عزز الإعلان رسمياً عن استضافة القاهرة أول اجتماعات اللجنة الاستشارية الأميركية - الروسية بشأن «معاهدة ستارت» للأسلحة النووية بعد الأزمة الأوكرانية، من مكاسب دبلوماسية عربية حققتها عواصم رئيسية على الصعيد الدولي، وهو ما عزاه مراقبون إلى «نهج متوازن» اتخذته السياسة العربية من قضايا دولية ساخنة خلال الآونة الأخيرة، فضلاً عن «فقدان عدة قوى أوروبية اشتهرت بحيادها السياسي لسمعتها التاريخية»، بعد اتخاذها مواقف «منحازة»، لا سيما في الصراع الروسي - الأوكراني الراهن.
وتزامن إعلان روسي على لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، وآخر أميركي للمتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، مع تأكيد استضافة العاصمة المصرية اجتماعات اللجنة الاستشارية الثنائية «من أجل تلاشي أي تطور نووي في الأزمة الأوكرانية - الروسية».
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوى قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» قبل عدة أيام أنباء استضافة القاهرة للمباحثات النووية الأميركية - الروسية، وأشارت إلى أنها «المرة الأولى التي تستضيف فيها مدينة غير أوروبية هذا النوع من الاجتماعات».
وعدّ مراقبون النجاحات الدبلوماسية التي حققتها المملكة العربية السعودية، ومصر والإمارات خلال الآونة الأخيرة، بمثابة «اختراق مهم وتكريس لدور ناجح لوساطات عربية فاعلة» في أزمات عالمية شائكة، مؤكدين أن هذه النجاحات تفتح الطريق أمام أدوار أكثر تقدماً مستقبلاً، وفي ملفات أكثر تعقيداً.
وحققت المملكة العربية السعودية نصراً دبلوماسياً في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما نجحت مبادرة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بالإفراج عن 10 أسرى من مواطني المغرب والولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وكرواتيا، في إطار عملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا.
ولاقى النجاح السعودي إشادات دولية رفيعة المستوى، إذ وجّه البيت الأبيض الشكر إلى ولي العهد السعودي على صفقة تبادل الأسرى التي أبرمتها كييف مع موسكو بوساطة من الرياض، وأطلقت بموجبها روسيا سراح عشرة أسرى حرب بينهم أميركيان.
كما رحبت المملكة المتحدة بعودة خمسة من مواطنيها كانوا محتجزين في شرق أوكرانيا، وذلك في إطار عملية تبادل الأسرى، وأعربت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، ليز تراس، عن شكرها للسعودية.
ويعتقد اللواء دكتور محمد الحربي، المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي السعودي، أن نجاح الدبلوماسية العربية في ملفات دولية بالغة الصعوبة، «لم يكن ليتحقق لولا ترتيب البيت العربي الداخلي في المقام الأول، وتنسيق العمل العربي المشترك بين القوى المحورية في هذا العمل».
ورأى الحربي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن قمة العلا الخليجية التي شاركت فيها مصر، كان لها أثر بالغ في تنسيق المواقف العربية، وإطلاق نواة لتكتل عربي فاعل تمثل في تكتل (6+3)، والذي يضم الدول الخليجية الست، إضافة إلى مصر والأردن والعراق، وهو ما أسهم بشكل ملحوظ في تعزيز القدرة العربية على مواكبة المتغيرات، والإسهام بجهد نشط في الأزمات المتلاحقة التي يمر بها العالم في هذه الفترة الصعبة.
ويضيف أن «اتجاه القوى العربية الرئيسية نحو التنوع والتوازن والاعتدال في علاقاتهم مع العالم، كان له أكبر الأثر في تعزيز دورهم الدولي، وتأكيد قدرتهم على الإسهام بدبلوماسية نشطة في الكثير من الأزمات الدولية».
ويؤكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن النجاحات التي حققتها الدول العربية الرئيسية مثل السعودية ومصر والإمارات، ويمكن أن نضيف إليها الأردن، خلال الآونة الأخيرة في أزمات دولية محتدمة تؤكد أن القوى العربية تمتلك من الأدوات ما يمكّنها من لعب أدوار أكبر وأكثر عمقاً على الساحة الدولية.
ويضيف فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن الحضور الدولي اللافت لمصر في قمة الأمم المتحدة للمناخ (cop27)، واستضافتها نهاية الشهر اجتماعات اتفاقية «ستارت» بين موسكو وواشنطن، وكذلك الحضور السعودي المميز لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قمة العشرين، واستضافة الإمارات لقمة المناخ المقبلة، عكست جميعاً حجم ما باتت تتمتع به عواصم عربية فاعلة من ثقة على المستوى الدولي، وقدرات مستقبلية للإسهام بجهد أكبر في ظل نظام عالمي يعاني من حالة سيولة واضحة ويُعاد تشكيله الآن، وهو ما يضفي مزيداً من الأهمية على الأدوار العربية لحجز موقع متقدم في أي ترتيبات أمنية واستراتيجية مستقبلية، يجري التباحث بشأنها حالياً بين القوى الكبرى في العالم.
ويتابع أستاذ العلوم السياسية القول إن «هناك حاجة عالمية في ظل الأزمات الشائكة التي يواجهها العالم حالياً، لوجود أدوار متوازنة وحيادية ويمكن التعويل عليها، لا سيما في ظل حالة الارتباك السياسي والتعثر والتشكك في التحالفات التي تعانيها دول أوروبية عدة، وبالتالي تستطيع القوى العربية الرئيسية، التي يمكن تصنيفها ضمن الفاعلين الصاعدين الجدد على مسرح السياسة الدولية، أن يقدموا أدواراً ملموسة في تهدئة واحتواء صراعات دولية محتدمة، وهو ما يسهم في مساعي إرساء الاستقرار إقليمياً ودولياً».
ويرى الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية، المدير السابق لمعهد البحوث والدراسات العربية، أن النشاط المتسارع للدبلوماسية العربية على الساحة الدولية، «يعكس تقديراً واضحاً لمواقف متوازنة أبدتها السياسة العربية خلال الفترة الأخيرة، في ظل استقطابات دولية واسعة وانقسامات حادة في المواقف، وبالتالي بات الحفاظ على مبدأ (الحياد الإيجابي) مسألة بالغة الصعوبة في بيئة دولية تهيمن عليها الصراعات».
ويضرب يوسف في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» مثالاً بالكثير من المدن الأوروبية التي اشتهرت تاريخياً بالحياد وعدم الانحياز لأطراف الصراعات الدولية، ومنها مدينة جنيف السويسرية، التي كانت عنواناً للحياد وعدم الانخراط في أزمات دولية، لكنّ ذلك تغيَّر في الأزمة الروسية - الأوكرانية الأخيرة، إذ وافقت سويسرا على تطبيق العقوبات الغربية ضد روسيا، وهو ما أفقدها دورها كوسيط مقبول بين قوى التنافس العالمي، وفتح المجال أمام الالتفات لأدوار سياسية مهمة لعواصم يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في هذا الصدد، ومنها القاهرة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك أدوار لا تقل أهمية قدّمتها الرياض وأبوظبي، فإنه يمكن الحديث عن تحرك عربي فاعل، مرشَّح للتنامي خلال الفترة المقبلة.
ويُعرب يوسف عن أمله في أن تقدم الدول العربية الرئيسية، وبمعاونة جامعة الدول العربية نوعاً من «الدبلوماسية الجماعية»، وهو ما يعتقد أنه سيعزز الحضور العربي على الساحة الدولية كوسيط موثوق، ويتمتع بالجدارة والفاعلية في نزع فتيل الكثير من الأزمات المحتدمة والصراعات المسلحة.
عواصم عربية تعزز دورها كـ«وسيط موثوق» بالأزمات الدولية
بعد نجاح الرياض في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا... واستضافة القاهرة لـ«نيو ستارت»
عواصم عربية تعزز دورها كـ«وسيط موثوق» بالأزمات الدولية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة