خلافا لما كان متوقعا من أن تتحول ندوة حول مشروع تعديل القانون الجنائي المغربي، إلى مناظرة بين حزبين في الحكومة بسبب اختلاف مرجعيتيهما الآيديولوجية، أظهر حزب التقدم والاشتراكية اليساري، وحزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية ومتزعم الائتلاف الحكومي، تناغما غير مسبوق ليلة أول من أمس، وذلك خلال مناقشة مشروع القانون، الذي أثار جدلا واسعا، لا سيما في ما يتعلق بالنصوص ذات العلاقة بالحريات الفردية.
وقال نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا)، مخاطبا وسائل الإعلام: «لا شك أنكم توقعتم أن يقع تطاحن خلال هذه الندوة، وأن يظهر شرخ في هذه الحكومة.. لكن لا، ثم لا»، وأضاف أنه «على الرغم من ظهور بعض الاختلافات، فإننا لن نصل إلى ذلك، لأنه من ذكاء هذه الحكومة أننا استطعنا خلال ثلاث سنوات ونصف سنة، أن ندبر خلافاتنا بالعقلانية والجدية، بما يجعلنا نزكي ونقوي ديمقراطيتنا المغربية».
كلام بن عبد الله وجد له صدى طيبا لدى مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، الذي أعدت وزارته القانون، حيث أثنى على مداخلة بن عبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، الذي بادر حزبه إلى الدعوة للنقاش بشأن القانون الجنائي. وقال الرميد إنه «يكاد يكون متفقا مع كل ما جاء فيها»، مضيفا: «استطعنا كحكومة تحقيق التقارب ليس إلى حد التماهي، ولكن إلى حد أن نتوافق على نصوص قانونية من شأنها تحقيق التقدم للبلاد».
وأبدى الرميد استعداد وزارته «لإعادة صياغة مشروع القانون إلى حين التوصل إلى النص الواحد». وهو ما أكده الوزير بن عبد الله أيضا عندما قال إنه سيجري التوافق وتأجيل الخلافات ليحسم موقف حزبه، قائلا: «لن نفجر هذه الحكومة بسبب القانون الجنائي».
وقبل استعراض النقط الخلافية بين الحزبين بشأن ما جاء في القانون الجنائي، نوه بن عبد الله بالمستجدات الإيجابية، وقال إن القانون تضمن مقتضيات توجد في أرقى التجارب الدولية، من بينها العقوبات البديلة، ومبدأ الصلح بين المتنازعين خارج أروقة المحاكم، وتجريم الاختفاء القسري.
في المقابل، عبر بن عبد الله عن قلقه بشأن بعض القضايا التي جاء بها القانون، وأثار عددا منها، من بينها تجريم ازدراء الأديان، الذي تضمنه القانون للمرة الأولى، واحتفاظ القانون بتشديد العقوبة على العلاقات ما بين الجنسين خارج الزواج، والإفطار العلني في رمضان، وبرر الوزير بن عبد الله قلقه بشأن هذه القضايا بكون المجتمع المغربي لديه مناعة، وقال إن تجريم ازدراء الأديان من شأنه إعطاء صورة سلبية عن المغرب في الخارج، وإن الوقائع التي حدثت بهذا الشأن لا تكاد تذكر، بحسب رأيه.
بدوره، دافع وزير العدل عن وجهة نظره بشأن عدد من القضايا الخلافية التي أثارها القانون، وتوقف عند حيثيات تجريم ازدراء الأديان، وقال إن مسودة مشروع تعديل القانون الجنائي تنص في هذا الباب على أنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من قام عمدا بالسب أو القذف أو الاستهزاء، أو الإساءة إلى الله والأنبياء والرسل في الأماكن العامة، أو بواسطة المكتوبات، ووسائل الاتصال المسموعة والمرئية والإلكترونية وغيرها»، موضحا أن المادة لم تتحدث عن الإساءة للديانات، بل إلى الله والأنبياء والرسل «حتى لا يفهم منها أنها تضييق على حرية الفكر والرأي»، مشيرا إلى أن النص لا يتحدث عن العقيدة الإسلامية فقط، بل يحمي أيضا العقائد الأخرى، وهو ما عده «انفتاحا وتقدما لا نجده في المنظومات التشريعية العربية».
وسعيا لإقناع المعارضين بضرورة الاحتفاظ بهذه المادة، قال وزير العدل المغربي إن الإرهاب أصبح مرتبطا بالإساءات لعقائد المسلمين، وأن «بعض العناصر تتحرك غيرة على دينها، ليس عن طريق الاحتجاج الحضاري، وإنما عن طريق القتل»، مستشهدا في هذا الصدد بالعمل الإرهابي الذي استهدف مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية، وقبله الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في الدنمارك.
وفي السياق ذاته، قال الرميد إن القانون لا يتضمن أي نصوص تعاقب على تغيير شخص ديانته، مضيفا: «إننا نؤمن أنه لا حاجة لمصادرة حق الناس في الاعتقاد»، بيد أنه نبه إلى أن ما يعاقب عليه القانون هو «استغلال فقر الآخرين لتغيير دينهم»، وذلك في إشارة إلى حملات التبشير المسيحية.
وزير العدل المغربي: ازدراء الأديان يؤدي إلى الإرهاب
أمين عام «التقدم والاشتراكية» يقول إن حزبه لن يفجر الحكومة بسبب «القانون الجنائي»
وزير العدل المغربي: ازدراء الأديان يؤدي إلى الإرهاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة