارض المعدل وراثياً عدداً من السمات الصوفية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك صورة مجهرية معززة بالألوان تُظهر دباً مائياً (ناشيونال جيوغرافيك - آي أوف ساينس)

«دب الماء»... حيوان صغير يُنتج بروتيناً يمكنه إحداث ثورة بعلاج السرطان

أظهرت دراسة جديدة أن أكثر الحيوانات قدرة على الصمود في العالم، وهو دب الماء المجهري ينتج بروتيناً مقاوماً للإشعاع يمكن أن يحدث ثورة في علاج السرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق حوت وقع في شباك الصيد قبل أن يتمكن رجال الإنقاذ من تحريره بالقرب من الشاطئ في ميدزيزدروي في بولندا 26 فبراير 2025 (أ.ب)

نفوق حوت نادر مهدَّد بالانقراض قبالة ساحل سلطنة عمان

نفقَ قبالة سواحل سلطنة عمان حوت من نوع نادر مهدد بالانقراض يُعرف بـ«حوت بحر العرب الأحدب»، على ما أعلنت هيئة البيئة العمانية الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (مسقط)

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
TT
20

مصطفى الرزاز يستحضر الذكريات والفولكلور المصري عبر «رزق البحر»

جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)
جانب من معرض «رزق البحر» يُظهر مجموعة أعمال (إدارة الغاليري)

استحضر الفنان المصري مصطفى الرزاز عناصر ورموزاً من الأساطير والفولكلور الشعبي المصري، واستدعى مَشاهد وذكريات مرَّ بها لسنوات طويلة، ثم مزج ذلك كله بفرشاته وخطوطه وخاماته المختلفة على مسطح أعماله؛ ليقدم مجموعة جديدة من اللوحات، والمنحوتات تنبض بالحياة، وتدعو إلى الاستمتاع بها.

في معرضه «رزق البحر» المُقام في «قاعة الزمالك للفن»، يترك الرزاز للمتلقي الفرصة للانغماس مع عالمه الذي جسَّده في أعماله، متنقلاً ما بين البحر والصيد والمرأة والأسماك؛ وخلال ذلك تتشبَّع عين الزائر بجماليات أعماله، ويتزوَّد وجدانه بدفء حكاياته.

الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)
الصياد وشِباك السمك (إدارة الغاليري)

يضمّ المعرض نحو 60 لوحة كبيرة، و64 لوحة صغيرة، فضلاً عن 45 قطعة نحتية، تتميّز بأنَّ «البطولة المطلقة» فيها للأسماك في المقام الأول؛ فهي ليست مجرّد عنصر رمزي، أو مفردة من البيئة تزدان بها الأعمال، لكنها ذات حضور طاغٍ، فتلتقيها على مسطّح اللوحات محمولة بعناية بين الأيدي، أو عروس للبحر، أو في صورة فرس البحر الذي يبدو صديقاً حميماً للإنسان، ورمزاً لحمايته، كما جاء في الحضارة المصرية القديمة، وغير ذلك من مَشاهد تُعزّز مكانتها.

عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)
عمل نحتي برونزي يُبرز احتفاء الإنسان بالسمك (إدارة الغاليري)

اللافت أنَّ الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بعناصر العصفورة والهدهد والنبات في أعماله؛ في رمز للسلام والنماء، والتماهي مع البيئة المصرية. وبدا واضحاً أنّ لإقامته طويلاً في حي المنيل المطلّ على النيل بالقاهرة بالغ الأثر في أعماله بالمعرض؛ فقد قدَّم مَشاهد حياتية يومية عن قرب لمناظر الصيد والمراكب. يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تُشرق الشمس في صباح كل يوم، أحبُّ النظر إلى نهر النيل حيث جمال المنظر والحضارة والتاريخ».

ومن أكثر المَشاهد التي استوقفته في الصباح الباكر، حركة المراكب والاستعداد للصيد. لذلك استخدم «النظارة المُعظمة» ليتأمّلها عن قرب، فإذا به يكتشف أنَّ مَن يقُمن بالصيد في هذه المنطقة نساء.

لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)
لوحة المرأة الفلسطينية ترمز إلى نضال غزة (إدارة الغاليري)

يواصل الفنان المصري حديثه: «وجدتُ أنهن قبل الصيد يُحضّرن الفطور، ويتناولنه مع أطفالهن وجاراتهن بشكل جماعي يومياً قبل التوجه إلى العمل».

أثار ذلك اهتمام الرزاز، فتوجَّه إلى نقطة تجمعهن، والتقى معهن، ومن خلال حديثه معهن، اكتشف أنّ الرجال لا يشاركونهن الصيد في هذا المكان؛ فيقتصر الأمر عليهن لانشغال أزواجهن بالعمل في مجالات أخرى.

كما اكتشف الفنان أنّ المراكب التي يخرجن للصيد بها هي بيوتهن الدائمة؛ حيث يقمن بها، ولا مكان آخر يؤوي هذه الأسر.

«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)
«عروس البحر»... حلم قد يراود الصياد (إدارة الغاليري)

استهوته هذه الحكايات الإنسانية، وفجَّرت داخله الرغبة في تجسيد هذا العالم بفرشاته. يقول: «كانت تجربة غنية ومفيدة جداً بالنسبة إليّ؛ مثلت منبعاً للإلهام. من هنا جاء اهتمامي بتناول البحر والأسماك والصيد في عدد من معارضي؛ منها هذا المعرض الجديد، ولا أعني هنا البحر والصيد فيه وحده، إنما نهر النيل كذلك؛ إذ إنَّ كلمة البحر في اللغة المصرية الدارجة تشير إليهما معاً».

واتخذ الرزاز قراراً بتخصيص المعرض كله للصيد، من دون الاقتصار على تجربة الصيادات الإنسانية؛ فثمة قصص أخرى للصيد في الوجه القبلي، وفي المناطق الساحلية حيث يقتصر الصيد على الرجال.

من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)
من أعمال الفنان في المعرض (إدارة الغاليري)

ويتابع: «سافرت إلى الإسكندرية (شمال مصر) وشاركتهم رحلة للصيد، وتأثّرت جداً بعملهم، فتشرَّبت تفاصيل حياتهم، وطريقة عملهم، وصوَّرتهم فوتوغرافياً، إلا أنني تركتها جانباً، ورسمت التكوينات من خيالي، حتى تختلف عن الرؤية المباشرة أو التسجيل».

لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)
لقطة من معرض «رزق البحر» (إدارة الغاليري)

ويرى الرزاز أنه عندما يرسم الفنان الواقع كما هو، يُفقده جمالياته وحرّيته في التعبير. لكن لماذا يمثّل البحر والصيد كل هذا الاهتمام من جانب الدكتور مصطفى الرزاز؟ يجيب: «البحر بالمفهوم الذي أشرت إليه هو نصف الدنيا، وهو مختلف تماماً عن اليابسة، وأكثر غموضاً، وسحراً، بالإضافة إلى اختلاف الكائنات التي تعيش فيه عن الأرض».

ويؤكد الفنان المصري أنّ «لمهنة الصيد خصوصيتها؛ ونموذج حقيقي لسعي الإنسان؛ فالصياد يتوجَّه إلى البحر على وجه الكريم، من دون أن يحظى براتب، ولا يمكن أن يعرف حجم أرباحه التي سيجنيها، ويرمي نفسه في البحر طوال النهار، وربما لأيام، وقد يعود بما يرضيه، وقد لا يرجع بشيء على الإطلاق».

علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)
علاقة الإنسان بالبحر تشغل الفنان (إدارة الغاليري)

ومن هنا، فإن حلم الصياد أن يجني سمكة ضخمة، أو سمكة تُكلّمه، أو تكون في صورة امرأة جميلة، أو داخلها «خاتم سليمان) يحقّق له كل ما يتمناه. لذلك أيضاً، كان للسمك نصيب كبير في الأساطير والحكايات الشعبية؛ فكانت هناك «أم الشعور»، و«عروسة البحر»، وغيرهما مما يُعدّ فانتازيا علاقة الإنسان بالسمك، وفق الرزاز الذي يرى أن هذه العلاقة هي مصدر إلهام للفنان، ومنبع حكايات تحفّز أي شخص على الانطلاق والسعي في الحياة.

الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)
الفنان لم يتخلَّ عن احتفائه بالمرأة والعصفورة رمزاً للجمال والسلام (إدارة الغاليري)

وربما لم تُنافس الأسماك في أعمال المعرض -المستمر حتى 15 مارس (آذار) الحالي- سوى المرأة الجميلة بعيونها الواسعة وملابسها المزدانة بالموتيفات والنقوش الشعبية؛ انعكاساً لاهتمام الفنان بمكانتها والفولكلور المصري في أعماله من جهة، ومن جهة أخرى تعبيراً عن قوة الوطن.

فتأتي على سبيل المثال لوحة المرأة الفلسطينية التي تطلّ علينا بزيها التقليدي، حاملة صينية الأسماك الطازجة فوق رأسها، كأنها جاءت للتوّ من رحلة للصيد، تضامناً مع أهل غزة. يقول الرزاز: «يرمز هذا العمل إلى أنّ أهل القطاع المعروفين بالصيد سيستمرّون في مهنتهم، وسيبقون في مدينتهم، ولن يستطع أحد أن يغيّر شيئاً من هذا الواقع».