الخريف هو موسم البحث عن الكمأة الملقبة بالماس الأسود وهي نوع من أنواع الفطر الأغلى ثمنا في العالم، الموسم يبدأ من سبتمبر (أيلول) وينتهي في يناير (كانون الثاني) ينتظره الصيادون والمزارعون بفارغ الصبر بعد تمضية أوقات طويلة في تدريب كلابهم.
هذا النوع من الفطر ينمو تحت الأرض، ويستمد الماء من جذور الأشجار وتربطه علاقة غريبة بها بحيث يستقصي الماء منها ليردها إليها بعد ارتوائه الكافي، تجده تحت أشجار البلوط والبندق والصنوبر وأشجار الزيزفون.
نموه يحتاج إلى ثلاثة عناصر: التربة والمناخ والشجرة. ويوجد أكثر من مائة نوع منها ولكن 13 صنفًا منها صالحة للاستخدام في الطهي، النوعان الأشهر هما الكمأة السوداء، والكمأة البيضاء التي تعتبر أكثر ندرة، وتحظى بتقدير كبير من قبل الطهاة والمزارعين، وعادة ما توجد الكمأة البيضاء في محيط أشجار البندق.
تستخدم الكمأة عادة في المطاعم الإيطالية وتباع بالوزن، يبلغ سعر الكمأة السوداء ما بين حوالي 800 و1200 يورو للكيلو الواحد، في حين يصل سعر الكمأة البيضاء إلى 4500 يورو للكيلوغرام الواحد. أما بالنسبة لما يعرف بالكمأة الصيفية (خارج الموسم الأفضل) فيبلغ سعرها حوالي 300 يورو للكيلوغرام الواحد.
تعتبر فرنسا وإيطاليا من بين أكثر البلدان التي تجد فيها مزارعين متخصصين في صيد الكمأة والاتجار بها، وللقيام بهذه المهنة لا بد من الحصول على شهادة رسمية وقانونية تخولك البحث عن الكمأة وبيعها في الأسواق وتتطلب أيضا اقتناء كلاب (أفضلها من فصيلة لاغوتو رومانيولو) وبعدها يحصل المزارع على تصريح خاص ويحق له وحده التنقيب عن الكمأة مستعينا بحاسة الشم عند الكلاب، وبعدها يحق له وحده الحفر في الأرض لاستخراج الكمأة بواسطة أداة مصنوعة من رأس حديدي مدبب.
للتعرف أكثر على عالم الكمأة التحقنا برحلة صيد الكمأة مع الإيطالي جوليو بينوزي الملقب بـ«Gulio The Truffle Hunter» المولود بالأصل في مدينة تورين بإيطاليا لينتقل بعدها إلى مدينة فلورنسا في مقاطعة توسكانا المعروفة بوجود الكمأة فيها بوفرة، وافتتح جوليو مزرعة صغيرة على طريقة الـ Bed and Breakfast في منطقة «بانيو أ ريبولي» التي تبعد عن وسط فلورنسا بحوالي 25 دقيقة فقط، وهو ينظم حاليا رحلات خاصة لمن يرغب في صيد الكمأة وتذوقها في نهاية اليوم في أطباق بسيطة تحضرها صديقته فرانشيسكا.
ويقوم فندق ذا سافوي The Savoy Florence التابع لشركة روكو فورتي في فلورنسا بخدمة الكمأة تحت اسم Truffle Concierge مستعينا بخبرة جوليو الذي يأخذك في رحلة مع كلابه في الغابات القريبة من منزله.
عندما تصل إلى منزله سوف تغرم بالديكور الداخلي للبيت الريفي الجميل الذي تزينه لمسات فنية جميلة وبسيطة بالوقت نفسه ولوحات تحمل توقيع جوليو الرسام والمغني أيضا، فجوليو متعدد المواهب كان يملك بالأصل مطعما في مدينة ميلانو وقرر أن يغير حياته ويتعلم شيئا جيدا فاختار الكمأة وحصل على الشهادة في عام 2003 ليصبح بعدها اسما لامعا في عالم صيد الكمأة، يقصده الزوار والسياح من شتى أصقاع العالم للتمتع بيوم حافل بالمعلومات الجميلة والأكل اللذيذ على أنغام الموسيقى.
من المهم أن تنتعل حذاء جيدا يناسب المشي على أرض ملتوية ورطبة، فإذا لم يكن لديك الحذاء المناسب فلا تقلق لأن جوليو يقدم لك حذاء جيدا، وبعدها يقوم بتعريفك بكلابه، وبحسب جوليو فالكلب هو من يختار رفيقه في الصيد وليس العكس، ويشير هنا إلى أن الأنثى أفضل في الصيد من الكلاب الذكور. وبعدها تستقل السيارة لتصل إلى غابة مصرح للبحث فيها عن الكمأة، ويعلمنا جوليو أن الكلب هو الدليل، فعندما يتوقف الكلب تحت الشجرة يشتم الأرض، ولكن هذا لا يعني أن الكمأة تقبع في الأرض في تلك الرقعة، ولكن عندما يتوقف الكلب ويشتم الأرض ثلاث مرات ويحرك ذنبه بطريقة دائرية هذا يعني أنه قد وجد الكمأة، فعلى الصياد الاقتراب بسرعة لحفر الأرض بالأداة التي يحملها بيده (لا يحق لأي شخص آخر في المجموعة حملها بحسب قانون الصيد) وعليه أن يجد الكمأة قبل الكلب لأن هذا الأخير قد يأكلها. حالفنا الحظ ووجد كلبنا كمأة سوداء، وعربونا لنجاحنا في الصيد حصلنا في نهاية اليوم على ثلاث قطع من الماس الأسود، وبعدها شعرنا بغبطة النصر وكان الغداء بانتظارنا على يد فرانشيسكا الطاهية والمغنية. فقدمت فرانشيسكا لنا طبقا بسيطا تضمن البيض المقلي مع الكمأة وقطعة من البولينتا مع الكمأة أيضا إلى جانب قطع من جبن البيكورينو بالكمأة وخبز فوكاتشيا طازج مع زيت زيتون ذهبي اللون. المعروف عن الكمأة أنها تتلاءم مع مذاق الباستا والبطاطس والبيض بشكل كبير ومن الضروري إضافتها إلى الطبق قبل الأكل مباشرة عن طريق بشرها بأداة خاصة للحفاظ على مذاقها ورائحتها النفاثة. ومن المعروف أيضا عن الكمأة أنها منخفضة السعرات الحرارية ومفيدة جدا لجهاز المناعة وغنية بالفيتامينات.
وفي نهاية يوم مليء بالمعلومات المفيدة والنكهة اللذيذة والروائح القوية، بدأ جوليو بالغناء والرقص بمشاركة فرانشيسكا، واللافت هو أن كلمات الأغاني من تأليف جوليو وتتكلم عن الكمأة وكلابه.