مكافحة تمويل الإرهاب في أفريقيا... جهود حكومية «منقوصة»

خبراء طالبوا بالتركيز على التنمية ومكافحة الفساد

صورة لتفجير إرهابي في أفريقيا (في مقديشو-الصومال) في 14 أكتوبر 2017 (crisisgroup.org)
صورة لتفجير إرهابي في أفريقيا (في مقديشو-الصومال) في 14 أكتوبر 2017 (crisisgroup.org)
TT

مكافحة تمويل الإرهاب في أفريقيا... جهود حكومية «منقوصة»

صورة لتفجير إرهابي في أفريقيا (في مقديشو-الصومال) في 14 أكتوبر 2017 (crisisgroup.org)
صورة لتفجير إرهابي في أفريقيا (في مقديشو-الصومال) في 14 أكتوبر 2017 (crisisgroup.org)

يمثل تجفيف منابع التمويل للجماعات المتطرفة في أفريقيا تحدياً كبيراً، في ظل استغلال الجماعات المتطرفة علاقاتها بعصابات التهريب وغسل الأموال، في الوصول إلى المال اللازم للتوسع والنفوذ. ورغم الجهود الرسمية لمحاولة مكافحة تدفق تلك الأموال عبر التعاون الاستخباراتي والتشريعات الهادفة إلى سد الثغرات في الأنظمة المالية التي تستغلها الجماعات المتطرفة، يرى خبراء أن مساعي التكتلات الإقليمية الأفريقية تفتقر إلى العناصر الأهم وهي المزيد من «الاهتمام بالتنمية ومكافحة الفساد».
وأقر برلمان جنوب أفريقيا الثلاثاء الماضي مشروع قانون لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يراه المراقبون محاولة لتجنب إضافة الدولة إلى قائمة المراقبة العالمية للتمويل غير المشروع. وقال وزير المالية الجنوب أفريقي، إينوك غودونغوانا، في بيان، إن التشريع «سيحسن الالتزام بأفضل الممارسات الدولية في مكافحة الجرائم المالية والفساد».
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، وصف كيث جود شوك، الباحث في قسم الدراسات السياسية في جامعة ويسترن كيب، التشريع بأنه «خطوة موفقة وجيدة التوقيت لتجنيب البلاد تصنيفها ضمن القائمة الرمادية، ما من شأنه أن يضر باقتصاد البلاد».
ويعني انضمام أي دولة إلى (القائمة الرمادية)، وضعها على قائمة البلدان الخاضعة لزيادة المراقبة من قبل مجموعة العمل المالي الدولية (FATF).
وبوقت سابق في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أشخاص وكيانات عدة في جنوب أفريقيا، متهمين بالانتماء إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، فيما عده خبراء بمثابة «جرس إنذار» لبريتوريا، ودليلاً جديداً على اختراق النظام المالي من قبل المنظمات الإرهابية لتمويل أنشطتهم في جنوب القارة الأفريقية.
وفي 8 نوفمبر، اتفقت 17 دولة أفريقية على العمل معاً للحد من غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المنطقة، خلال اجتماع «وحدات الاستخبارات المالية للبلدان» في نيجيريا، لوضع خطة تهدف إلى التوصل لحلول فعالة للتعقيدات المالية المرتبطة بالإرهاب وانتشار الأسلحة في المنطقة.
والبلدان هي بنين، وبوركينا فاسو، وكابو فيردي، وجزر القمر، وساحل العاج، وغامبيا، وغانا، وغينيا، وغينيا بيساو، وليبيريا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، وساوتومي وبرينسيب، والسنغال، وسيراليون، وتوغو. وفي حديثه خلال الاجتماعات، قال سكرتير حكومة الاتحاد النيجيري، بوس مصطفى، إن «الأساليب المتطورة التي يستخدمها الإرهابيون في تمويل أنشطتهم تشكل التحدي الأكبر الذي يواجه المنطقة».
وقالت فيسنا ماركوفيتش، الباحثة في دراسات العدل والقانون والسلامة العامة في جامعة لويس الأميركية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «في مواجهة إغلاق بعض سبل التمويل، تطور المجموعات الإرهابية قدراتها باستمرار لمواصلة جمع الأموال، لذا من الضروري اتباع نهج متعدد الجوانب لاستهداف تمويل الإرهاب».
وأضافت: «بعض البلدان في أفريقيا حيث الأنظمة الحاكمة الهشة وغياب الرقابة على النظم المالية، تستخدم حتى بعض تطبيقات الأجهزة المحمولة لتحويل الأموال… في الصومال، تم استخدام أحد تلك التطبيقات عام 2019 لتمويل هجوم على فندق في نيروبي».
ونوهت ماركوفيتش إلى أنه «يجب تعزيز جهود مكافحة غسل الأموال، والتنفيذ الفعال للتشريعات، والشراكات الوطنية والإقليمية، وتفعيل وتشديد الرقابة لزيادة فعالية الاستراتيجيات القائمة لمكافحة استراتيجيات وأساليب التمويل التي تتطور باستمرار».
وقال تقرير صادر عن مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات بالأمم المتحدة السبت 19 نوفمبر الجاري، إن الجرائم المنظمة التي تشهدها القارة الأفريقية تتجلى بصورة واضحة في منطقة الساحل والصحراء حيث يتمدد نفوذ المنظمات الإرهابية.
ولفت التقرير إلى أن الجماعات الإرهابية عادة ما تمول أنشطتها عن طريق الاتجار غير المشروع في المواد الأولية والمعادن النادرة، ومنها الذهب والفضة والماس، متعاونة مع عصابات متخصصة في مشروعات تلك الأنشطة. واعتبر التقرير أن الإرهاب هو الشكل الإجرامي المنظم الأشد شيوعا في أفريقيا.
ويرى عطية عيسوي الخبير في الشؤون الأفريقية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «الاجتماعات والقوانين وتخصيص ميزانيات، بل وحتى الجهد العسكري والأمني بدون محاربة الفساد المتفشي في أجهزة الدول الأفريقية، لن يشكل النجاح المطلوب». ويرصد عيسوي أن الفساد طالما كان متفشياً في أفريقيا لكن المتغير الأساسي الآن هو «التحالف بين ثالوث الفساد وعصابات الجريمة والتهريب والجماعات الإرهابية، والذي صار يشكل تهديداً لأنظمة الحكم في تلك الدول، وتجاوز ذلك ليشكل تهديداً دوليا، حيث صارت القارة الوجهة المفضلة للإرهاب».
ويشير إلى أنه قد يكون من المجدي «وجود تعاون استخباري ممول ومدرب بالتعاون مع أجهزة استخبارية غربية وبالتعاون مع أجهزة رقابية دولية، مع وجود سياسات حقيقية تهدف إلى استهداف عصابات الجريمة المنظمة والتهريب التي تمثل العون الأساسي لداعش وغيره من الجماعات المتطرفة».
وطالب عيسوي الدول الأفريقية الجادة في مكافحة الإرهاب «الاهتمام بملفات التنمية والعدالة، لأن الفقر والتهميش لبعض العرقيات والفئات يولّدان بيئة خصبة لمزيد من التجنيد والتعاون بين عصابات الجريمة والمنظمات المتطرفة».


مقالات ذات صلة

تونس: «عملية بيضاء» حول سجن يضم آلاف السجناء بينهم «إرهابيون»

أفريقيا الرئيس التونسي في زيارة سابقة لزنازين سجن المرناقية (موقع الرئاسة التونسية)

تونس: «عملية بيضاء» حول سجن يضم آلاف السجناء بينهم «إرهابيون»

كشفت مصادر رسمية من وزارة الداخلية التونسية، أن قوات الأمن أوقفت مؤخراً أكثر من 300 من بين «المفتش عنهم» في قضايا أمنية مختلفة، بينها الإرهاب وتهريب البشر.

كمال بن يونس (تونس)
آسيا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يرحب بعضو وفد «طالبان» الحاج محمد سهيل شاينا خلال محادثات سابقة (إعلام أفغاني)

«طالبان» تطمح إلى الحصول على معدات دفاعية روسية

كشف مسؤولون رفيعو المستوى في وزارة الدفاع الأفغانية عن عزم حركة «طالبان» على الحصول في المستقبل «عندما تكون الظروف مواتية» على أنظمة دفاع جوي روسية.

عمر فاروق (آسلام آباد)
شؤون إقليمية موقع سقوط المسيّرة التركية في كركوك (إكس) play-circle 00:24

أنقرة تتحرى مع بغداد عن مسيّرة «أُسقطت» في كركوك

أكدت تركيا أنها والعراق لديهما إرادة قوية ومشتركة بمجال مكافحة الإرهاب كما عدّ البلدان أن تعاونهما بمشروع «طريق التنمية» سيقدم مساهمة كبيرة لجميع الدول المشاركة

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
أفريقيا وزير الخارجية الروسي رفقة وزيرة خارجية السنغال في موسكو (صحافة سنغالية)

على خطى الجيران... هل تتقرب السنغال من روسيا؟

زارت وزيرة خارجية السنغال ياسين فال، الخميس، العاصمة الروسية موسكو؛ حيث عقدت جلسة عمل مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أعقبها مؤتمر صحافي مشترك.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية تركيا تعدّ وجودها العسكري في سوريا ضماناً لوحدتها (إكس)

تركيا: لا يجب التعامل مع أزمة سوريا على أنها مجمّدة

أكدت تركيا أن الحل الدائم الوحيد للأزمة السورية يكمن في إقامة سوريا تحكمها إرادة جميع السوريين مع الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

أكثر من 20 قتيلاً بقصف مُسيَّرات شمال مالي

عناصر من الجيش المالي في حالة استنفار (متداولة)
عناصر من الجيش المالي في حالة استنفار (متداولة)
TT

أكثر من 20 قتيلاً بقصف مُسيَّرات شمال مالي

عناصر من الجيش المالي في حالة استنفار (متداولة)
عناصر من الجيش المالي في حالة استنفار (متداولة)

أعلن الجيش المالي أنه نفَّذَ طلعات جوية وقصفاً لمنطقة في أقصى شمال شرقي البلاد، على الحدود مع الجزائر، أسفرت عن مقتل نحو 20 ممن وصفهم بأنهم «مسلحون إرهابيون»، بينما قالت الحركات المتمردة إن القصف استهدف المدنيين، وسقط فيه 26 من الأطفال والنساء الفارين من المعارك.

ووقع القصف يوم الأحد في محيط قرية تينزواتين، المحاذية للحدود المالية– الجزائرية، وهي التي وقعت فيها معارك نهاية يوليو (تموز) الماضي، بين المتمردين الطوارق والعرب من جهة، والجيش المالي و«فاغنر» من جهة أخرى، وانتهت بالقضاء على وحدة كاملة من الجيش المالي، ومقتل عشرات من مقاتلي «فاغنر».

ومع نهاية تلك المعارك، أعلن الجيش المالي أنه انسحب تكتيكياً، ولكنه لن يتوقف عن محاولة السيطرة على القرية التي تعد من آخر معاقل المتمردين الطوارق والعرب المتحالفين في «الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي»، وهي حركات تسعى لاستقلال إقليم أزواد في شمال مالي.

صور نشرها متمردون لأطفال قالوا إنهم قُتلوا في قصف مُسيَّرات تابعة للجيش المالي (المصدر: متمردون)

واستأنف الجيش المالي أعماله العسكرية ضد المتمردين بضربات جوية خاطفة، شنها يوم الأحد الماضي، وقال في بيان صادر أمس (الاثنين) إنه ضرب «أهدافاً إرهابية» وأردى «نحو عشرين مسلحاً».

وأوضح الجيش المالي في بيان صحافي، أن «مهمة استطلاع هجومية أتاحت رصد وتحديد هوية شاحنات صغيرة محملة بالعتاد الحربي، ومتمركزة بعناية في باحة عقار بتينزواتين»؛ مشيراً إلى أنه «بعد مراقبة دقيقة، تمكنت سلسلة ضربات من تدمير هذه الأهداف الإرهابية، وتحييد نحو 20 مسلحاً».

وأصدر الجيش المالي بياناً آخر قال فيه إن دورية تابعة له كانت تتحرك في المنطقة نفسها، وتحديداً في الطريق الرابط بين آنفيس وتساليت، عثرت على سيارتين عابرتين للصحراء، محملتين بالأسلحة والذخيرة.

وأضاف الجيش أن السيارتين تتبعان واحدة من «الجماعات الإرهابية»؛ مشيراً إلى أنه بعد مراقبة دقيقة للسيارتين، صدرت أوامر بتدخل سلاح الجو من أجل تدمير السيارتين والعتاد والأسلحة، وهو ما أكد الجيش أنه «تم بدقة عالية».

الرواية الأخرى

على صعيد آخر، قالت مصادر محلية إن القصف الأخير نفَّذته طائرات مُسيَّرة، وتجاوز عدد ضحاياه العشرين شخصاً، كان من بينهم أطفال، على حد تعبير ناشطين في الحركات المتمردة، ومسؤول محلي، ومسؤول في منظمة غير حكومية محلية، متحدثين إلى «وكالة الصحافة الفرنسية».

في غضون ذلك، قال الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي، إن حصيلة مؤقتة تشير إلى أن غارات الجيش أسفرت عن مقتل 21 شخصاً، بينهم 11 طفلاً. ودان الإطار الاستراتيجي الغارات بشدة، واصفاً ما حدث بأنه «إرهاب الدولة في مواجهة المدنيين العزل».

قوات «إيكواس» خلال تأديتها مهامها العسكرية في مالي (أرشيفية- رويترز)

وقال الإطار الاستراتيجي الذي يمثلُ المتمردين على الحكومة المركزية في باماكو، إن الغارة الأولى استهدفت مبنى صيدلية وعيادة متواضعة، قُتل خلالها صاحب العيادة، قبل أن تعود المُسيَّرة لتقصف التجمع حول القصف الأول، وكان أغلب الحاضرين من الأطفال.

وحسب رواية المتمردين، فإن الضحايا كان من بينهم أجانب ينحدرون من دول المنطقة، وخصوصاً من تشاد، هذا بالإضافة إلى عدد من الجرحى، بينما لم تصدر أي حصيلة رسمية ونهائية للقصف، وسط تضارب واسع في الروايات.

وطلب الإطار الاستراتيجي من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ودول الجوار «إدانة هذا العمل، وتقديم الجناة لمحكمة العدل الدولية»، وفق تعبيره.

ووقع القصف في قرية صغيرة تدعى إخربان، وهي عبارة عن مركز للتبادل التجاري وسط الصحراء، غير بعيد من الحدود بين مالي والجزائر، وهي المنطقة نفسها التي تعيش منذ أشهر حالة حرب مفتوحة بين الحركات المسلحة المتمردة من جهة، والجيش المالي المدعوم بـ«فاغنر» من جهة أخرى.