ميا موتلي... «محامية الفقراء» تحلم بإنقاذ كوكب الأرض

ضمن أقوى 100 شخصية عالمياً ومرشحة لقيادة الأمم المتحدة

ميا موتلي... «محامية الفقراء» تحلم بإنقاذ كوكب الأرض
TT

ميا موتلي... «محامية الفقراء» تحلم بإنقاذ كوكب الأرض

ميا موتلي... «محامية الفقراء» تحلم بإنقاذ كوكب الأرض

عندما دُعيت ميا موتلي، رئيسة حكومة دولة باربادوس، لم يستوعب كثيرون من متابعي الجلسة الافتتاحية للقمة العالمية للمناخ (Cop27)، التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية، السبب وراء اعتلاء تلك السيدة التي لا تشغل منصباً دولياً رفيعاً ولا تقود دولة عظمى، منصة الحديث ضمن الجلسة الرئاسية، وفي مرتبة متقدمة على العديد من قادة العالم المتقدم والدول الكبرى الذين احتشدت بهم القاعة، وجلسوا ينتظرون دورهم في الحديث. لم تقتصر دهشة المتابعين على الترتيب المتقدم لكلمة موتلي، عقب الرئيس المصري باعتباره ممثل الدولة المستضيفة والأمين العام للأمم المتحدة منظمة الحدث، بل كان الأكثر إدهاشاً الإنصات التام الذي خيّم على القاعة إبان إلقاء تلك السياسية - المجهولة لمعظم المواطنين العرب - خطابها بصوت عميق ونبرات حادة وكلمات مختارة بعناية، لم تخل من انتقادات حادة للسياسات العالمية في التعامل مع الفقراء والدول النامية، وضمّنته بعض كلمات الأغاني الثورية والعبارات الشعرية. وبدا أن كثيرين يتساءلون عن سر قوة السيدة التي تقود باربادوس، الدولة - الجزيرة الصغيرة الواقعة بأقصى شرق البحر الكاريبي ولا يقطنها أكثر من 300 ألف مواطن. فما هو سر قوة تلك السيدة التي يبدي قادة العالم المتقدم في حضورها مظاهر التقدير البالغ، ويلتف حولها كثير من نشطاء قضية المناخ في العالم، ويُقال، إن طموحها السياسي يتجاوز ملف المناخ؛ إذ يرشحها لتصدر ترشيحات الشخصيات لقيادة الأمم المتحدة في عام 2026، عقب انتهاء الولاية الثانية لأنطونيو غوتيريش الأمين العام الحالي للمنظمة الأممية.

اسمها الكامل ميا أمور إرنست ديتون موتلي، ويُقال إنها استمدت جينات القوة والقدرة الفائقة على التفاوض العنيد من جدها إرنست (1907 - 1973) الذي كان سمساراً ناجحاً للعقارات، واستطاع أن يوظف قدراته التفاوضية الهائلة ليقتحم عالم السياسة في منتصف القرن الماضي. إلا أنه لم يكن يتصور أن حفيدته الصغيرة «ميا» ستكتب تاريخاً كبيراً لبلدها الصغير باربادوس، وستقود الجزيرة العائمة بين عالمين متباينين: القارة الأميركية المتقدمة في الشمال، ونظيرتها الجنوبية الغارقة في مشاكل جمة تبدو لصيقة بكل ما هو جنوبي في عالم اليوم.
- محامية ومعارضة عنيدة
اكتشفت ميا موتلي قوة شخصيتها منذ سنوات الطفولة، واختارت بعدما فرغت من دراستها في مدرسة الأمم المتحدة الدولية، أن تواصل مسارها في الحياة عبر دراسة القانون، وحصلت على شهادتها الجامعية من إحدى أعراق جامعات العالم... مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
كان القانون – وبالذات - حلمها الدائم في إرساء العدالة مفتاحها نحو عالم السياسة الذي ارتمت بين أمواجه لأكثر من ثلاثة عقود كاملة، شغلت فيها مناصب في الحكومة لم تتوفر لامرأة قبلها في باربادوس، التي اعتمدت تاريخياً كمستعمرة بريطانية على زراعة قصب السكر وتصدير منتجاته، وكانت ككل المستعمرات البريطانية رقماً هامشياً في دفاتر «الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس».
دخلت موتلي عالم السياسة الباربادوسية لأول مرة عام 1991 عندما خسرت الانتخابات بفارق أقل من 200 صوت عن منافسها، فانضمت إلى المعارضة بين عامي 1991 - 1994. غير أنها ذاقت طعم السلطة عندما فاز حزبها «حزب العمال الباربادوسي» بالانتخابات العامة عام 1994. وعُيِنت على الأثر وزيرة للتعليم وشؤون الشباب والثقافة، وأصبحت في سن التاسعة والعشرين واحدة من أصغر الباربادوسيين الذين تولّوا حقائب وزارية.
يومذاك اتخذت من قضايا التعليم ودعم الشباب والقضايا الاجتماعية كارتفاع معدلات العنف والسرقة وتدني جودة التعليم، ملفات حيوية في فترة وزارتها الأولى، وهو ما حشد لها دعماً شعبياً دفع بها نحو تولي مناصب أعلى، منها منصب النائب العام ووزيرة الداخلية في أغسطس (آب) 2001، لتغدو بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب في باربادوس. وبفضل كفاءاتها القانونية والتشريعية استحقت لقب «مستشار الملكة»، فقد كانت البلاد حتى ذلك الحين دولة تابعة للتاج البريطاني. ولكن بعد 20 سنة، قادت السيدة السمراء باربادوس لتكون آخر الخارجين من «عقد» الملكية البريطانية في عهد الملكة الراحلة إليزابيث الثانية.
لم تكن مسيرة موتلي طوال سنوات عملها السياسي سوى إضافات جديدة في سيرة ذاتية استثنائية. إذ شغلت مناصب رئيسة مجلس النواب وكانت عضواً في مجلس الأمن القومي ومجلس دفاع باربادوس ومجلس الملكة الخاص. يضاف إلى ذلك دورها الرائد في برنامج تحسين قطاع التعليم، الذي مثّل نقطة تحول حقيقية في تاريخ بلادها، وساهم في تحسن إسهام الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة للجزيرة الصغيرة، عبر الاستخدام واسع النطاق لتقنيات المعلومات والاتصالات للمساعدة في تحسين جودة عملية التعليم والتعلم. فلقد أسهمت رؤيتها «الثورية» في مجال التعليم باحتلال باربادوس المرتبة الـ51 من بين أغنى بلدان العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد. وهي اليوم تمتلك اقتصاداً مختلطاً متطوّراً ومستوى معيشة عالياً نسبياً، فوفقاً لبيانات البنك الدولي، تأتي بربادوس في المرتبة الـ66 من بين الاقتصادات الأعلى دخلاً في العالم.
- تحقيق حلم «الجمهورية»
ولأن أمواج السياسة لا تعرف استقراراً، عادت موتلي لصفوف المعارضة مجدداً، لكن هذه المرة من موقع القيادة. ومن ثم صارت أول امرأة تقود حزباً وأول امرأة معارضة في بلادها. وحينذاك، أقسمت كقائدة للمعارضة في 7 فبراير (شباط) من عام 2008 على أن يكون حزب «العمال» الذي تقوده معارضة قوية وموحّدة تحارب من أجل حقوق جميع المواطنين. وبالفعل قادت المعارضة مرتين في مجلس النواب: المرة الأولى بين عامي 2008 و2010 والثانية بين عامي 2013 و2018، إلى أن حقق حزبها العمالي بقيادتها انتصاراً تاريخياً ساحقاً في الانتخابات العامة التي أجريت في 24 مايو (أيار) عام 2018، باحتكاره جميع المقاعد الثلاثين في مجلس النواب.
وهكذا، أصبح الحزب الأول الذي يحقق مثل هذا الاكتساح في تاريخ البلاد، علماً بأنه حصد أيضاً 72.8 في المائة من الأصوات الشعبية، وهي أعلى نسبة يحققها حزب على الإطلاق في الانتخابات العامة.
في هذه الأثناء، ظل حلم موتلي القديم بتحويل بلادها إلى جمهورية حياً. وطبعاً أهلها تفويضها الشعبي الكاسح لتحقيق ذلك الحلم الذي عبّر عنه إيرول بارو، أول رئيس وزراء لباربادوس بعد حصولها على الاستقلال عام 1966، عندما قال «لا يجوز لباربادوس أن تظل تتسكع في المرحلة الاستعمارية». وهذا ما حصل، عندما قادت الزعيمة الطموحة بلادها، التي تشتهر بشواطئها الجميلة وبلعبة الكريكيت، وبتراث مزدوج يجمع بين التقاليد الإنجليزية العريقة والتراث الأفريقي الذي ينعكس في موسيقاها ورقصها، إلى ارتداء ثوب الجمهورية.
وفي الانتخابات العامة التي أجريت في 19 يناير (كانون الثاني) 2022، وهي الأولى في «العهد الجمهوري»، كرر حزب موتلي إنجازه التاريخي بحصوله على كل المقاعد للمرة الثانية، إلا أن الزعيمة التي جربت العمل في صفوف الحكومة والمعارضة على حد سواء، أصرت على ألا يكون غياب المعارضة في عهدها مبرراً لتغييب صوت القوى السياسية الأخرى، فحافظت على إرث سياسي منفتح. وراهناً، تخلو وسائل الإعلام في الجزيرة من الرقابة وسيطرة الدولة، فجميع الصحف مملوكة للقطاع الخاص، وثمة مزيج من المحطات الإذاعية الخاصة والعامة، وتدار المحطة التلفزيونية الوحيدة من قِبل هيئة الإذاعة الكاريبية المملوكة للحكومة، وتعرض مجموعة كبيرة من الآراء السياسية.
- قضية «حياة أو موت»
لم يكن ظهور ميا موتلي على الساحة الدولية وليد إنجازها المحلي، ونجاحها في قيادة تحول تاريخي لبلادها الصغيرة فحسب، بل لأنها أيضاً استطاعت أن تضع اسمها بين أكثر المؤثرين عالمياً في قضية باتت تشغل الاهتمام الدولي في العقود الأخيرة، وهي قضية المناخ.
وجاء اهتمام موتلي بتلك القضية نابعاً من انشغالها بمستقبل بلادها التي يهددها الخطر من كل اتجاه. فباربادوس تنجو أحياناً من أسوأ آثار العواصف الاستوائية والأعاصير خلال موسم الأمطار، حيث موقعها في أقصى شرق البحر الكاريبي يضعها خارج بؤرة الأعاصير الرئيسية. لكن ذلك لا يضمن لها البقاء بمأمن من تغيرات المناخ الصاخبة، وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، الأمر الذي يمثل بالنسبة لباربادوس قضية «حياة أو موت»، وهو التعبير الذي تحرص موتلي على ترديده في خطاباتها ذات النبرة القوية في منتديات المناخ.
ولعل الخطاب الذي ألقته موتلي أمام قمة غلاسغو للمناخ باسكوتلندا العام الماضي، هو ما لفت إليها الأنظار. إذ استحوذ خطابها القاسي أمام الجمهور الذي ضم الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، على اهتمام قادة العالم، وفيه حذرت من أن ارتفاع درجات الحرارة يشكل «عقوبة إعدام مخيفة» للدول الجُزرية من أنتيغوا وباربادوس إلى فيجي وجزر المالديف.
الخطاب الحماسي تصدّر عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، وبالنسبة لكثيرين كان بمثابة مقدمة للتعرف على شخصية موتلي، التي حازت في العام نفسه جائزة «أبطال الأرض» في فئة السياسات والقيادة هذا العام، وهي أعلى تكريم بيئي تمنحه الأمم المتحدة لمن يكون لأعمالهم تأثير جوهري على البيئة. وورد في حيثيات منح الجائزة، أن موتلي «أمضت سنوات في شن حملات ضد التلوث وتغير المناخ وإزالة الغابات؛ ما جعل بربادوس رائدة في الحركة البيئية العالمية».
- نضال بروح «بوب مارلي»
استفادت موتلي من شعبيتها، وفهمها الدقيق للتمويل الدولي، وقدرتها غير العادية على تلخيص القضايا الاقتصادية المعقدة بلغة واضحة لانتزاع إعجاب المشاركين، وبخاصة من الأجيال الشابة المتحمسة لقضايا المناخ، والأشد انتقاداً لتقاعس الدول المتقدمة عن التعاطي بجدية مع شواغل الدول الأقل نمواً. ولم تقتصر براعة موتلي الخطابية على قدراتها التبسيطية لقضايا بالغة التعقيد، بل استغلت أيضاً قوة الأغنية، فنسجت كلمات أشهر المغنين الكاريبيين، بما في ذلك الجامايكي الراحل بوب مارلي (أشهر مغني «ريغي» في العالم) في مناشداتها من أجل النضال الدولي لتحقيق المساواة العالمية وتوحيد القرار الإنساني. ونجحت، كما نجحت كلمات مارلي البسيطة والعميقة حول التمرد على الظلم، ودعم العدالة والحرية والسلام، ومحاربة الفقر، ونشر الحب بكل أنواعه، أن تجذب لفنه الملايين من كل الأجناس والأعراق.
لقد استطاعت دعوة موتلي البيئية تحويلها من قائدة لدولة جُزرية صغيرة إلى قوة عالمية معنية بتغير المناخ. وهو ما دفع اسمها لتصدر الترشيحات لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2026، كأول امرأة يمكن أن تتولى منصب الأمين العام. ويذكر أن مجلة «تايم» الأميركية الشهيرة اختارتها ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم للعام 2022، إلى جانب الرؤساء جو بايدن وفلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي. وثمة اعتراف بين الساسة حالياً بأنها بلغت مستويات عالية من الشهرة والتأثير عالمياً، لدرجة أنه بات من المفيد للقادة الظهور إلى جوارها حتى وإن لم يشاركوها الاتفاق في رؤيتها العالمية. ويدلل أصحاب هذا الرأي على هذا، بأنه رغم معارضة الرئيس الأميركي بايدن، في قمة المناخ العام الماضي، للمقترحات التي تدعمها موتلي لتحميل الدول ذات الدخل المرتفع المسؤولية عن الدمار الناجم عن تغيرات المناخ، فإنه أمسك بيدها أثناء سيرهما معاً؛ الأمر الذي كان له وقع خاص على المهتمين بقضايا المناخ في العالم.
- أكبر من قضية مناخ
الواقع، أن نضال موتلي من أجل العدالة العالمية، يتجاوز في شموله وعمقه قضية المناخ. وحقاً، عبرت موتلي (57 سنة) عن تلك الرؤية بوضوح في «COP27»، عندما دعت إلى إعادة النظر في النظام المالي الذي وُلد في بريتون وودز (الولايات المتحدة) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وحثت المانحين والبنوك إعطاء الأولوية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومساعدة البلدان الأكثر تضرراً من الانحباس الحراري على امتصاص الصدمات.
وفي كلمتها أمام قمة شرم الشيخ، طرحت موتلي تساؤلاً منتقداً للسياسات المالية العالمية عندما قالت «كم من الدول ننتظر أن تخفق وتتردى لمعاناتها من تبعات الحرب والتضخم، والعجز عن التصدي للتحديات المرتبطة بإيجاد الموارد المالية لتمويل مشاريع لبلوغ صافي صفر من الانبعاثات، خاصة في ظل أن دول الشمال تقترض بفائدة تتراوح بين 1 و4 في المائة، بينما تقترض دول الجنوب بفائدة 14 في المائة، أين الشراكات؟ ولماذا لا تنجح؟».
ومن ثم، أكدت الزعيمة الباربادوسية على ضرورة الالتزام بإطلاق العنان للتمويل الميسّر والتمييزي للبلدان الهشة والنامية، فلا فرصة لهم في الارتقاء دون هذا التمويل التمييزي، كما تحدثت عن الخسائر والأضرار المناخية التي تمس الدول النامية.


مقالات ذات صلة

تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

الاقتصاد فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

توقع تقرير أممي جديد أن يرتفع معدل الفقر في دولة فلسطين إلى 74.3 في المائة في عام 2024، ليشمل 4.1 مليون من المواطنين.

«الشرق الأوسط» (عمان)
الاقتصاد أطفال ينتظرون الغداء في كوخهم بصنعاء (رويترز)

البنك الدولي: 26 من أفقر الدول تعاني ديوناً غير مسبوقة منذ 2006

أظهر تقرير جديد للبنك الدولي أن أفقر 26 دولة بالعالم، التي تضم 40 في المائة من أكثر الناس فقراً، تعاني أعباء ديون غير مسبوقة منذ عام 2006.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا لاجئ أفغاني يحمل لافتة خلال احتجاج أمام مكتب الأمم المتحدة في جاكرتا بإندونيسيا الاثنين (إ.ب.أ)

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم... أفغانستان تعاني الفقر

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم، تعاني أفغانستان ركوداً اقتصادياً كاملاً، فيما يغرق سكانها في الفقر وسط أزمة إنسانية متفاقمة.

«الشرق الأوسط» (كابل)
الاقتصاد واحد من كل خمسة في أفريقيا يعاني من الجوع (فاو)

عدد الجياع في العالم يواصل ارتفاعه مع تفاقم الأزمات العالمية

نحو 733 مليون شخص واجهوا الجوع في العام الماضي، أي ما يعادل واحداً من كل أحد عشر شخصاً على مستوى العالم، وواحداً من كل خمسة في أفريقيا.

هلا صغبيني (الرياض)
أفريقيا رجال شرطة نيجيرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها على سحب قوتها العسكرية من النيجر (إ.ب.أ)

جيش النيجر يعلن مقتل 7 مدنيين في هجوم شنه «إرهابيون»

قُتل سبعة مدنيين هذا الأسبوع على يد «إرهابيين» في قرية بمنطقة تيلابيري في غرب النيجر، قرب بوركينا فاسو، حسبما أعلن الجيش الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (نيامي (النيجر))

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.