نظرية جديدة عن التحنيط تفند أهداف «الحفاظ على الجثث»

يروج لها معرض بريطاني وينتقدها خبير مصري

مومياء تاشريانخ وهي امرأة تبلغ من العمر 20 عاما من مدينة أخميم (متحف مانشستر)
مومياء تاشريانخ وهي امرأة تبلغ من العمر 20 عاما من مدينة أخميم (متحف مانشستر)
TT

نظرية جديدة عن التحنيط تفند أهداف «الحفاظ على الجثث»

مومياء تاشريانخ وهي امرأة تبلغ من العمر 20 عاما من مدينة أخميم (متحف مانشستر)
مومياء تاشريانخ وهي امرأة تبلغ من العمر 20 عاما من مدينة أخميم (متحف مانشستر)

يُعتقد منذ فترة طويلة أن قدماء المصريين استخدموا التحنيط كطريقة للحفاظ على الجثة بعد الموت، غير أن معرضاً سيفتتحه «متحف مانشستر» ابتداءً من 18 فبراير (شباط) من العام المقبل، يروج لنظرية جديدة مفادها أن الحفاظ على الجثة، كان هدفه تهيئة المتوفى ليصبح «معبوداً».
ويسلِّط باحثون من متحف مانشستر في بريطانيا، الضوء على هذا المفهوم الجديد، الذي يغيِّر بشكل أساسي الكثير من المفاهيم التي يتم تدريسها للطلاب حول المومياوات، وذلك كجزء من الاستعدادات للمعرض، الذي سيحمل عنوان «المومياوات الذهبية في مصر».
ويقول كامبل برايس، أمين قسم مصر والسودان بمتحف مانشستر لموقع «لايف ساينس»: «المفهوم الخاطئ حول التحنيط، قاده الباحثون الغربيون في العصر الفكتوري (عصر الثورة الصناعية الأولى في العالم وذروة الإمبراطورية البريطانية)، حيث قرروا بالخطأ أن المصريين القدماء كانوا يحافظون على موتاهم بطريقة مماثلة للحفاظ على الأسماك، وكان منطقهم هو احتواء كلتا العمليتين على مكون مماثل، وهو الملح».
ويضيف برايس: «كانت الفكرة أن تحتفظ بالأسماك لتناولها في المستقبل، لذا فقد افترضوا أن ما يحدث لجسم الإنسان هو نفس العلاج للأسماك».
ومع ذلك، فقد اختلفت المادة المالحة التي استخدمها المصريون القدماء، عن الملح المستخدم للحفاظ على الأسماك، حيث استخدموا الملح المعروف باسم «ملح النطرون»، وكان هذا المعدن الطبيعي (مزيج من كربونات وبيكربونات وكلوريد وكبريتات الصوديوم)، وفيراً حول قيعان البحيرات بالقرب من النيل، وكان بمثابة عنصر رئيسي في التحنيط.
ويقول برايس: «نعلم أيضاً أن ملح النطرون كان يستخدم في طقوس المعابد وطُبق على تماثيل الآلهة، كما أن مادة أخرى مرتبطة بشكل شائع بالمومياوات هي راتنجات البخور، كانت أيضاً بمثابة هدية للآلهة».
ويضيف: «عندما تستخدم ملح النطرون، وراتنجات البخور مع الجسم، فإنك تجعله يصبح معبوداً، وليس بهدف الحفاظ عليه بالضرورة».
وانتقد برايس، المفهوم الشائع بأن المتوفى سيحتاج إلى جثته في الحياة الآخرة، ورأى أن إزالة الأعضاء الداخلية عند التحنيط لا تتفق مع هذا المفهوم، وقال: «أعتقد أن هذا في الواقع له معنى أعمق إلى حد ما، وهو يتعلق بشكل أساسي بتحويل الجسد إلى معبود».
واختتم تصريحاته المثيرة للجدل حول التحنيط، بقوله إنه «غالباً ما يجد علماء الآثار مومياوات موضوعة مع تابوت يُظهر صورة المتوفى على القناع، وفي اللغة الإنجليزية، فإن القناع هو شيء يحجب هويتك، ولكن عندما توضع صورة تكشف عن هويتك، فهذا يعطي صورة مثالية للشكل الإلهي».
من جانبه، يرى الباحث بسام الشماع، عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، أن هذه النظرية المصاحبة للمعرض، غرضها الرئيسي الترويج للمعرض، لكنها مليئة بالكثير من الملاحظات، على حد تعبيره.
وأولى هذه الملاحظات، وفق الشماع، تتعلق بملح النطرون: «صحيح أنه ارتبط بطقوس تتعلق بالمعبودات، بل إن الكهنة كانوا يستخدمونه لتطهير الفم، قبل ترتيل المقولات الدينية، لكنه كان يستخدم أيضاً في الأغراض الحياتية والصناعية».
ووفق قاموس مصر القديمة، الصادر عن المتحف البريطاني، كان يستخدم هذا الملح في أغراض تشبه الصابون ومعجون الأسنان، كما كانت له استخدامات صناعية، حيث يستخدم في إنتاج الزجاج.
أما فيما يتعلق باستخدام الصور مع الأقنعة، فهذا لم يكن شائعاً، ويقول الشماع: «إذا كان شائعاً، كما يقول برايس، فأين القناع الذي يحمل صورة الملك الشاب توت عنخ آمون».
وبعيداً عن هاتين الملاحظتين، فإن التحنيط لم يكن يستخدم فقط مع الملوك، ولكن كان يستخدم مع أشخاص عاديين، وبالتالي: «إذا كانت فكرة تحويل المتوفى إلى معبود جائزة مع الملوك، فهل ستكون كذلك مع أشخاص عاديين؟».
واختتم قائلاً: «إذا كان ملوك الفراعنة يرغبون في اكتساب هذه الصفة، كان بإمكانهم صناعة تمثال ذهبي، مثلما فعل الملك رمسيس الثاني في معبد أبو سمبل، والذي تتعامد الشمس على وجهه كل عام مع تماثيل ثلاثة أرباب هم: رع حور، وآمون، وبتاح».


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
TT

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)

رحلت الإعلامية المصرية ليلى رستم، الخميس، عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد تاريخ حافل في المجال الإعلامي، يذكّر ببدايات التلفزيون المصري في ستينات القرن العشرين، وكانت من أوائل المذيعات به، وقدمت برامج استضافت خلالها رموز المجتمع ومشاهيره، خصوصاً في برنامجها «نجمك المفضل».

ونعت الهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة الكاتب أحمد المسلماني، الإعلامية القديرة ليلى رستم، وذكرت في بيان أن الراحلة «من الرعيل الأول للإعلاميين الذين قدموا إعلاماً مهنياً صادقاً متميزاً وأسهموا في تشكيل ثقافة ووعي المشاهد المصري والعربي، حيث قدمت عدداً من البرامج التي حظيت بمشاهدة عالية وشهرة واسعة».

والتحقت ليلى بالتلفزيون المصري في بداياته عام 1960، وهي ابنة المهندس عبد الحميد بك رستم، شقيق الفنان زكي رستم، وعملت مذيعةَ ربط، كما قدمت النشرة الفرنسية وعدداً من البرامج المهمة على مدى مشوارها الإعلامي، وفق بيان الهيئة.

ليلى رستم اشتهرت بمحاورة نجوم الفن والثقافة عبر برامجها (ماسبيرو زمان)

وتصدر خبر رحيل الإعلامية المصرية «التريند» على منصتي «غوغل» و«إكس» بمصر، الخميس، ونعاها عدد من الشخصيات العامة، والعاملين بمجال الإعلام والسينما والفن، من بينهم الإعلامي اللبناني نيشان الذي وصفها على صفحته بمنصة «إكس» بأنها «كسرت طوق الكلاسيكية في الحوار ورفعت سقف الاحترام والمهنية».

كما نعاها المخرج المصري مجدي أحمد علي، وكتب على صفحته بموقع «فيسبوك» أن المذيعة الراحلة «أهم مذيعة رأتها مصر في زمن الرواد... ثقافة ورقة وحضوراً يفوق أحياناً حضور ضيوفها».

واشتهرت ليلى رستم بلقب «صائدة المشاهير»؛ نظراً لإجرائها مقابلات مع كبار الشخصيات المؤثرة في مصر والعالم؛ مما جعلها واحدة من أعلام الإعلام العربي في تلك الحقبة، وقدّمت 3 من أبرز برامج التلفزيون المصري، وهي «الغرفة المضيئة»، «عشرين سؤال»، و«نجمك المفضل»، بالإضافة إلى نشرات إخبارية ضمن برنامج «نافذة على العالم»، وفق نعي لها نشره الناقد الفني المصري محمد رفعت على «فيسبوك».

الإعلامية المصرية الراحلة ليلى رستم (إكس)

ونعاها الناقد الفني المصري طارق الشناوي وكتب عبر صفحته بـ«فيسبوك»: «ودّعتنا الإعلامية القديرة ليلى رستم، كانت أستاذة لا مثيل لها في حضورها وثقافتها وشياكتها، جمعت بين جمال العقل وجمال الملامح»، معرباً عن تمنيه أن تقدم المهرجانات التلفزيونية جائزة تحمل اسمها.

ويُعدّ برنامج «نجمك المفضل» من أشهر أعمال الإعلامية الراحلة، حيث استضافت خلاله أكثر من 150 شخصية من كبار الأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين، من بينهم طه حسين، وعبد الحليم حافظ، وأحمد رمزي، وفاتن حمامة وتوفيق الحكيم، كما أجرت مقابلة شهيرة مع الملاكم الأميركي محمد علي كلاي.

وأبرزت بعض التعليقات على «السوشيال ميديا» حوار الإعلامية الراحلة مع كلاي.

وعدّ رئيس تحرير موقع «إعلام دوت كوم» محمد عبد الرحمن، رحيل ليلى رستم «خسارة كبيرة» وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلامية الراحلة كانت تنتمي إلى جيل المؤسسين للتلفزيون المصري، وهو الجيل الذي لم يكن يحتاج إلى إعداد أو دعم، لكن دائماً ما كان قادراً على محاورة العلماء والمفكرين والفنانين بجدارة واقتدار»، موضحاً أن «القيمة الكبيرة التي يمثلها هذا الجيل هي ما جعلت برامجهم تعيش حتى الآن ويعاد بثها على قنوات مثل (ماسبيرو زمان) ومنصة (يوتيوب) وغيرهما، فقد كانت الإعلامية الراحلة تدير حواراً راقياً يحصل خلاله الضيف على فرصته كاملة، ويبرز الحوار حجم الثقافة والرقي للمذيعين في هذه الفترة».

بدأ أول بث للتلفزيون المصري في 21 يوليو (تموز) عام 1960، وهو الأول في أفريقيا والشرق الأوسط، واحتفل بعدها بيومين بعيد «ثورة 23 يوليو»، وبدأ بقناة واحدة، ثم قناتين، ثم قنوات متعددة تلبي احتياجات شرائح مختلفة من المجتمع، ومع الوقت تطور التلفزيون المصري ليصبح قوة للترفيه والمعلومات، وفق الهيئة العامة للاستعلامات.

وشهدت بدايات التلفزيون ظهور إعلاميين مثَّلوا علامة بارزة فيما بعد في العمل التلفزيوني مثل أماني ناشد، وسلوى حجازي، وصلاح زكي وأحمد سمير، وكانت ليلى رستم آخر من تبقى من جيل الروَّاد المؤسسين.