بعد سنوات من «التباعد» الذي يجمع الطرفين على عدم وجود مبررات له، ومع تفاقم أزمة الطاقة العالمية وازدياد شهية الدول الصناعية على المواد الخام النادرة، تعود الحرارة إلى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية، تمهيداً لتحويلها إلى شراكة استراتيجية واسعة في النصف من السنة المقبلة، عندما تتولى إسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.
وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية إن القمة الأخيرة التي استضافتها الأرجنتين بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، كانت أقرب ما تكون إلى «ورشة عمل مكثفة وضعت الإطار العام لهذه الشراكة ومضامينها الرئيسية، وأنها باتت جاهزة للانطلاق في غضون أشهر قليلة».
ولا شك في أن الحرب الدائرة في أوكرانيا، وما نشأ عنها من تداعيات على صعيد إمدادات الطاقة إلى أوروبا وتفاقم أزمة الغذاء العالمية التي يرى فيها الاتحاد الأوروبي مصدر تهديد لاستقراره الأمني والاجتماعي بسبب تأثيرها المباشر على أزمة الهجرة، ازداد اهتمام الأوروبيين في شبه القارة الأميركية اللاتينية التي تزخر بموارد ضخمة من الطاقة والموارد المعدنية، ولا تعاني من نزاعات مسلحة.
يقول مسؤول دبلوماسي إسباني رفيع في حديث مع «الشرق الأوسط» إن منطقة أميركا اللاتينية هي الأكثر تطابقاً وانسجاماً مع بلدان الاتحاد الأوروبي. ويضيف: «يتحدثون لغاتنا، لأن قسماً لا يستهان به من سكانها ينحدرون من القارة الأوروبية، ولأن أعداداً كبيرة من الأميركيين اللاتينيين انتقلت إلى أوروبا في العقود الأخيرة، ولأننا نتقاسم نفس القيم والتقاليد الاجتماعية الأساسية، وهذا أمر على جانب كبير من الأهمية في الوقت الراهن، فضلاً عن أن الطرفين يؤمنان بالنظام الدولي المتعدد الأطراف والشرعية الدولية وعدم اللجوء إلى القوة أو الحرب لتسوية الخلافات والنزاعات».
ويعترف ممثل الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية جوزيب بوريل بأن تجدد الاهتمام الأوروبي بأميركا اللاتينية في هذه المرحلة بالذات، يبدو نتيجة للاحتياجات الأوروبية التي فرضتها الحرب في أوكرانيا وما نشأ عنها من أزمات وما طرحته من تحديات، «لكنها ليست كذلك، لأن فكرة عدم كفاية الاهتمام بالعلاقات مع أميركا اللاتينية والكاريبي تتبلور منذ فترة وتترسخ في دوائر الاتحاد، ويزداد العزم على تصويب هذا الخطأ». ويتوقع بوريل أن السنة المقبلة ستكون سنة أميركا اللاتينية في أوروبا، وأوروبا في أميركا اللاتينية.
وكان الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز قد صرح مؤخراً خلال افتتاح القمة بين أميركا اللاتينية والاتحاد الأوروبي، بأن الاهتمام مشترك بتفعيل هذه العلاقة وتعميقها على أوسع نطاق ممكن، لكنه طالب الدول الأوروبية بأن تدرك جيداً حاجة البلدان الأميركية اللاتينية لضمان الأمن الغذائي وأمن الطاقة لسكانها، والحصول على التكنولوجيا الأوروبية المتطورة التي تساعد على تنمية وتحديث الإنتاج الصناعي في المنطقة. وقال فرنانديز: «في بلدان الشمال يتراشقون بالصواريخ الحديثة، لكن بلدان الجنوب تتضور جوعاً. هناك يتنافسون على مصادر الغاز والنفط، وهنا تنقصنا الطاقة اللازمة للتنمية ومواكبة العصر».
وعن الشوائب التي تعكر العلاقات بين الطرفين من حين لآخر، مثل انتهاكات حقوق الإنسان في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، قال بوريل إنه من غير الممكن أن يتفق الطرفان على كل شيء، لكنه دافع عن العقوبات الأوروبية المفروضة على نيكاراغوا «لأنها لا تؤثر على المواطنين، بعكس الحصار المفروض على كوبا الذي يعترض عليه الاتحاد الأوروبي». وتجدر الإشارة إلى أن نيكاراغوا كانت قد أقدمت مؤخراً على طرد سفراء الاتحاد الأوروبي بعد ارتفاع حدة التوتر بين الطرفين.
ويعقد الأوروبيون آمالاً كبيرة على عودة لولا إلى رئاسة الجمهورية البرازيلية لتنشيط العلاقات مع هذه المنطقة التي تشكل فيها البرازيل القاطرة الاقتصادية الأساسية.
«أوكرانيا» تحيي الاهتمام الأوروبي بالعلاقات مع أميركا اللاتينية
التحضير لشراكة استراتيجية واسعة بين الطرفين خلال شهور
«أوكرانيا» تحيي الاهتمام الأوروبي بالعلاقات مع أميركا اللاتينية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة