هل يمكن للعالم التخلي عن النفط؟

قرارات وتحركات رسمية داخل وخارج «كوب 27» استبعدت الأمر

الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال افتتاح النسخة الثانية لمنتدى «السعودية الخضراء» في شرم الشيخ (الشرق الأوسط)
الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال افتتاح النسخة الثانية لمنتدى «السعودية الخضراء» في شرم الشيخ (الشرق الأوسط)
TT

هل يمكن للعالم التخلي عن النفط؟

الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال افتتاح النسخة الثانية لمنتدى «السعودية الخضراء» في شرم الشيخ (الشرق الأوسط)
الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال افتتاح النسخة الثانية لمنتدى «السعودية الخضراء» في شرم الشيخ (الشرق الأوسط)

كان المتابعون لقمة أطراف الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ (كوب 27) التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية، يترقبون، في وقتها الإضافي، تهديد دول الاتحاد الأوروبي بالانسحاب من القمة، تجنباً لإبرام ما وصفوه بـ«اتفاق سيئ»، ودعوتهم إلى ربط «إنشاء صندوق تمويل الخسائر والأضرار» بـ«التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري»؛ غير أن البيان الختامي جاء لاحقاً ليتضمن التوافق على إنشاء «الصندوق» دون ربط بملف «تخفيض الانبعاثات».
وتحدث خبراء ومسؤولون إلى «الشرق الأوسط»، عما وصفوه بـ«صعوبات وتناقضات» تواجه الدعوات الأوروبية والأميركية إلى التخلي عن إنتاج النفط في إطار أطروحاتهم لتخفيض الانبعاثات، وهو ما ترى الدول المنتجة للنفط أنه غير ممكن، ويمكن تقديم بدائل له تتمثل في «تعزيز المبادرات البيئية»، وإزالة الانبعاثات الكربونية، وصولاً إلى «الحياد الكربوني».
ويرى الدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن «تلويح الدول الأوروبية بالانسحاب من قمة (كوب 27)، ثم موافقتها على البيان من دون ربط صندوق التعويضات بتخفيض الانبعاثات، يكشف عن (ازدواجية في الموقف الأوروبي)»، وفق تقديره.
ووفق تقرير صادر، قبل أيام، عن «منتدى الطاقة الدولي»، فقد ارتفع الطلب على النفط عالمياً في سبتمبر (أيلول) من عام 2022، ليتجاوز مستويات سبتمبر 2019 (قبل وباء «كوفيد- 19»)، بنحو مليون برميل يومياً، وكان نمو الطلب مدفوعاً باستهلاك الديزل في الصين، والطلب على البنزين في الولايات المتحدة.
ويقول قنديل لـ«الشرق الأوسط»: «بالإضافة للأرقام التي تؤكد زيادة استهلاك النفط، فإن الأزمة الأوكرانية، واستخدام روسيا ورقة الطاقة للضغط على أوروبا، كشفا بوضوح عدم استعداد العالم للتخلي عن النفط، بما دفع دولاً غربية للعودة إلى استخدام الفحم، والتوجه للاستثمار في الطاقة بأفريقيا».
وتابع: «الأزمة الأخيرة بين أميركا والمملكة العربية السعودية، كان أساسها رغبة أميركية في زيادة إنتاج النفط، في حين كانت السعودية وغيرها من الدول المصدرة للنفط في منظمة (أوبك+)، ترى أن مصلحتها الاقتصادية تقتضي – حينها – تخفيض الإنتاج، وهو ما يكشف عن ازدواجية واضحة لدولة تطالب بزيادة إنتاج النفط، وفي نفس الوقت تدعو للتخلص التدريجي منه».
وعندما طرحت «الشرق الأوسط» هذه المفارقة على المتحدث باسم الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سام وربرغ، خلال حوار معه على هامش مشاركته في قمة «كوب 27»، قال: «نحن نعيش في تناقض، فنحن نعاني من التغيرات المناخية ونلمس آثارها، لكن في الوقت ذاته، كبشر لدينا احتياجات غذائية، ونريد أن نذهب لأعمالنا ونسافر إلى الخارج، وكل ذلك يعتمد على الوقود الأحفوري، فالعالم ليس مؤهلاً الآن للاستغناء عن الوقود الأحفوري، وقد أظهرت الحرب في أوكرانيا هذه الحقيقة، والأفكار التي تطالب بذلك، هي (أفكار متطرفة)، فلا يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن، رغم اهتمامه بمشكلة تغير المناخ، أن يأخذ قراراً مثل هذا يضر بالأنشطة الصناعية وقطاعات من العاملين في مهن تعتمد على الوقود الأحفوري، مثل سائقي الشاحنات مثلاً».
غير أن ما لم يذكره وربرغ، هو أنه «حتى مع زيادة الاستثمارات في الطاقات المتجددة، لن يستطيع العالم التخلص نهائياً من الوقود الأحفوري، بل إن استمرار الوقود الأحفوري، هو الضمان لوجود تمويل لهذه الطاقات المتجددة»، كما يقول ياسر مصطفى، الأستاذ بمعهد البترول المصري.
ويقول مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، إن «النشاط الاقتصادي قائم حالياً على الوقود الأحفوري، والعالم بحاجة لمزيد من النشاط لتجاوز أزمته المالية، لذلك فإن الوقت حالياً غير مناسب للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري؛ لأن استثمارات الطاقات المتجددة مكلفة للغاية». ولفت إلى أن «أي تخفيض غير محسوب في إنتاج الوقود الأحفوري، سيترتب عليه زيادة في الأسعار، وضرراً بالغاً للأنشطة الاقتصادية، سينعكس على مزيد من ارتفاع الأسعار، واضطرابات اقتصادية واجتماعية».
وكان المفاوض في وفد سلطنة عمان بقمة المناخ، إبراهيم العجمي، الذي يشغل منصب المشرف على أعمال الشؤون المناخية بهيئة البيئة بسلطنة عمان، أكد على هذه الرؤية التي يطرحها مصطفى، وقال في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، على هامش مشاركته في قمة المناخ، إن «أي تنمية مستدامة تقوم على 3 أضلاع: (بيئية – اقتصادية – اجتماعية)، فإذا ركزنا على البُعد البيئي تماماً، بالتخلي عن النفط، وأغفلنا الأبعاد الأخرى، فهذا من شأنه أن يُخلّ بالتوازن مع أضلاع التنمية المستدامة الأخرى، ويُلحق ضرراً بالأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على النفط، وبالتالي سيكون لذلك أبعاد اجتماعية بالغة الخطورة، تتعلق مثلاً بارتفاع معدلات البطالة».
وعودة إلى قنديل، الذي أشار إلى أن تحقيق التوازن الذي أشار إليه العجمي، وفي نفس الوقت اتخاذ ما يلزم للسيطرة على ظاهرة تغيرات المناخ، «يقتضي أن يكون تركيز العالم على تخفيض الانبعاثات، وليس تخفيض إنتاج النفط، وهي الرؤية التي أعلنت عنها دول الخليج بقمة المناخ».
وخلال إطلاق النسخة الثانية من «مبادرة السعودية الخضراء» في قمة «كوب 27»، تحدى الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، العالم بنجاح المملكة في بلوغ أهداف اتفاقية «باريس للمناخ»، دون التخلي عن إنتاج النفط، مطالباً العالم بأن يسائل المملكة سنوياً عن التزامها بهذا الهدف، كما قال إن السعودية ستسائل دول العالم عما يقدمونه، وقال: «نريد من الآخرين مضاهاتنا وتوجيه أموالهم لدعم القضايا التي يتشدقون بها».
وتسعى «مبادرة السعودية الخضراء»، التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان العام الماضي، إلى «إزالة الانبعاثات الكربونية في المملكة، والوصول لـ(الحياد الصفري) بحلول عام 2060، وذلك من خلال التوسع في زراعة الأشجار، وتنويع مصادر الطاقة، واستخدام تقنيات الاقتصاد الكربوني الدائري، الذي يحول المشكلة إلى فرصة».
وأعلن الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن السعودية ستبلغ أهدافها «عبر إطلاق مركز إقليمي للاقتصاد الكربوني الدوار في يناير (كانون الثاني) المقبل، والتخطيط لتوليد 50 في المائة من الكهرباء من الطاقة المتجددة، وقد تم بالفعل توليد 400 ميغاواط من الطاقة النظيفة، وساعد ذلك على تقليص الانبعاثات الكربونية بنحو مليون طن».
ومن جانبه، يرى مصطفى أن «هذا النهج العملي والواقعي» هو الأنسب للتعامل مع ظاهرة تغير المناخ؛ لأنه ليس من العدل مطالبة الدول العربية والأفريقية بالتخلص من النفط، في حين يُعد «هذا المصدر مهماً لتنميتها الاقتصادية».
وكانت قمة المناخ قد شهدت العديد من المبادرات التي تتعامل مع حلول الإبقاء على النفط مع تخفيض الانبعاثات، مثل مبادرة «أفريقيا لأسواق الكربون».


مقالات ذات صلة

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

يعمل الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على إعداد حزمة واسعة النطاق في مجال الطاقة، لطرحها خلال أيام من توليه المنصب.

الاقتصاد مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)

السعودية تنضم لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود

أعلنت وزارة الطاقة السعودية انضمام المملكة إلى مبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود، وذلك ضمن مساعي البلاد لدعم الجهود الدولية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد منتجات تابعة لـ«أسمنت الجوف» (حساب الشركة على «إكس»)

«أسمنت الجوف» السعودية و«أنجي» الفرنسية لبناء محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية 

وقّعت شركتا «أسمنت الجوف» السعودية و«أنجي» الفرنسية اتفاقية بناء محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في مدينة طريف (شمال المملكة)، وتشغيلها لمدة 25 سنة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مبنى «الشركة السعودية للكهرباء» (موقع الشركة)

«السعودية للكهرباء» توقع اتفاقيات شراء طاقة بـ4 مليارات دولار

وقّعت «الشركة السعودية للكهرباء» اتفاقيات شراء طاقة مع «الشركة السعودية لشراء الطاقة» (المشتري الرئيس)، بإجمالي 15 مليار ريال (4 مليارات دولار).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح «طاقة» في معرض «ويتيكس 2024» (منصة إكس)

تحالف يضم «طاقة» الإماراتية يبرم اتفاقيتين لبيع 3.6 غيغاواط من الكهرباء إلى السعودية

وقّع تحالف شركة «أبوظبي الوطنية للطاقة» (طاقة) اتفاقيتين لبيع الكهرباء لمدة 25 عاماً مع الشركة «السعودية لشراء الطاقة» الحكومية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

السعودية الأولى عربياً والـ20 عالمياً في مؤشر «البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة»

منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)
منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)
TT

السعودية الأولى عربياً والـ20 عالمياً في مؤشر «البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة»

منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)
منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)

حققت السعودية المركز الأول على المستوى العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمركز العشرين على المستوى العالمي، وذلك وفق مؤشر البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة «QI4SD» لعام 2024.

ويصدر المؤشر كل عامين من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «يونيدو»، حيث قفزت المملكة 25 مرتبة بالمقارنة مع المؤشر الذي صدر في عام 2022. وأوضح محافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة الدكتور سعد بن عثمان القصبي، أنّ نتائج المؤشر تعكس الجهود الوطنية التي تقوم بها المواصفات السعودية بالشراكة مع المركز السعودي للاعتماد، والجهات ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص، وذلك نتيجة الدعم غير المحدود الذي تحظى به منظومة الجودة من لدن القيادة الرشيدة لتحقيق مستهدفات «رؤية 2030»، وتعزز من مكانة المملكة عالمياً، وتسهم في بناء اقتصاد مزدهر وأكثر تنافسية.

وأشاد بتطور منظومة الجودة في المملكة، ودورها في تحسين جودة الحياة، والنمو الاقتصادي، ورفع كفاءة الأداء وتسهيل ممارسة الأعمال، مما أسهم في تقدم المملكة بالمؤشرات الدولية.

ويأتي تصنيف المملكة ضمن أفضل 20 دولة حول العالم ليؤكد التزامها في تطوير منظومة البنية التحتية للجودة، والارتقاء بتشريعاتها وتنظيماتها، حيث تشمل عناصر البنية التحتية للجودة التي يتم قياسها في هذا المؤشر: المواصفات، والقياس والمعايرة، والاعتماد، وتقويم المطابقة والسياسات الوطنية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية.