تحليل تكتيكي... كيف يؤثر الشتاء في الحرب الأوكرانية؟

جسر أنتونيفسكي المدمر على نهر دنيبرو في خيرسون (أ.ب)
جسر أنتونيفسكي المدمر على نهر دنيبرو في خيرسون (أ.ب)
TT

تحليل تكتيكي... كيف يؤثر الشتاء في الحرب الأوكرانية؟

جسر أنتونيفسكي المدمر على نهر دنيبرو في خيرسون (أ.ب)
جسر أنتونيفسكي المدمر على نهر دنيبرو في خيرسون (أ.ب)

يقول المفكّر الإنجليزي الراحل مايكل هاورد إن اللوجستيّة هي دائماً البُعد المنسي في الحروب، كما يقول المفّكر الإنجليزي الراحل كولن إس. غراي إنه لا يمكن الهروب من قدر الجغرافيا في الحروب. وبين اللوجستيّة والجغرافيا يدخل، اليوم، عامل جديد يؤثر على مسار الحروب يتعلق بـ«الذكاء الاصطناعيّ» الذي يجادل بعض أنصاره بأنه سيحلّ مكان الإنسان في المستقبل، لكن الحديث عن «الذكاء الاصطناعيّ» يقود إلى عوالم افتراضيّة يُفترض أن عقل الإنسان ومخيّلته هما مصدرها. وإذا كانت العوالم الافتراضية موجودة، ألا تقبع وسائل نقلها؛ أي الكوابل، تحت أعماق المحيطات والبحار؟ ألا يوجد ما يقارب الـ1.3 مليون كيلومتر من الكوابل تحت مياه الكرة الأرضيّة. بالطبع، وهذا أمر يعيدنا إلى قدرية الجغرافيا بكلّ مكوّناتها.
يقود الرئيس فلاديمير بوتين، اليوم، عملية قصف شاملة للبنى التحتيّة في أوكرانيا؛ من طاقة ومياه وتدفئة. والسؤال يبقى لماذا؟
> بسبب التراجعات العسكريّة في خاركيف وخيرسون. كذلك الأمر يُقال إن شرط بوتين للانسحاب من خيرسون هو وعود العسكر له بتحقيق شيء ما على جبهة الشرق، خاصة الدونباس.
> يريد الرئيس بوتين ضرب عزيمة أوكرانيا للصمود، ومن ثم اختبار ردّة فعل الغرب واختبار صبره. كذلك الأمر، يريد عسكرة مسألة النازحين القديمة - الجديدة للضغط على كييف وعلى الدول المحيطة بأوكرانيا.
> يريد الرئيس الروسي أيضاً خلق شرخ بين كييف والشعب الأوكراني للضغط على السلطة والبدء بالدبلوماسيّة. لكن التاريخ علّمَنا، خاصة خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما اعتمد الغرب «القصف الاستراتيجيّ» لكلّ البنى التحتيّة؛ العسكريّة منها والمدنيّة، إن كان مع اليابان و/أو ألمانيا، أن ردّ فعل الشعوب هو دائماً الالتفاف حول حكوماتها.
> يريد الرئيس بوتين كسب الوقت، حتى ولو على حساب استنزاف صواريخه الذكيّة؛ فقط لتحضير القوى العسكريّة، وإعادة تعبئة مخازنه، وذلك تحضيراً لمرحلة ما بعد الشتاء.
فماذا عن الشتاء؟
عند الحديث عن فصل الشتاء، تعود ذكريات حروب نابليون على روسيا عندما لعب «جنرال الشتاء» الدور الأكبر في هزيمة الإمبراطور. كذلك الأمر، لعب طول الخطوط اللوجستيّة (من فرنسا إلى موسكو) دوراً آخر مهمّاً في الهزيمة.
لكن عادة، كان الطقس يلعب لصالح روسيا في حروبها، وذلك بالإضافة إلى كبر المساحة التي تعطيها العمق الاستراتيجيّ. ليس هذه المرّة، فهو يلعب ضدها على المسرح الأوكراني.
وعند الحديث عن الشتاء، فإنما نعني الثلوج، الجليد، ومن ثم ذوبانها وتشكّل الوحول نتيجة لذلك. تسقط الثلوج في الشتاء، وتتجمّد البحيرات أيضاً. لكن الحرب لا تتوقّف، لماذا؟ لأن الأرض تبقى صالحة لسير الآليات، حتى فوق الثلج والجليد. لكن حركيّة الجيوش ستصبح مقيّدة بالطرقات المعبّدة، وهذا أمر يجعلها هدفاً سهلاً، خاصة مع التكنولوجيا الجديدة المستعملة في أوكرانيا.
لكن المشكلة تكبر وتتعقّد عند ذوبان الثلوج والجليد في فصل الربيع. وبسببه (أي الذوبان) يتشكّل أكبر عائق لتقدّم الجيوش، خاصة في حالة المناورة والهجوم؛ ألا وهو الوحل. يعمل الوحل لصالح المدافع، لكن أوكرانيا تسعى لتحرير الدونباس وشبه جزيرة القرم. كذلك الأمر، لا يريد الرئيس بوتين التراجع والدفاع، فهو يريد استرداد كل أراضي الأقاليم الأربعة التي ضمّها. وعلى هذا الأساس فإنه سيكون في حالة الهجوم.
في أبريل (نيسان) الماضي، أغرق الجيش الأوكراني عمداً مدينة ديميديف (Demydiv) عندما فتح السد المائي؛ وذلك فقط لوقف تقدّم الجيش الروسي باتجاه العاصمة. أنقذت المياه والسدّ العاصمة من السقوط. ومنذ ذلك الوقت، بدأت الكوارث تتوالى على الجيش الروسيّ.
يضرب الطقس والوحل معنويات الجيوش. كذلك الأمر، يُصعّب الشتاء قتال المشاة والمدرعات، كما يجعل عمليّة التمويه صعبة (Camouflage). مع هذه الصعوبات، يغيب عامل المفاجأة، السرعة، كما تتأثر سلباً صحةّ العسكر، خاصة إذا كان هذا العسكر ليس مجهزاً للقتال في طقس مماثل.
وفي هذا السياق، يبدو من المفيد تقديم مثال تاريخيّ يتعلّق بتأثير الطقس على الحروب. يقول أرشيف الحرب العالمية الثانية إن ناغازاكي لم تكن الهدف الأساسيّ للقنبلة النوويّة، بل كانت الهدف الثانويّ. كانت مدينة كوكورا اليابانيّة الهدف الأوّل بسبب أهميّتها العسكريّة، لكن الطقس حال دون قصف كوكورا؛ لأن الغيوم كانت تغطّيها، ولأن الأوامر كانت للطيار أن يكون الهدف مرئيّاً مباشرة من قبله قبل إلقاء القنبلة، وهذا أمر لم يكن متوفراً، فذهب الطيار إلى ناغازاكي حيث قتل فيها ما يقارب الـ80 ألف شخص.


مقالات ذات صلة

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

أوروبا رجال الإطفاء يظهرون في موقع تعرض لهجوم صاروخي روسي على كييف (أ.ب)

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن هجوماً صاروخياً أسفر عن مقتل أربعة أشخاص في كييف، خلال الليل، جاء رداً على هجوم أوكراني في وقت سابق من الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الاستعدادات جارية لحفل تنصيب ترمب أمام مبنى الكابيتول في 12 يناير 2025 (أ.ف.ب)

ترمب في عهده الثاني: نسخة جديدة أم تكرار لولايته الأولى؟

يأمل كبار السياسيين بواشنطن في أن تكون إدارة دونالد ترمب الثانية مختلفة عن الأولى، وأن يسعى لتحقيق توازن في الحكم ومدّ غصن زيتون للديمقراطيين.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا أفراد من القوات العسكرية البولندية خلال العرض العسكري لإحياء ذكرى انتصار بولندا على الجيش الأحمر السوفياتي عام 1920 في وارسو 15 أغسطس 2023 (رويترز)

كيف تستعد بولندا لإعادة التسلح الأوروبي؟

بوصفها «أفضل طالب» في حلف الناتو، تحاول بولندا إشراك شركائها في مواجهة تحدي زيادة الإنفاق الدفاعي ومواجهة التهديد الروسي، حسب تقرير لصحيفة «لوفيغارو».

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا خلال إطلاق صاروخ «أتاكمز» الأميركي الصنع نحو مياه البحر الشرقي قبالة كوريا الجنوبية في 5 يوليو 2017 (رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكمز» الأميركية مجدداً وتتوعد بالرد

قالت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، إن أوكرانيا شنت هجوماً على منطقة بيلغورود بـ6 صواريخ «أتاكمز» أميركية الصنع، الخميس.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ماريندرا مودي (رويترز)

تقرير: مقتل هندي في حرب أوكرانيا يجدد التوترات بين نيودلهي وموسكو

سلطت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الضوء على قضية الهنود الذين يقتلون خلال قتالهم مع الجيش الروسي في حربه ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الأمطار الغزيرة تقطع الكهرباء عن آلاف الأستراليين

شجرة سقطت جراء الأحوال الجوية السيئة في فايف دوك بسيدني (إ.ب.أ)
شجرة سقطت جراء الأحوال الجوية السيئة في فايف دوك بسيدني (إ.ب.أ)
TT

الأمطار الغزيرة تقطع الكهرباء عن آلاف الأستراليين

شجرة سقطت جراء الأحوال الجوية السيئة في فايف دوك بسيدني (إ.ب.أ)
شجرة سقطت جراء الأحوال الجوية السيئة في فايف دوك بسيدني (إ.ب.أ)

انقطعت الكهرباء عن عشرات الآلاف من الأشخاص في ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية اليوم (السبت) بعد أن جلب نظام ضغط منخفض رياحاً مدمرة وأمطاراً غزيرة، مما أثار تحذيرات من حدوث فيضانات، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت شركة الكهرباء «أوسجريد» على موقعها الإلكتروني صباح اليوم إن الكهرباء انقطعت عن نحو 28 ألف شخص في سيدني، عاصمة الولاية وأكبر مدينة في أستراليا، كما انقطعت الكهرباء عن 15 ألف شخص في مدينة نيوكاسل القريبة ومنطقة هانتر.

وكشف جهاز خدمات الطوارئ بالولاية على موقعه الإلكتروني أنه تلقى ألفين و825 اتصالاً طلباً للمساعدة منذ أمس (الجمعة)، معظمها يتعلق بأشجار متساقطة وممتلكات تضررت بسبب الرياح.

وذكرت هيئة الأرصاد الجوية في البلاد أن تحذيرات من الفيضانات والرياح المدمرة والأمطار الغزيرة صدرت في العديد من أجزاء الولاية، مضيفة أن من المحتمل أن تهب رياح تصل سرعتها إلى 100 كيلومتر في الساعة فوق المناطق الجبلية.

وأشارت وسائل إعلام محلية إلى أن هذه التحذيرات تأتي بعد أن تسببت العواصف في الأسبوع الماضي في سقوط الأشجار وخطوط الكهرباء وتركت 200 ألف شخص من دون كهرباء في نيو ساوث ويلز.