اتفاق بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة... وترحيب أميركي

واشنطن تجيز لمجموعة «شيفرون» النفطية باستئناف أنشطة التنقيب

خورخي رودريغيز رئيس الوفد الرسمي المفاوض يتحدث للصحافيين لدى وصوله إلى مكسيكو سيتي وخلفه نيكولاس مادورو ابن الرئيس الفنزويلي أول من أمس (أ.ب)
خورخي رودريغيز رئيس الوفد الرسمي المفاوض يتحدث للصحافيين لدى وصوله إلى مكسيكو سيتي وخلفه نيكولاس مادورو ابن الرئيس الفنزويلي أول من أمس (أ.ب)
TT

اتفاق بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة... وترحيب أميركي

خورخي رودريغيز رئيس الوفد الرسمي المفاوض يتحدث للصحافيين لدى وصوله إلى مكسيكو سيتي وخلفه نيكولاس مادورو ابن الرئيس الفنزويلي أول من أمس (أ.ب)
خورخي رودريغيز رئيس الوفد الرسمي المفاوض يتحدث للصحافيين لدى وصوله إلى مكسيكو سيتي وخلفه نيكولاس مادورو ابن الرئيس الفنزويلي أول من أمس (أ.ب)

انطلقت، أمس (السبت)، في العاصمة المكسيكية، جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة، في ظل اختراق تمثل بتوصّل الطرفين إلى «اتفاق اجتماعي واسع النطاق» رحّبت به الإدارة الأميركية التي سمحت لشركة «شيفرون» النفطية باستئناف عملها في البلاد. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن من شأن الاختراق الذي تحقّق أن يترجم تخفيفاً محتملاً للعقوبات الاقتصادية والسياسية الصارمة التي تفرضها واشنطن على كراكاس. وقال وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو ايبرارد الذي بذل جهود وساطة بين الطرفين إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قاعة اجتماعات أحد فنادق مكسيكو يشكّل «أملاً لاميركا اللاتينية برمتها».
والسبت وقّع طرفا الأزمة الفنزويلية اتفاقاً انسانياً يتمحور حول التعليم والصحة والأمن الغذائي والاستجابة للفيضانات وبرامج للكهرباء. كذلك اتّفقا على مواصلة المحادثات حول الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في العام 2024.
وفور الإعلان عن توقيع الاتفاق في مكسيكو، أجازت وزارة الخزانة الأميركية لمجموعة شيفرون النفطية بأن تستأنف جزئياً أنشطة التنقيب في فنزويلا التي تختزن أكبر احتياطيات نفطية في العالم.
وأشارت الوزارة إلى أن الإجازة ستكون صالحة لمدة ستة أشهر، ستدرس خلالها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مدى وفاء حكومة نيكولاس مادورو بالتعهّدات التي قطعتها في الاتفاق الموقع السبت.
ومن أبرز النقاط التي يتضمنها الاتفاق، استعداد الطرفين للإفراج عن الودائع المالية الضخمة المجمدة في الخارج، بمساعدة الإدارة الأميركية التي قالت مصادر مواكبة لهذه المفاوضات إنها تعهدت بتوفير الضمانات للمصارف وصناديق الاستثمار التي توجد لديها الودائع، على أن يخصص جزء منها لتمويل الحكومة الفنزويلية، والجزء الآخر لصندوق مساعدات إنسانية بإشراف الأمم المتحدة.
وتقول مصادر النظام الفنزويلي إن المصرف المركزي البريطاني يحتجز 31 طناً من سبائك الذهب العائدة لفنزويلا، وإنّ الأرصدة المجمدة في مصارف الولايات المتحدة تقارب خمسة مليارات دولار.
وفي حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»، قال مصدر مسؤول في المعارضة الفنزويلية، إن هذه الجولة الجديدة من المفاوضات جاءت ثمرة حاجة مزدوجة للطرفين: النظام الذي نضبت مصادر تمويله، والإدارة الأميركية الراغبة في عودة فنزويلا إلى سوق النفط العالمية بقدراتها الإنتاجية السابقة.
وأضاف المصدر أن المعارضة حصلت على تأكيدات من الجانب الأميركي، بأن أي اتفاق مع النظام يبقى مشروطاً بالهدف النهائي المنشود من المفاوضات، وهو إجراء انتخابات رئاسية واشتراعية حرة تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة والأسرة الدولية. وقال إن القوى والأحزاب المعارضة توافقت على تقديم مرشح واحد ضد الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، تحدده انتخابات أولية تجريها أطياف المعارضة مطالع العام المقبل.
وكان لافتاً أن الإعلان عن استئناف هذه المفاوضات صدر عن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بترو الذي لعب دوراً أساسياً، إلى جانب النرويج وهولندا وروسيا، لتقريب وجهات النظر بين المعارضة والنظام، مدعوماً أيضاً من الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرناديز، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي نشط في الفترة الأخيرة على خطوط التواصل لمعالجة الأزمة الفنزويلية.
ولدى وصوله أمس إلى مكسيكو، صرّح خورخي رودريغيز، رئيس الوفد الرسمي المفاوض والذراع اليمنى لمادورو، بأن أولوية الحكومة في الوقت الراهن هي «استعادة الموارد المشروعة التي تملكها الدولة الفنزويلية والمجمدة حالياً في النظام المالي العالمي». وأضاف أن هذه الموارد ستخصص لتعزيز النظام الصحي والبنى التحتية وشراء الأدوية واللقاحات.
ويضمّ وفد النظام الفنزويلي، إلى جانب رودريغيز، أحد أبناء مادورو الذي يحمل نفس اسمه، وزوجة أليكس صعب، رجل الأعمال الكولومبي المنحدر من أصول لبنانية الموجود في عهدة العدالة الأميركية، حيث يخضع للمحاكمة بتهم غسل الأموال وانتهاك العقوبات المفروضة على النظام الفنزويلي، ما يدلّ على أنه في مرحلة ما من المفاوضات ستطلب حكومة مادورو الإفراج عن صعب الذي كان لسنوات الوسيط الرئيسي للنظام في صفقاته مع الخارج.
تجدر الإشارة إلى أن جولات المفاوضات السابقة التي كانت قد قطعت شوطاً بعيداً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، توقفت فجأة عندما قرر وفد النظام مغادرتها إثر تسليم سلطات الرأس الأخضر أليكس صعب إلى العدالة الأميركية.
وتقول مصادر مواكبة لهذه المفاوضات إن واشنطن هي التي عادت واستأنفت التواصل مع النظام الفنزويلي مطلع الربيع الفائت، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. وكان مادورو اعترف، في خطاب متلفز أواخر مارس (آذار) الماضي، بأنه اجتمع مع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين في أجواء سادها «الاحترام والودّ والدبلوماسية». وقال: «اتفقنا على العمل انطلاقاً من الاحترام المتبادل والأمل، من أجل التقدم على مسار السلام والرفاهية لشعوب المنطقة».
وتعتقد هذه المصادر أن مبادرة الإدارة الأميركية تراهن على أن هذه المفاوضات التي يديرها خوان غونزاليس، مستشار البيت الأبيض الخاص لشؤون أميركا اللاتينية، لن تساعد فحسب على عودة فنزويلا إلى سوق النفط العالمية وكبح صعود أسعاره في الولايات المتحدة، بل من شأنها أن تمهّد لابتعاد النظام الفنزويلي عن روسيا وإيران.
يشار إلى أن مادورو أعلن، مطلع هذا العام، أن إنتاج النفط الفنزويلي بلغ مليون برميل يومياً، وأنه في نهاية السنة الجارية سيصل إلى مليونين. لكن بيانات الوكالة الدولية للطاقة تفيد بأن الإنتاج الفنزويلي حالياً لا يتجاوز 700 ألف برميل يومياً، ويواجه صعوبات تقنية كبيرة.


مقالات ذات صلة

زعيم المعارضة الفنزويلية: كولومبيا هددت بترحيلي

الولايات المتحدة​ زعيم المعارضة الفنزويلية: كولومبيا هددت بترحيلي

زعيم المعارضة الفنزويلية: كولومبيا هددت بترحيلي

قال رئيس المعارضة الفنزويلية، خوان غوايدو، إن كولومبيا هددت بترحيله بعدما فرَّ من الملاحقة إلى بوغوتا، حسبما ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، أمس (الخميس). وذكر غوايدو أن صوته «لم يكن مسموحاً بسماعه» في كولومبيا، حيث استضاف الرئيس جوستافو بيترو قمة دولية الأسبوع الحالي، في محاولة لحل الأزمة السياسية الفنزويلية. وقال غوايدو للصحافيين في ميامي إنه كان يأمل في مقابلة بعض مَن حضروا فعالية بيترو، لكن بدلاً من ذلك رافقه مسؤولو الهجرة إلى «مطار بوغوتا»، حيث استقل طائرة إلى الولايات المتحدة. وقامت كولومبيا بدور كمقرّ غير رسمي لسنوات لرموز المعارضة الفنزويلية الذين خشوا من قمع حكومة الرئيس نيكولاس مادورو

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)
أميركا اللاتينية الرئيس الكولومبي ينفي طرد المعارض الفنزويلي خوان غوايدو من بلاده

الرئيس الكولومبي ينفي طرد المعارض الفنزويلي خوان غوايدو من بلاده

نفى الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو أن تكون سلطات بلاده قد طردت المعارض الفنزويلي البارز خوان غوايدو، لكنه اتهمه بدخول كولومبيا بشكل غير نظامي. الاثنين، قال غوايدو إنه طُرد من كولومبيا بعد ساعات قليلة على وصوله إلى بوغوتا للمشاركة في مؤتمر حول بلاده التي تتنازعها الأزمات. وتعليقًا على تصريحات غوايدو، كتب بيترو على «تويتر» الثلاثاء: «السيد غوايدو لم يُطرد ويُفضَّل ألّا تظهر أكاذيب في السياسة».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)
الاقتصاد وسط مساعي لتعزيز التعاون... روسيا تصف فنزويلا بـ«الشريك الموثوق»

وسط مساعي لتعزيز التعاون... روسيا تصف فنزويلا بـ«الشريك الموثوق»

تعتزم روسيا وفنزويلا، التي تعاني من أزمة، تعزيز التعاون القائم بينهما، حيث وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي يقوم حالياً بزيارة للدولة الواقعة في أميركا الجنوبية، كراكاس، بأنها شريك «موثوق» للغاية، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وجاءت تصريحات لافروف، التي نقلها التلفزيون الفنزويلي، بعد أن عُقد لقاء بينه وبين رئيس فنزويلا، نيكولاس مادورو، أمس (الثلاثاء). وأفادت تقارير بأن لافروف قال في مؤتمر صحافي مع نظيره الفنزويلي إيفان جيل، إن «فنزويلا من أكثر الشركاء الموثوقين في العالم». وأكد أن البلدين مرتبطان بالتعاون الاستراتيجي والصداقة والتعاطف المتبادل. وقال وزير الخارجية الروسي إن موسكو س

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «مع مادورو»... برنامج تلفزيوني جديد للرئيس الفنزويلي

«مع مادورو»... برنامج تلفزيوني جديد للرئيس الفنزويلي

بدأ الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، تقديم برنامج تلفزيوني خاص به على إحدى القنوات العامة قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقال الرئيس اليساري، الاثنين، وهو يقدم الحلقة الأولى من برنامجه «مع مادورو» (كون مادورو) «نحن نبدأ مرحلة جديدة من التواصل». وغالباً ما تشتكي المعارضة الفنزويلية من احتكار الحكومة الفنزويلية وسائل الإعلام العامة والظهور المستمر لمادورو مقابل تغييبها، بحسب ما قالت وكالة الصحافة الفرنسية. وظهرت في الحلقة مع مادورو شخصية مصممة بواسطة الذكاء الصناعي تحمل اسم «سيرا»، في إشارة على ما يبدو إلى «سيري»، المساعد الشخصي لشركة «أبل»؛ وذلك للرد على الاتهامات الموجهة للحكومة

«الشرق الأوسط» (كراكاس)
أميركا اللاتينية فنزويلا تعتبر تنظيم مؤتمر للهجرة في بروكسل أمراً «معادياً» لها

فنزويلا تعتبر تنظيم مؤتمر للهجرة في بروكسل أمراً «معادياً» لها

اعتبرت الحكومة الفنزويلية عقد مؤتمر في بروكسل حول الهجرة الجماعية للفنزويليين وتداعياتها على المنطقة، أمرا «معاديا» لها. وقالت وزارة العلاقات الخارجية الفنزويلية في بيان، الثلاثاء، إنها «ترفض دعوة وعقد ما يُسمى المؤتمر الدولي للتضامن مع اللاجئين والمهاجرين الفنزويليين والدول التي تستضيفهم...

«الشرق الأوسط» (كراكاس)

أسرار المواقع السوداء وأمراض الشيخوخة للمعتقلين تتصدر محاكمات غوانتانامو

معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
TT

أسرار المواقع السوداء وأمراض الشيخوخة للمعتقلين تتصدر محاكمات غوانتانامو

معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)

تجمعت الكثير من التساؤلات التي تواجه مستقبل عمليات السجون في خليج غوانتانامو في قضية إصدار الحكم على أحد قادة تنظيم «القاعدة» المقرّين بالذنب، من شيخوخة المحتجزين إلى صفقات الإقرار بالذنب السرية.

وفي جلسة استماع عُقدت الشهر الماضي جلس السجين على كرسي مستشفى مبطن ومعه مشاية ذات أربع عجلات وعصا في متناول يده، وهو بالكاد يشبه القائد الموقر للمتمردين الذي كان في أفغانستان. وقد أدى مرض العمود الفقري إلى إصابته بالشلل. ويقول محاموه إنه يعاني آلاماً مستمرة. في مقصورة المحلفين المقابلة للسجين، عبد الهادي العراقي، بدا 11 ضابطاً عسكرياً أميركياً لائقين ومهذبين في زي الخدمة الخاص بهم. وحكمت عليه اللجنة بأقصى عقوبة ممكنة، بالسجن لمدة 30 عاماً أخرى، من دون أن تدرك أن مصيره قد تحدد بالفعل في صفقة سرية قبل عامين.

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» السابق في صورة قدّمها محاموه... حيث قال أمام هيئة محلفين عسكرية أميركية إنه عُصبت عيناه وجُرّد من ملابسه وحُلقت لحيته قسراً وصُوّر عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006 (نيويورك تايمز)

العراقي واحد من 4 سجناء مدانين

عبد الهادي، الذي قُبض عليه عام 2006، هو الآن واحد من 4 سجناء مدانين فقط في خليج غوانتانامو. ولكن حاله مثل معظم المعتقلين الثلاثين هناك، تمت الموافقة نظرياً على نقله إلى بلد حليف لأميركا ومستقر وموثوق به. وهو في الثالثة والستين من عمره أيضاً يعدّ أقدم سجين، وهو من بين الأكثر مرضاً بين كبار السن والمرضى في المعتقل البحري. في عام 2022، وافق مسؤول في البنتاغون، مسؤول عن المحكمة، على تحديد مدة العقوبة بعشر سنوات بالنظر إلى اعترافه وتعاونه مع حكومة الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، يمكن أن يطلق سراح السجين في عام 2032.

وبموجب الاتفاق، يمكنه المغادرة في وقت مبكر، إذا تم العثور على بلد ما لاحتجازه وتقديم الرعاية الصحية له. كما تمت الموافقة على نقل 18 سجيناً آخر كانوا محتجزين لفترة أطول من مدة احتجاز عبد الهادي؛ وذلك بموجب ترتيبات أمنية. لا يمكن إعادة معظم المحتجزين الذين تم إخلاء سبيلهم إلى بلدانهم الأصلية؛ لأن الولايات المتحدة ترى بلدانهم غير مستقرة، أو أن حكوماتهم معادية للغاية بحيث لا تتمكن من تعقبهم وإعادة تأهيلهم.

وتشمل هذه المجموعة 11 يمنياً وصومالياً وليبياً لم توجه إليهم أي تهم أو إدانتهم أبداً. وبالنسبة لعبد الهادي، فإن ذلك يعني أنه لا يستطيع الانضمام إلى زوجته وأطفاله الأربعة البالغين، وجميعهم من مواطني أفغانستان، وطنه المتبنى.

وقد ناقش الدبلوماسيون الأميركيون قضيته مع دول أخرى. لم يوافق أي منهم على التعامل مع محنة مجرم حرب معترف يحتاج إلى رعاية طبية مستمرة بعد 6 عمليات جراحية أجريت له في عموده الفقري في غوانتانامو. كما كانت محاكمة إصدار الأحكام بمثابة نموذج لحل قضايا جرائم الحرب طويلة الأمد في غوانتانامو من خلال اتفاقات الاعتراف بالذنب.

وفي إطار العملية الغامضة للجان العسكرية، لا يمكن للقاضي أن يصدر حكماً ببساطة على عبد الهادي.

معسكر العدالة في خليج غوانتانامو بكوبا العام الماضي (نيويورك تايمز)

جزء من تنظيم «القاعدة»

وبدلاً من ذلك، نقلت وزارة الدفاع الأميركية هيئة الضباط العسكريين جواً إلى غوانتانامو من القواعد الأميركية في جميع أنحاء العالم، وحُددت جلسة للنطق بالأحكام خلال أسبوعين، وهي محاكمة مصغرة.

وتلقى الفريق وثيقة مفصلة من 18 صفحة، في 124 فقرة، وهي بالأساس اعتراف تحت القسم تم التوصل إليه مع المدعين العامين، ووقتاً لدراسته. وفيها سرد عبد الهادي قصة حياته. وأوضح أنه فرّ إلى أفغانستان لتجنب العودة إلى الجيش العراقي والخدمة في حرب الخليج عام 1991، وأصبح لاحقاً جزءاً من الدائرة الداخلية لتنظيم «القاعدة».

وأقرّ بأن قوات المتمردين التي كان يقودها استخدمت بشكل غير قانوني غطاء المدنيين في الهجمات التي قتلت 17 من القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان بين عامي 2003 و2004. ثم جاء دور الضحايا. وقال ثلاثة من قدامى المحاربين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على أفغانستان، ووالد وشقيقة أحد أفراد القوات الخاصة الذي قُتل في القتال، عن استمرار شعورهم بالصدمة حتى الآن، بعد سنوات من نهاية أطول حرب أميركية. ووصفوا المنازل المحطمة، والجثث المَتلُوفة، والشعور بذنب الناجين، والعجز التام لديهم. ووصف الرقيب الأول المتقاعد روبرت ستاوت، النجاة من تفجير انتحاري فاشل ثم تفكيك العبوة - وهي سيارة أجرة محملة بالمتفجرات، في تجربة جعلته يعاني ضغوطاً شديدة.

وداخل المواقع السوداء أمضى ثلثا المحتجزين الآن في معتقل غوانتانامو بعض الوقت في برنامج الاستجواب السري التابع للاستخبارات المركزية الأميركية، وفقاً لدراسة سرية أجراها مجلس الشيوخ عام 2014 حول البرنامج، والذي أصبح محظوراً الآن. وقدمت جلسة النطق بالحكم على عبد الهادي لمحة نادرة من الداخل. باستخدام تصوير الطب الشرعي بزاوية 360 درجة الذي أنتجته الحكومة، أطلع عبد الهادي وأحد محامي الدفاع المحلفين على «الموقع الأسود» الذي احتجز فيه عبد الهادي بمعزل عن العالم الخارجي في أفغانستان قبل نقله إلى خليج غوانتانامو عام 2007.

واطلعوا على «غرفة صامتة» بيضاء فارغة مساحتها 6 أقدام، حيث احتُجز عبد الهادي لمدة 3 أشهر تقريباً - من دون لطخة دم على جدار، ودلو للمرحاض، وسجادة بسيطة على الأرض، قال السجين بأنه استعملها كوسادة. تمكن الفريق القانوني لعبد الهادي من رفع السرية عن المادة، وعلى رغم اعتراضات دوغلاس جيه شورت، المدعي العام الرئيسي، تم عرض صور الزنزانة الخالية من النوافذ على الجمهور، والتي كانت في ذلك اليوم في المحكمة تتكون من الضحايا، واثنين من طلاب القانون، ومراسل واحد. الشيخوخة واشتداد المرض، حيث كانت إعاقة عبد الهادي ظاهرة أيضاً طوال جلسة الاستماع، بدءاً بالجنود الذين جلبوه على كرسي متحرك إلى قاعة المحكمة، حيث كان سرير المستشفى متواجداً في زاوية بعيدة. عقد القاضي جلسات صباحية قصيرة قبل أن تجعل مسكنات الألم الموصوفة لعبد الهادي يشعر بالنعاس لدرجة تمنعه من متابعة الإجراءات.

وفي حالات أخرى، يعدّ محامو الدفاع حالته طليعة المشكلات الصحية الناشئة لدى مجموعة من السجناء الذين يعانون إصابات دماغية مؤلمة، وأمراضاً عقلية، واضطرابات في الجهاز الهضمي، وإصابات في الظهر والرقبة.

مدخل معسكر غوانتانامو شديد الحراسة (الشرق الأوسط)

اللائمة على «المواقع السوداء»

وقد ألقى المحامون باللائمة في المشاكل الصحية التي يعانيها السجناء على السنوات التي كانوا يحتجزون فيها في «المواقع السوداء». وقال القاضي العسكري، العقيد تشارلز بريتشارد جونيور، إنه تم تقديم بعض التسهيلات «لضمان عدم التأثير سلباً على حق المتهم في حضور هذه الإجراءات القانونية».

وحذر هيئة المحلفين من اتخاذ هذا الإجراء ضد السجين. قال الرائد لوكاس هويسنغا، وهو محام من قوات المارينز في فريق الدفاع، إن عبد الهادي تلقى رعاية طبية دون المستوى المطلوب في «منشأة دون المستوى المطلوب» في غوانتانامو؛ ونتيجة لذلك «أصبح مُعَوَّقاً بشكل دائم ويعاني ألماً مزمناً وشديداً».

وكان سيتم إجلاء أي جندي أميركي طبياً، في ظروف مماثلة، إلى مرافق طبية عسكرية أفضل تجهيزاً في الولايات المتحدة. هذا، ويحظر الكونغرس نقل المحتجزين إلى الولايات المتحدة لتلقي الرعاية الصحية أو لأي سبب آخر. وبدلاً من ذلك، عندما وُجد عبد الهادي مشلولاً جزئياً ومصاباً بالسَّلَس البولي في زنزانته في سبتمبر (أيلول) 2017، أرسلت البحرية جراحاً صغيراً يفتقر إلى الخبرة إلى غوانتانامو، ولم يكن لديه الموارد الكافية لإجراء عملية جراحية له، كما قال الرائد هويسنغا. في حين دافع السيد شورت، المدعي العام، عن رعاية عبد الهادي وعدّها «بالتأكيد غير كافية» ورفض تشخيصه باضطرابات ما بعد الصدمة الذي لم يتم علاجه، على اعتبار أنه ربما جاء نتيجة لشعوره بالذنب.

* «نيويورك تايمز»