عودة «أزمة التأشيرات» بين الجزائر وفرنسا إلى الواجهة

عقب تصريحات ماكرون حول ترحيل المهاجرين

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
TT

عودة «أزمة التأشيرات» بين الجزائر وفرنسا إلى الواجهة

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)

بعد ظهور بوادر انفراجة في «ملف التأشيرة»، الصيف الماضي، الذي يشكل أزمة في العلاقات بين الجزائر وفرنسا، منذ أكثر من عام، عادت المشكلة إلى نقطة البداية، إثر تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يؤكد فيها إصرار حكومته على قرار التشدد في إصدار التأشيرات لكل رعايا الدول المغاربية.
وأكد ماكرون، أول من أمس، في تونس حيث شارك في «قمة الفرنكفونية»، أن عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين من فرنسا «أتت بنتائج إيجابية في الأشهر الماضية». وتحدث عن «تسهيلات» في هذا الجانب، في إشارة ضمنا، إلى أن قنصليات الجزائر وتونس والمغرب، فوق التراب الفرنسي، أظهرت تعاونا في مسألة إصدار تصاريح ترحيل المهاجرين السريين، التي كانت تطالب بها وزارة الداخلية العام الماضي.
وانتقد ماكرون العواصم الثلاث، بقوله إنه «غير مقبول هذا الرفض باستعادة المهاجرين السريين، خاصة أنهم متسببون في أنشطة غير مشروعة، وتم التثبت من أنهم مزعجون وخطرون على النظام العام»، وكان يشير ضمنا، إلى جرائم وقعت بفرنسا، الأشهر الماضية، منسوبة لمهاجرين من المغرب العربي، أبرزها قضية قتل الطفلة لولا بضواحي باريس، على يد مهاجرة جزائرية غير نظامية.
وأضاف ماكرون، في تصريحاته بتونس التي نقلها الإعلام الفرنسي، أن «الحساسية (بشأن الهجرة السرية) موجودة عند الطرفين، وفرنسا لها الحق أن تبدي تأثرها أيضا... أعتقد أنه، على الأقل، كان لنا نقاش مبني على الحقيقة، تم في الأشهر الماضية بشأن الفيزا»، وكان يقصد حسب مراقبين بالجزائر، الحديث الذي جمعه، حول القضية، مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال زيارته للجزائر نهاية أغسطس (آب) الماضي.
وتعاملت الجزائر، باستياء بالغ العام الماضي، مع قرار فرنسا تخفيض منح التأشيرات إلى النصف. وكان السبب، حسب وزير الداخلية جيرارد دارمانان، رفض القنصليات الجزائرية بفرنسا إصدار التراخيص التي تسمح بترحيل 7 آلاف مهاجر جزائري غير نظاميين، وشمل نفس القرار المغرب وتونس.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، رد تبون على دارمانان، بالإشارة إليه بـ«موسى»، قياسا إلى اسم جده الجزائري موسى، وأكد أن «الأمر يتعلق بكذبة كبيرة»، لافتاً إلى أن الجزائر تلقت 94 طلبا بالترحيل فقط، وأن 21 منها تمت الموافقة عليه. ولاحقا صرح دارمانان، أن الحكومة الفرنسية «تفضل الدبلوماسية والحوار لحل هذه المشكلة»، وأن الموضوع «محل تعاون دبلوماسي جيد جدا، كما هو محل تبادل معلومات». وقال أيضا إن فرنسا «تتحمل جزءا من المسؤولية بخصوص الأزمة التي أثارها المهاجرون غير النظاميين». وتابع: «أعتقد أنه أخطأنا نحن أيضا، عندما لا نستطيع تحديد الجنسيات (المعنيين بالترحيل)، كما أن الضغط عن طريق تخفيض عدد التأشيرات، ليس حلا فعالا».
وقالت مصادر مهتمة بالقضية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجزائر يستحيل أن تتسلم العدد الكبير من رعاياها المهاجرين غير النظاميين بفرنسا، كونها، حسب ذات المصادر، ليست متأكدة من أن جميعهم يحملون جنسيتها. كما أثارت الأجهزة الأمنية الجزائرية، وفق المصادر ذاتها، احتمال أن يكون من بينهم متطرفون. وصرحت رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن، عندما زارت الجزائر في أكتوبر الماضي، أن تخفيض حصة الجزائر من التأشيرات «قرار سيادي». مبرزة أن قنصليات فرنسا الثلاث بالجزائر، أصدرت 85 ألف تأشيرة منذ بداية العام 2022 إلى نهاية أغسطس من ذات العام. كما أكدت أن عدد التأشيرات التي حصل عليها طلاب الجامعات الجزائريون، ارتفع من 5200 عام 2019 إلى 7700 عام 2021 غير أن الجانب الجزائري لم يتوصل إلى حل لـ«أزمة التأشيرات» خلال زيارة بورن، واستمر الجفاء بين البلدين حول هذه المسألة، وكان أحد أسباب قرار الجزائر تأجيل مفاوضاتها مع باريس، حول إمدادها بالغاز لتعويض الغاز الروسي.


مقالات ذات صلة

القاهرة لإطلاع حفتر وصالح على نتائج زيارة شكري لتركيا

العالم العربي القاهرة لإطلاع حفتر وصالح على نتائج زيارة شكري لتركيا

القاهرة لإطلاع حفتر وصالح على نتائج زيارة شكري لتركيا

كشفت مصادر ليبية ومصرية متطابقة لـ«الشرق الأوسط» عن سلسلة اتصالات، ستجريها القاهرة مع السلطات في شرق ليبيا، بما في ذلك مجلس النواب و«الجيش الوطني»، لإطلاع المعنيين فيهما على نتائج زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا أخيراً. وأدرجت المصادر هذه الاتصالات «في إطار التنسيق والتشاور بين السلطات المصرية والسلطات في المنطقة الشرقية». ولم تحدد المصادر توقيت هذه الاتصالات، لكنها أوضحت أنها تشمل زيارة متوقعة إلى القاهرة، سيقوم بها عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، والمشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني». وكان خالد المشري رئيس المجلس الأعلى الدولة الليبي، ناقش مساء السبت مع وزير الخارجية ا

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي خطة حكومية عاجلة لوقف هجرة الأطباء الجزائريين إلى أوروبا

خطة حكومية عاجلة لوقف هجرة الأطباء الجزائريين إلى أوروبا

أعلنت الحكومة الجزائرية عن «خطة عاجلة» لوقف نزيف الأطباء الذين يهاجرون بكثرة، كل عام، إلى أوروبا وبخاصة فرنسا، بحثاً عن أجور عالية وعن ظروف جيدة لممارسة المهنة. وتفيد إحصاءات «مجلس أخلاقيات الطب»، بأن 15 ألف طبيب يشتغلون في المصحات الفرنسية حالياً، وقد درسوا الطب في مختلف التخصصات في الجزائر. ونزل موضوع «نزيف الأطباء» إلى البرلمان، من خلال مساءلة لوزير الصحة وإصلاح المستشفيات عبد الحق سايحي، حول ما إذا كانت الحكومة تبحث عن حل لهذه المشكلة التي تتعاظم من سنة لأخرى.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
العالم العربي تونس تتهيأ لاستقبال وزير الخارجية السوري تتويجاً لإعادة العلاقات

تونس تتهيأ لاستقبال وزير الخارجية السوري تتويجاً لإعادة العلاقات

يبدأ وزير الخارجية السوري فيصل المقداد اليوم زيارة إلى تونس تستمر حتى الأربعاء بدعوة من نظيره التونسي نبيل عمار، لإعلان استكمال المراحل المؤدية إلى إعادة العلاقات الثنائية بين البلدين، والبحث في كثير من الملفات الشائكة والعالقة على رأسها ملف الإرهاب، واستقبال الساحة السورية لآلاف من الشباب التونسيين المنضوين في صفوف التنظيمات الإرهابية. وأوردت مختلف وسائل الإعلام التونسي أخباراً حول الزيارة، وبقراءات عدة، من بينها التأكيد على أنها «ترجمة للتوازنات الجيوسياسية الإقليمية التي تعرفها المنطقة العربية، ومن بينها السعي نحو عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية». وكانت مؤسسة الرئاسة التونسية صورت عودة ا

المنجي السعيداني (تونس)
العالم العربي المغرب: دعوة لإسقاط مشروع قانون «اللجنة المؤقتة» لتسيير مجلس الصحافة

المغرب: دعوة لإسقاط مشروع قانون «اللجنة المؤقتة» لتسيير مجلس الصحافة

دعت «الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالمغرب» -أحد ممثلي ناشري الصحف في البلاد- أعضاء البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، إلى إسقاط مشروع قانون صادقت عليه الحكومة، يقضي بإنشاء لجنة مؤقتة لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» المنتهية ولايته، بدل إجراء انتخابات. وجاءت هذه الدعوة في وقت ينتظر فيه أن يشرع مجلس النواب في مناقشة المشروع قريباً. وذكر بيان لـ«الفيدرالية» مساء السبت، أنه تلقى «بارتياح، التصدي القوي والتلقائي لهذا المشروع من طرف الرأي العام المهني، والمجتمع المدني، وفاعلين جمعويين وسياسيين، وشخصيات مشهود لها بالنزاهة والكفاءة»، معتبراً: «إن هذا الموضوع لا يهم باستهداف منظمات مهن

«الشرق الأوسط» (الرباط)
العالم العربي باشاغا: ترشحي للرئاسة الليبية سيتحدد بعد صدور القوانين المنظمة للانتخابات

باشاغا: ترشحي للرئاسة الليبية سيتحدد بعد صدور القوانين المنظمة للانتخابات

قال فتحي باشاغا، رئيس حكومة «الاستقرار» الليبية، إنه باقٍ في منصبه «إلى أن تتفق الأطراف الليبية كافة على قوانين انتخابية يُرحب بها دولياً، والبدء في الإعلان عن مواعيد محددة للاستحقاق الانتخابي...

جاكلين زاهر (القاهرة)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».