الاقتصاد قوام اللغات

TT

الاقتصاد قوام اللغات

يقترن تناولُ موضوع اللغة بالثقافة عادةً، وهو اقتران طبيعي باعتبار أن اللغة هي مكونٌ من مكونات الثقافة ومقوم من مقوماتها. بل إن اللغة هي محدد من محددات البناء الرمزي لهوية أي مجتمع.
وتاريخياً الحضارة الأكثر صيتاً واتساعاً وشيوعاً تمتلك أكثر من غيرها من الحضارات قدرة على جعل لغتها تهيمن على العالم. ولا تنسى في ذات السياق أن القيمة العالمية لأي لغة إنما تقدَّر بعدد الناطقين بها.
إنَّ مقاربة اللغة اليوم هي أبعد من أن تكون مقاربة لغوية أنثروبولوجية محضة كما كانت. ففي التاريخ الثقافي للشعوب كانت اللغات تندرج ضمن التنوع الثقافي للإنسانية وتعد اللغة من مكونات الهوية، التي تحرص أي أمة على المحافظة عليها من الذوبان والانصهار والتلاشي.
أما اليوم فالأمر عرف تغييرات في المقاربة، إذ إنَّ الصلة بين مكانة اللغة في العالم وقيمة الاقتصاد قوية جداً. مع العلم أنه ولعقود طويلة ارتبطت اللغة بالعلم، بمعنى أن الذي يبتكر أكثر تهيمن لغته على العالم أكثر من غيره.
طبعاً الفصل بين العلم والاقتصاد في هذا السياق صعب، لأن الاقتصاديات الكبرى المهيمنة في العالم اليوم تكتسب قوتها من أهميتها في مجال العلوم التجريبية والابتكار والاختراع. ومن ثم فإنَّ اللغة التي تعرف سنداً اقتصادياً قوياً هي أفضل من غيرها من اللغات في هذا الجانب. وإذ نركز على التدقيق في هذا البعد تحديداً فلكي نؤكد ضمنياً أيضاً أنْ لا تفاضلية بين اللغات والثقافات، كما تؤكد مضامين حقوق الإنسان والدراسات الأنثروبولوجية، ولكن الفارق يبدأ عندما يدعم الاقتصاد بصيته وابتكاراته وأسواقه ومناخ الأعمال فيه وسبل تحقيق أحلام الثروة فيه، ساعتها تكتسي اللغة أهمية مخصوصة وتصبح عنصراً من عناصر القوة ذاتها يستفيد منها الاقتصاد ليكسب عدد أكبر من الناطقين.
إذن قوة اللغة من قوة الاقتصاد وانتشارها من انتشار السلع، والمنتجات، والأجهزة، والاختراعات. بمعنى آخر يصبح الاقتصاد مصدرَ جذبٍ للغة الصانعة للاقتصاد القوي.
وهنا يمكننا طرح سؤال بسيط: هل اللغة تسهم في صياغة اقتصادنا؟
أظن أنَّ الجواب هو نعم.
فاللغة كما نعلم هي حاملة لنظرة الناطقين بها للعالم بشكل عام.
كما أنَّ الحديث عن الناطقين بلغة ما لا يعني أنَ اللغة لا تتعدى النطق والكلام، بقدر ما هي نظام تفكير ورؤية وتصور وتمثلات وحتى سلوك أيضاً، لأنَّ اللغة فعل في العالم كذلك.
من هذا المنطلق نفهم علاقة اللغة الإنجليزية بالعلم، ونفهم أكثر لماذا بريطانيا كانت مهد الثورة الصناعية، وكيف أنَّ اللغة كانت رافعة وداعمة لظهور الحركة العلمية.
وكلما كانت اللغة أكثر دقة وعلاقة بالعالم المحسوس، فإن أهلها كانوا إلى العلم أقرب.
وليس سراً القول أيضاً إنَّ اللغة هي مرآة العقلية، ومن خلالها يمكن التلصص على الخيال وأنظمة التفكير، وبواسطة هذه المرآة يمكن تحديد إلى أي مدى يمكن لمجتمع ما أن يقدم اقتصاداً قوياً ومتحركاً. فاللغة التي تعكس دقة الناطقين بها وتكشف عن تنشئة تقوم على التعويل على الذات والاستقلالية والإبداع والثقة بالذات المتوازنة والمؤمنة بالعمل، هي التي تنتج مجتمعات تعيش في اقتصاديات خالقة للثروة ومشبعة لتوقعات الناس.
ما الذي جرَّنا للحديث عن اللغة والاقتصاد؟
اليوم القمة الـ18 للمنظمة الفرنكفونية العريقة جداً والتي يبلغ عمرها الآن أكثر من نصف قرن باعتبار أنها تأسست عام 1970، وتضم قرابة 80 دولة عموماً. ولعلَّ عقد هذه الدورة الـ18 اليوم في تونس، وتحديداً في جزيرة جربة الساحرة بجمالها وثقافتها، مناسبة جيدة لإثارة العلاقة بين نشر اللغة اليوم وبين ما يمكن أن يجمع بين الدول الفرنكفونية من مشاريع اقتصادية وبرامج تعاون كبيرة وقوية، تفتح الآفاق وتلبّي حاجات اقتصادية ومالية مهمة.
فالمنظمة التقت حول لغة هي اللغة الفرنسية، ومستقبل هذه اللغة هو في ارتباط وثيق وعضوي بما يمكن أن توفره هذه اللغة من آفاق تعاون ومصالح بين الدول الناطقة بها. لذلك يبدو لنا أنَّ اختيار تخصيص منتدى اقتصادي في فعاليّات القمة يحضره القادة الفرنكفونيون هو اختيار موفق من ناحيتين: الناحية الأولى تتمثل في أنَّ الاقتصاد هو ما يجمع بين كل أشكال التكتلات، سواء القائمة على الانتماء إلى قارة واحدة أو إلى دين واحد أو لغة واحدة أو جغرافيا واحدة... أما الآخر فإنَّ الرسالة هي أنَّ كل أنواع التكتلات تحيا وتزدهر وتصبح قوية وأكثر قوة عندما تقوم على المصالح الحيوية، والاقتصاد أهم مصلحة للعلاقات والتبادلات.
فالاقتصاد قوامُ اللغات وكل شيء.



ميقاتي في دمشق… مدشناً العلاقة الرسمية مع القيادة الجديدة

رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)
رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)
TT

ميقاتي في دمشق… مدشناً العلاقة الرسمية مع القيادة الجديدة

رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)
رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

يتوجّه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى دمشق، السبت، للقاء قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، في أول زيارة رسمية منذ تولي القيادة الجديدة السلطة في سوريا، بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وأفاد مكتب رئاسة الحكومة بأن ميقاتي سيقوم بزيارة، السبت، إلى سوريا؛ تلبية لدعوة من قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع. وستكون زيارة ميقاتي الأولى لمسؤول لبناني منذ سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد زيارة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.

وكان ميقاتي قد تحادث هاتفياً مع الشرع، في 3 يناير (كانون الثاني) الحالي، بُعَيد فرض السلطات السورية الجديدة قيوداً على دخول اللبنانيين سوريا، بعد حوادث وقعت بين مسلحين سوريين والجيش اللبناني عند الحدود اللبنانية السورية. وبعدما كان يُسمح للبنانيين بدخول سوريا دون تأشيرة مع جواز السفر أو بطاقة الهوية فقط، منعت الشروط الجديدة الدخول إلا لمن يملك إقامة أو إذناً خاصاً أو لمَن والدته أو زوجته من الجنسية السورية.

وكان الشرع قد أكد أن بلاده لن تمارس بعد الآن «تدخلاً سلبياً» في لبنان، وأنه سيحترم سيادة الدولة المجاورة.

وبسطت سوريا، على مدى ثلاثة عقود، سلطتها سياسياً وعسكرياً على لبنان، حيث تدخلت، خلال الحرب الأهلية التي دارت بين عاميْ 1975 و1990، ونسب إليها اغتيال عدد من الشخصيات السياسية؛ بينهم رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، حيث سحبت قواتها من لبنان، بعد اغتياله عام 2005، تحت ضغط دولي.

زعيم «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع خلال اجتماع في دمشق (إ.ب.أ)

ومن المتوقع أن تفتح زيارة ميقاتي لسوريا مساراً جديداً من العلاقات بين البلدين، وتصحيحاً أو تعديلاً للاتفاقات بينهما، حيث يوجد 42 اتفاقية موقَّعة بين لبنان وسوريا، معظمها، بعد عام 1990، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ، وإن ما نفذ كان لصالح الدولة السورية. وأبرز هذه الاتفاقيات «معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق»، و«اتفاقية الدفاع والأمن»، و«اتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي»، و«اتفاق نقل الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية».