كيف يضر «كورونا» خلايا الدماغ؟

باحثون أميركيون قدموا حلاً للغز... واقترحوا العلاج

أليسون موتري يحمل صينية بها أشباه عضيات الدماغ البشري المشتقة من الخلايا الجذعية (جامعة كاليفورنيا)
أليسون موتري يحمل صينية بها أشباه عضيات الدماغ البشري المشتقة من الخلايا الجذعية (جامعة كاليفورنيا)
TT

كيف يضر «كورونا» خلايا الدماغ؟

أليسون موتري يحمل صينية بها أشباه عضيات الدماغ البشري المشتقة من الخلايا الجذعية (جامعة كاليفورنيا)
أليسون موتري يحمل صينية بها أشباه عضيات الدماغ البشري المشتقة من الخلايا الجذعية (جامعة كاليفورنيا)

مكنت «عضيات» الدماغ البشري باحثين بجامعة كاليفورنيا الأميركية من حل أحد الألغاز المرتبطة بمرض «كوفيد - 19»، وهو قدرته على إصابة الخلايا العصبية.
و«العضيات»، هي أنسجة ثلاثية الأبعاد ذاتية التنظيم، مشتقة من الخلايا الجذعية المستنبتة التي يمكن أن تحاكي بعض الأعضاء، وباستخدامها أظهر الباحثون في الدراسة المنشورة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بدورية «بلوس بيولوجي»، كيف أن فيروس «كورونا المستجد»، المسبب لمرض «كوفيد - 19»، يصيب الخلايا العصبية القشرية ويدمر على وجه التحديد نقاط الاشتباك العصبي، وهي الروابط بين خلايا الدماغ التي تسمح لها بالتواصل مع بعضها البعض.
وتشير النتائج إلى أن عقار «سوفوسبوفير» المضاد للفيروسات، وهو بالفعل علاج معتمد للالتهاب الكبدي الوبائي (سي)، منع بشكل فعال تكاثر الفيروس، وأزال التغيرات العصبية في عضيات الدماغ المصابة.
يقول كبير مؤلفي الدراسة أليسون آر موتري، الأستاذ في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، «قللت اللقاحات والعلاجات الناشئة من العواقب الصحية لـ(كوفيد - 19) في معظم المرضى، لكن ظاهرة مرض (كوفيد الطويل)، التي تتميز باستمرار الأعراض التي تشمل ضعفاً عصبياً، لا تزال غير مفهومة تماماً ودون أي علاج محدد». ويضيف: «يساعد هذا العمل في شرح بعض الأعراض العصبية للمرض والأهم من ذلك، أنه يشير إلى أنه يمكن إعادة استخدام دواء مضاد للفيروسات معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية لاستعادة صحة خلايا الدماغ المصابة، ومعالجة النتائج العصبية طويلة المدى للمرض».
وعلى الرغم من اعتباره في المقام الأول مرضاً تنفسياً، فإن «كوفيد - 19» يمكن أن يسبب أعراضاً عصبية مؤقتة أو طويلة الأمد لدى بعض المرضى، تتراوح بين فقدان التذوق والشم، وضعف التركيز (ضباب الدماغ)، والآثار النفسية مثل الاكتئاب والسكتة الدماغية والصرع، واعتلال الدماغ (تغيير في وظيفة الدماغ أو هيكله).
ومع تراكم الأدلة على أن فيروس «كورونا المستجد» يمكن أن يصيب خلايا الدماغ ويغيرها، أثير تساؤل حول كيفية تمكن الفيروس من هذه الخلايا، ووجد الباحثون أن استخدام «العضيات» يمكن أن يسهم في حل اللغز.
وقام الباحثون بتعريض عضيات الدماغ للفيروس، ولاحظوا حدوث عدوى فيروسية، واكتشفوا أن الفيروس قلل بسرعة من عدد مشابك التواصل في الخلايا العصبية في غضون سبعة أيام بعد الإصابة، ومع ذلك، عندما عولجت العضيات المصابة باستخدام «سوفوسبوفير»، تم منع تكاثر الفيروس، وتم إنقاذ أو استعادة الاضطرابات العصبية الملحوظة. وتردد النتائج صدى النماذج الحسابية السابقة التي اقترحت أن «سوفوسبوفير» يمكن أن يكون علاجاً. ووفق بحث سابق أجراه موتري وزملاؤه فإن «سوفوسبوفير» يحمي وينقذ بشكل فعال الخلايا العصبية المصابة بفيروس «زيكا» أيضاً.
يقول موتري: «خلاصة القول، يبدو أن لدى (سوفوسبوفير) القدرة على إيقاف أو منع تطور الأعراض العصبية لدى مرضى (كوفيد - 19)، ولأنه ثبت عدم تسببه في أي مخاوف تتعلق بالسلامة لدى النساء الحوامل، فقد يكون أيضاً خياراً لمنع انتقال الفيروس إلى أطفالهن الذين لم يولدوا بعد».
ويضيف: «هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات والتجارب السريرية بالطبع، ولكن هذه النتائج تقدم طريقاً إلى الأمام لعلاج حالة (كوفيد - 19) الطويلة، التي أعاقت العلاج حتى الآن لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
TT

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)

سلطت دراسة حديثة الضوء على التقدم الكبير في فهم الأسس الجينية للانزلاق الغضروفي القطني، ووجدت 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي، بالإضافة إلى 23 منطقة كانت حُددت سابقاً.

كما توفر الدراسة رؤى جديدة بشأن كيفية تأثير هذه المناطق على بنية القرص الموجود بين الفقرات (القرص الفقري)، والالتهاب، ووظيفة الأعصاب. وتتعلق النتائج الرئيسية بالجينات المرتبطة بالأعصاب، والتي تعزز فهمنا كيفية تسبب الانزلاق الغضروفي في ألم طويل الأمد وتجارب ألم متفاوتة.

الجينات و«الانزلاق الغضروفي»

يعدّ الانزلاق الغضروفي القطني أحد أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، والسبب الأكثر شيوعاً لألم العصب الوركي في الساق، وقد حُقق في عوامل الخطر الوراثية للانزلاق الغضروفي في دراسة دولية قادتها مجموعة بحثية من فلندا.

وحللت الدراسة، التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، برئاسة يوهانس كيتونين، من وحدة أبحاث الصحة السكانية بكلية الطب والمركز الحيوي في جامعة أولو، البيانات الجينية والصحية لنحو 830 ألف مشارك من بنوك حيوية قوية، مثل «البنك الحيوي الفلندي والإستوني» و«البنك الحيوي البريطاني»، وقيّمت دور مجموعات البيانات الكبيرة في الكشف عن العلاقات الجينية المعقدة. وكان لاكتشاف 5 مناطق جينومية جديدة مرتبطة بحالات أكثر شدة تتطلب الجراحة أهمية كبيرة للتأكيد على إمكانية تصميم التدخلات الطبية.

وحددت الدراسة، بالإضافة إلى ذلك، ارتباطات جديدة بالقرب من الجينات المرتبطة بالجهاز العصبي ووظيفة الأعصاب. وقد أدت النتائج المتعلقة بوظائف الجهاز العصبي إلى زيادة فهمنا العلاقة بين الانزلاق الغضروفي العرضي والألم المنتشر.

جينات الاستعداد الوراثي

وقال فيلي سالو، الباحث في جامعة أولو والمحلل الرئيسي في الدراسة، إنهم وجدوا جينات الاستعداد الوراثي التي يمكنها تفسير إطالة الألم جزئياً وكذلك الاختلافات التي لوحظت سريرياً في الألم الذي يعانيه المرضى.

وهذا ما يساعد في تطوير أساليب إدارة الألم لمرضى الانزلاق الغضروفي الذين يعانون آلاماً شديدة، وبالتالي تحسين نوعية حياتهم، كما يقول المختص في الطب الطبيعي الذي شارك في البحث، جوهاني ماتا، من وحدة أبحاث العلوم الصحية والتكنولوجيا بكلية الطب في جامعة أولو بفنلندا.

و«الانزلاق الغضروفي القطني» هو إصابة للغضروف بين فقرتين من العمود الفقري، وعادة ما يحدث بسبب الإجهاد المفرط أو صدمة للعمود الفقري، ويعدّ من أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، كما أنه السبب الأكثر شيوعاً لـ«الألم المنتشر» الذي يسمى «عرق النسا»؛ إذ يحدث «الألم المنتشر» بسبب تهيج الأعصاب الذي يحدث بسبب ضيق العصب الناجم عن الانزلاق، وخصوصاً بسبب زيادة العوامل الالتهابية في منطقة الانزلاق الغضروفي.

والانزلاق الغضروفي شائع جداً حتى لدى الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض. ويزداد تكراره مع تقدم العمر، ويسبب أعراضاً لبعض الأشخاص فقط عندما يهيج العصب؛ فالعوامل المرتبطة بتطور الانزلاق الغضروفي معروفة نسبياً، لكن التحقيق في خلفيتها الوراثية لم يحظ باهتمام كبير.

التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة

ووفقاً لدراسة نُشرت في 7 فبراير (شباط) 2024 بمجلة «JAMA»، وقادها بيورنار بيرج، من «مركز صحة الجهاز العضلي الهيكلي الذكي» بكلية العلوم الصحية في جامعة أوسلو النرويجية، فقد طور بيرج وزملاؤه نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد 12 شهراً من جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، وأكدوا صحة هذه النماذج.

كما أكدت الدراسة على إمكانات التعلم الآلي في تعزيز عملية اتخاذ القرار السريري وإرشاد المرضى فيما يتعلق بنتائج جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، فقد استخدم البحث مجموعة بيانات شاملة من السجل النرويجي لجراحة العمود الفقري، وحلل أكثر من 22 ألفاً و700 حالة لتطوير نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة.

واكتشف الباحثون أن معدلات عدم نجاح العلاج كانت على النحو التالي: 33 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مؤشر أوزويستري للإعاقة (ODI)»، و27 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مقياس التصنيف العددي (NRS)» لألم الظهر، و31 في المائة للحالات التي قيست باستخدام المقياس نفسه؛ أي «مقياس التصنيف العددي لألم الساق».

وهذا يشير إلى أن نسبة كبيرة من المرضى لم يحققوا نتائج ناجحة في تقليل الإعاقة أو تخفيف الألم بعد جراحة الانزلاق الغضروفي القطني.

دعم التشخيصات

و«مؤشر أوزويستري للإعاقة Oswestry Disability Index (ODI)» مشتق من استبيان لآلام أسفل الظهر يستخدمه الأطباء والباحثون لقياس الإعاقة الناجمة عن آلام أسفل الظهر ونوعية الحياة. و«أوزويستري» مدينة تاريخية في شروبشاير بإنجلترا.

أما «مقياس التقييم الرقمي (NRS) Numeric Rating Scale» فيقيس مستوى الألم من 0 إلى 10 (حيث يشير 0 إلى عدم وجود ألم، و10 إلى ألم شديد).

ويشير استخدام البيانات قبل الجراحة بوصفها متنبئات إلى أنه يمكن دمج هذه النماذج في سير العمل السريري عبر أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية، مما يدعم «التشخيصات الشخصية» ويساعد في اتخاذ القرارات المشتركة للجراحة.

ويؤكد المؤلفون على الحاجة إلى مزيد من التحقق الخارجي بسجلات جراحة العمود الفقري الأخرى؛ لتوسيع نطاق التطبيق. كما يمثل هذا التطور خطوة مهمة نحو الطب الدقيق في جراحة العمود الفقري، مما قد يحسن نتائج المرضى ويحسن التخطيط الجراحي.