تحديد تغييرات غامضة بأدمغة المصابين بالصداع النصفي

ربما وجد العلماء للتو دليلًا رئيسيًا جديدًا يمكن أن يساعد في حل اللغز المحبط والمستمر للصداع النصفي. إذ انه باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي فائق الدقة، وجد باحثون أن المساحات المحيطة بالأوعية (المساحات المليئة بالسوائل حول الأوعية الدموية في الدماغ) تتضخم بشكل غير عادي في المرضى الذين يعانون من الصداع النصفي المزمن والعرضي.
وعلى الرغم من أن الارتباط أو الدور في الصداع النصفي لم يتم تحديده بعد، إلا أن الاكتشاف قد يمثل وسيلة لم يتم استكشافها بعد للبحث في المستقبل.
وقد تم تقديم هذا الاكتشاف في الجمعية العلمية 108 والاجتماع السنوي لجمعية الطب الإشعاعي في أميركا الشمالية، وفق ما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص.
ووفق الموقع، يقول عالم الطب ويلسون زو من جامعة جنوب كاليفورنيا بلوس أنجليس «في الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي المزمن والصداع النصفي العرضي بدون هالة، هناك تغيرات كبيرة في المساحات المحيطة بالأوعية في منطقة دماغية تسمى centrum semovale. ولم يتم الإبلاغ عن هذه التغييرات من قبل».
ويوضح زو «ان الصداع النصفي، دعونا لا نلفظ الكلمات، هو جحيم نتعايش معه. فعلى الرغم من أن الصداع المؤلم معروف جيدًا، إلا أن الصداع النصفي يمكن أن يسبب أيضًا الدوار وضعف البصر (المعروف باسم الأورة) والحساسية للضوء والغثيان إلى درجة القيء. ومن غير المعروف ما الذي يسبب الصداع النصفي، ولا يوجد علاج له، وكثير من حالاته لا يستجيب للعلاج؛ إذ تؤثر الحالة على ما يقدر بنحو 10 في المائة من سكان العالم. لذا فإن إيجاد سبب واستراتيجيات إدارة أكثر فعالية من شأنه أن يحسن حياة الملايين».
وكان زو وزملاؤه فضوليين بشأن المساحات المحيطة بالأوعية في centrum semovale (وهي المنطقة المركزية للمادة البيضاء في الدماغ الواقعة مباشرة أسفل القشرة الدماغية). حيث أن وظيفة هذه المساحات ليست مفهومة تمامًا؛ وتلعب دورًا في تصريف حركة السوائل، كما يمكن أن يكون تضخمها أحد أعراض مشكلة أكبر.
ويبين زو «ان الفراغات المحيطة بالأوعية هي جزء من نظام تصفية السوائل في الدماغ. وان دراسة كيفية مساهمتها في الصداع النصفي يمكن أن تساعدنا على فهم تعقيدات كيفية حدوث الصداع النصفي بشكل أفضل».
وفي هذا الاطار، قام زو وزملاؤه بتوظيف 20 مريضًا تتراوح أعمارهم بين 25 و 60 عامًا يعانون من الصداع النصفي؛ 10 يعانون من الصداع النصفي المزمن بدون هالة ، و 10 يعانون من الصداع النصفي العرضي. بالإضافة إلى ذلك، تم تضمين 5 مرضى أصحاء لا يعانون من الصداع النصفي كمجموعة ضابطة.
واستبعد الفريق المرضى الذين يعانون من ضعف في الإدراك أو رهاب الأماكن المغلقة أو ورم في المخ أو الذين سبق لهم إجراء جراحة في المخ. وبعد ذلك، أجروا فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي فائق المجال مع مغناطيس 7 تسلا (تحتوي معظم أجهزة المسح في المستشفيات على مغناطيس يصل إلى 3 تسلا فقط).
ويشرح زو «على حد علمنا، هذه أول دراسة تستخدم التصوير بالرنين المغناطيسي فائق الدقة لدراسة تغيرات الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ بسبب الصداع النصفي، لا سيما في المساحات المحيطة بالأوعية. ونظرًا لأن 7T MRI قادرة على إنشاء صور للدماغ بدقة أعلى بكثير وجودة أفضل من أنواع التصوير بالرنين المغناطيسي الأخرى، يمكن استخدامها لإظهار التغييرات الصغيرة التي تحدث في أنسجة المخ بعد الصداع النصفي»؛ فقد كشفت عمليات المسح أن المساحات المحيطة بالأوعية الدموية في المنطقة الوسطى للمرضى الذين يعانون من الصداع النصفي قد اتسعت بشكل ملحوظ مقارنة بالمجموعة الضابطة.
كما وجد الباحثون أيضًا اختلافًا في توزيع نوع من الآفات المعروفة باسم فرط كثافة المادة البيضاء في مرضى الصداع النصفي؛ وهي تحدث بسبب بقع صغيرة من الأنسجة الميتة أو الميتة جزئيًا والتي تتضور جوعًا بسبب انخفاض تدفق الدم، وهي طبيعية جدًا. ولم يكن هناك فرق في تواتر هذه الآفات بين مرضى الصداع النصفي والمرضى الضابطين، لكن شدة الآفات العميقة لدى المصابين بالصداع النصفي كانت أعلى. فيما يعتقد الباحثون أن هذا يشير إلى أن توسيع المساحات المحيطة بالأوعية الدموية يمكن أن يؤدي إلى تطور مستقبلي لمزيد من آفات المادة البيضاء.
وعلى الرغم من أن طبيعة العلاقة بين تضخم المساحات المحيطة بالأوعية الدموية والصداع النصفي غير واضحة، فإن النتائج تشير إلى أن الصداع النصفي يأتي مع مشكلة في أنابيب الدماغ (الجهاز الجليمفاوي المسؤول عن التخلص من النفايات في الدماغ والجهاز العصبي يستخدم قنوات حول الأوعية الدموية للنقل).
ويخلص الباحثون الى ان هناك حاجة إلى مزيد من العمل لاستكشاف هذا الارتباط. وان حتى تحديده يعد أمرًا واعدًا. فيما يؤكد زو «انه يمكن أن تساعد نتائج دراستنا في إلهام دراسات مستقبلية واسعة النطاق لمواصلة التحقيق في كيفية مساهمة التغيرات في الأوعية الدقيقة للدماغ وإمدادات الدم في أنواع مختلفة من الصداع النصفي. وفي النهاية، يمكن أن يساعدنا هذا في تطوير طرق جديدة ومخصصة لتشخيص وعلاج الصداع النصفي».