البنك الدولي يستبعد تعافي اقتصاد لبنان إذا استمر الشلل السياسي

دعا إلى هيكلة القطاع المصرفي بشكل منصف

لبناني يجمع حطباً للتدفئة في ظل غلاء الوقود والأزمة المعيشية (إ.ب.أ)
لبناني يجمع حطباً للتدفئة في ظل غلاء الوقود والأزمة المعيشية (إ.ب.أ)
TT

البنك الدولي يستبعد تعافي اقتصاد لبنان إذا استمر الشلل السياسي

لبناني يجمع حطباً للتدفئة في ظل غلاء الوقود والأزمة المعيشية (إ.ب.أ)
لبناني يجمع حطباً للتدفئة في ظل غلاء الوقود والأزمة المعيشية (إ.ب.أ)

دحض البنك الدولي ترقبات مصرف لبنان بتحقيق نمو إيجابي للناتج المحلي بنسبة 2 في المائة هذا العام، ليستخلص في أحدث تقديراته استمرار انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 في المائة في العام الحالي، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ إستراتيجية للتعافي. ولينبّه بالتالي إلى ارتفاع المخاطر الاقتصادية للبلاد في ظل حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة طويلة، ما يؤكد ضرورة المضي قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار النهوض.
وفي توصيف لا يقل قساوة في مضمونه، أشار جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي إلى «أن عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه. وعلى لبنان اعتماد حل منصف وشامل على وجه السرعة يعيد الاستقرار للقطاع المالي ويضع الاقتصاد على مسار التعافي».‬
وبرزت هذه الاستنتاجات ضمن ملخص التقرير الأحدث لمرصد الاقتصاد اللبناني، الذي يصدر دورياً عن المؤسسة الدولية، والذي تناول التطوُّرات الاقتصادية الأخيرة والآفاق والمخاطر الاقتصادية للبلاد، مستخلصاً منها تموضع لبنان في الصفوف الأخيرة للترتيب العالمي الذي يقيس الأداء الكلي للاقتصادات الوطنية، ومرجحاً أن يتبوأ مركز «الأسوأ» ضمن المجموعة المحددة من الدول التي انحدر إلى خانتها، وتضم زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال.
وإذ حمل التقرير عنواناً لافتاً بأنه «حان الوقت لإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو منصف»، فقد رجّح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، ما يعمّق محنة الشعب اللبناني. ليؤكد بالتالي، أنه بعد مرور أكثر من 3 سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان، لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسية حول كيفية توزيع الخسائر المالية يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد.
وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 في المائة عام 2022، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ إستراتيجية للتعافي. ونظراً لتوفُّر بيانات أفضل مما كان متوقعاً سابقاً، فإن البنك الدولي يعدّل تقديراته لانكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للعام الماضي إلى 7 في المائة بخلاف نسبة 10.4 في المائة المقدرة سابقاً. مع التنويه بأن الانكماش في الناتج الذي شهده لبنان منذ عام 2018 والبالغ 37.3 في المائة، يُعد من بين أسوأ معدلات الانكماش التي شهدها العالم، ما يقوض قدرة الاقتصاد على التعافي.
وفيما يخلص التقرير إلى أن الأزمة الحالية ستعزِّز على الأرجح مستويات الدولرة المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي، فإنه يلاحظ أنه رغم تدخلات مصرف لبنان لمحاولة تثبيت سعر الصرف في السوق الموازية على حساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية الآخذ في التناقص، فإن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر. وهو ما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ صيف العام 2020، ويتوقّع أن يبلغ متوسطه 186 في المائة العام الحالي. وبذلك، فهو من بين أعلى المعدلات عالمياً. كما يُعد لبنان من أكثر البلدان تضرُّراً من التضخم الذي طرأ مؤخراً على أسعار المواد الغذائية التي تتأثر بها بشكل خاص الأسر الفقيرة والمحتاجة، إذ تشكّل نسبة كبيرة من نفقاتها في ظل التآكل الشديد لقوتها الشرائية.
ويرى التقرير أنه مع زيادة الخسائر المالية عن 72 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل أكثر من 3 أضعاف إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، فإن تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق نظراً لعدم توفر الأموال الكافية لذلك. فأصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدَّرة، كما لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكَّدة ويحتاج تحقيقها سنوات.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

لماذا استأنفت الميليشيات العراقية عملياتها ضد الأميركيين؟

جندي من قوات التحالف الدولي خلال دورية قرب قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية - سانتاكوم)
جندي من قوات التحالف الدولي خلال دورية قرب قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية - سانتاكوم)
TT

لماذا استأنفت الميليشيات العراقية عملياتها ضد الأميركيين؟

جندي من قوات التحالف الدولي خلال دورية قرب قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية - سانتاكوم)
جندي من قوات التحالف الدولي خلال دورية قرب قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية - سانتاكوم)

منذ أن تسبب هجوم بطائرة مسيرة في نهاية يناير (كانون الثاني)، بمقتل ثلاثة جنود أميركيين في منطقة صحراوية على المثلث الحدودي العراقي - الأردني – السوري، والرد الذي نفذته الولايات المتحدة بضربات واسعة ضد الفصائل الموالية لإيران، في العراق وسوريا، تراجعت فصائل عراقية عن هجماتها.

ورأى البعض الرد الأميركي في ذلك الوقت، رسالة «ردع» كانت تهدف إلى تحذير إيران من مغبة توسيع الصراع في المنطقة، على خلفية الحرب الإسرائيلية في غزة، لكن هجوم الخميس الماضي على قاعدتين تضمّان قوات للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، أعاد التساؤل عن الأسباب التي تقف وراء «التحرشات» الجديدة بالقوات الأميركية.

قاعدة «عين الأسد» غرب العراق (أ.ف.ب)

ضغط وإحراج لبغداد

وبدا أن عامل الحرب في غزة، لم يعد هو الدافع الذي يقف وراء هذا الهجوم، في حين قلل متحدث باسم البنتاغون من أهميته، وأحال التساؤل عمّا إذا كان الأمر مرتبطاً بالاتفاق الأمني الذي وقعه مسؤولون عراقيون وأميركيون في واشنطن هذا الأسبوع، إلى وزارة الخارجية.

وقال المسؤول الدفاعي لـ«الشرق الأوسط»، إن الأسئلة المتعلقة بالعلاقات السياسية بين الولايات المتحدة والعراق والعلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وإيران، هي من مسؤولية وزارة الخارجية.

وأضاف المسؤول: «فيما يتعلق بالهجمات في سوريا والعراق، فقد تم إطلاق صاروخ واحد على موقع الدعم العسكري في منطقة الفرات في سوريا. ولم يصطدم الصاروخ بالقاعدة ولم يبلغ عن وقوع إصابات أو أضرار. وفي العراق، تم إطلاق صاروخين على قاعدة الأسد الجوية في العراق. ولم يؤثرا على القاعدة ولم يبلغ عن وقوع إصابات أو أضرار من قبل القوات الأميركية أو قوات التحالف».

وجاء هجوم الخميس بعد الاجتماع الأمني الذي عُقد في واشنطن، لبحث مستقبل قوات التحالف الدولي المناهض لـ«داعش» في العراق، بينما تطالب الفصائل المسلّحة المدعومة من إيران بانسحاب هذه القوات.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية، الأربعاء الماضي، إنّ المباحثات «توصلت إلى اتفاق حول مفهوم مرحلة جديدة في العلاقة الأمنية الثنائية».

ورجّح مسؤول أمني عراقي أن يكون الهجوم بهدف «إحراج» الحكومة العراقية و«الضغط» من أجل رحيل قوات التحالف الدولي المناهض للمتطرفين، وهو المطلب الذي تكرره الفصائل الموالية لإيران.

قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية)

رسائل بأبعاد إقليمية ونووية

ويعتقد البعض أن الهجمات «رسائل إيرانية بأبعاد إقليمية» بما فيها ملف المفاوضات النووية المتوقفة، لكن لماذا تجددت في هذا التوقيت، في حين أن إيران لم ترتب بعد ملفاتها مع رئيسها الجديد وانشغال أميركا بانتخاباتها.

يقول بهنام بن طالبلو، الباحث في الشأن الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، وهو مركز أبحاث مقرب من الجمهوريين، إن «الردع» ليس دائماً أبداً. وأضاف، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن توقف هجمات الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران ضد المواقع الأميركية في المنطقة، جاء بعد استخدام «مثير للإعجاب» للقوة من قبل إدارة بايدن في أواخر يناير بعد مقتل 3 جنود أميركيين.

لكن منذ ذلك الحين، اختبرت تلك الميليشيات 3 مرات على الأقل، الأجواء بهجمات صاروخية وطائرات من دون طيار. وكلما زاد استيعاب هذه الهجمات، زاد حجمها ونطاقها.

ويضيف بن طالبلو أنه «على الرغم من رؤية الارتباط بين التحديات النووية والإقليمية التي يفرضها ذلك، تحاول طهران إقناع واشنطن وأوروبا بفصل الملفات. ولتحقيق هذه الغاية فإن رئاسة مسعود بزشكيان (الرئيس الإيراني)، سوف تكون مصممة لإغراء الغرب بدبلوماسية نووية عقيمة، في حين أن زيادة الهجمات الإقليمية التي تدعمها إيران من شأنها أن تخلق الانطباع بأن لا نهاية في الأفق لدوامة العنف في المنطقة غير استرضاء إيران».