إذا كان ربّ عملكم الحالي يذكّركم بربّ عملكم السابق، فإليكم هذا التفسير؛ عندما يتعلّق الأمر بأنواع القيادة، يتمتّع معظم رؤساء المؤسسات بشخصية ذات تركيبة مشابهة.تقول فريديريكي فابريتيوس، العالمة المتخصصة بعلوم الأعصاب وصاحبة كتاب «بيئة العمل الصديقة للدماغ... لماذا يغادر الماهرون؟ وكيف نحثّهم على البقاء؟»، إنّ «أدمغة هؤلاء الأشخاص (أي الرؤساء) تكون غالباً مركّبة بنفس الطريقة»، واصفة هذه الحالة من غياب التنوّع في الشخصية بـ«الفجوة العصبية neurogap».
أنماط الشخصيات
وتضيف فابريتيوس أنّ «غياب التنوّع في الرئاسة لا يشمل الجنس والعرق فحسب، بل يمتدّ ليشمل الشخصيات التي نضعها في مراكز القيادة».
وفي كتابها، وضعت فابريتيوس 4 تعريفات لـ«التواقيع العصبية» أو «البصمات العصبية» neurosignatures، أي أنماط النشاط الفريدة في دماغ الإنسان...
* الأشخاص الذين يسيطر عليهم الدوبامين. يتسمون بالبصيرة النافذة وحبّ المخاطرة ومواجهة التحدّيات، ولذا يميلون للعمل في ريادة الأعمال (الدوبامين هرمون وناقل عصبي... وتوقّع المكافآت يزيد من مستوياته في الدماغ - المحرر).
* الأشخاص الذين يسيطر عليهم التستوستيرون (هرمون الذكورة). يتّسمون بالمباشرة ويحبّون الإمساك بزمام الأمور، إضافة إلى أنّهم ينجذبون للبيانات، وغالباً ما يحقّقون نجاحات في مجال المبيعات والأبحاث.
* الأشخاص الذين يسيطر عليهم السيروتونين. يركزون على التفاصيل والخطط، ويحبّون وضع الجداول. يعمل هؤلاء غالباً في مجال المحاسبة أو القانون (السيروتونين - ناقل عصبي يلعب دوراً مهماً في تنظيم مزاج الأنسان، ويسمى أيضاً بهرمون السعادة - المحرر).
* الأشخاص الذين يسيطر عليهم الأستروجين (هرمون الأنوثة). يتّسمون بالرعاية والتعاطف، وغالباً ما يعملون في وظائف الموارد البشرية والتعليم.
تقول فابريتيوس إنّ «معظم القادة، نساء ورجالاً، يملكون ما أسمّيه أنا بصمة (توقيع) تستوستيرون-دوبامين العصبي. ويتميّز هؤلاء بالطموح الشديد ومقاومة الضغوط، ويحبّون التغيير، ويتعاطفون أقلّ من غيرهم. إذا كنتم تسألون لماذا يعاني كثيرون من الإرهاق في العمل، وكيف أنّ الصحّة النفسية معتلّة في بيئة العمل، أعتقد أنّ السبب يكمن في رأس الهرم القادر على مواجهة الضغط والتوتّر، الذي يؤسس لبيئة عمل تناسب أمثاله».
بيئة عمل «فكرية»
تعتبر فابريتيوس أنّه بدلاً من الطلب من النّاس العمل وفق البصمة العصبية التي يملكها القائد، يجب على المنظّمات والشركات تأسيس «بيئات عمل صديقة للدماغ» تكون جاذبة لجميع البصمات العصبية.
وتشرح عالمة الأعصاب أنّ «بيئة العمل الصديقة للدماغ هي مكان العمل الذي يتماشى مع عقل كل شخص. بمعنى آخر، إنّه المكان الذي لا يحتاج فيه الدماغ للتكيّف... لأنّه يستميل كل شخص للقيام بأفضل أداءٍ بشكلٍ تلقائي».
يبدأ تأسيس بيئة العمل الصديقة للدماغ من عملية التوظيف. تقول فابريتيوس إنّ «البشر في تكوينهم يحبّون الأشخاص الذين يشبهونهم، ويميلون إلى تعيين وترقية الذين يشبهونهم أيضاً. لكن يجب أن نفهم أنّ التنوّع أمرٌ جيّد. إذا كان لديكم أشخاص يعملون بطرائق مختلفة، فإنهم سيساهمون في سدّ الفجوة العصبية، وسيضيفون مهارات مكمّلة لبيئة العمل».
مزايا وأدوار
بعدها، يجب إسناد المهام والأدوار لأصحاب البصمات العصبية الذين سيتفوّقون فيها لخلق بيئات عملٍ مختلفة لأشخاص مختلفين.
* «قادة الدوبامين». تقول فابريتيوس مثلاً إنّ الأشخاص الذين يملكون معدّل دوبامين مرتفعاً يحبّون الاستكشاف وتجربة أمورٍ جديدة، بالإضافة إلى أنّهم يتحمّلون التغيير، ويبرعون بالسفر، ويحبّون التحدّي. من هنا، يجب إثارة فضولهم بمشروعات أو أدوار جديدة، وإلّا سيملّون بسرعة. ويجب أيضاً أن يحصلوا على الاستقلالية وحريّة الإبداع.* «قادة السيروتونين». الأشخاص الذين يملكون معدّلات سيروتونين مرتفعة يعملون بشكلٍ أفضل في البيئات الهادئة، ويؤدّون دور المديرين بشكلٍ بارع، لأنّ الموظفين يعتبرونهم غالباً محلاً للثقة والاستقرار؛ هؤلاء، يجب أن تُسند إليهم أعمال روتينية ومنظّمة. وتجدر الإشارة أنّ هؤلاء الأشخاص بارعون في بناء العلاقات وتشكيل الفرق والمجموعات.* «قادة التستوستيرون». من جهتهم، يجهد الأشخاص الذين يملكون مستويات تستوستيرون مرتفعة للحصول على القوّة وتبوّء المناصب، ويحترمون المنطق والعقلانية. يعمل أصحاب هذه البصمة العصبية بأفضل طاقتهم عندما يكونون بعيدين عن الإشراف والمراقبة. تقترح فابريتيوس وضع هؤلاء في أماكن يستطيعون فيها استخدام هذه المهارات في حلّ التعقيدات واتخاذ القرارات السريعة.وتضيف: «أنا لا أقول اسمحوا لهم بأن يكونوا فظّين، لأنّ الوضع سيصبح لا يُطاق عندها، لكن اسمحوا لهم أن يتصرّفوا بسرعة ولا تصلوا بهم إلى الملل بالاجتماعات الطويلة إذا كانوا يريدون الحديث في نقاط قليلة».
* «قادة الأستروجين». وأخيراً، يضفي الأشخاص الذين يملكون معدّل أستروجين مرتفعاً التعاطف، والتفكير الجانبي الإبداعي على بيئة العمل. ويحتاج هؤلاء إلى الانسجام، ويميلون إلى مغادرة أي محيط سامّ. ويبرع أصحاب هذه البصمة العصبية في مراكز القيادة، وغالباً ما ينشؤون بيئة عملٍ إيجابية ومشجّعة.
وهكذا، في بيئة العمل الصديقة للدماغ، تضفي كلّ بصمة عصبية قيمة جديدة على المؤسسة، ويشعر الجميع أنّهم في منزلهم.
تقول فابريتيوس إنّ «الأمر ليس أن نجعل الجميع سعداء فحسب، بل أن ندعهم يستخدمون مهاراتهم ومواهبهم. إذا كنتم القادة، يجب أن تبذلوا مجهوداً للتعاطف وأن تكونوا أكثر تسامحاً. عندما تبدؤون بالشعور بالغضب والتفكير بأنّ فلاناً لا يشبهكم، يجب أن تتذكّروا أن هذا الأمر جيّد، لأنّ تغيير تركيبة بيئة العمل أسهل من تغيير الأشخاص. دعوا النّاس يعملون وفقاً لمواطن قوّتهم، بدل تضييع الوقت في محاولة تغيير شخصياتهم».
* «فاست كومباني»
ـ خدمات «تريبيون ميديا»